الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مقابلة ما بعد الوفاة مع سمير أمين Posthumous Interview with Samir Amin الحلقة الحادية عشرة
ابراهيم منصوري
2019 / 4 / 11مواضيع وابحاث سياسية
إليكم في ما يلي الحلقة الحادية عشرة من مقابلتنا بعد الوفاة مع الأستاذ المقتدر والباحث المتميز سمير أمين. إن مجلة "فك الارتباط" (The Deconnection Journal) تسعى من خلال هذا النوع من الحوارات إلى سبر أغوار الفكر الإنساني في كل المجالات، مما يغني البحث العلمي الرصين ويشجع على تقدم ورقي الحضارة البشرية.
رئيس المجلس العلمي للمجلة: أهلا وسهلاً مرة أخرى، أستاذ أمين، في إطار الحلقة رقم 11 من حوارنا الشيق معك. تطرقنا في الحلقة السابقة إلى المديونية الخارجية لبلدان المحيط وآثارها السلبية على اقتصاديات تلك البلدان، كما أنك أسهبت خلال تلك الحلقة في شرح مفهومك لتنمية التخلف (Development of Underdevelopment). أما في بداية حلقة اليوم، فأود أن أسألك أولا وقبل كل شيء عن الصراع الطبقي (Lutte des classes) في بلدان المحيط، وخاصة أن الفكر الماركسي الذي نهلت منه الكثير يولي أهمية كبيرة للصراع الطبقي كمحرك لتطور أنماط الإنتاج وتحولها إلى أنماط جديدة على مر الحِقب والعصور. ماذا عن الصراع الطبقي في بلدان العالم الثالث؟
سمير أمين: أولا وقبل كل شيء، لا بد من التأكيد على أن أمام البلدان المحيطية (Pays périphériques) بديلين متناقضين لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية: إما التنمية التابعة (Développement dépendant)، وإما التنمية المتمحورة على الذات (Développement autocentré)، مع العلم أن البديل الثاني وهو الأصلح، يجب أجرأته وفق الظروف الأصلية لبلدان المحيط وليس وفقا لشروط الرأسمالية العالمية. إن الخيارات الاقتصادية المرتكزة على المردودية التي يمكن أن تدرها الأسعار النسبية (Relative Prices) التي يفرضها الاندماج في المنظومة الاقتصادية العالمية لن تنجم عنها إلا إعادة لإنتاج الفوارق السافرة في المداخيل بين مركز النظام الرأسمالي ومحيطه.
وبالنظر إلى هذه الفوارق البينة للعيان، فإن الصراع الطبقي لا يمكن أن نفهمه فهما صحيحاً إلا إذا نظَّرْنا إليه على الصعيد العالمي. ومن هذا المنطلق الفكري فإن البورجوازية في مركز النظام الرأسمالي تستغل البروليتاريا في المركز كما في المحيط. إلا أن استغلال جماهير البروليتاريا في المحيط يتميز ببشاعة أكبر، مع العلم أن هذا الاستغلال يُمارس على البروليتاريا من طرف البورجوازية الكومبرادورية في المحيط كما من طرف البورجوازية العظمى في المركز؛ ومن ثمة، وبعبارة أخرى، فإن استغلال بروليتاريا المحيط يتسم بازدواجية سافرة. ولهذا فإن الصراع الطبقي لع بعد كوني (Lutte des classes à dimension mondiale)؛ وهذا الصراع الطبقي ذو البعد العالمي هو الذي سيقلب أسس النظام الرأسمالي زبزوغ نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي عالمي جديد، ستحرر فيه الإنسان من استغلال الإنسان؛ نعم، من المنتظر أن يحدث هذا، طال الزمن أم قّصُر.
رئيس المجلس العلمي للمجلة: في خضم هذه العلاقات المتشعبة بين مركز النظام الرأسمالي ومحيطه، أوجزت الإشكالية العامة كلها في مصطلحك الشهير "التنمية اللا متكافئة" (Unequal Development). حبذا، أستاذ أمين، لو تفضلت بتلخيص محتوى كتابك الذي يحمل نفس العنوان، وذلك حتى يتمكن القراء الكرام، خاصة غير المتخصصين في العلوم الاقتصادية، من فهم كنه فكرك في هذا الميدان.
سمير أمين: هذا سؤال وجيه جدا، ولكنه صعب إلى حد ما؛ وهو في الحقيقة يذكرني بالأسئلة التي كانت تطرح علينا لما كنا طلاب اقتصاد في الجامعة. وعلى العموم، فإن تلخيص محتوى كتاب ألفته بنفسي يبدو لي أصعب من إيجاز كتاب ألفه شخص آخر.
دعني أقول لك بادئ ذي بدء إن كتابي حول "التنمية اللا متكافئة" (Développement inégal) يهدف في ما يهدف إليه إلى إعادة التفكير في ظاهرة التخلف (Phénomène du sous-développement) في أبعادها العالمية، عوض الاكتفاء بربط هذه الظاهرة بالتقاليد والعقليات والبنيات الثقافية والعقائدية لبلدان الجنوب، كما يفعل بعض أشباه المفكرين (Pseudo-intellectuels).
علماً أنني لا أنكر مفعول هذه العوامل الغير اقتصادية والداخلية المنشأ (Facteurs extra-économiques endogènes)، فإنني أكاد أُجْزِمُ أن الأصل الحقيقي والعامل الرئيسي المحدد لتخلف بلدان المحيط يتمثل في هيمنة النظام الرأسمالي الامبريالي عليها وإدماجها في فلك الرأسمالية العالمية المتوحشة. إن التحليل النظري الذي قمت به في هذا الإطار ينبني في أساسه على محاولاتي المتواضعة الرامية إلى تعميق التفكير في مظاهر التخلف واجتناب الخطاطات الفكرية ذات الصبغة الدوغماتية (Schémas intellectuels de nature dogmatique)؛ مع العلم أن المفكر الدوغماتي غالبا ما يرى ويوافق على الشيء ونقيض الشيء على حد سواء ( La chose et l’inverse de la chose).
أعتقد أن كتابي حول التنمية اللا متكافئة قد حاول على قدر المستطاع أن يجدد الفكر الماركسي ويمحصه على ضوء التلاقي بين النظام الرأسمالي الامبريالي والتشكيلات الاقتصادية والاجتماعية ما قبل-الرأسمالية (Contact entre le capitalisme impérialiste et les formations économiques et sociales précapitalistes). هناك من سيقول، بل هناك من قال، إن ظاهرة التخلف ترتبط ارتباطا وثيقاً بتركيبات النسب (Systèmes de parenté) السائدة في المجتمع كما بالبنيات الإيديولوجية ومنظومة السلطة (Système de pouvoir). ويسعدني أن أقول لهؤلاء المنتقدين إن هذه الارتباطات صحيحة ولا يتنازع عليها عنزان، إلا أنني أود أن أقول لهم أيضاً إن العامل المحدد للتخلف يبقى في الأخير متمثلا في الهيمنة الرأسمالية الامبريالية، رغم أن هذا العامل المحدد والرئيسي يبقى مرتبطا بالعوامل غير الاقتصادية التي يحبذها المنتقدون. وكما يقال عموما، "رأيك يحترم ولكنه يناقش"، وبالمثل، فإنني أقول لمنتقدي وهم كثر: "آراؤكم يتسع لها صدري، ولكن كل ما تقولون قابل للنقاش".
قد يقول المنتقدون إن بلدانا عديدة كانت تنعت بالمتخلفة فأصبحت في عداد الأقطار المتقدمة اقتصادياً واجتماعيا؛ ونعرف في هذا الإطار أنهم يتكلمون عن بعض بلدان جنوب شرق آسيا، من أمثال كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ، أو ما يصطلح عليه بنمور أو تنينات جنوب شرق أسيا (Tigres ou dragons du sud-est asiatique). وأقول لهؤلاء إن تلك البلدان كانت نموراً أو تنينات من ورق (Tigres ou dragons en papier) قبل أن تستفيد من المساعدات المالية والعلمية والتكنولوجية الآتية من مراكز النظام الرأسمالي، في سياق كان يتسم باحتدام الحرب الباردة (Cold War)، على الأقل منذ نهاية الحرب الكورية.
ولذلك فإنه من المعقول اعتبار هذه البلدان حالات خاصة جدا، ولا تدخل في أي حال من الأحوال في تحليلنا لمفهوم التنمية اللا متكافئة؛ وكما يقول ابن خلدون: "الاستثناء لا يقاس عليه" (L’exception ne fait pas la loi). إن نمور أو تنينات جنوب شرق آسيا لا يمكن اعتبارها أذنابا للرأسمالية المركزية (Capitalisme central)، بل بلدانا ذات تشكيلات اقتصادية واجتماعية تم إدماجها بتجانس كبير في المنظومة الرأسمالية العالمية. وأكرر مرة أخرى في هذا الإطار أنني لا أنكر أهمية العوامل غير الاقتصادية الخاصة بهذه البلدان كما في أقطار أخرى، لكنني في نفس الآن أعتقد أنه لو بقيت تلك الأقطار تابعة للنظام الرأسمالي المركزي لظلت قابعة في غياهب التخلف.
رئيس المجلس العلمي للمجلة: لقد بدأت أنا شخصيا، من خلال هذه الشروح الواضحة، أفهم كنه التنمية اللا متكافئة كنظرية متكاملة استطاع الأستاذ سمير أمين أن يبلورها بالاستناد إلى تحليل علمي رصين. أعرف أن الأستاذ أمين ما زال يحمل في جعبته ما يستطيع به أن يتوسع في شرح مفهومه للتنمية اللا متكافئة. في الحلقة القادمة من حوارنا الشيق مع ضيفنا المتميز، سنواصل تبسيط الشروح حول التنمية اللا متكافئة حتى يستطيع قراؤنا الكرام فهم المصطلح فهما كافيا. شكرا، سيدي أمين، على سعة صدرك ووضوح أفكارك، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.
سمير أمين: لا شك أن هناك جوانب أخرى تخص التنمية اللا متكافئة. في الحلقة القادمة، سأعود إلى هذا الموضوع وسأحاول النبش فيه بمزيد من التحليل والشرح، مع تشكراتي للأستاذ رئيس المجلس العلمي لمجلة "فك الارتباط" ولكل أعضاء الطاقم أو جنود الخفاء الذين يسهرون على إشعاع مجلتكم الموقرة ونقل الفكر الإنساني بكل شفافية ومسؤولية. إلى الملتقي في الحلقة الثانية عشرة، مع أحر التمنيات والتحيات.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ تفوز بجائزة نوبل للآداب 20
.. إعصار ميلتون -الخطر للغاية- يجتاح سواحل فلوريدا ويخلف قتلى و
.. المستشار الألماني يعلن عن تسليم مزيد من الأسلحة لإسرائيل
.. صحيفة لوموند: غضب بايدن من نتنياهو لم يترجم إلى أفعال
.. مبعوث صيني: غزة جحيم حقيقي وعلى إسرائيل وقف حربها ضد المدنيي