الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهيد الإقصاء، لطف الله مزهر، ومسيرة الكفاح المتعثّرة

أدهم مسعود القاق

2019 / 4 / 13
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


شهيد الإقصاء، لطف الله مزهر،
ومسيرة الكفاح المتعثّرة

لم يكن الأستاذ لطف مزهر من الوصوليين والانتهازيين، بل كان ساعيًّا على دروب الكفاح ضدهم، كان رجلًا حقيقيًّا، رجلًا يعرف كيف يكون إنسانًا، رجلًا يحترم عمله، رجلًا لم يقربْ الرذيلة في أوساط اجتماعية وسياسية أفعمت بالرذائل.
كان متفوقًا في دراسته منذ نعومة أظفاره، وكان طفلًا جميلًا محبًّا ومحبوبًا، كيف لا يكون ذلك وهو ابن الأستاذ صلاح مزهر، مؤسس ومشرف بيت اليتيم في السويداء، والشاعر الذي تغنّى بالوطن وبالأبطال الذين ساروا على درب حريته وتحرره، صلاح مزهر صديق الثوّار الذي وجّه ابنه البكر لطفي لينهل من العلوم المتاحة كلّها.
عرف عن الأستاذ لطف الله أنّه لم يتوان يومًا عن القراءة المتنوّعة والجادّة، فتفوق بدراسته، واختار أن يدرس الاقتصاد، حتّى تفوق باختصاصه، فعينّ موظفًا في وزارة الماليّة، وارتقى بالمناصب حتى أضحى من أهم الكوادر المتخصصة بالشؤون الماليّة، ولم يكن بعيدًا بتفكيره الماليّ ونهجه عن الانحياز لصالح الفقراء، فقد استقى فهمه للاقتصاد والمالية من الفكر الماركسي، الذي كان منتعشًا في خمسسينيات القرن العشرين؛ إذ كان الأستاذ لطف الله مزهر عضوًا في اللجنة المنطقية للحزب الشيوعيّ السوريّ اللبناني، ولمّا كان من الذين ينتصرون للوطن وللسلوك الشريف البعيد، كل البعد عن المتنفذين بأحزاب المهزلة في تلك الأيام، فقد هجره رفاقه، وابتعد بدوره عن صفوف الحزب ليبدأ مشروعًا فكريًّا سياسيًّا مرتكزًا على الفكر الاشتراكيّ، والأقرب للماركسيّ اللينييّ منذ بدايات سبعينيات القرن العشرين، وقد وعى الأستاذ مزهر - منذ تلك الفترة المبكرة - حقيقة الأحزاب السياسيّة المفعمة بأمراض المجتمع الطائفية والقبلية والعشائرية، لا سيما الشيوعيّة، التي كان قريبًا منها.
ثمّ تمكّن الأستاذ لطف الله مزهر من العمل على تأسيس سهرة المثقفين في جرمانا، وقد كانوا، جلّهم، من المعارضين لسلطة نظام الحكم الفاسدة، وكانوا ينحون بتفكيرهم الفكر الوطني المتّشح بالفكر التقدميّ، ونجحت تلك السهرة الشهيرة، ومارست أنشطة سياسية على مستوى محافظة دمشق وريف دمشق والسويداء وبعض محافظات سوريا ومدنها، والحقّ أنّ مزهر قاد تلك السهرة بجسارة الرجل المجرّب، لا سيما أنّه كان من بين صفوفها بعض المقرّبين من أجهزة السلطة وأحزابها التقدمية، والذين كانوا يعيقون تفعيل أنشطة روادها، ويمارسون فعلًا سكونيًّا خوفًا على وظائفهم السلطويّة.
انتدب الأستاذ لطف مزهر من وزارة الماليّة إلى مؤسسة الإسكان العسكريّة؛ التي كانت ناشطة في مشاريع البناء وغيرها، وذلك للتدقيق بحساباتها، وكان من الذين أطلقوا يده على التدقيق خليل بهلول رئيس تلك المؤسسة المحققة نجاحًا ملحوظًا، وقد ذكر الأستاذ مزهر عن تجربته، وذكر بهلول أنّه كان خير معين له بعمله، الذي حقق عن طريقه إنجازات هامة في كشف لصوصية ترتبط بأمناء فروع المخابرات والمتنفذين بمواقع السلطة، إلّا أنّه لحظة وصوله لمنبع الفساد الذي استشرى في تلك الفترة، اعتذر إليه بهلول، قائلًا له: إنّ ما حققت فيه يكفي، لأنك لست قادرًا على من ستطال أسماءهم عمليات الفساد، ولست قادرًا على حمايتك.. ويومها، استطاع بهلول أن يكافئه بشقة سكنية في مساكن برزة بدمشق؛ إذ خصّصت له وسدد مزهر قيمتها تقسيطًا، وذلك بعد أن عرف بهلول أنّه مستأجر بيتًا متواضعًا في جرمانا.
رجع الأستاذ لطف مزهر إلى وزارة الماليّة، وعهد إليه مناصب رفيعة اسميًّا؛ إذ إنّ سلطة الفساد كفّت يده عن أيّ عمل، وتركته عرضة للدوام من دون تكليفه بأيّة مهام.
منذ 1989م وبداية سقوط النظام الشيوعيّ، ثم ظهور غورباتشوف، وانهيار الاتحاد السوفييتي، شرع مزهر بالتحذير من صعود نجم الإمبريالية العالميّة، وبالفعل كانت توقعاته بمكانها الصحيح، فالتجديد الذي طمح إليه غورباتشوف وتغيير أدوات السياسة القديمة ووسائلها المدمرة للإنسانية، قابلتها الولايات المتحدة والنظام الإمبريالي بالإمعان المتزايد لامتلاك أسلحة تدمير شامل، وبرعاية بؤر الفساد العالميّ، وتسليم أربابه القرار السياسي العالميّ.
توفيت ابنه له وهي في نحو السابعة عشرة من عمرها؛ نتيجة إصابتها بمرض عضال، وحينما تخرّج ابنه البكر مازن من قسم الرياضيات، أصيب – أيضًا - بمرض عضال، ووافته المنيّة، مما جعل الأستاذ منكفئًا عن النشاط الاجتماعيّ.
شارك مع والده صلاح مزهر في ترجمة كتاب عن أزمة الرأسمالية العالمية، ونشر 1972م، كما كتب في الفكر السياسيّ ومسرحيات عديدة، وعلى الأقل رواية كبيرة ضمت بين دفتيها تجربته في قالب سرديّ تاريخيّ؛ إذ زاوج فيها بين السردين الروائي والتاريخيّ، ولا أعرف إن كان قد نشر تلك المؤلفات التي كنت قد اطلعت عليها على شكل مخطوطات في أواخر تسعينيات القرن الماضي في منزله الكائن في برزة، كما اطّلعت على أعمال ببيلوغرافيّة كان يقوم بها عن مكتبة أبيه الأستاذ صلاح ومكتبته ومؤلفاتهما؛ حينما انتقل إلى مسكنه في جرمانا، وذلك في مطلع الألفيّة الثالثة؛ إذ انزوى في بيته، واختار أن يعمل على إنجاز مشروعه بعيدًا عن بيئة مجتمعيّة فاسدة.
التعازي الحارة لزوجته أم مازن، وابنه قاسم وابنته في جرمانا، ولأهله في السويداء.
د. أدهم مسعود القاق، ريف دمشق، جرمانا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟