الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحالف مع الإرهاب تحالف مع الشيطان!

جوزيف بشارة

2006 / 4 / 29
الارهاب, الحرب والسلام


تخوض الإنسانية في العقود الثلاثة الأخيرة معارك ضروساً مع الإرهاب المسلح. رغم أن الإرهاب لا يعتبر ظاهرة جديدة، إذ يضرب بجذورعميقة في تاريخ البشرية القديم، مر خلالها بمراحل مختلفة وصور عديدة، إلا أن الإرهاب الحديث الذي يتبناه بعض الإسلاميين يعد المرحلة الأخطر والصورة الأبشع على الإطلاق منذ عرف العالم العنف المسلح. يشكل الإرهاب الحديث تحدياً كبيراً ليس فقط لمجموعة بعينها أو بلد بذاتها أو منطقة محددة كما كان في الماضى، ولكن للعالم أجمع وللحضارة الإنسانية بكاملها، إذ امتد نشاط الإرهاب ليشمل كافة بقاع المعمورة في ظل التقدم الهائل في وسائل الاتصال والتنقل والهجرة وغيرها من العوامل التي جعلت من العالم مجتمعاً واحداً صغيراً. ربما لا يضارع الإرهاب في انتشاره ومخاطره وتكلفته الباهظة والإمكانات المادية واللوجستية التي توفرها الحكومات لمواجهته إلا الحرب الباردة بالإضافة إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية. لم تعرف عن الإرهاب في الماضي خصائص موحدة، ولكن جاء إرهاب المتطرفين الإسلاميين متعولماً يحمل خصائص العصر الذي توجد به وسماته. فقد اقتصر الإرهاب في الماضي على جماعات حاولت فرض رؤاها السياسية أو الإجتماعية على كيانات أو نظم سياسية أو أجتماعية أخرى، ومن ثم كان الربط والخلط في كثير من الأحيان بين الإرهاب والعنف البنيوي الذي تبنته بعض المنظمات في الماضي بغرض التحرر من الظلم السياسي أو العبودية الإجتماعية أو القهر الإقتصادي. أما الإرهاب الديني الحديث؛ إرهاب أسامة بن لادن وأيمن الظاهري، وأبو مصعب الزرقاوي فيعرف بخصائص واحدة من أهمها الإستيلاء على الحكم في الدول الإسلامية، فرض دولة الخلافة الإسلامية، تطبيق الشريعة الإسلامية، نشر الإسلام في كافة أرجاء المعمورة عن طريق الجهاد، محاربة القوى "الكفر" المرتدة وغير المسلمة، والتخلص من لا يقبل بأفكارهم وشعاراتهم.

يدافع بعض المثقفين بطرق مباشرة أو غير مباشرة عن إرهاب المتأسلمين ويصفونه بأنه ما هو إلا إحدي صور العنف البنيوي المعادي للظلم والدكتاتورية والفقر، ويعتبرون أن المجموعات الإرهابية تمارس نوعاً من أنواع الدفاع الذاتي ضد الأثار السياسية والإقتصادية والإجتماعية المجحفة الناجمة عن العولمة والرأسمالية ومنها ازدياد الفجوة بين الغرب الغني والبقية الفقيرة، وغياب العدالة في توزيع الثروة، والهيمنة الأمريكية، والنفوذ الغربي. يرى هؤلاء المثقفون أنه في الوقت الذي توحد فيه الرأسمالية العالمية الغرب الغني خلف الرغبة الملحة في تحقيق المزيد من تكدس الثروة والنمو الإقتصادي، فإنها تقسم العالم إلى غرب وشرق، شمال وجنوب، متقدم ومتحلف، غني وفقير، أصحاب نفوذ ومهمشين. ومن ثم تثور ثورة الشرقيين والجنوبيين والمتخلفين والفقراء والمهمشين ومن بينهم المتطرفين الدينيين لمقاومة مظاهر الرأسمالية. تشوب هذه النظرة الكثير من العيوب والأخطاء المنهجية والمعرفية رغم الاتفاق معها في أن مقاومة الرأسمالية العالمية قد تولد العنف البنيوي في إطار السعي للفكاك من أثارها السلبية على المجتمعات الفقيرة واقتصادياتها، إذ أن هذه الرؤية تضع المدافعين عن الحقوق والحريات في ركن واحد مع المطالبين بالدكتاتورية الدينية، وتساوي بين المدافعين عن الكرامة الوطنية وأولئك الذين ينكرون الوطن من أساسه، وتعادل مكانة شهداء الحرية بمكانة قتلة الأطفال والمسنين والمدنيين والأبرياء. فمقاومة العولمة والرأسمالية تختلف في غاياتها ووسائلها عن الإرهاب الديني الذي يمارسه المتأسلمون منذ سبعينيات القرن العشرين.

لعل نقطة الإختلاف الأهم بين المقاومين للظلم السياسي والمتطرفين الدينيين تكمن في أهداف كلا منهما. ففي حين تركز حركات التحرير والمنظمات المعارضة للعولمة على الحقوق الإجتماعية والإقتصادية للفقراء في وجه الرأسمالية المتوحشة، فإن أهداف جماعات التطرف والإرهاب الديني تتمركز حول إقامة دولة الخلافة الإسلامية. يخلو جدول أعمال جماعات الإرهاب الديني تماماً من مبادئ وبرامج محددة تشير إلى نزعة وطنية تسعى نحو تحسين المستوى الإجتماعي والإقتصادي للشعوب، والمحافظة على البيئة، و حماية حقوق الطبقة العاملة، ورفض هيمنة القوى الرأسمالية، والسيادة الوطنية التي تقوم عليها المنظمات الرافضة للعولمة والقوى المناهضة للرأسمالية. كما لا ينص مشروع الجماعات الإسلامية المتطرفة على مبدأ واحد من مبادئ الإستقلال الوطني والحرية، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان التي تسعى لها حركات التحرير. نظرة سريعة على مبادئ وأهداف جماعة الإخوان المسلمين، التي تعد المنبع الأساسي للإرهاب وماكينة تفريخ الجماعات الإرهابية، تكشف عن أن الإسلام لا المجتمع هو قضية الجماعة الأولى والأساسية بل والوحيدة. تستقي جماعة الإخوان المسلمين مبادئها من مؤسسها ومرشدها الاول الإمام حسن البنا، وتحتل أسلمة المجتمع صدارة أهدافها كما يقول موقعها على شبكة الإنترنت. تقتبس الجماعة عن البنا قوله "نحن نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل علم الجهاد ولواء الدعوة إلى الله تعالى حتى يسعد العالم بتعاليم الإسلام." ويمضي إعلان مبادئ الجماعة الهلامي ليؤكد على الثوابت التي يجب أن يلتزم بها الإنسان المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والدولة الإسلامية، والأمة الإسلامية، ومن أهمها أن "كل توجهات الفرد أو المجتمع أو الدولة وكل الأعمال والسلوكيات والنظريات والسياسات تلتزم ما يرضي الله وتعمل ما يأمر به وتجتنب ما يغضبه، وأن الأمة مصدر السلطات، وأن العدل هو غاية الحكم فيها على مستواها وعلى مستوى العالم، وأن لا مجال للدكتاتورية ولا مجال لانفراد فرد بالسلطة ولكن الاعتزاز بالحرية والدفاع عنها وتأكيدها حق لكل الناس منحه الله لها، وأن الجهاد سبيل الأمة."

وتمضي جماعة الإخوان المسلمين في اقتباس أهدافها من أفكار الإمام البنا فتذكر أن "الأمة لا عز لها ولا مجد إلا بهذا الإسلام عقيدة وفهمًا وعملاً، أن الإسلام وحده هو الحل لكافة مشاكل الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية، وأنه بالإسلام سيكون لكل عامل عمل، ولكل طالب محتاج راتب، ولكل فلاح أرض، ولكل مواطن سكن وزوجة، ومستوى من العيش يليق بالإنسان، وأن العمل لإقامة الحكومة الإسلامية فريضة، وأن كل تجمع لإقصاء الإسلام لا يجوز، ومن ثم فهو مرفوض في فهم وعرف الإنسان المسلم، وأن الإسلام يعطي لكل مواطن- له صفة المواطنة على الأرض الإسلامية- حقه في العبادة والحرية والأمن والعمل وحرية إبداء الرأي والانتقال، وأن التطبيق الإسلامي وحده هو الذي يجمع للأمة أعلى درجات القوة ماديًا ومعنويًا، وأعلى درجات الإنتاج والعطاء، وأعلى درجات التوزيع العادل للثروة، وأعلى مستويات الشفافية. وتذكر الجامعاة أن وسائلها لتحقيق أهدافها تتمحور حول الإنسان المسلم، البيت المسلم، المجتمع المسلم، الحكومة الإسلامية، الدولة الإسلامية، الدولة الإسلامية الواحدة، والدولة الإسلامية العالمية."

من المؤكد أن دفاع بعض المثقفين عن الإرهابيين لا يمثل إلا محاولة للي عنق الحقائق التي تظهر حجم الاختلاف بين حركات التحرير والمنظمات الرافضة للعولمة أوالرأسمالية من جهة ووتلك التيارات الدينية التي تتبنى الجهاد وسيلة لنشر الإسلام من جهة أخرى، إذ أن لا سمة وجه شبة على الإطلاق بين توجه الطرفين ووسائلهما وأهدافهما. ففي الوقت الذي تقاوم فيه الحركات المعارضة للعولمة سيطرة الفئة الرأسمالية الصغيرة على المقدرات الإقتصادية لشعوب العالم، نجد أن التيارات المتطرفة ترغب في فرض سلطة مجموعة صغيرة من رجال الدين على الغالبية العظمى من الشعوب. وفي الوقت الذي تكرس فيه حركات التحرير الوطنية جهودها لحماية الإستقلال الوطني لبلدانها من تدخل القوى الخارجية، نجد أن جماعات الإرهاب الديني تسعى لتجاوز السيادة الوطنية واستبدالها بدولة الخلافة العالمية. وفي الوقت الذي تدافع فيه المنظمات الرافضة للرأسمالية عن حقوق الطبقة العاملة، وتنادي بالحرية والمساواة بين كافة فئات المجتمع، نجد أن جماعة الإخوان المسلمين تدعو لإنشاء مجتمع إسلامي عالمي واحد يستبعد غير المسلم وينفي عنه حقوق المواطنة. لقد استوقفتني عبارة "وأن الإسلام يعطي لكل مواطن- له صفة المواطنة على الأرض الإسلامية- حقه في العبادة والحرية والأمن والعمل وحرية إبداء الرأي والانتقال" التي ذكرها حسن البنا والتي تعني بما لا يدع مجالاً للشك أن المجتمعات الإسلامية التي يبغونها لا تقبل بغير المسلم ولا تمنحه حقوق المواطنة، إذ أنها تشير بجلاء إلى أن المواطنين(أو السكان) ينقسمون إلى طبقتين إحداهما لها صفة المواطنة ومن ثم لها كافة الحقوق التي يشير لها إعلان مبادئ الجماعة من حرية وأمن وعمل وحرية إبداء الرأي وانتقال، والأخرى ليست لها صفة المواطنة وبالتالي ليس لها أي من هذه الحقوق.

إن الدفاع عن الجماعات الدينية يفرغ القضايا الإنسانية من مضمونها، ويمنح المتطرفين شرعية ترويع الآمنين وارتكاب المجازر ضد الأبرياء، وممارسة الإرهاب الفكري والمسلح ضد الشعوب. إن التحالف مع الجماعات المتطرفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين يمنحها فرصة ذهبية للاندماج بين القوى السياسية الوطنية، ويقدم لها المساعدة في الإنتشار بين جموع المواطنين. لقد كان تحالف قوى سياسية يسارية ويمينية ووسطية مع جماعات المتطرفين في الماضي والحاضر من أجل تحقيق بعض النجاح الجماهيري أو الإنتخابي خطأً استراتيجياً لا يغتفر أفقد هذه القوى مصداقيتها السياسية في تبني قضايا الدفاع عن الحريات والعدل والمساواة وحقوق الإنسان. ولا تزال تستمر أخطاء بعض القوى السياسية في الدول العربية في الوقت الراهن بالإرتباط بعلاقات مصالح مع الجماعات المتطرفة ومنها الإخوان المسلمين. رغم أن بعض الأهداف المشتركة مثل معارضة نظم الحكم القائمة قد تجمع القوى السياسية والدينية الشرعية وغير الشرعية في العالم العربي، إلا أن تحالف القوى الوطنية مع الجماعات المتطرفة التي تتبنى الإرهاب وتهدف إلى استئصال الأخر يبقى مثل التحالف مع الشيطان يثمر مزيداً من التخلف والكراهية والعنف والدماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني