الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تردد العقلية العربية بين قوتي جذب العبودية والحرية

خالد يونس خالد

2003 / 3 / 28
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


        

                                                               - السويد

بلغت العقلية العربية في العصر الحاضر مرحلة الإستسلام القومي والوطني إلى درجة يجد العربي نفسه غريبا عن وطنه ، يهرب من نفسه ، ثم يرجع إليها صاغرا ، ثم يعيد إليها ثم يثور ويتوقد كالجمر تاركا وراءه رمادا فيسكن إلى نفسه ويهدأ.
   يعيش العالم العربي اليوم مرحلة الإستسلام القومي والوطني بالتراجع عن القومية والوطنية كليا للإنخراط في سلك الجندية تحت مظلة أمريكية ، أو يتوجه نحو التطرف القومي أو الديني لممارسة العنف ليثأر من النظام الذي يضطهده أو من الظلم الذي يعانيه من الإحتلال والإستعمار. وفي كلتا الحالتين يجد الفرد نفسه في معسكر يكون الأبرياء ضحايا ، ويكون هو بعيدا عن تحقيق طموحات الذات ، والطموحات الوطنية ، لسبب بسيط وهو أن المعسكرين يقفان ضد بعضهما البعض ويتقاتلان لتصفية بعضهما البعض ، والنتيجة هي هزيمة الذات العربية. فسواء قّتل العربي في سلك الجندية الأمريكية أو قُتل العربي القومي والإسلامي المتطرف فإن الرابح هو العدو.
   العقلية العربية في العالم المعاصر تتقبل الإستعمار لسبب بسيط ، وهو أن أكثر الأنظمة التي تحكم العالم العربي أنظمة غير ديمقراطية ، وهم في الأساس موظفون لدى الإدارة الأمريكية. والإستعمار بالمفهوم المعاصر هو ماله من قدرة لإحتلال العقل الإنساني المهيأ لتقبله. ومن العرب قوم يتوجه نحو الأجنبي لحماية نفسه من العربي. فبعد غزو القوات العراقية للكويت ، وتأييد أنظمة وقوى عربية كاليمن والأردن والفلسطينيين لذلك الإحتلال البغيض ، سقط العرب إلى الحضيض. وهنا بدأ العقل العربي يتراوح بين العبورية والحرية ، ووجد العربي نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما ، وهو خيار تقبل القواعد الأمريكية ومراكز التجسس الأمريكية لتحريره من الإحتلال العراقي أو خيار قبول الذل والإستعباد للغزو العراقي. وفي هذا الوضع فالعرب هي الأمة الوحيدة التي تدفع مصروفات عبوديتها للأجنبي. فتحرير الكويت كلفت العرب مئات المليارات من الدولارات.
    الإشكالية الثانية هي عجز العقلية العربية في إيجاد أي حل لمشكلاتها الأثنية في العراق والسودان والمغرب وسوريا ووو. وهنا نأخذ قضية العراق بإعتبارها محورية وقضية الساعة. أين كانت الأمة العربية حين ضرب صدام حسين الكرد والشيعة في الجنوب بالأسلحة الكيمياوية؟ أين كان العرب والمسلمون حين حاول نظام صدام حسين محو الشخصية القومية للشعب الكردي والأقليات القومية والدينية العراقية من أيزيديين كرد وتركمان وأرمن وأشوريين وسريان وكلدان ومسيحيين آخرين؟ لماذا عجزت العقلية العربية إستيعاب أسباب عدوان النظام العراقي بحق مواطنيه حتى شمل ذلك العدوان الكويت؟ ألم تكن دولة الكويت نفسها تدعم النظام العراقي لضرب الكرد والشيعة والأحزاب السياسية المعارضة حتى شملت الكويت أيضا؟
   إستيقظ العرب متأخرين حتى وقعوا في الفخ الأمريكي. ولو لم يجد مجلس الأمن بدعم الغرب منطقة أمنة للكرد في كردستان ، وللشيعة في الجنوب لكانت تحدث كارثة إنسانية لا مثيل لها حين حاول صدام طردهم إلى تركيا وإيران والسعودية. وحتى هذه الفترة كان العقل العربي غائبا يتفرج محاولات النظام العراقي لتصفية الكرد والشيعة عام 1991 بعد عاصفة الصحراء وتحرير الكويت من العراق. فوجد الكرد أنفسهم مجبرين أن يتوجهوا نحو الغرب ، حين وجدوا بأن العقلية العربية والمسلمة محتلة. وأصبح الشيعة مقتنعين بضرورة التعاون مع إيران والقوى الأجنبية الأخرى لتوفير مستلزمات البقاء ومقارعة العدوان ، وهكذا بالنسبة للأقليات القومية الأخرى. وازدادت هجرة العراقيين إلى الخارج حتى تجاوزت الثلاثة ملايين ، ونظموا أنفسهم ، فوقع قسم منهم في شباك قوى أجنبية ، وقسم آخر يتحسر على وطنه الجريح ويجد له عملا يعيل به نفسه وأهله وينتظر العودة ، بينما تحول البعض إلى أغنياء ، والبعض الآخر إلى مشردين وبائسين ومفقودين ، وفي كل ذلك كان العقل العربي بعيدا عن فهم الواقع. 
   الإشكالية الأخرى هي تمسك القيادات العربية بكراسي الحكم على حساب الشعب. وفي هذا ليس للحاكم بُد إلاّ بالتعاون مع الإجنبي ، لحماية سلطته ، فيدخل محور الشر إذا تمرد ، لإنه أصبح موظفا في إدارة أجنبية. فمهمة القوة العسكرية العربية هي لحماية الأنظمة من التمرد الشعبي ، منتظرا تدخل القوى الأجنبية لتصفيتها لاحقا إذا تمردت عليها دون أن تجد دعما من الشعب.
    المحور الأساسي لإستسلام العقل العربي هو ضعفه في مواجهة أي تحدي اجنبي ، مع قدرته في تحدي العربي للعربي. فمثلا عجزت الولايات المتحدة الأمريكية نفسيا بضرب منشآت كوريا الشمالية لأن الشعب الكوري يقف وراء قيادته ، ولأن جيران كوريا الشمالية كالصين وكوريا الجنوبية وروسيا ترفض أية ضربة أمريكية ضد جارتها الشمالية. المقارنة هنا هي بين العقلية الكورية الرافضة للتدخل الأجنبي والعقلية العربية المهيأة والمساندة لمثل هذا التدخل. ومن المفارقات الغريبة خارج العالم العربي أن يفتح بعض الدول العربية مطاراتها وأجواءها الجوية أمام الجبروت الأمريكي ، وتعقد إتفاقيات عسكرية وأمنية لحماية سلطانها ، ولو على حساب الشعب العربي كله. والغريب أن المناورات العسكرية الأجنبية تجري على الأراضي العربية لتهيئة العقلية العربية أكثر فأكثر للغزو الأجنبي.
   العقل العربي يتراوح بين العبودية والحرية التي هي في أغلب الأحيان يتيمة ، لأنه لايمكن لأي إنسان أن يكون حرا حين يحجب الحرية عن نفسه وعن غيره. فصدام حسين ليس حرا حين يحجب الحرية عن الشعب العراقي من عرب وكرد وأقليات ، ويمارس سياسة القتل والأنفال والأسلحة الكيمياوية. والأنظمة العربية ليست حرة حين تسمح للقوات الأجنبية بإحتلال عقولها وأراضيها لضرب الأخرين اليوم ، حتى يأتي دورهم غدا لتصفيتهم إذا ما تمردوا.
   نحن نؤيد تغيير النظام العراقي وإزاحة صدام حسين وحاشيته من السلطة ، ولكن هذا التغيير يجب أن يكون بأيدي عراقية لتحقيق الحرية والعدالة الإجتماعية في عراق فدرالي ديمقراطي دستوري يضمن الحرية للشعب العربي والحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي والأقليات القومية والعرقية الأخرى. أما أن يحكم العراق أجنبي ، لحماية مصالحه فلا يمكن أن يحقق مطامح الشعب العراقي في الحرية. وسيكون الخاسر الشعب العراقي كله.
   هنا نجد بأن بعض قوى المعارضة العراقية تقع في نفس الإشكالية ، وأعني إشكالية التراوح بين العبودية والحرية. العراقي كأي عربي أخر يريد شراء الحرية بأيد أجنبية ، وينسى بأن الحرية لا تُباع ولا تُشتَرى ، إنما تُكتَسَب بالعلم والمعرفة والنضال.
   أما بالنسبة للكرد في العراق فموضوعهم يختلف عن العرب ، حيث تخلت عنهم كافة الأنظمة العربية والإسلامية والمؤتمر الإسلامي ، وتعرضوا لحملات الإبادة ، ولم يكن لهم ملجأ إلاّ بالتوجه نحو الغرب ، حين كانوا محاصرين من جميع الجهات ، تحت مظلة الأمم المتحدة في المنطقة الأمنة. فليس لهم شئ يخسروه ، وفاقد الشئ لا يعطي. والعرب هم الذين دفعوا الكرد نحو خيار التوجه الغربي لأنه لم يبق لهم خيار آخر. وفي هذا أيضا فإن العقلية العربية هي المسؤولة ، بدفع القضية الكردية في العراق من قضية داخلية قابلة للحل في البيت العراقي إلى قضية دولية لها وزنها ودورها في نظام العلاقات الدولية.
  

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي