الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءه قانونية وتبعات سياسية إحالة الحكومة لميزانية 2007 – 2008

عبدالهادي مرهون

2006 / 4 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


إحالة الحكومة لميزانية 2007 – 2008
إلى النواب
قراءه قانونية وتبعات سياسية

على امتداد العقود الماضية سلبت الحكومات العربية ومنها حكومة البحرين المواطنين الحقوق الإنسانية الأساسية وأصبح المواطن العربي – كرد فعل أحياناّ – لا يكتفي بالمطالبة بحقوقه الدستورية, بل يطالب بالجلوس بديلاّ للسلطة ومحلها, ويمارس تطرف السلطة وربما أشد منها أحياناّ.غير أن الأساس في الموضوع هو استمرار سلب الحقوق الدستورية و القانونية التي نص عليها الدستور وارتضاها المجتمع والسلطة معاّ.
وحتى لا نبتعد كثيراّ عن هذا الموضوع, فقد رتب الدستور في المملكة حقوقاّ للسلطات الثلاث التشريعية, التنفيذية والقضائية ومَنََعَ تنازل أي منهما لاختصاصاته بل أجاز تعاونها لتحقيق المصلحة العامة والتنمية الشاملة وحدد آليات واضحة وأزمنة لتقديم الميزانية العامة للدولة.فهل تقديم الميزانية قبل نهاية دور الانعقاد الأخير في الفصل التشريعي الأول بأسابيع معدودة تحقق التعاون المنشود الذي حث عليه الدستور بين السلطتين ؟ ونكاد نجزم أنه من باب الاستقواء والتعدي على اختصاص السلطة التشريعية المنتخبة المقبلة و ليس من الأعراف البرلمانية المتبعة، ولا يحقق مقولة الإدارة الحديثة، ويثير تساؤلات كثيرة ليست من مصلحة المملكة الدخول فيها. وبدون افتراض سوء النية فإن موعد تقديم الميزانية كما تتداولها التسريبات الصحفية و الشائعات من المحتم أن يسبب إرباكاً في الأوساط السياسية والشعبية ويمكن أن تطال آثاره السلبية اقتصاد البلاد والإدارة السياسية أيضاً.
يُعّرف قانون الميزانية العامة المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 2002 الميزانية العامة للدولة على إنها " الأداة السياسية المالية للدولة وتتضمن بيان الإيرادات المقدر تحصيلها والمصروفات المقدر إنفاقها للحكومة خلال سنه مالية ماضية وبما يحقق الاستقرار والنمو الاقتصادي من خلال التخصيص العادل للموارد الوطنية ليتم استغلالها بكل كفاءة وفعالية, وتتألف الميزانية العامة من المحتويات المنصوص عليها في المادة 7 من هذا القانون".
والسؤال البديهي هو ما هو القصد من تكهنات إحالة الميزانية إلى مجلس النواب وهي التي تربط إقرار الميزانية لعامي 2007 – 2008 بالاستحقاق الدستوري والانتخابات النيابية؟ إذ لا يوجد مانع قانوني أو دستوري لإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري الذي يقع في موعد أقصاه 13 ديسمبر المقبل حيث أن الانتخابات النيابية يمكن أن تقام في موعد يبدأ من 13 أغسطس حتى 13 ديسمبر 2006 وإذا كان نظام الانتخابات يتطلب دورتين انتخابيتين مع الإعلان عن نتائج الانتخابات لمدة عشرة أيام, ويتطلب قانون الانتخابات الإعلان عن موعدها بخمسة وأربعين يوماً قبل هذا الموعد, فإن لجلالة الملك الحق أن يعلن موعد إقامة الانتخابات في أي وقت يشاء خلال المدة الدستورية والقانونية المقررة على أن يبدأ الفصل التشريعي الثاني يوم 14 ديسمبر لكي لا ينشأ فراغ دستوري ما لم يمارس الملك سلطته لتمديد المجلس الحالي.
ولذلك فإن ربط إقرار ميزانية 2007 – 2008 بالانتخابات لا مبرر له ولا مسّوغ قانوني. وبالنتيجة فإن هذه المسألة ربما تكون سياسية أو رسالة في هذا الإطار قد تأتي بما هو أسوأ إذا تمت قراءتها بسوء نية وفق المعطيات الملتبسة الحالية وحالة الشك السائدة بين الأطراف, في الوقت الذي أكد جلالة الملك في كلمته السامية في العيد الوطني المجيد في ديسمبر 2005 إن غاية ما نسعى إلية هو إشاعة جو عام من التراضي الوطني على سائر القضايا الأساسية المهمة مع الحرص على ثوابت المجتمع البحريني وعلى التوازنات الدقيقة التي نتميز والتي تصب بالنتيجة في تحقيق التقدم وضمان استمرار المسيرة وتعزيزها ومدها بأسباب القوة والازدهار".
أن القراءة الحصيفة تدل على أن روح كلمة جلالته هي تشجيع روح التراضي وإشاعة الثقة وإشراك الشعب في صنع القرار على جميع المستويات, و ليس بوسعنا إلا أن نستغرب من الحكمة في ربط إقرار الميزانية للعامين المقبلين بانتخابات طال انتظارها من قبل الجميع وحث جلالة الملك القوى الوطنية المختلفة على المشاركة قائلاً أن ذلك سيكون يوماً سعيداً له وللمواطنين.
ويراودنا هنا سؤال, هل هو حقاً هاجس أو خوف حكومي من المجلس النيابي القادم حيث تقر السلطة التنفيذية منذ الآن انه ليس من الممكن التعامل معه من قبل الحكومة, أي أن الحكومة تطرح عدم ثقتها في مجلس لم ينتخب بعد, وهل يمثل ذلك عدم ثقة الحكومة في الشعب الذي هو مصدر السلطات جميعها, وهل هي رسالة إلى المواطنين أن الحكومة لا تثق في إختياراتهم؟ وأن من سيختارون في انتخابات حرة ونزيهة لا تعتبرهم الحكومة ممثلي الشعب, نرجو أن يكون الجواب بالنفي ولكن إذا حدث وأصرت الحكومة على هذا الخيار فإن ذلك يعني أن الحكومة لا تثق في حق المواطن بممارسة حقوقه السياسية ولا تكترث بالمواد الدستورية والقانونية التي تؤكد بل تكفل هذه الحقوق.
وفي محور آخر ينص الدستور في المادة 109/ب على "تعد الحكومة مشروع قانون الميزانية السنوية الشاملة لإيرادات الدولة ومصروفاتها وتقدمه إلى مجلس النواب قبل انتهاء السنة المالية بشهرين على الأقل" ونعلم أن السنة المالية للدولة تبدأ من يناير وتنتهي في ديسمبر ويكون تقديم مشروع قانون الميزانية إلى مجلس النواب في موعد لا يتأخر عن أكتوبر وبما أن دور الانعقاد للسلطة التشريعية يبدأ في ثاني سبت من شهر أكتوبر حسب المادة 71 من الدستور فإن تقديم الميزانية يصادف بداية دور الانعقاد الذي لا يقل عن سبعة شهور حسب المادة 72 من الدستور وهذه المواعيد تعطي السلطة التشريعية سبعة شهور على الأقل لمناقشة وإقرار الميزانية حسب المادة 109 من الدستور ولكن في حالة عدم تمكنها – السلطة التشريعية – من الانتهاء من مناقشة وإقرار الميزانية في نهاية موعد دور الانعقاد, فإن المجلس لا ينفض ولذلك فإن إدراك أعضاء السلطة التشريعية عواقب عدم الانتهاء من الميزانية في موعدها ربما يجعلهم يقبلون ما يترتب من تبعات, أن تقديم الميزانية إلى المجلس في نهاية دور الانعقاد من الممكن أن يفهم كابتزاز سياسي تعاقب به السلطة التشريعية من قبل التنفيذية في أي وقت تريد فيه الانتقام من النواب, وهذا التقديم سيخلق عرفا وسابقة برلمانية مفادها أن السلطة التنفيذية تتحكم في العمل التشريعي من خلال هذا الابتزاز السياسي وأن كنا لا نظن أن هذا هو التوجه السائد لدى الحكومة بل نأمل إنه بالون اختبار ليس إلا لجس النبض وليس آلية قابلة للتنفيذ.
وفي حال تقدمت الحكومة فعلاً بمشروع قانون الميزانية إلى مجلس النواب الحالي فإننا نرى أنه ليس فيه إشكاليات دستورية فحسب, بل نسّف لمبدأ فصل السلطات الذي نص عليه الدستور ونظام الحكم في البحرين بأكمله حيث تنص المادة 32/أ من الدستور على "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقاً لأحكام هذا الدستور " وأن تقديم الميزانية ينفي التعاون بين السلطة التنفيذية والتشريعية حيث السلطة التنفيذية تقول مقدماً أنها لا تثق في السلطة التشريعية التي سوف ينتخبها المواطنون وهذا يمكن أن يؤدي إلى صدامات واحتقانات وّضع نظام المجلسين لتلافيها. حيث جاء في المذكرة التفسيرية للدستور عن أسباب الأخذ بنظام المجلسين" إن هذا النظام – أي نظام المجلسين – يقلل من الاصطدام الذي يمكن أن يحدث بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والذي قد يؤدي إلى وسائل تتسم بالعنف السياسي " وحيث أنه لا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها" فإن تقديم الميزانية في هذا الوقت بالذات هو سلب اختصاصات المجلس التشريعي وأعضائه وكذلك للحكومة القادمة وأعضائها. وحيث أن مفهوم الميزانية كما جاء في المذكرة التفسيرية تحت بند الشؤون المالية جاء " بالوظيفة المالية التي هي السبب التاريخي لنشأة النظام النيابي" وحيث أن المادة 109 تجعل إقرار الميزانية بالتوافق بين الحكومة والنواب فإن تقديمها الآن سيحرم السلطة التشريعية والتنفيذية القادمتين من حقهم الدستوري, لأن تشكيل مجلس الوزراء الجديد يأتي بعد كل فصل تشريعي من لدن جلالة الملك و أن إقرار ميزانية 2007-2008 سيحرم الوزراء الجدد من حقهم في رسم السياسة العامة للحكومة ويجعلهم مسئولين ومحاسبين أمام الملك وأمام النواب في سياسة لم يضعوها . وبما أن الدستور ينص على أن "تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى المجلس الوطني" فأي برنامج هذا الذي ستقدمه الحكومة الجديدة المقبلة إلى السلطة التشريعية القادمة؟. حيث من المعلوم أن البرنامج الحكومي هو السياسة العامة للدولة, وكما وجه جلالته فإن على كل وزارة وليس الحكومة بمجملها فقط أن تتقدم ببرنامجها ومشاريعها إلى السلطة التشريعية . لذلك يبرز سؤال وهو كيف يقدم الوزير الجديد برنامج وزارته الجديد بميزانية سبق وأن أقرها المجلس السابق. علماً أن تعديل أي بند في الميزانية المقرة يتطلب إعادته إلى السلطة التشريعية لإقراره.
إن احترام المبدأ الدستوري الخاص بفصل السلطات أهم بكثير من هاجس الحكومة بصعوبة التعامل مع أعضاء السلطة التشريعية القادمة حيث سيسبب تقديم الميزانية في هذا الوقت سلب صلاحية جلالة الملك لتعيين أعضاء وزارته وسلباً لصلاحية مجلس الوزراء والوزراء القادمين حقهم في المشاركة في رسم سياسات الدولة التي أوُكلت إليهم تنفيذها, وسلب صلاحيات السلطة التشريعية التي أنشأت أصلاً لغرض التخصيص العادل للموارد الوطنية ليتم استغلالها بكل كفاءة وفعالية.
لذلك فإننا لا نظن أن الأخبار التي يتم تداولها في المجتمع ليست ذات مصداقية و في الحالة التي ستقدم بها الحكومة مشروع قانون ينظم موضوعات اقتصادية أو مالية خارج الميزانية العامة التي تنص عليها المادة 109 من الدستور والتي تعتبرها الحكومة ضرورية لاستقرار الاقتصاد في البلاد يتم نظره في ضوء المادة 87 من الدستور والتي تحدد أوقاتا زمنية لكل مجلس , والمجلس الوطني لمناقشته و أقراره, أو إصدار مرسوم ملكي في أجله. إن المادة 87 من الدستور ليست أداة دستورية لمناقشته و أقرار الميزانية العامة. لذلك فأن تقديم ميزانية 2007-2008 إلى المجلس في نهاية دور الانعقاد ليس مسألة ضرورية وهامة لأجل استقرار اقتصاد المملكة أو شؤون ماليتها. ولا يوجد مبرر لتقديمها بصفة مستعجلة تجعل استخدام المادة 87 من الدستور ضرورياّ. بل تكون مخالفة صريحة للمادة 109 من الدستور التي تنظم الميزانية العامة للدولة. وهذه المادة تتطلب أن تعد الحكومة مشروع قانون الميزانية السنوية الشاملة إلى مجلس النواب قبل انتهاء السنة المالية بشهرين وتعطي السلطة التشريعية حق مناقشة وإقرار المشروع لمدة دور كامل وإذا لم تقره لا ينفض الدور ويستمر إلى حين إقراره. أي نظرياّ يمكن أن تستمر مناقشة وإقرار المشروع لمدة دور كامل . وإذا لم تتعاون الحكومة في المدة المحددة تتحمل الحكومة تبعات عدم تعاونها مع السلطة التشريعية وهو عدم حصولها على ميزانية جديدة و تعمل بالميزانية السابقة إلى حين صدور ميزانية جديدة.
إن الدستور وضع حافزاّ للتعاون بين الحكومة والسلطة التشريعية لمناقشته وإقرار الميزانية العامة في موعد لا يتجاوز دور انعقاد واحد وهذا الحافز هو أن السلطة التشريعية تتوقع وتتطلع إلى الإجازة الصيفية بعد عمل شاق استمر دورا كامل. وحافز الحكومة هو إن تحصل على ميزانية جديدة مع الزيادات المقدرة.وإلا فأنها تستمر في العمل بالميزانية السابقة. وهذا يدل على أن الميزانية العامة لا تخضع إلى الأزمنة المحددة في المادة 87 من الدستور والتي لا تتعدى 45 يوما لإقرار مشروع قانون الذي قدم بصفة مستعجلة.
ويمكن أن يرى القارئ أننا قد استغرقنا في شرح المواد الدستورية والقانونية ولكننا نراه موضوعاّ جوهريا لأنه قلمّا يناقش الفصل الخامس من الدستور لأنه يعني الأمور المالية وليس السياسية. ولذلك نعتقد أن ما طرح في الصحافة لتقديم الميزانية العامة إلى مجلس انتهى دور انعقاده وتوشك ولايته أن تنتهي بانتهاء الفصل التشريعي الأول بأكمله هي خطوه سياسية مفادها ضرورة غلق الأبواب والنوافذ التي تأتي من خلالها عوامل الإزعاج وتأسيساّ على ذلك فهل الأصح في هذه الحالة إن تتقدم بالميزانية العامة لأربع سنوات القادمة وليس سنتين فقط حتى تتخلص من إزعاج السلطة التشريعية في الفصل التشريعي الثاني القادم والإزعاج الدستوري والقوانين النافذة المنظمة للميزانية العامة.
أن ربط الميزانية العامة للدولة بالاستحقاقات الدستورية والانتخابات النيابية ليست مسالة تحقق الاستقرار والنمو الاقتصادي بل هي مسالة سياسية بحتة يتم استغلالها لإرباك العمل السياسي وزيادة الاحتقانات الشعبية كما هو طرح دمج الانتخابات وإعادة رسم الدوائر الانتخابية وتحديد موعد الانتخابات وإدارة الانتخابات بعد رفض مناقشتها لمدة أربع سنوات. هو تلاعب غير شريف ومضر يلحق الضرر بالمسار الديمقراطي والمصلحة العامة. وفي الوقت الذي نرحب بكل ما جاء علي لسان وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء ورئيس جهاز المركزي للمعلومات ورئيس الجهاز التنفيذي للانتخابات أيضا فإننا ننوه أن كل هذه المسئوليات التي يتحملها شخص واحد لا تبعث الثقة أو تعزز مصداقية نزاهة وشفافية الانتخابات وتجعلها عرضه لتقلبات أجواء المناخ السياسي . وبكل احترام وتقدير لشخص الشيخ احمد بن عطية الله آل خليفة ولكننا نطالب بإنشاء هيئة وطنية مستقلة بعيدة عن التقلبات السياسية وحساباتها المعقدة لإدارة الانتخابات والإشراف على مسارها بكل شفافية وصدق و نعتقد إن علي السلطة التشريعية عند إحالة مشروع القانون لتعديل الانتخابات البلدية إن يناقش جميع القوانين المنظمة للعمل السياسي وتنقيحها لتتلاءم مع المشروع الإصلاحي وتوجيهات جلالة الملك والاستجابة لرغبات الشعب وترسيخ أسس العمل الديمقراطي في المملكة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على