الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أوراق معلم / 1987 | السلسلة والخاتم

علي أحماد

2019 / 4 / 8
الادب والفن


التحقت بفرعية أيت مسري وتتكون من تجمعين سكنين ( تينيرغ و القصبة ) بعد عام أمضيته بفرعية أدخس آرفالن وهي واحة بعيدة و متاخمة لحدود طاطا . والفرعية الحالية هي أقرب فرعية من فرعيات مجموعة مدارس أصديف | تازناخت الى الطريق الرئيسية التي تربط ورزازات بأغادير . ولا تبعد سوى ببضع كيلومترات عن مقر جماعة زناكة بخميس كركدا .
يقال أن كلمة زناكة إنما هو تحريف لكلمة صنهاجة اللثامية ، وهو قول لا أستطيع تأكيده أو تفنيده وقد أخذته من أفواه بعض الفقهاء من أهل الدار ممن عاشرتهم وتوطدت علاقتي بهم . وتنتشر بالمنطقة مدارس قرآنية / التعليم العتيق أشهرها مدرسة إزواطن وتمعروفت .
سبقني الى التدريس بالفرعية المعلم ( أ. م ) وهو من أمازيغ أيت عتاب / ازيلال . ولأنه أقدم مني تواجدا بالقرية ، ويعرف خباياها وأسرار حياة أهلها فقد سرت في ظله أتبع خطاه ، والحق أنه دمث الأخلاق ، ولم أجد في العشرة معه ما يكدر صفو الحياة أو ينغص توالي الأيام . نشترك في الهوية الإثنية ، فأنا كذلك أمازيغي من قبائل أيت حديدو . يحدث أن نصطدم لاختلاف اللهجات الذي يقف حجرة عثراء في وجه التواصل بيننا فنضطر أن نستعين بالعربية الدارجة كحل يسعف الطرفين لكسر الحواجز.
نتخذ سكنا غرفة واحدة قرب حجرات الدرس مبنية من الطين المدكوك ، وهذه عادة السكان بجل قرى الوطن ، وكان أسلافنا من المدرسين يسمونها ( السكنى البطارية ) . فكرة ذكية لإبعاد الغريب عن الدوار وضمان سهولة مراقبته في حركاته وسكناته . ولكننا رضينا بهذا السكن المتواضع وغيرنا يضطر لاتخاذ حجرات الدرس سكنا يفصله برداء بلاستيكي سميك معتم .
بالقرية بئر وحيدة تجتمع عندها النسوة والصبايا لملإ الدلاء بما يحتجن اليه من الماء للشرب والطبخ وغسل الثياب إذا جفت العيون بالوادي . وموعدهن البئر كل مساء يتبادلن فيه أطراف الحديث والسمر بعد شقاء يوم طويل . في أحد الأيام امتثلت لأمر صديقي بأن أمتح الماء من البئر وقد كان الصديق يتكلف بذلك عن طيب خاطر وما انتبهت قط أني ملزم أن أشارك في هذا العمل مادام يعجبه التكفل فيه ويجد فيه ترويحا عن النفس لأنه يخالط الصبايا والنساء . كنت أعلم ان الأهالي يكرهون أن يتواجد الغريب/ المعلم بالمكان ذاته .
حملت الدلاء واتجهت نحو البئر وهي قاب قوسين أو أدنى من الأقسام في ساحة مفتوحة على الخلاء مباشرة تجاورها دور سكنية قليلة . وضعت الدلاء أرضا على حافة البئر وابتعدت أنتظر دوري لكي لا أزعج راحتهن ، واتخذت مسافة تضمن لي مراقبة المكان دون ان أتجاوز حدود الوقار واللباقة . نظراتي لا تزيغ عن الوجوه التي تؤثث الفضاء . توقفت طويلا عند غادة شديدة البياض ، جميلة الوجه ، ممشوقة القد وبارزة النهد وهي النزقة من بين المتحلقات حول البئر . لاحظت أنها ترميني بسهام نظراتها الساحرة التي أحاول أن أتجنبها في خفر العذراء . أخذتِ الدلاء وملأتها ووضعتها أمامي وأنا صامت كالأخرس وكأن الطير فوق رأسي مخافة عين متلصصة . وقفت أمامي تكاد أجسامنا تتلامس وشعرتُ بأنفاسها الحارة واللاهثة تلفح مسام وجهي . ورأيت حلمتي نهديها تنتفضان تحت ثوبها الشفاف دون صدرية . بدأت أرتعد من قشعريرة باردة خوفا وخجلا . بحركات عفوية متناسقة نزعتْ من جيدها سلسلة فضية تتدلى على صدرها حيث تملأ وتزين منه " وادي الملوك " ، ومن أصبعها الدقيق خاتما . وضعتهما في راحة يدي دون أن تنبس ببنت شفة . أخرستني المفاجأة . لم أرفض الهدية وما كان لي أن أجرح كبرياءها ، ولم تسعفني الجرأة لأشكرها وأطيب خاطرها ولم تكن هي تنتظر مني ردا . انسحبت في دلال وغنج ونظراتي معلقة بها .
عدت الى السكنى أحمل الدلاء . مرقت الى الداخل وقد كان صديقي حينها بالقسم ( هو يدرس الأول والثاني وانا أدرس المستوى الثالث مزدوج ) . أعددت الشاي وانتظرت أن يزف موعد خروج التلاميذ . حضر صديقي واحتسينا الشاي واكلنا خبزا وزيتا . نهض الى طاولة مدرسية استعملها كمكتب للقراءة والكتابة . وقع بصره على السلسلة والخاتم فالتقطهما في عصبية لم يستطع اخفاءها . سألني عن سر هذه الحلي . بحسن نية ذكرت له بتفصيل قصة الصبية قرب البئر . وأنا اسرد القصة أرى علامات الدهشة والذهول ترتسم على محياه الذي يعلوه شحوب وامتقاع فتتغير اسارير وجهه الذي شوهته نذوب حارقة غائرة منذ الطفولة . استشاط غضبا . استفسرته عن السبب ، فأكد لي أنه أهدى صبية من القرية هذه الحلي عينها ، وبفعلتها هذه تعلن أنها تفضلني . تطور الأمر الى مشادة كلامية بيننا وتوعد ني وهددني بمغادرة الغرفة الى سكن داخل الدوار . نفذ وعده في اليوم الموالي وكأنه رتب أموره منذ مدة وتحين الفرصة السانحة . كم أحزنني رحيله لأني فقدت مؤنسا وزميلا . علمت أنه وجد سكنا عبارة عن دكان بقالة استغنى عنه صاحبه . غرفة على شكل مثلث دون نوافذ يطل بابه على الحقول . وربما أراد التقرب من حبيبة القلب . رغم كل ذلك استمرت صداقتنا وتبادلنا الزيارات . ومن نافلة القول أن الصبية دأبت على إرسال الخبز لي وفي احايين كثيرة لبنا وحليبا سائغا ....وأكدت لي ان صديقي كان يسكن تلك الغرفة فيما مضى ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض