الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتائج انتخابات 2006 الاحزاب العربية: عَشرة في العزلة

سامية ناصر خطيب

2006 / 4 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


احتفلت الاحزاب العربية بنتائج الانتخابات، بعد ان تبددت مخاوفها من عدم اجتياز نسبة الحسم. ولكن ما كادت الاحتفالات تنقضي حتى بدأ تبادل الاتهامات والانقسامات الداخلية. الاحزاب العربية زادت قوتها، ولكن في ظل فقدان البرامج السياسية واستمرار انعزالها عن المجتمع الاسرائيلي، فان هذه الزيادة لن تحل المشاكل الاساسية لجمهور الناخبين.
سامية ناصر خطيب

نبدأ من النتائج. ففيما تعرضت الساحة الاسرائيلية وحتى الفلسطينية الى زلازل انتخابية، بقيت الاحزاب العربية في اسرائيل في منأى عن اي اهتزاز. بل وزادت مقاعدها من ثمانية الى عشرة. رغم انخفاض نسبة المصوتين العرب الى 56%، الذي عبر عن الاستياء العام من اداء هذه الاحزاب، وفقدانها اي دور جماهيري او برلماني فعال. مع اعلان النتائج، بدأت الاحتفالات بالنصر بعد ان تبدد اخيرا خوفها من عدم عبور نسبة الحسم. ولكن ما كادت الاحتفالات تنقضي حتى حل محلها تبادل الاتهامات وتعمقت اسباب الانقسامات الداخلية.



انعدام البرامج

الامر البارز في المعركة الانتخابية الاخيرة كان اختفاء النقاش السياسي. فقد قررت الاحزاب انه لا خلاف سياسي بينها، وان العدو الرئيسي المشترك هو الاحزاب الصهيونية. هذه الاخيرة انخفض تمثيلها بالفعل في الوسط العربي، ولكن الاحزاب العربية لم تطرح البرامج السياسية البديلة ولا مشاريع العمل.

والحقيقة ان هذه الاحزاب تلتقي بالفعل حول نفس البرنامج وهو الخط الوطني القومي. ولكن المشكلة ان هذا الخط قد وصل الى طريق مسدود مع فشل السلطة الفلسطينية في تحقيق البرنامج الوطني واقامة الدولة المستقلة. فشل مساعي الوحدة بين هذه الاحزاب رغم التقارب بينها، ادى لاستياء كبير في اوساط عديدة من المجتمع العربي.

الى هذا يضاف الاستياء من غياب العمل الميداني، والاكتفاء محله بالبرلمان كمنبر وحيد للنضال والنشاط السياسي. ولكن الفشل الميداني جر ايضا فشلا برلمانيا، همّش الاحزاب العربية داخل الكنيست.

تعبيرا عن عزلتها عن الجمهور الاسرائيلي وعجزها عن التأثير على صنع القرار، ارتأت القائمة الموحدة والتجمع (دون الجبهة) توجيه دعايتهما الانتخابية للناخب العربي وباللغة العربية فقط. ويشير هذا الى تنازل من البداية عن محاولة التأثير والوصول الى الجانب الاسرائيلي. في وضع كهذا تبدو الاستماتة لدخول الكنيست امرا غير مفهوم، علما ان الكنيست يدخلها من يريد التأثير على القرار.

لو وضعت هذه الاحزاب برامج عمل واقعية لوجدت انصار وشركاء في الشارع الاسرائيلي. ولكن غياب هذه البرامج التي يمكن ان تحقق مكاسب ولو متواضعة، يهدد عمليا بحرق عشرات آلاف الاصوات التي ادخلتها للكنيست.

لقد تصرفت هذه الاحزاب كمن يقول لنفسه: من لديه الوقت لاضاعته في صياغة برامج تحتاج الى نفس طويل وعمر مديد وتربية اجيال، باختصار قصة طويلة عريضة. فالناس على كل حال تصوت اما للعشيرة والحمولة واما للطائفة، وهذه على كل حال اقصر الطرق.

اما عن شعار التصويت لابن البلد، فحدِّث ولا حرج. فقد انضم لهذه الجوقة من استطاع الى ذلك سبيلا: الفحماوي والقرعاوي والعيلبوني. ولكن درة التاج كانت في الطيبي الذي رفع مستوى الشعار من المفهوم المحلي الى القطري: "ابن البلد في كل بلد"، وتمكن من دخول الكنيست، بغض النظر مع اي حزب يأتلف. ليس صدفة ان بقية الاحزاب تبنت هذا الشعار السحري.

الشعار يمكن ان يكون فخا، اذ انه لا يضمن ولاء البلد تلقائيا وبشكل مبدئي. انظر مثلا ما حدث في ام الفحم. في انتخابات 2006 حصلت الجبهة هناك على 7000 صوت لابن البلد عفو اغبارية. اما في الانتخابات السابقة عام 2003 فقد كان ولاء ال7000 لابن بلد آخر هو هاشم محاميد، اما ابن البلد الجبهاوي فحصل حينها على 2000 صوت فقط. هذا هو الثمن الذي يدفعه من يعتمد على ولاءات لا علاقة لها بالالتزام بالمبادئ الحزبية.

لقد صوّتت الجماهير العربية خشية ان يزيد الامر سوءا، وخشية ان تفقد اي تمثيل حتى وإن كان عاجزا. باختصار "الريحة ولا العدم". ولكن للاسف، الامور تسير بالفعل من سيئ الى اسوأ. وفي السنوات الخمس الاخيرة، لم ينفع التمثيل البرلماني، في منع تعمق الفقر الذي وصل الى درجات غير مسبوقة. والمتوقع ان المقاعد العشرة التي حظيت بها الاحزاب العربية، لن تتمكن من وقف التدهور وحل المشاكل الاساسية التي يواجهها المواطن العربي في البلاد.



احزاب امام انقسامات

رأسا بعد الانتخابات تعالت الاصوات داخل الجبهة التي تطالب باقالة الامين العام للحزب الشيوعي، عصام مخول، وحل مكتبه السياسي. وتتهم هذه الاصوات مخول بتعطيل تحالف الجبهة مع الحركة العربية للتغيير برئاسة الطيبي، والاصرار على ترشيح دوف حنين في المكان الثالث لحفظ التركيبة العربية اليهودية للقائمة، علما انه لا يمتلك قوة انتخابية لا بين اليهود ولا بين العرب. واستنتج هؤلاء ان هذا القرار أضعف قوة الجبهة داخل البرلمان. فقد حصلت على ثلاثة مقاعد، وكان من الممكن اذا تحالفت مع الطيبي ان تكون القوة الاولى وتحصل على اربعة مقاعد، يكون رابعها لحنين.

ولان التصويت كان للفرد وليس للبرنامج، يطالب انصار المرشح الرابع عفو اغبارية (7000 صوت في بلده ام الفحم)، بالتناوب مع دوف حنين الذي لم يأت الا ب3500 مقعد. تحقق الامر سيعني ان الحزب الشيوعي سيفقد تمثيله في البرلمان من خلال قائمة الجبهة، للمرة الاولى في تاريخه، علما ان بركة موجود في الاقلية داخل الحزب الشيوعي.

واضح ان الازمة الداخلية لن تتوقف عند هذا الحد. مجلس الجبهة خرج من الانتخابات خائب الآمال، اما الحزب الشيوعي فقد بات مهددا ما تبقى له من تمثيل، بعد ان تم اقصاء امينه العام عن التمثيل البرلماني هذه المرة.

عزمي بشارة، زعيم التجمع، مصر على ان حزبه هو القوة الاولى في الشارع العربي (فصل المقال، 7 نيسان)، رغم ان نتيجة الانتخابات اعطته اقل عدد من الاصوات من بين الاحزاب الرئيسية الثلاثة (72 الف صوت).

يبدو ان التجمع يلاقي صعوبة في الاستفاقة من وهم "القوة الاكبر"، التي لم تكن ابدا صحيحة. ولم تنفع في تغيير هذه الحقيقة الملايين التي استثمرت في الدعاية الانتخابية. اقتناع عناصر الحزب بهذه الاشاعة التي روجتها قيادته في صفوفهم، ادت الى خيبة امل قادت لتوجيه اصابع الاتهام الى اكثر من جهة، وتحميلها مسؤولية فشل التجمع الذي تمكن بصعوبة من اجتياز نسبة الحسم، وبمساعدة اتفاق فائض الاصوات مع الجبهة.

صحيفة "حديث الناس" (14/4) افادت بان عناصر في التجمع بدأت حملة لقصقصة اجنحة بعض التيارات داخله.

الحركات التي لم تشارك في الانتخابات لم تسلم هي الاخرى من الخلافات والانشقاقات الداخلية. عن الحركة الاسلامية الجناح الشمالي (جناح رائد صلاح)، انشق احد مؤسسيها، الشيخ خالد مهنا، وانسحبت معه مجموعة كبيرة من الناشطين. وقد قرر هؤلاء "لاسباب سياسية وفكرية" انهاء عضويتهم في الحركة والانتقال للحركة الاسلامية الجناح الجنوبي (برئاسة النائب ابراهيم صرصور).

في مقابلة لصحيفة "كل العرب" (14/4)، فسر الشيخ مهنا ان الخلفية لخطوته متعلقة باداء وتوجهات متشددة من قبل قيادات وصفها بالمتنفذة داخل الحركة الاسلامية، التي "تنهك الجماهير"، حسب تعبيره. واضاف الشيخ ان الحركة في ازمة سياسية ومالية، وهي بحاجة ل"بيروسترويكا" اسلامية.

هذه نتيجة طبيعية لحركة تتقوقع وتنغلق. ترفض المشاركة في الانتخابات لكنها لا تجرؤ ان تنادي لموقفها هذا، فتدعو مصوتيها للتصويت لاي حزب عربي، وتنادي بفكرة غير واقعية لتأسيس المجتمع العصامي. تبني كل شعبيتها على الاقصى، وتدعو لخطاب غيبي بعيد جدا عن حاجات الجماهير الحقيقية.

الخلاف الوحيد الذي يشغل بال الاحزاب هو حول السؤال: من القوة الاكبر في البرلمان ومن في الشارع؟ ولكن المشكلة ان هذا "الشارع" وهذا الشعب المعرّض للبطالة والجوع والفقر، هو الذي كان يجب ان يشغل بال هذه الاحزاب، خاصة بعد ان انتهت الحملة الانتخابية، وحان وقت العمل. ولكن لا يبدو ان ايا من هذه الاحزاب ينوي القيام بمراجعة للذات. من هنا، فلا يبقى امام المجتمع مفر من القيام بنفسه بهذه المراجعة. واخص بالذكر الطبقة العاملة التي وقفت بغالبيتها موقف الحياد، ولم تخرج للتصويت اصلا، بسبب فقدانها الثقة بامكانية تغيير وضعها من خلال العملية السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في