الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنور رجا والصافرات

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2006 / 4 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


وصلني مؤخرا من الأستاذ أنور رجا، رئيس تحرير مجلة (إلى الأمام-دمشق) مجموعته القصصية بعنوان (الصافرات). قرأتها وتمتعت بقصصها الهادفة والتي لا يمكن لشخص أن يقرأها دون أن يترك في نفسه أثرا أو انطباعا طويل الأمد. فقد تميزت بالحس الصادق الجياش. ففي كل قصة يتجلى الحس الأدبي الرفيع والخيال الواسع الذي يزيدها متعة.
لم يلجأ المؤلف إلى لغة منمقة ليخدع القارئ، بل كانت اللغة مناسبة للحدث. فالكاتب ليس ترجمة لواقع محسوس فقط، بل هو عامل فعال في بنائه. وكما قال غوركي بأن على الإنسان أن يدحض الكذب الأنيق الملوّن والمستعد دوما أن يلهي الناس بكلماته الأنيقة، وعلى هذا الأساس فان الأديب معلم ومنظر لواقع قد لا يكون له وجود حاضرا. أليست رواية الأم تصور غوركي للمستقبل والحث عليه. فالابتعاد عن الأحداث المنمقة والتصوير المصطنع يفقد قيمة العمل الأدبي محتواه. وهكذا أتت مجموعة أنور رجا بأبعاد زمنية متباينة يرتبط الماضي في الحاضر بل كانت نتاجا منطقيا له. وقد تبحث عن مستقبل كشكل منطقي للحاضر فلا تجد إلا خيوطا سوداء معتمة ورؤية الإنسان المنكسر في غدٍ مظلم .
تكثر الرموز في المجموعة التي تدور حول وقائع حاضرة ومعاصرة تواجه الإنسان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص. كتب المؤلف عن معاناة أبطاله من قوى طاغية تضغط على شخوصه حتى الهلاك. ففي قصة (برج الحمل) تخرج الأبقار من فنجان القهوة وجنود يرتدون ثيابا لا تليق بهم. والبطل يحلم بحضن أمه الدافئ وهو يصغي لكلام لا يسمعه بل يندلق الفنجان من فوق شفته وتزكم أنفه رائحة الدم والكاز بحيث انساح السواد فوق جسده واشتعل. أليس السواد هو تصور للحزن والحداد، ويكرر اللون الأسود مرة أخرى في القصة الثانية (انكسار الصنوبر) عندما يقول كانت أسلحتنا التي أودعناها رحم الأرض بانتظار أيام أكثر اسودادا، تنشج جنازتنا. فعندما تودع السلاح في بطن الأرض، يكون الخوف من عدو أو لأنها ليست الساعة لحمل هذا السلاح. ففي بطن الأرض أمن ومن ثم قد يشهر هذا السلاح إذا حان الوقت. وهنا نرى بصيص أمل لهذا الانكسار. أوقد يكون نهاية أبدية لأن الدفن في الأرض يعني الموت. ففي هذه القصة يفصح الكاتب عن خيال أدبي فياض وهو يصور الحدث: وعلى حافة الليل تكسّرت هيبة الصمت، فغدت المواقع مثل محطة تنتظر قطار الليل الأخير.. وكانت المدينة تغط في جراحها وتبدو كأنها مشفى استنزفه المرض.
وفي مواقع أخرى يثور الكاتب على الطبيعة البشرية الضعيفة التي لم تمنحه أجنحة للطيران كما في قصة (يوم لأبن الزيات)، فيقول " تطاولت قامته نحو الشمس وصرخ بوجهه غراب أسود، لماذا لا تنبت الأجنحة في جسدي". ونرى هنا ترديده لكلمة السواد في الغراب، وبذلك يجمع مابين الغراب كفأل سيء والخراب والسواد، وهذا يزيد على اللوحة قتامه. يحاول الصراخ في لج بحر من الصمت. الصراخ واضح ، فمن أمي عطا التي تطلب أن تفتح الأبواب لأبنها عطا! كل هذه الرموز عبارة عن صافرات إنذار لوضع يخشى منه الكاتب. ويعبر عنه باللغز حينا والرمز حينا آخر. وهذا ما ميز الكاتب ضمن كتاب فلسطينيين من جيل الستينات والذين حملوا ذات الهموم .
وفي قصة العكاوي يغوص في صورة أدبية رقيقة وعنيفة في الوقت نفسه.." اغتسل الليل بشعاع الفجر وأضاءت تراتيل الصبح روح النهار.. عكا الآن تلهث في رأس العكاوي وأبو محسن أصبح طيفا أضاع الطلقة الخمسين، وفي قلبه هدير بحر. وهكذا تأتي الصورة لتخدم الفكرة والحدث في القصة.
بشكل عام كانت المجموعة صرخة من الكاتب أو صافرة لما يراه معوجا، وخاصة عندما يغير النهر مجراه كما ورد في بعض قصصه. ولما كان من الصعب دراسة جميع قصص المجموعة كل على حدا. فقد اكتفينا بهذا القدر. فقد برهن الكاتب في كل سطر وجملة بأنه شاعر وقاص حيث غاصت مخيلته في الصور الشعرية الجميلة المعبرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلجيكا ترفع دعوى قضائية ضد شركة طيران إسرائيلية لنقلها أسلحة


.. المغرب يُعلن عن إقامة منطقتين صناعيتين للصناعة العسكرية




.. تصاعد الضغوط على إسرائيل وحماس لإنهاء الحرب| #غرفة_الأخبار


.. دمار واسع طال البلدات الحدودية اللبنانية مع تواصل المعارك بي




.. عمليات حزب الله ضد إسرائيل تجاوزت 2000 عملية منذ السابع من أ