الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعترافات جبان يهوى الشماتة في بلد الأنوار

محمد فاضل رضوان

2006 / 4 / 28
كتابات ساخرة


هواية غريبة و جديدة تلك التي ألمت بي هذه السنة، فقد وجدتني لا أمل من التمسك بشرعية السيطرة على جهاز التحكم عن بعد و قضاء أغلب الوقت متنقلا بين القنوات الفرنسية الكثيرة...، و حين بحثت جذور هذا التمسك الكبير بتتبع ما يجري على الشاشات الفرنسية وجدتها تعود إلى أيام ما عرف بأزمة الضواحي في فرنسا لتتعزز أكثر و أكثر في أيام المواجهات المفتوحة بين الدولة و الطلبة على خلفية قانون الوظيفة الأول، و إذا ما وجد خيط رابط بين الأزمتين التي وحدتا لدي هواية الاندماج في المشهد الإعلامي الفرنسي رغم أنف كل من يشاركوني الحق في التحكم في جهاز التحكم... فلا أخفيكم سرا أن للأمر دواع نفسية اهتديت حين أمعنت النظر فيها مسترشدا بما تركته أيام دراستي الجامعية في ذاكرتي من شظايا السيكولوجيا على الطريقة المغربية أنها أقرب شيئا ما إلى إحساس التشفي و الشماتة. قد يقول قائل بأن التشفي ليس من صفات المؤمن خصوصا و أني مؤمن صالح كما تعرفون جميعا، غير أن الأمر كان أقرب إلى حالة حتمية نفسية تتجاوزني فلا أجد لنفسي من مخرج سوى بالاسترخاء بين ذراعيها في فرح طفولي.
لقد كنت أسعد ما يكون المرء و أنا أرى المهاجرين من أبناء جلدتي بكل الألوان يحرقون و يسلبون و ينهبون غير عابئين بتهديدات ساركوزي المغرور المسكين بتنظيف الضواحي منهم، و كنت أزداد سعادة مع ارتفاع عدد السيارات المحترقة في شوارع فرنسا و أنا موقن كل اليقين بأن جيل المهاجرين الثالث أو الرابع لا أذكر... قد حولوا الأيام المذكورة إلى يوم حساب يرى فيه مسؤولو فرنسا ما جنت أيديهم في حق المستضعفين من أجدادي و أخوالي و أعمامي و أبناء جلدتي عموما، كما لا أخفيكم سرا أني كدت أموت كمدا حين انتهت ثورة الضواحي دون أن تعصف ببعض الرؤوس المغرورة التي تبتسم على شاشات التلفزات الفرنسية في كل الأوقات...و قد تراجعت علاقتي العاطفية بجهاز التحكم عن بعد و بالقنوات الفرنسية بتراجع حدة المواجهات بضواحي باريس و غيرها من مدن فرنسا دون ألحظ أن للأمر علاقة بنزوعات نفسية شريرة لم أكن أعهدها في ذاتي التي كنت أعتقد أنها تفيض براءة و طهرا...غير أن تجدد الصراع في شوارع فرنسا على خلفية احتجاج الطلبة و ذويهم على قانون الوظيفة الأول الذي أعاد علاقتي الحميمية بالجهاز المذكور إلى سابق عهدها أيام أزمة الضواحي قد جعلني أحس بل أوقن بان وراء الأمر ما وراءه من عقدي النفسية التي انفجرت على حافة مشاهد العنف ببلد الأنوار، فقد وجدتني من جديد أعود إلى البيت متلهفا لأنغرس في دروب الفضائيات العربية و الفرنسية بحثا عن مشاهد تثلج صدري و تعيد لي ذكريات أيام ثورة الضواحي المجيدة، و رغم أن الأمر هذه المرة لا يتعلق بقضية مقصورة على أبناء عمومتي و عشيرتي فلا تسلوا عن فرحي و فخري و اعتزازي حين استضافت إحدى القنوات الفضائية العربية طالبة فرنسية من أصل عربي باعتبارها عنصرا قياديا في التنظيمات الطلابية التي تقود الاحتجاج...
و على امتداد الثورة الثانية المجيدة أيضا كنت أفيض سعادة و شماتة في هؤلاء الفرنسيين المتحذلقين الذي يثرثرون كثيرا في برامج لا أخرج منها بشيء، لقد انتهى زمن الكلام و جاء زمن الفعل و أفضل طريقة للقول هي الفعل كما يقول الأب تشي, ما أسعدني فعلا و أنا أرى شوارع الحي اللاتيني و مقاهيه التي صدع رؤوسنا بها أولئك الذين ورطونا في العقدة الفرنسية من طه حسين و الحكيم حتى سهيل إدريس و العروي...تتحول كراسيها التي حملت ذات رموز فرنسا و العالم إلى متاريس تفصل بين المحتجين و رجال الشرطة و من يدري فلعل أحد تلك الكراسي التي تتدحرج أمامي قد جلس عليه ذات يوم سارتر أو جيد أو بيكيت فهل فوق هذه سعادة؟ أما ما لا أستطيع وصفه لكم فنشوتي الكبرى كلما رأيت هراوات الشرطة تنزل وفق الطريقة التي تعرفونها جميعا على أجساد أحد المحتجين أو أرجلهم تدهسه أو تسحبه على الإسفلت...لكن شيئا ما وسط كل هذا كان ينكد علي سعادتي و يحرمني لذة الشماتة و التشفي، هذه الوجوه الشابة الحازمة لقياديي النقابات الفرنسية ساعة وصولها إلى مراكز المفاوضات كانت تشي بأن فرنسا التي أتعجل التشفي في مآسيها لا زالت بخير، و هذا الإصرار الغريب في عيون الطلبة و التلاميذ الذي لم يزده عنف رجال الشرطة إلا بريقا و حماسا أيضا كان يشي بأن فرنسا بخير، و هذا الالتزام من ذوي الطلبة و التلاميذ للتظاهر رفقة أبنائهم دفاعا عن مستقبلهم و مستقبل فرنسا كان يشي أيضا بأن فرنسا أبعد ما تكون عما تصوره لي أوهامي...و مع الإعلان عن سحب قانون الوظيفة الأول و قرار الرئيس شيراك و الوزير الأول دو فيليبان و الرئيس المقبل ساركوزي بالانحناء و الخضوع لمطالب الشارع الفرنسي... أدركت أن فرنسا لا زالت بلد الأنوار و الجن و الملائكة، بلد الحي اللاتيني الذي قيل ذات زمن أن الإقامة فيه لبضع سنين تصنع كاتبا أو شاعرا بلد العقد الاجتماعي و المؤسسات التي يتراجع فيها الحكام أمام سلطة الشعب ...حينها عدت إلى رشدي و غادرني كل إحساس بالانتشاء، لكن إحساس الشماتة و التشفي لم يغادرني فقط أصبح متوجها نحو ذاتي المسكينة، فقد اكتشفت أن فرنسا بخير، أما أنا فلست لست بأكثر من مغفل يسابق بقية المغفلين لشراء السلعة التي تزيد الدولة في ثمنها بدل مقاطعتها، و جبان يقبل إرادة الحكام كامتداد لإرادة الله فيجعل طاعتهم من طاعته و رضاهم من رضاه، و قن يعمل مزارعا في أرض الأسياد وفق آخر صيحات موضة القنانة و يلهج مع ذلك بالدعاء لأولياء نعمته لان استمرارهم من استمراره و وجودهم من وجوده، عليك اللعنة أيتها العقد الفرنسية التي تأبى مفارقتي منذ ابتليت بعشق الأدب، و حين كانت الوجوه القوية الشابة لنقابيي فرنسا تدخل حازمة لتمثيل الشعب الفرنسي في التفاوض مع حكامه كان السيد أفيلال يحشد الكلاب و العصي دفاعا عن عرش الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و يصرح للصحافة أن رجاله سيفتكون بمن يقترب من هرمه بينما كان الرفيق الأموي يجهز على ما بقي من ذكريات حزب المهدي و عمر، أما الرفيق المحجوب فحتى يهديه الله فلنا أن نفخر بزعامته التي تعود إلى زمن الجدود أما بقية الشلة فقد كانت منشغلة بنهب الأراضي و الذاكرة التاريخية أيضا. أما أنا فلا أجد في غمرة اكتئابي غير عبارة آلان باتان في روايته الشهيرة التي تحمل الإسم ذاته: "إبك أيها البلد المحبوب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صراحة مطلقة في أجوبة أحمد الخفاجي عن المغنيات والممثلات العر


.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24




.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع


.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح