الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول نظرية الحزب في الماركسية اللينينية

برهان القاسمي

2019 / 4 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


عرفت السباحة الفكرية والسياسية في السنوات ألاخيرة عدة مجادلات ودعوات الى نبذ التنظيم الحزبي والتخلي عن ألاحزاب واللاتحزب ودعوات أخرى الى الوحدة والانصهار بين الاحزاب الموجودة على الساحة و خاصة بالنسبة للاحزاب المشكلة للجبهة الشعبية وهذه الدعواة عموما تبرز وتحتد بعد كل هزيمة أو نتيجة سلبية في معركة انتخابية وهي متزامنة ومترافقة اليوم مع دعوات قديمة ومتجددة للتخلي عن التنظيمات العمودية لصالح التنظيمات الافقية والشبكية وعن التنظيمات عموما لصالح المنظمات الجماهيرية و النقابية والمهنية والاجتماعية والثقافية والتخلي عن المركزية والسلطوية وتنويع مراكز القرار والاستقلالية الذاتية.وكذلك مع دعوات أخرى للتخلي عن المصطلحات والمفاهيم النظرية والايديولوجية وغيرها والتي تعتبر عندهم عوائق في طريق الوصول الى الجماهير وتوحيدها والى ضرورة ترك التباينات والفروقات وحتى التناقضات الموجودة بين مختلف الفصائل والشيع والاحزاب من اجل التجميع والوحدة والانصهار،والى غير ذلك من الكلام الجميل والمنمق.
أن هذه المجادلات والصراعات الدائرة داخل المجتمع وداخل الطبقة العاملة وداخل الاحزاب ليست خاصية تونسية بقدر ماهي ظواهر عالمية كما قلنا وقد غدت كذلك منذ بروز الطبقة العاملة على مسرح التاريخ وهذه الصراعات في تونس اليوم لا تعدو ان تكون سوى النسخة المكررة الرديئة والتافهة . وهي تظهر كما قلنا في كل مرحلة من مراحل التطور التاريخي بهذا الشكل أو ذاك وبهذه الصورة أو تلك وعلى هذه القاعدة اوتلك باعتبارها تعبيرات عن مصالح واهداف قوى اقتصادية واجتماعية متنافرة ومتناحرة لهذه الدرجة اوتلك من مستوايات تطور الصراع الطبقي في المجتمع وداخل الطبقات حتى وان بدت ظاهريا متناسقة وغير ظاهرة للعيان.لحماية الطبقة السائدة.ومن المعلوم أن الطبقة العاملة كاي طبقة أخرى " لا تستطيع أن تعتبر عن نفسها كطبقة ألا اذا شكلت حزبا سياسيا متميزا."( ماركس انجلز البيان الشيوعي ).فما هو هذا الحزب وما هي هويته؟ وما هو نمط تنظيمه؟ وما هي علاقته بباقي الاحزاب والتيارات والمجموعات؟
لا حركة ثورية دون نظرية ثورية
تبدأ الطبقة العاملة صراعها مع البرجوازية منذ لحظة ظهورها على مسرح التاريخ، وتبدأ المصادمات والمواجهات العمالية المنفرد والمشتتة التي تخوضها هذه ألاخيرة في مواجهة البرجوازية بالتحول تدريجيا إلى صراع طبقي، وهذا الصراع ليس فقط من اجل تلطيف وتحسين شروط بيع قوة العمل بل أيضاً من اجل إعادة تنظيم العلاقات الاجتماعية تنظيما اشتراكيا، وهو ما يقود حتماً إلى ديكتاتورية البروليتاريا إلى مجتمع حيث تكون " حرية تطور كل فرد فيه شرطا لحرية تطور جميع افراده. " (البيان الشيوعي ) ولبلوغ هذا الهدف و " القيام بالفعل التحرري للعالم هذا، هوالرسالة التاريخية للبروليتاريا وبالتالي طبيعته نفسها، ومن ثمة دفع الطبقة الى رسالتها.....الى وعي ظروف فعلها الخاص بها وطبيعته، فتلك هي مهمة الاشتراكية العلمية.التعبير النظري عن حركة البروليتاريا " انجلز ( الاشتراكية : الطوباوية والعلم). ولقد انجلز وماركس ومن بعدهما لينين وستالين شديدي الحرص على ضرورة واهمية هذا الجوانب من جوانب نظرية الحزب واعتباره شرطا واساسيا لتحرر الطبقة العاملة اذ بدونه ستضل فريسة للايديولوجيا البرجوازية والبرجوازية الصغيرة وتقديسا أعمى للعفوية،وفصلا للنظرية عن الممارسة بما يقضي على النظرية والممارسة والوعي السياسي الثوري معاً،وبالتاليعلى كامل عملية التراكم، باعتبار ان النظرية والممارسة في وحدة جدلية لا يمكن الفصل بينهما،حيث أن هذا الفصل لا يقود ألا الى الحفاظ على الوضع القائم ولمصلحة البرجوازية، ويقود كذلك إلى الحد من تطور الوعي لدى الطبقة العاملة والى الحد من تحولها من طبقة بذاتها إلى طبقة لذاتها ، ولرؤيتها الطبقي الخاصة. أن تمثل واستيعاب النظرية باعتباره خاصية جوهرية من خصائص الحزب الماركسي اللينيني،باعتباره الشكل الاعلى لتنظيم البروليتاريا الثوري، وحيث أنه أيضا و من هذه الزاوية هو ما يميز الشيوعيين عن بقية البروليتاريين أي " الادراك الواضح لظروف حركة البروليتاريا، وسيرهاونتائجها العامة" ( البيان الشيوعي) ، حتى ان انجلز يضع هذا الجانب على قدم المساواة مع النضال الثوري السياسي والنضال الاقتصاي وخاصة بالنسبة للقادة " سيكون من واحب القادة على وجه الخصوص، ان يمتلكوا فهما اكثر وضوحا لجميع المسائل النظرية....وان يضعوا في اعتبارهم أن الاشتراكية منذ أن أصبحت علما صار يجب أن تعامل كعلم،اي ان تدرس ".
لقد اتاحت التجربة العملية لكل من ماركس وانجلز ومشاركتهما في نضال الطبقة العاملة الالمانية والانجليزية والفرنسية من استخلاص الدروس بضرورة التمثل الواضح والدقيق،ومعرفة قوانين التطور الاجتماعي ووعي مشكلات وقضايا الثورة في كل مرحلة من مراحل تطورها ومكنتهما من استيعاب وحسن تقدير كل لحظة معينة للوضع الراهن الملموس والى توزع القوى الطبقية محليا ودوليا ووعي تناقضاته الملازمة وسيرورة تشكله من جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية والايديولوجية، ومالات تطورها،ذلك أنه " لا يستطيع القيام بدور مناضل الطليعة إلا حزب يسترشد بنظرية الطليعة. " حزب قادر على تحويل هذه النظرية الثورية الى ممارسة ونشاط عملي سياسي " تحيا فيه النظرية بالتطبيق، وتتصلح بالتطبيق، وتتثبت بالتطبيق "( لينين ), وقد حذر ماركس وانجلز منذ سنة 1875 من مغبة التنازل النظري تحت أي ظرف وتحت أي ضغط مهما كان، ولا تحت أي مسمى كان ( وحدة، اندماج، عقد اتفاق، عمل مشترك، نتائج انية أو غيرها...) " لن يقدم أحد على اية مساومة حول المبادئ " ( نقد برنامج غوتا ).
ألا ان ما يظهر واضحا في تونس وداخل صفوف" المثقفين" البرجوزيين الصغار هو التفصي من المسائل النظرية وسلوك مسلك المذهب الاختياري، مع جملة من الانشاءات السوسيولوجية البرجوازية والمسلمات الفلسفة الطبيعية والتاملية الميتة، في صياغة المبادئ النظرية والتنظيمية والسياسية،بما يرضي هذا الطرف أو ذاك، واساسا وقبل كل شيء ما يرضي القوى الليبيرالية، محملين حالة التراجع والاخفاقات المؤقتة التي تعيشها الحركة الشيوعية واليسارية إلى انغماسها في" صراعات فكرية غريبة لا علاقة لها بتونس " كقضايا الخلاف في الحركة الشيوعية العالمية،و"تفاصيل فلسفية"وتفاصيل حول هذه القضية أو تلك التي اثارتها الحركة الشيوعية العالمية،وحول" طبيعة الثورة"و" كيفية التغيير السياسي..." والحقيقة ان مثل هذه الصراعات" النظرية" نسبيا غريبة عن الحركة الشيوعية في تونس،الا اذا كان الجماعة يسمون الثرثرة التي كانت سائدة وهي فعلا موجودة " نظرية" وهذه الثرثرة حول الثورة والدولة وغيرها من القضايا التي لا تنتج فكرا بل تولد المشاحنات والمزايدات والمهاترات ميزت تقريباً كامل الحلقات والمجموعات خلال فترة الستينات والسبعينات ك ( تجمع الدراسات والعمل الاشتراكي التونسي-افاق- التجمع الماركسي اللينيني بالهجرة،التجمع الماركسي اللينيني بتونس، افاق العامل التونسي،الشعلة، حزب الشعب الثوري،والعفويون، الوطنيون الديمقراطيون، لجان المبادرة،التجمع الاشتراكي، الخط السائد....) كانت بعيدة كل البعد ولا علاقة لها بالنظرية ولا بالفكر الماركسي اللينيني، فالماركسية ليست ترفا فكريا ولا نخبوؤا،وليست أيضا نشاط أكاديمي وحتي هذا الجانب الأخير شبه معدوم لدى هذه الجماعات،بل بالعكس كان من أكبر نقائصها هو عدم استنادها إلى النظرية الثورية،فهي تنهل أساساً من خليط من الأفكار من جميع المشارب وخاصة منهما التروتسكية والماوية والباكونينية والغيفارية وخاصة والى اليوم مازلت مشبعة بافكار وتصورات اليسار الجديد غارودي، سارتر،التوسير....وهو ما يسمونه" الانفتاح على الاخر دون قيود ايديولوجية صنمية كالتي يعاني منها اليسار المتحجر" .وبطبيعة الحال إن من يحاجج دون مرتكزات نظرية وفكرية ثورية لا يمكن ان يصل إلا إلى مثل هذه البلاهة التي تقول"الثورة التي كنتم تختلفون على طبيعتها حدثت ولم يعد هناك ما يبرر الانسان "هكذا. ومن هذه المنطلقات أيضاً ورغم الادعاء بتبني النظرية الماركسية يرى البعض الآخر ان" ليست هناك حاجة مطلقة لمعارضة التكتل داخل الحزب" للحفاض على وحدته، وان المركزية الديمقراطية تسمح بتواجد الخطوط داخل الحزب،وماهي إلا ميكانيزم لحسم الأمور بكل ديموقراطية " وبالتالي " يصبح المطلوب من مناضلي حزب العمال التخلص من حالة الانكماش التنظيمي أما المطلوب من مناضلي حزب الوطد الموحد القبول بشروط تنظيمية أكثر تماسكا" فالوحدة أصبحت " مسار اختياري لا يتوقف انجازه إلا على إرادة اصحابه" وهكذا اصبحت الوحدة عند صاحبنا لعبة شد الحبل دون هوية نظرية وايديولوجية،ودون برامج واهداف، والتي بالنسبة إليه تدخل في ايطار الرؤى" السلفية" وهو ليس-- كما يقول -- مهموما بما إذا كانت نظرته تتوافق مع" هويتنا " ومرجعيتنا،وهكذا وبشكل اختياري وارادوي أصبحت الاختلافات ذات طبيعة تنظيمية معزولة عن واقعها المادي المنتج ولا علاقة لها بالبرامج والأهداف الاستراتيجية والتكتيكية الناجمة عن وضع تاريخي محدد، ولا بالقوى الاجتماعية المدعوة تاريخيا القيادة المرحلة،متجاهلا ان النظرية الماركسية هي وعي مشكلات الثورة في كل لحظة،وتحديد اولويات الممارسة، فهي كل مترابط نظري وسياسي وتنظيمي، وغير ذلك، هو ما يسميه لينين بالانتهازية في مجال التنظيم. ذلك أنه دون فهم النظرية لا يمكن تحديد الاولويات في الفعل الثوري ولا لاليات تغييره ولا لوضع برامجه حيث ان هذا العمل يتطلب وعياً عميقا ومعرفة علمية، ان هذا الإطار النظري الذي اكد عليه مؤسسو الماركسية اللينينية ماركس انجلز ولينين وستالين هو الذي سيحدد ويوحد القوى والأهداف ويمركزها في كل مرحلة من مراحل التطور التاريخي، فالصراع الفكري والايديولجي ليس فقط ضد الطبقات الاجتماعية المسيطرة بل أيضاً ضد كل القوى الوسطية البرجوازية الصغيرة والفلاحين....والكشف عن المصالح الاقتصادية والمادية الكامنة خلف هذه الافكار، وفهم واستيعاب اتجاهات تطورها، وهنا تكمن قوة النظرية الماركسية اللينينية وجوهر الديالكتيك المادي ف" وحدة الحزب الذي استوعب الماركسية اللينينية، قادر على التقدم بخطى ثابتة وقيادة الطبقة العاملة إلى الأمام." ( دروس من تاريخ الحزب البلشفي- ترجمة خاصة ), " وتسليط النقد لا ضد الوضع القائم فحسب بل ضد امتداده التجريدي ايضا ",ف " رأس هذا الانعتاق هو الفلسفة،وقلبه هو البروليتاريا" ( ماركس نقد فلسفة الحق عند هيجل)
البرنامج: الاستراتيجية والتكتيك الثوري
إن تحقيق المفهوم العلمي الماركسي عن العالم، وتادية الرسالة التاريخية للطبقة العاملة يقتضي بالضرورة برنامجا ثوريا ولقد اكد لينين منذ سنة 1894 وفيما بعد بمناسبة المؤتمر الااستثنائي السابع للحزب الشيوعي الروسي ( البلشفي ) على ضرورة ان يلتزم الحزب دائما عند اعداده لوثائقه البرنامجية بالدقة الفائقة والمتناهية،وان يقدم فيها تعميما علميا للتجربة العملية التاريخية والواقع الفعلي، وعلى ان تكون المهمات والأهداف الاستراتيجية والتكتيك العملية الانية مترابطة وقائمة على أساس الادراك الموضوعي العلمي لعملية التحويل الثوري للمجتمع لعصر تاريخي كامل في اطار العلاقة الوثيقة،والتفاعل الجدلي بين النظرية والممارسة، ومتجاوبا مع متطلبات تطور الطبقة العاملة ومصالح تطور المجتمع باكمله، حيث يكون البرنامج شاملا لاقسامه النظري والعملي والسياسي اذ " يجب أن يقوم برنامج الحزب الماركسي على وقائع ثابتة بدقة مطلقة. ففي هذا فقط تكمن قوة برنامجنا." بمعنى كما يقول وصف تطور التبادل والانتاج البضاعي في العالم باسره الذي اصبح الظاهر التاريخية المهيمنة،وافضى إلى الراسمالية التي تحولت الى امبريالية، وأن هذه الإمبريالية تدشن عهد الثورة الاجتماعية،وان هذا الافق العام التطور التاريخ العالمي يمكن الحزب من رؤية بداية هذا النشوء والتطور الراسمالي وامتداداته وافاقه ونهايته، والتي لن يكون سير تطورها كما يقول في خط مستقيم في الواقع بل معقدة اشد التعقيد.وذلك لكي لا نتيه ولا نفقد الاتجاه الصحيح في مراحل التراجع والانسحاب والاخفاقات والهزائم المؤقتة،وهو ما دشنه ماركس وانجلز منذ سنة 1847 باصدار البيان الشيوعي والذي كان معدا في البداية كبرنامج سياسي لعصبة الشيوعيين، والذي لازال إلى الآن يحظى براهنيته رغم مرور كل هذا الوقت على صدوره وذلك بحكم خط التطور العام الذي رسمه،ورغم ان عددا من النقاط فيه قد شاخت كما يقول انجلز،وهو ما يعكس الى حد بعيد تاريخ حركة الطبقة العاملة الحديثة،وعرض مختصر وشديد الوضوح للنظرية الماركسية الثورية،ومرشد للعمل،ويؤكد انجلز في رسالته إلى شميدت سنة 1890 على أن" مفهومنا للتاريخ هو في المقام الأول مرشد للدراسة، وليس رافعا للبناء على الطريقة الهيجلية،وينبغي لنا ان ندرس التاريخ كله من جديد، ينبغي لنا ان نبحث بالتفصيل ظروف وجود التشكيلات الاجتماعية المختلفة، قبل ان نحاول أن نستخلص مفاهيم سياسية وحقوقية وجمالية وفلسفية ودينية وما إلى ذلك مناسبة لها." اذ بدون هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تحديد خط اتجاه الضربة الاولى ( الاستراتيجية) كما يقول ستالين، ولا طرق واساليب تحقيق تحويل النضال الجماهيري العفوي المطلبي والتريدنيوني المشتت الى نضال طبقي واع، فالتكتيك الصحيح في الدعاية ليس اجتذاب عدد من الافراد هنا وهناك من لدن الخصم،بل بالعمل بين الكتلة الكبيرة التي لم تسهم في الحركة بعد، ان القوة الخام لفرد واحد...وهو بعد في حالة نقاوة لتساوي أكثر من عشرة مرتدين لاساليين يحملون معهم دائما إلى الحزب بذور اتجاهاتهم الخاطئة" ( انجلز إلى بيبل 1873 )
إن دراسة الواقع الأقتصادي والاجتماعي والسياسي وكشف التناقضات التي تشق المجتمع وتحديد موازين القوى الطبقية وطنيا وعالميا تكتسي أهمية حياتية فاصلة للحكم على صحة وخطل البرامج السياسية للاحزاب وتكتيكاتها واساليب عملها واشكال ومحتوى دعايتها وتحريضها،وطرق تنظمها،ولتحديد القوى الاجتماعية الفاعلة والمدعوة الى قيادة المرحلة،فدون هذا التحديد العلمي والدقيق لواقع المجتمع وقواه المحركة لا يمكن الحديث لا عن برنامج استراتيجي أو تكتيكي،ويصبح الحديث عن تبني الماركسية والاشتراكية والتغيير الثوري لغوا لا طائل من ورائه، بل بالعكس فان مثل هذا التبني اصبح احد خاصيات الانتهازية والتحريفية، واليسار التونسي ومكوناته الماركسية،كما هو معلوم لا يمتلك قراءات ولا دراسات علمية ومدققة للواقع التونسي،ولا يمتلك برامج استراتيجية وتكتيكية واضحة، ولا خطط تنظيمية ، ولا جرائد سياسية، باستثناء حزب العمال الذي تاسس على مبادئ الماركسية اللينينية،وحدد بدقة فائقة برنامجه الاستراتيجي والتكتيكي،وخطه التنظيمي على أساس قرائته للواقع الاقتصاي والاجتماعي والثقافي التونسي وقطع بذلك ومنذ اواسط الثمانينات مع العفوية والروح الحلقية السائدة، حيث اصدر العديد من البحوث والدراسات مثل المجتمع التونسي: قراءة اقتصادية واجتماعية ( وهو يتطلب التخييم), وقراءة في تاريخ الحركة النقابية،وضد الظلامية،والبريسترويكا السوفياتية:ثورة مضادة داخل الثورة المضادة،والمراءة التونسية واقعها ومستقبلها،والعديد من الكتابات الأخرى،بالاضافة الى كتابات الرفيق محمد الكيلاني قبل انحرافه كتاريخ الحركة الشيوعية في تونس،والماوية معادية الشيوعية، والتروتسكية والتروتسكيون في تونس،وفي الحكم الفردي،وحول المسالة القومية،وغيرها من الكتابات الأخرى بالإضافة إلى كتاب الرفيقة الفقيدة عائدة الهاني اصول الشعب التونسي العرقية وظروف استعرابه،وعدد آخر كبير من الاصدارات في مختلف المجالات، هذا مع الدور الذي لعبته مجلة الشيوعي السرية ومجلة اطروحات العلنية.......
لهذا كان مصير أغلب هذه الشيع والتيارات والحلقات التلاشي والاندثار وتحول عدد منها إلى صفوف اعداء الطبقة العاملة،وما تبقى منها يعيش حالة من التشضي المستمر،ومحكومة بروح الزعامتية البرجوازية الصغيرة،وتتحرك داخل جملة من المفاهيم والانشاءات والمقولات النظرية المجردة والبعيدة كل البعد عن النظرية الماركسية اللينينية ومرتهنة إلى مقولات واطروحات كالثورة الدائمة التروتسكية والشبه اقطاعي شبه مستعمر الماوية الخاصة بالوضع الصيني والمناقضة لقانون الجدل وقانون الحركة والتطور،فحيث ان الحركة مطلقة والسكون نسبي كقانون مادي جدلي يصبح عند الجماعة معكوسا،وتحولت عندهم مرحلة الشبه اقطاعي شبه مستعمر وهي كما يقول لينين"مثل الاشكال الانتقالية التي تصادف في جميع ميادين الطبيعة والمجتمع" إلى واقع دائم وثابت،وتجمدت معه حركة التاريخ وقانون الحركة والتطور حفاضا على نقاوتهم الثورية الماوية .ونشير هنا،وكما هو واضح، أن هذه الفرق الشعبوية تعيش حالة انفصام تام بين معتقداتهم الفكرية والنظرية وبين ممارستهم العملية،حيث نشاطهم العملي يتناقض بصورة واضحة مع مفاهيمهم النظرية وتتجاوز الممارسة النظرية،كما لاحظ ذلك بليخانوف بالنسبة للفرق الشعبوية في روسيا،وهي امثلة لا تنعدم في تاريخ الفكر عامة،لذلك نجدها عامة تلجا إلى الاوهام لتحل ظاهريا التناقضات الملازمة لبرامجهم،وذلك " فقط لأن برامجهم،مسلماتهم الخاصة،تنقصها الاشتراكية العلمية."(بليخانوف المجلد الأول)
إن تعمق التناقضات البينية كقانون للتطور اللامتكافئ على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين البلدان وبين المجتمعات وداخل الطبقة العاملة، تنحو مصالح الاغلبية الساحقة دائما منحى التقارب المتزايد مع مصالح واهداف الطبقة العاملة،وهو ما ينتج ويولد باستمرار هذه الاختلافات والتناقضات بين هذه المجموعات والفصائل،وخاصة اليوم مع تعمق التناقضات بين الامبرياليات والاتحولات التي يشهدها العالم من القطب الواحد إلى تعدد الاقطاب وخاصة مع ظهور مجموعة البريكس وشنغهاي...يؤدي بالضرورة الى اختلافات وتناقضات وفوارق في المهمات العملية التكتيكية منهما والاستراتيجية، ولكنها أيضاً وفي حدود معينة وحسب درجة تطور و حدة تعمق الازمة الراسمالية في هذا البلد أو ذاك تظل قوى كفاحية حليفة للطبقة العاملة،الا ان عدم فهم واستيعاب قانون التطور اللامتكافئ،وعدم التقدير الصحيح لنسب القوى الفعلية في هذه المرحلة أو تلك،وسرعة تغيرات توزيع القوى الطبقية،يؤدي أيضاً وبالضرورة الى ظهور وبروز مثل هذه التيارات والفرق والتكتلات اليمينية واليسراوية داخل الطبقة العاملة واحزابها،ولقد حدد ستالين في رسالته في ماي 1937 إلى مؤلفي كتاب" تاريخ الحزب الشيوعي" اسباب كثرة كثرة التيارات والمجموعات داخل للحزب إلى : " ا) وجود عدد من الطبقات الجديدة الحديثة من وجهة نظر الراسمالية،وطبقات قديمة،ما قبل راسمالية في روسيا. ب) الخاصية البرجوازية الصغيرة للبلاد. ج) التركيبة الغير متجانسة الطبقة العاملة." ( ترجمة خاصة) إن واقع منحى التقارب بين مصالح القوى البينية،وفعل قانون التطور اللامتكافئ يجعل الحزب ملزما في كل المراحل بالعمل مع الحلفاء الجدد الذين يفرزهم الواقع من بينهم حركات التحرر الوطني في العالم و إلى تتبع جميع مظاهر السخط والاحتجاج الليبيرالي مهما كان جزئيا وبسيطا.فهذه النزاعات وفي بعض الفترات قد تتحول إلى" حريق هائل", بالإضافة إلى أنها تمثل مادة للتربية السياسية كما اشار إلى ذلك البيان الشيوعي ،وعلى الحزب الحصول عليها من أجل الطبقة العاملة لمزيد توسيع نطاق التحريض السياسي،وابراز مضمونه الطبقي ببرنامج محدد ومبادئ واضحة وراسخة تنفذ بكل همة وبدون كلل وباستمرار وتصميم لا يعرف حدودا،والعمل الدائم على الاشتراك باوسع شكل ممكن في جميع ومختلف اوجه النشاط،والارتفاع بمستوى العمال العاديين والعناصر المتقدمة من الطبقة العاملة إلى مستوى منظمة الثوريين المحترفين عبر تثقيفهم وتربيتهم على الروح القتالية، ف " التحريض السياسي_ كما يقول لينين_ متعدد الجوانب وهو موضع تركيز تتطابق فيه المصالح الحيوية للتربية السياسية للبروليتاريا مع المصالح الحيوية التطور الاجتماعي ككل،لكل الشعب،اي لكل عناصرها الديمقراطية.انه لواجبنا المباشر أن نشغل انفسنا بكل مسالة ليبيرالية،واننحدد موقفنا الاشتراكي الديمقراطي منها،ان نساعد البروليتاريا على أن تقوم بدور نشط في حلها وأن تنجز الحل بطريقتها " لذلك لا يندر أن نجد بعض الاحزاب والتيارات المتباينة والمختلفة والمناقضة سياسيا وايديولوجيا في تونس وفي كل مكان جنبا إلى جنب،وفي في نفس الخندق أيام الثورة وقبل الثورة دون أن تحول هذه الاختلافات من وحدة ممارستها،وفي تجارب عمل مشتركة،كتجربة" اليسار النقابي المناضل" على اثر ازمة اتحاد الشغل سنة 1985 وتجربة بيان 1 ماي سنة 2000 اوغيرها من الأعمال المشتركة أو تجارب العمل الجبهوي،الا أن هذا لا يعني في شئ الوحدة والانصهار في حزب واحد،وهو ما يقدم عادة كتبرير لضرورة الوحدة والانصهار بين هذه ألاحزاب والتيارات باسم " القاسم المشترك " ،فمن أجل الوحدة لا يكفي مطلقا البحث عن قواسم مشتركة،بل كما يقول لينين" قبل ان نتوحد ومن أجل أن نتوحد يجب ان نتباين بحزم ووضوح" ان نبين الحدود التي تفصل بيننا وهذا الفصل والتحديد الدقيق لا يهم فقط الاحزاب والتيارات المطروح معها الوحدة والاندماج،بل يشمل أيضاً وبدرجة أقل الاحزاب والتيارات المطروح معها عقد اتفاقات حول قضايا تكتيكية جزئية عملية ومحددة زمانيا،انتخابية او سياسية أو نقابية أو حقوقية قد تغنم منها الطبقة العاملة،وذلك تجذيرا لوعيها وضد افساده بالاوهام الدستورية والليبيرالية الأصدقاء المزيفون والذين يعبرهم مؤسسو الاشتراكية العلمية اشد خطرا من الأعداء المكشوفين،اذ أن الوعي الطبقي البروليتاري لا يفسده العنف والقوانين الزجرية،بقدر ما يفسده مثل هؤلاء الأصدقاء المزيفون،لذا وجب في كل الحالات التأكد مما إذا كان هذا " الحليف" يقاتل فعليا ضد العدو المشترك ، وباي طريقة، ومما إذا كانت هذه الاتفاقات المفيدة في الحصول على مقاعد في البرلمان ليست ضارة بالاهداف الدائمة والاعمق للحزب الثوري، يقول ليبكنخت " سوف يكون فرض قانون مناهض للاشتراكيين أقل شرا من التعمية على التناقضات الطبقية وخطوط الحدود الحزبية باتفاقيات انتخابية " ( لينين : لا مساومة، لا متاجرة سياسية_ مقدمة الترجمة الروسية لكراس و. ليبكنخت ). إن الخلط المتعمد بين مصالح واهداف الطبقة العاملة وبقية مصالح واهداف التيارات والاحزاب البرجوازية الديمقراطية وبين منظمة الثوريين المحترفين وبين المنظمات الجماهيرية، وبين الالتحام بالجماهير وبين النضال ضد عدو مسلح ومنظم وممركز،وبين المسائل الفلسفية والتاريخية والاجتماعية وبين مسائل ذات بعد تنظيمي وتكتيكي بحت،ماهو في الحقيقية كما يقول ماركس وانجلز إلا " انحطاط إلى دور حذاء يستعمله الديموقراطيون البرجوازيون "
المركزية الديمقراطية
لقد شكلت مسالة المركزية الديمقراطية نقطة ارتكاز كل القوى الليبيرالية والانتهازية والتحريفية للهجوم على الماركسية اللينينية وتجريدها من روحها الثورية وسلاحها ضد البرجوازية،وهي ترتدي في كل مرحلة شكلا واسلوبا معينا،منذ عهد ماركس وانجلز مروراً بلينين وستالين إلى يومنا هذا .وجميعها ظلت تردد نفس الاطروحات ونفس الحجج والبراهين،ونفس المصطلحات ونفس الكلمات،ونفس الاتهامات التسلط،البقرطة،المراتيبية،والنخبوية.
إن مضمون النشاط الحزبي الذي تعرضنا إليه متجسدا في النظرية والبرنامج يشكل المنطلق لتحديد مفهوم الحزب وشكل تنظمه، و أساساً مسالة المركزية الديمقراطية التي يحاول البعض عزلها عن مجمل النظرية الماركسية اللينينية وتسويتها بالمركزية الديموقراطية لدى ألاحزاب البرجوازية بشكل تغدو معه مهام واهداف الاحزاب البرجوازية مماثلة لمهام واهداف الاحزاب الشيوعية، أو اعتبارها مسالة ناجمة عن ولا تصلح الا في الانظمة الاستبدادية،وللنشاط السري،وهي بالتالي لا تصح في الانظمة الديموقراطية والنشاط العلني، بالإضافة إلى خلط مفهوم المركزية بمفهوم البيروقراطية،ومفهوم الحزب بمفهوم الطبقة...وايضا محاولات ايجاد وخلق تناقض وهمي بين ماركس ولينين،ولاتهام لينين بالافراط في المركزية،والتامر والتسلط والنخبوية على خلاف ماركس وانجلز،من جهة وبين لينين وستالين من جهة ثانية،وخاصة حول هذه المسالة،وهذا مانجده عند محمد الكيلاني في كتابه" التجربة السوفياتية: اشتراكية أم راسمالية؟نحو تجديد المشروع الاشتراكي.وهي تهم كما قلنا ليست بجديدة بل تكرار لما سبق دون اية اضافات،من من باكونين و برنشتاين إلى لاسال وكاوتسكي و روزا لوكسمبورغ و تروتسكي وبارفوس،والى كامل المدرسة النقدية ومدرسة فرنكفورت و هربارت ماركيز وغارودي و اليسار الجديد،الى نيغري وهاردت،و لاكلو وشانتال و سلافوي جيجيك.....( أنظر نص الاسس الفكرية والفلسفية لهزيمة الثورة التونسية.الحوار المتمدن).وفي هذا الإطار وبعد التركيز الممل على كلمات محددة قالها لينين ومخرجة عن سياقها كالتامر والنخبوية...يستنتج محمد الكيلاني تعارضا مزعوما بين مفهوم لينين للحزب ومفهوم ماركس، وهذا الادعاء نفسه نجده في كتابات الفوضوي عفيف الأخضر،ولتبرير هذا التناقض المزعوم نجده يعزوها أيضا إلى انية الثورة وحتمية الانفجارات الثورية،والى قانون التطور اللامتكافئ خالطا في ذلك مفهومي التطور والتناقض،ومستشهدا بنصوص لماركس وانجلز مبتورة و خارجة عن سياقها التاريخي.مع ذلك نعتقد انها أكثر عمق ووضوح في تناولها لنظرية الحزب،عما صدر مؤخرا حول هذه القضية،وخاصة منها مبادرة المؤتمر الوطني الأول للجبهة الشعبية،ان كان البيان الصادر عن هذه المبادرة أو كل ما صدر بصفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي ( الفايس بوك ) أو النصوص الصادرة عن بعض الرفاق في حزب العمال و نذكر بالخصوص نص مب
مبادرة لاعادة هيكلة المؤسسات القيادية للحزب،و الحزب اليساري الكبير ضرورة ملحة،ونص في ازمة الحزب، و حزب العمال التناقضات المستعصية ، نص المؤتمر القادم للحزب: البيروقراطية تقود الحزب نحو الانهيار.وهي جميعها كانت مدفوعة بنوع من النزاعات التوفيقية،تحت تاثير الوضع السياسي العام في تونس وفي العالم الذي تغلب عليه حالة من الاحباط والتراجع،والنتائج السلبية المؤقتة التي يعيشها اليسار عموما والحركة الشيوعية العالمية،ومن أجل نتائج انية،والبحث عن طرق واساليب عمل ونشاط مختصرة، أو كما عبرت عن ذلك ناديجدا كروبسكايا بقولها " لقد انحدروا الى تبني موقف رجل الشارع الذي يسعى جاهدا إلى توحيد الكل مع الكل بعض النظر عن الموقف" في وذيل واضح للايديولوجيا البرجوازية الصغيرة،وفي ذيلية ورضوخ كامل امام العفوية،وهو ما يتنافى جوهريا مع النظرية الماركسية اللينينية في التنظيم.ومع هذه النصوص،وبعد اكثر من ثلاث عشريات من النضال السياسي الحزبي بجد القارئ نفسه أمام سؤال أين ذهبت سنوات النضال هذه؟ ولماذا تنسف مرحلة كاملة من نضالات اجيال ساهمت في تأسيس وبناء الحزب،خاصة و أننا قد سمعنا كل شيء عن البيروقراطية والتسلط...ولم نسمع شئ عن السياسة،والتوجهات السياسية،حيث تبدو اليوم هذه النصوص مبعث سخرية.
في مقدمته لمجموعة مقالات ( اثنى عشرة سنة) عام 1907 يقول لينين متحدثا عن بارفوس ومن وراءه المناشفة و" الذي بقي يتحدث طيلة سنوات بعد ظهور الكتاب ( المقصود كتاب ما العمل؟ ) عن الأفكار الخاطئة والمبالغ فيها التي وقع تحليلها في موضوع منظمة الثوريين المحترفين." " أما ان ننخرط اليوم في التفكير في أن جريدة" الشرارة" ( 1901 و1902 ) كانت تبالغ في فكرة منظمة من الثوريين المحترفين،فذلك كان نتهم اليابانيين خلال الحرب...بانهم بالغوا في الانشغال بتحضير صراعهم ضد تلك القوات قبل الحرب...لكن الآن،وقدفرغنامن النضال في سبيل هذه المنظمة منذ زمن طويل،وقد زرعنا البذرة،واشتد عود السنبلة،وانتهى حصادها،ها أن اشخاصا يطلون صارخين " لقد اعطينا مدى مبالغ فيه لفكرة منظمة من الثوريين المحترفين! " اليس ذلك سخرية؟ " أما اليوم عندنا فلا يسعنا الا أن نقول اليست هذه مهزلة!!! افلم يحسم حزب العمال في المسالة الزراعية حديث بقي غيره يراوح في مكانه،الم يحافظ على قيادته واستمراريته،الم يحافظ على جريدته وتواصلها الم تكن الثورة التونسية مؤدلجة من الداخل كما اشار إلى ذلك عن حق دافيد هارفي،الم يخذ مسار الثورة خطا تصاعديا تماشيا مع شعارات الحزب..و - كما قلنا في نص سابق - " كانت تتطور وفقا لبرنامج و اطروحات هذا الحزب ( حزب العمال الشيوعي التونسي ) الذي ظل مدافعا عن ديكتاتورية البروليتاريا ومحافظا وفيا للنهج الاشتراكي العلمي الماركسي اللينيني ” خبز حرية كرامة وطنية ” ” شغل حرية كرامة و طنية ” والحريات السياسية ” ومن اجل مجلس تاسيسي ” الى الشعار الذي رفعه المنتفضون في 14 جانفي 2011 امام مقر وزارة الداخلي في وجه بن علي ” ارحل“ كان عنوان عنوانا لنص اصدره الحزب في ماي 2001 ” من اجل بديل ديموقراطي : ليرحل بن علي ” طبعا كانت هذه المطالب التي رفعها الحزب في حينها كانت بالنسنة للقوي الفوضوية و اليسراوية شعارات اصلاحية , ولدى القوى الاصلاحية و الليبيرالية هي شعارات غير واقعية متطرفة ومغامرية."
و على خلاف ما ذهب إليه محمد الكيلاني،ومايدعوا إليه اليوم المستقلين في الجبهة الشعبية،وبعض الرفاق في حزب العمل فالقائلين بأن التعدد داخل الحزب أو الحزب المتعدد المكونات وباجتهاداتها الفكرية وتنظيراتها ومواقفها السياسية المختلفة والمنخرطة في المشروع الاشتراكي لا يشكل عائقا أمام الوحدة،بل هو اساس وجودها ولذاكان ماركس وانجلز قد قبلا بالوحدة مع الفوضاويين والشارتيين وغيرهم في الاممية الاولى،لذلك كما يقول الكيلاني أنه من الخطأ الحديث عن القبول بالتعددية داخل حزب الطبقة العاملة في الاطوار الأولى لظهوره يعود الى عدم اكتمال نظرية الحزب لدى ماركس وانجلز وهو يرى ان التعامل مع هذه الموضوعة لم يكن عفويا بل له اصوله النظرية فيما وضعاه من نظرية عامة.نعم إن ما وضعه ماركس وانجلز حول نظرية الحزب نسبيا لا تعود الى عدم اكتمال رؤيتهما،وله بالتأكيد اصوله النظرية ضمن النظرية العامة. لكن ليس بأي حال من الأحوال كما يحاول محمد الكيلاني تقديمها،بل على النقيض من ذلك تماماً،وهذا ما يتردد في كل كتابات ونصوص ومراسلات ماركس وانجلز. فالاممية الاولى قد تاسست كما هو معلوم على مبادئ المركزية الديمقراطية وهي ليست حدثا مستجدا لا بالنسبة للينين وستالين والحزب البلشفي ولا بالنسبة الحركة الشيوعية العالمية،ومنها حزب العمال اليوم كمكون من مكوناتها، كما انها لم تكن تعني بأي شكل من اشكال القبول بتعدد الاتجاهات والخطوط والكتل والعصبيات لا من حيث النظرية العامة ولا من حيث انظمتها العامة، حتي وان قبلت في مراحل نشاتها الاولى بمثل هذا الوضع. فهذه الشيع مسوغة (تاريخيا) ما دامت الطبقة العاملة لم تنضج بعد كما يقول ماركس،وهذا الوضع واجهته الطبقة العاملة في جميع البلدان،ولقد كانت الحلقات في روسيا،مثلا، كما يقول لينين " ضرورية في زمانها ولعبت دورا ايجابيا. " كما لعبت في تونس أيضاً هذه المنظمات و الحلقات والتيارات دورا ايجابيا...وغير ذلك من الامثلة في التاريخ، وهي تنتفي بانتفاء مسوغها التاريخي، وفي هذا يرتكز محمد الكيلاني على رسالة لفريدريك انجلز ارسلها إلى فلورنس_فيشنيوتيزكي سنة 1887 يقدم له فيها نصائحه حول كيفية التعامل مع الشيع الموجودة في أمريكا انذاك خاصة وأن الحركة العمالية الامريكية تشهد نهوضا ملحوظا، ومزودا اياه بخبرته مع ماركس في التعامل مع مثل هذه الشيع في الحزب الديموقراطي الالماني وفي الاممية الاولى،الا أنه اجتزئ الرسالة من وسطها حيث يقول انجلز " حين اسس ماركس الاممية وضع الانظمة العامة بحيث يستطع جميع للاشتراكيين من الطبقة العاملة في ذلك الحين الانضمام إليها_من انصار برودون وانصار بيير لورو،وحتى الفئة الأكثر تقدما من النقابات الانكليزية" إلا انه تغافل عن بقية ما ورد في هذه الرسالة حيث يواصل يواصل انجلز رسالته " ولم تصبح الاممية إلا بواسطة هذا الموقف ما كانت عليه، الوسيلة من أجل حل هذه الشيع الصغرى وابتلاعها بصورة تدريجية" ويوضح انجلز في رسالته هذه اسباب قبوله وماركس بوجود هذه الشيع والتعامل معها بعتباره" أمر لا مناص منه حتى درجة معينة " وهو ما ينصح به الحركة في أمريكا في اول الرسالة،ويوضح أيضاً سبب انضمامه وماركس الى الحزب الديموقراطي حين عودتهما إلى المانيا في ربيع 1848 لم يكن ذلك إلا لاعتباره " الوسيلة الممكنة الوحيدة من أجل كسب اذن الطبقة العاملة "مشددا في كل الحالات وفي كل مرحلة من مراحل العمل مع الحركة العامة الطبقة العاملة على ضرورة عدم" التخلي عن موقفنا المميز،وحتى عن منظمتنا أو نخفيها"
وقبل هذا التاريخ، كان ماركس قد ارسل برسالة الى ف.بولت حول نفس الموضوع وحول قرارات مؤتمر لندن الاممية الاولى من نفس السنة،والتي كانت تنص على ضرورة تشديد المركزية والدور القيادي للمجلس العام، و الحاجة إلى حزب مستقل والغاء الفريق العصبي الباكونيني...حيث يقول:" ...لقد تاسست الاممية بغرض الاستعاضة عن الاشتراكية أو نصف الاشتراكية بمنظمة فعلية الطبقة العاملة في سبيل النضال.والانظمة الاهلية والنداء الافتتاحي تبين ذلك من الوهلة الاولى،ومن جهة فانه لم يكن في مقدور الاممية الاستمرار في الوجود في مجرى التاريخ لو لم تسحق العصبية مسبقا.ان نمو العصبية الاشتراكية وتطور الحركة الفعلية الطبقة العاملة هما ابدا في نسبة عكسية. إن الشيع مسوغة ( تاريخيا) مادامت الطبقة العاملة لم تنضج بعد من أجل حركة تاريخية مستقلة. وحالما بلغت النضوج أصبحت جميع الشيع رجعية في جوهرها.ومهما يكن من أمر.فان ما يظهره التاريخ في كل مكان تكرر في تاريخ الاممية، فالاشياء التي بليت تحاول ان تنتصب من جديد وأن تحافظ على مواقعها ضمن الشكل الذي تم الحصول عليه حديثا. لقد كان تاريخ الاممية نضالا متواصلا للمجلس العام ضد الشيع والتجارب الهاوية التي حاولت أن تؤكد نفسها ضمن الاممية ضد الحركة الفعلية الطبقة العاملة.... إن القرارات 1.2.3 وط تمنح لجنة نيويورك الأسلحة المشروعة التي تضع بها حدا لكل عصبية أو جماعات من الهواة،وتطردهم إذا اقتضى الأمر ذلك..." و كما نلاحظ فان ماركس وانجلز كانا يعملان من أجل تأسيس حزب للطبقة ممركز ومستقل دون شيع وعصبيات كشرط اولي للانتصار، حيث شكلت تجربتهما العملية مع الطبقة العاملة الالمانية والانجليزية والفرنسية سيرا متواصلا في اتجاه تصفية وتذويب هذه المجموعات باعتبارها عائقاً أمام الطبقة العاملة،وفي اتجاه اكسابها استقلاليتها و وعيها لذاتها.فهما يدركان جيداً مدى خطورة تأثير الفكر البرجوازي والبرجوازي الصغير على الطبقة العاملة و قد نبها وباستمرار على هذا الجانب خارج الحزب و داخله،ولذلك أيضاً عارضا وبشدة وحدة الايزيناخيين مع اللاساليين في مؤتر غوتا عام 1875 وقطعا علاقتهما به،ودعو إلى" عقد اتفاق من أجل العمل ضد العدو المشترك" ذلك أنهما كانا ينظران إلى مسالة الوحدة والاندماج ليس من زاوية الرغبات والنتائج الانية،بل من جانبها المبدئ " ومعلوم أن واقع الاتحاد بالذات يرضي العمال،لكنهميخطؤون اؤولائك الذين يعتقدون أن هذا النجاح العابر لا يكلف غاليا جداً. " وخلافا لما يدعيه محمد الكيلاني ومن قبله العفيف الأخضر وغيرهما من المناهضين للفكر الماركسي،من تناقض مزعوم بين لينين وماركس حول نظرية الحزب،فلينين كمواصلة وتطوير لما بداه ماركس وانجلز واللذان ارسيا الاسس العامة لنظرية الحزب،ينطلق من مبدا ان " طابع كل مؤسسة يحدده بصورة طبيعية محتومة.مضمون نشاط هذه اامؤسسة. " أي حزب يوحده قانون وحده الشكل والمضمون، ف" المركزية المطلقة والتنظيم الدقيق للبروليتاريا هما أحد الشروط الاساسية لانتصارها على البرجوازية." (مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية )وهو الحزب الذي يتجاوب موضوعيا مع هذه الأهداف،حزب للهجوم والانسحاب المنظم أيضاً،حزب قادر على الجميع بين العمل السري والعمل العلني و الشبه علني،حزب قادر على التحول "من سلاح النقد إلى نقد السلاح" على قلعة رأس المال وادوات حمايته الفكرية والايديولوجية منها، و المادية، وهذا خلافا لاحزاب أخرى ذات مرجعيات نظرية وفكرية أخرى،وذات اهداف و سياسات انية و محدودة،على غرار احزاب الاممية الثانية والثانية و نصف،وكذلك اغلبية ألاحزاب الموجودة في تونس،والتي لا تهدف في جوهر الأمر إلا إلى تحقيق انتصارات انتخابية برلمانية و بلدية،لذلك كان انجلز يؤكد على هذا المبدا التنظيمي ضد الاتهامات الموجهة للمجلس العام الاممية،في ممارسة سلطاته المخولة له والتي اقرها الجميع طواعية،وضد قراراته التسلطية....حيث " ان سلاح النقد لا يمكن ان يحل محل نقد السلاح،القوة المادية لا يمكن القضاء عليها إلا بالقوة المادية" ( ماركس: نقد فلسفة الحق عند هيجل) وكانت كومونة باريس وثورة اكتوبر الاشتراكية خير مثال على ذلك من جميع النواحي التنظيمية والنظرية كتعبير مكثف للتجارب التاريخية الطبقة العاملة و الشعوب المضطهدة،ودليلا للعمل.ففي رسالته إلى كوغلمان سنة 1871 حول تجربة كومونة باريس و اخطائها يقول: " الخطأ الثاني: أن اللجنة المركزية قد تنازلت عن صلوحياتها عاجلا جداً لكي تخلي المكان للكمونة " ويؤكد انجلز مرة أخرى على الاهمية المطلقة للمركزية " ... إن انعدام المركزية و السلطان هو الذي كلف كومونة باريس حياتها.اصنع ما يحلو لك بالسلطان،بعد النصر، لكنه لابد لنا في سبيل النضال من توحيد جميع قوانا في حزمة واحدة و تركيزها على نقطة واحدة للهجوم.وحين يقال لي ان السلطان و المركزية شيئان من الواجب ادانتهما في جميع الظروف الممكنة يخيل لي ان اؤولائك الذين ينطقون بهذا الكلام،امالا يعرفون ما هي الثورة،او هم ثوريون بصورة اسمية فقط." ( انجلز إلى ك. تيرزاجي لندن في 14 كانون الثاني 1872 .
لقد كانت هذه الاسس و المرتكزات الماركسية المبدا الذي قاد لينين والبلاشفة في صياغة نظرية الحزب باعتباره حزب للثورة و البناء الاشتراكي... حيث كان لينين دائم التاكيد،وفي كل كتاباته من نص" بما نبدا؟" " ما العمل؟" " رسالة إلى رفيق" و" خطوتان إلى الوراء خطوة إلى الأمام" و"مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية"وغيرها من المقالات والمداخلات والتقارير الحزبية على مبدا المركزية الديمقراطية،والاحتراف الثوري والتربية الثورية،وحول هذا المبدا كان اختلافه وصراعه مع كل الكتل و الشيع و الاتجاهات و الفرق التي ظهرت داخل الحزب وخارجه كالمناشفة والمعارضة العمالية،كتلة المصد ، المعارضة العمالية،والمركزيةالديموقراطية ،التصفاويين و الانسحابيين...ومع بارفوس وتروتسكي و بليخانوف و روزا لوكسمبورغ التي صبت عليه جميع التهم "الاساليب الديكتاتورية" " المركزية المتطرفة" " اعدام أي مبادرة العناصر الوسطى في الحزب" .... والتي ما تزال الى اليوم هي نفسها رغم ما اثبتته واكدته تجارب الشعوب المضطهدة،وخاصةفي نصها المعنون ب " مسائل تنظيمية الاشتراكية الديموقراطية الروسية" والصادر أيضا بعنوان" اللينينية أو الماركسية" ففي نص رده على هذه الاتهامات والذي رفض كاوتسكي نشره في جريدة الحزب يقول :"تقول الرفيقة لوكسمبورغ،على سبيل المثال أن كتابي( خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء ) هو تعبير واضح عن وجهة نظر" المركزية المتصلبة" وبالتالي فان الرفيقة لوكسمبورغ تفترض أنني ادافع عن نظام معين ضد آخر،لكن الواقع ليس كذلك، لقد دافعت من الصفحة الاولى إلى الصفحة ألاخيرة عن المبادئ الاساسية لأي تنظيم حزبي يمكن تصوره، ليس كتابي معنيا بالاختلافات بين نظام معين واخر،بل بمسالة كيف يمكن لأي نظام أن يستمر وينتقد و يصحح بطريقة تنسجم مع فكرة الحزب "(التشديد من عندنا) ولقد اعترف تروتسكي في سيرته الذاتية بخطئه في مسائل الوحدة والتنظيم قائلا:" اعترف أنه فيما يتعلق بتصور مستقبل المنشفية، ومشاكل داخل الحزب، لم تصل البرافد ابدا الى دقة موقف لينين...ارتكبت خطأ تبني نوع من القدرية الاشتراكية الثورية،كان ذلك موقفا خاطئا،لكنه متفوق بشكل كبير على تلك القدرية البيروقراطية الخالية من الافكار (في اشارة إلى مواقف روزا لوكسمبورغ،وفي معسكر الاممية) (الان وودز ، البلشفية طريق الثورة) من هذه القدرية الاشتراكية والقدرية البيروقراطية واستنادا إلى مقولة ماركس الواردة في انظمة الاممية والتي يقول فيها "إن تحرير الطبقة العاملة يجب ان يتم بواسطة الطبقة العاملة نفسها "( ماركس القانون الاساسي للجمعية العالمية للعمال 1864 ) و بالتالي على الحزب الاقتصار على مساعدة الطبقة العاملة في نضالها وعدم تعويضها أو قيادتها،وبهذا تصبح نظرية الحزب عند لينين مناقضة لنظرة ماركس،ويتحول الحزب إلى معوض للطبقة،والقيادة بديل للحزب،والامين العام بديل للقيادة وهو ما يسمى " الاستبدالية " وبالتالي تتحول المركزية حتميا إلى بيروقراطية،وهو جوهر موقف روزا لوكسمبورغ والمناشفة والتروتسكيين و المجالسيين و غيرهم ويتحول حزب لينين وستالين عندهم إلى حزب نخبوي،متطرف،تامري،حربي،ديكتاتوري.... وهي نفس الاتهامات التي تلقاها كل من ماركس وانجلز،وفي هذه المسائل بالذات ففي رسالته إلى بيبل سنة 1873 يقول انجلز " إن المشاكسين العصبيين يبشرون بالمصالحة حالياً،ويشجبوننا على اعتبارنا مشاكسين و ديكتاتوريين "
إن الاشكال التنظيمية لا تنشا اعتباطيا بل حسب الخطط والأهداف والاستراتيجيات و التكتيكات المرسومة،وبشكل أساسي و ادق حسب كيفية تحقيقها كضرورة ناجمة عن قانون موضوعي،وليس لرغبات ذاتية،ولذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال تناول مفهوم الحزب بمعزل عن مجموع مكوناته النظرية و البرنامجية ولاشكاله التنظيمية،فالحزب في النظرية الماركسية اللينينية ليس مجرد مفهوم تنظيمي أو خطة تنظيمية أو شكل تنظيمي أو تقني بل هو في الاساس" نظرية حول الثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا" فالطبقة العاملة،وكماذكرنا سابقا ونظرا لتميزها عن باقي الطبقات الاجتماعية الأخرى من حيث اهدافها و رسالتها التاريخية،ومن حيث طرق واساليب تحقيقها وحيث كما يقول انجلز " لا يصنع هنا شئ دون نية واعية،دون هدف منشود" وهو ما لا يمكن ان يتجاوب معه إلا حزبا ثوريا حازما وممركزا اقصى درجات المركزة،منظمة من الثوريين المحترفين "دزينة من الاذكياء", منظمة للهجوم وايضا للانسحاب المنظم،وقيادة نظرية و سياسية و عملية مستقرة وثابتة،قادرة على مد الحزب بافكاره وقادر على تطويرها باستمرار ، وعلى رسم خططه التكتيكية و التنظيمة،و توفير الاستقرار والخبرة للحزب في جميع الظروف والحالات،وقادرة على فهم الشروط المادية للثورة.ان هذه المعايير الحزبية الماركسية اللينينية و الموقف منها يشكل الجوهر الطبقي الفاصل بين العنصر العمالي و العنصر المثقف البرجوازي الصغير ان،بين العمل و الثرثرة،بين الانضباط و التسيب،بين الجماعية و الفردية كما وضح لينين ذلك في رده على المناشفة في كتابه " خطوتان" هذه الاسس و القواعد لا علاقة لها" بالتامرية" وان كانت تبدو كذلك،كما لا علاقة لها "بالنخبوية و الجماهيرية " ،كما لا علاقة لها أيضا بالسرية والعلانية،ولا بالديمرقراطية والديكتاتورية و إن كانت ،بمعنى ما،تعني كل هذا.بل هي المبادئ الاساسية لأي تنظيم...و كيف يمكن ان يستمر. وهو يمكن ان يطبق في حالات السرية والعلانية و في الانظمة الديكتاتورية و الانظمة الديموقراطية،بل تعني مباشرة و في آخر التحليل الطريق السلمي أو الطريق الثوري يعني " تسليح الشعب بالاحساس بالضرورة الملحة للتسلح هو واجب ثابت عام للاشتراكيين الدموقراطيين دائما و في كل مكان،و يمكن تطبيقه على قدم المساواة في اليابان بنفس القدر الذي يمكن تطبيقه به في انجلترا،وفي المانيا،بنفس القدر الذي يمكن تطبيقه به بالمثل في ايطاليا،حيث تكون هناك طبقات مضطهدة تناضل ضد الاستغلال،فان مذهب الاشتراكيين ، منذ البدايات الاولى، وفي المحل الأول،هو تسليحها بالاحساس بالضرورة الملحة للتسلح،وهذه " الضرورة"عندما تبدأ الحركة العمالية. على الاشتراكية أن تجعل من هذه الضرورة الملحة مفعمة بالوعي ".ولقد اثبت تاريخ حركة الطبقة العاملة وتاريخ الحركة الشيوعية العالمية،ان جماهيرية الاحزاب مرتبطة أساساً بمدى انغراسها داخل الطبقة العاملة ومدى تسليحها للجماهير بالوعي الثوري و باساليب عملها بين هذه الجماهير،ولا علاقة لها اطلاقا بعدد اعضاء الحزب ولا ب " دزينة الاذكياء" والثوريين المحترفين،فمن المعلوم أن الحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي تاسس بتسعة عناصر،وكان عدد اعضاء اللجنة المركزية للحزب البلشفي تتراوح بين 3 الى12 عضوا،وفي سنة 1917 بلغ العدد 22 عضوا عن 270 الف عضو في الحزب،وكان عدد المند بين للمؤتمرات تتراوح بين 57 و 149 مندوبا ومع ذلك أيضا كان الحزب جماهيريا تمكن من تنظيم الجماهير وقيادتها والانتصار،كما أنه أيضا عرف حالات من الانحسار والانكماش والتراجع.الا ان البلاشفة كانوا يدركون جيداً الفارق بين الثورية و الانتهازية،واسترشادا بتعاليم و و توجيهات ماركس وانجلز وخاصة ما جاء في رسالتهما الى عصبة الشيوعيين من أنه " وكما حصل في فرنسا عام 1793 ،فان تحقيق المركزة الأكثر صرامة هو اليوم في المانية مهمة الحزب الثوري حقاً."( عريضة المجلس المركزي إلى عصبة الشيوعيين) . إن الحزب من الطراز اللينيني هو في الحقيقية ما يتطابق جوهريا مع الافكار والمبادئ الاساسية الماركسية وليس ليس ما ذهب إليه محمد الكيلاني وغيره....من أن ما" عمقه غرامشي،وروزا لوكسمبورغ وليبنخت...هي الصياغة الأكثر دقة وتوافقا مع المفهوم الماركسي" بل العكس من ذلك وهو ما اثبتته التجربة التاريخية،ففي ألمانيا وبعد سنة ونصف من تأسيس الحزب الشيوعي الالماني (عصبة سبارتاكيس) وهو مبني على اسس الغير مركزية كما دعت الى ذلك روزا لوكسمبورغ هو ما ادى إلى انهيار الحزب وهزيمة الثورة،فغياب المركزية والالتزام و الانضباط الحزبي،وغياب هيكل مركزي متماسك،ادى إلى دعواة متناقضة الاستيلاء على السلطة،في مدن دون أخرى كانت رافضة وغير مستعدة إلى القيام بعمليات مسلحة.وتشكيل نقابات مستقلة دون العودة الى الحزب أو استشارته مما ادى إلى انفلاتات،لم يكن الحزب قادر ولا في استطاعته السيطرة عليها.وهذا أيضاً ما اثبتته التجربة التاريخية للحزب الشيوعي الايطالي وهو الحزب الأكثر جماهيرية في اروبا مع الحزب الشيوعي الفرنسي خاصة في فترة اواسط الاربعينات حيث بلغ عدد اعضاءه أكثر من مليوني عضو،الا أنه رغم هذه الجماهيرية إلا أنه انحدر إلى الذيلية للايديولوجية البرجوازية وسياسته التوفيقية مع الديموقراطية المسيحية،وتخليه عن ديكتاتورية البروليتاريا،وهو ما ادانه المكتب الاعلامي الاممية الشيوعية (الكونفورم) منهما اياه والحزب الشيوعي الفرنسي بالبلاهة البرلمانية،هذا بالإضافة إلى الانقسام الدائم للمواقف بين الشمال والجنوب داخل الحزب،وهذه السياسات جاءت استلهاما لفكر غرامشي وخاصة مع برلنغوير وبروز ما يسمى بالشيوعية الاروبية.
إن الذين يديرون ظهورهم للثورة بحجة رفض الاساليب النضالية والتنظيمية القديمة وعدم صلاحيتها وملاءمتها للاوضاع الراهنة،فانهم كانوا دائما و مازالوا يطالبون بتوسيع الديموقراطية داخل الحزب،وبتطوير روح المبادرة،والتسيير الذاتي للهياكل القاعدية،والتسيير الذاتي لمنظمات الحزب،والتخلي عن التعيين وتطبيق مبدأ الانتخاب تطبيقا فعليا لاختيار كل الهياكل القيادية،وتمثيلالقاعدة الحزبية،والتمثيلية على المستوى الجهوي،وتوسيع الجنة التنفيذية واللجنة المركزية،وتخفيف شروط الترشح للقيادة،وتغيي الشروط المجحفة النظام الداخلي،مع الاعتراف اللفظي بالمركزية ووحدة الممارسة و الانضباط الحزبي،ان هذه المطالب والدعوات،وهذا التباكي و التشكي من "حالة الحصار" و" القوانين الاستثنائية" ضد الفرق والاشخاص،ومن البيروقراطية والاوتوقراطية،والوقاحة،والفضاضة،والاتهامات بالتخوين والتخريب والعفوية والابتذال والاصلاحية والفوضوية والانتهازية...وكل ما يسميه لينين ب" النضال بواسطة النميمة".كانت صادرة عن الفرق و المجموعات،والتيارات في المؤتر الثاني للحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي.كفرقة" يوجني رابوتشي"و"رابوتشييه ديلو". و فرقة" تحرير العمل" و جماعة " البوند" و"المناشفة" وغيرهم،وكل الذين تعودوا على" روب دي شامبر" الحلقة الواسعة كما يقول لينين،يبدوالنظام الداخلي للحزب ضيقا،مزعجا،مرهقا،منحطا،دواوينيا،مستعبدا،خانقالحرية الحركة"و" الصراع الفكري" ويدعون إلى " القيمة المطلقة للمبادئ الديموقراطية" ،الا ان الطرف المقابل كان يرى عكس ذلك ويدعوا إلى وجوب" اخضاع جميع مبادئ الديموقراطية لمصالح حزبا" وهو المبدا التنظيمي الثوري مقابل المبدا التنظيمي الانتهازي.
إن مثل هذه المطالب الديموقراطية التي تعرضنا إليها سابقا قد تصلح كما يقول لينين،لوزارةالنقل،الا أنه و في كل الحالات لا علاقة لها بحزب ماركسي لينيني،فالنظرية الماركسية اللينينية في التنظيم لا علاقة لها بهذ الشكليات الديموقراطية،ولا بالفردانية البرجوازية الصغيرة،بقدر ما تضرب بجذورها في جوهر و أساس النظرية الاشتراكية العلمية،حيث" حرية تطور كل فرد فيه شرطا لتطور جميع أفراد"( البيان الشيوعي),ومن المعلوم أن أساس الانتماء للحزب الثوري هي الارادة الفردية والحرية الفردية،وهذه الحرية الفردية مشروطة بالمجموعة،اي ان تحققها لن يكون إلا من خلالها،اذ أن ما يقيد هذه الارادة هو تناقض و تعارض المصالح ،وهدف الحزب الثوري هو القضاء على هذا التناقض الاجتماعي بما يضمن المصالح الاستراتيجية الشاملة لعموم الطبقة العاملة ولجميع المستغلين و المضطهدين في المجتمع،وهو ما تترجمه بكل وضوح الاسس الفكرية والنظرية،و البرنامج الاستراتيجي الثوري،والانظمة و القوانين الداخلية التي تحكم سير نشاط وعمل الحزب وعلاقة الهياكل والمناضلين ببعضهم وبمحيطهم،وعموم قواعد حياته الداخلية وطرق واساليب نشاط هياكله و منظماته والتي تشكل أساس وحدته التنظيمية،والتمايزالموجود بين المناضلين ،وهو ما سيضل قائما باستمرار وبشكل مطلق،ولكن لن يكون إلا على أساس القدرات الذهنية و المعرفية،والقدرة العملية لهذا المناضل أو ذاك.وهذهالتمايزات محكومة أيضا بالروح الرفاقية العالية.فالانتماء إلى الحزب على هذا الاساس أي الارادة و الحرية هو ممارسة فعلية و عملية لهذه الحرية و الارادة و المسؤولية و الاستقلالية،وهذا الانتماء الاختياري والطوعي والفردي يرسخ و يعمق هذه الارادة وهذه الحرية ضمن المجموعة،اي داخل الحزب.فاسس العضوية الحزبية الثورية هذه تكفل ممارسة النشاطات واطلاق المبادرات،وتحرير الروح الثورية و الابداعية لجميع الاعضاء والهياكل والمنظمات،ويفسح المجال واسعا لمناقشة وابداء الراي في كامل سياسات الحزب و كامل حياته الداخلية،ويعطيهم حق الاعتراض و النقد و الاقتراح قبل اتخاذ القرارات التي ستصبح بعد ذلك المعبر الوحيد عن الارادة الجماعية لمناضلي الحزب،ويبقى مع ذلك قابلا و بشكل دائم للنقد والمراجعة والمحاسبة،حسب ما تكشف عنه الممارسة العملية اليومية من خطأ و صواب ومن سلبيات وايجابيات على أرض الواقع وعلى كل الوجوه،النظرية و السياسية والعملية الفردية منها والجماعية بما يكفل تطور وتقدم جميع الملاكات الحزبية وجميع المناضلين ويضمن تطور نشاط الحزب واشعاعه،فالعضوية الحزبية المبنية على على هذا الاساس لا يمكن ان تحمل في داخلها أي تعد على الحرية الفردية،بقدر ما أن هذا الانتماء هو ممارسة الحرية والاستقلالية بعيدا عن الاوهام الدستورية و القانونية والانتخابية والديموقراطية الشكلية الصبيانية التي لن تشكل إلا عودة إلى العفوية التنظيمة،وهي لايمكن أن تدخل في مفهوم الرفاقية إلى درجة أننا كما يقول لينين" نستطيع العمل بدون قانون حيث نحل محله تقارير منتظمة عن كل حلقة و كل مهمة و عن سير كل عمل" وهو ما يعني في آخر التحليل القيادة الجماعية في جميع المستوايات،والمسؤولية الجماعية عن كامل حياة الحزب،ويجب ان نلاحظ هنا ان " العمل بدون قانون" لا يعني بالمرة انكار ضرورة و اهمية القانون الاساسي أو النظام الداخلي،فرسالة إلى رفيق: حول مهماتنا التنظيمية التي كتبها لينين هي في حد ذاتها القانون الاساسي والنظام الداخلي للحزب الذي مازالت إلى اليوم تعتمدها ألاحزاب الماركسية اللينينية في العالم.بقدر ما هي رد على الانتهازية في مجال التنظيم،والتي تعتمد كما ذكرنا سابقا على هذه الجوانب الديموقراطية الشكلية،و تاكيدا على الديموقراطية الحقيقية التي "تدخل في مفهوم الرفاقية" ،والتي كما يقول ستقدم" أكثر من الديموقراطية" التي تطالب بها الانتهازية اليمينية واليسراوية كالاستقلال الذاتي للهياكل الحزبية عن المركز،وحقها في تعيين أعضائها و مرشحيها للانتخابات دون الرجوع للقيادة،و قيادة الحزب من تحت،والتداول على المسؤولية،وعدم خضوع الاقلية للاغلبية،والقمة والقاعدة والانتخاب والتعيين....ولقد حوصل لينين جميع هذه المطالب/الحجج "الديموقراطية" في كتابه (خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء : الازمة في حزبا ) في المعادلة التالية " الدواوينية versus (بالنسبة ل...) الديموقراطية،انما هي حقاً المركزية versus الاستقلال الذاتي،وهذا هو مبدأ الاشتراكية الديموقراطية الثورية بالنسبة لتبدأ انتهازيي الاشتراكية الديموقراطية التنظيمي....وهو يوجد دائما حيث يوجد الانقسام بين جناح ثوري وجناح انتهازي،وغي كل مكان ( مع التعديلات المناسبة) ."
برهان القاسمي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في