الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وكنا ندخن الرَّوْث

علي دريوسي

2019 / 4 / 13
الادب والفن


كنا ندخِّن السجائر ونشرب الخمر في تلك الأيام حتى الإرهاق،
كنا نعتقد أنَّ التَّغَنِّي بكؤوس العرق والسجائر والتَّغَزُّل فيها مقياساً للوعي السياسي وللثقافة وللإلحاد،
لم نكن نعلم أنَّها ليست إلا مؤشراً لفقرنا وضياعنا وسذاجتنا وجهلنا الصحيّ،
كنا ندخِّن في تلك السنين مثلما تدخِّن فُوهات البراكين،
كنا ندخِّن ونشرب بشراهةٍ منقطعة النظير وكأنَّنا سنلتقي الله قريباً وكأنَّ الفرج والفجر قادمان لا محالة،
كنا ندخِّن مثل طفل أضاع أمه لسنوات عدة وفجأة وجدها ليلتصق بفستانها خوفاً أن تفارقه من جديد،
كنا ندخِّن مثل أي مدمن على الكوكايين،
ندخِّن ونشرب إذا فرحنا، إذا حزنا،
إذا استيقظنا في الصباح الباكر،
إذا نمنا، إذا حلمنا، إذا أفقنا من النوم في منتصف الليل،
كنا ندخِّن ونشرب إذا أحببنا، إذا بكينا، إذا تألمنا، إذا طبخنا، إذا شربنا، إذا أكلنا، إذا رأينا منظراً خلاباً،
كنا ندخِّن ونشرب إذا سمعنا أغنية تحاكينا، إذا لامست أيادينا غصن شجرة زيتون، إذا استنشقنا هواء عليلاً، إذا غنينا المواويل والعتابا،
كنا ندخِّن ونشرب إذا مشينا، إذا جلسنا في تاكسي، إذا ناقشنا في السياسة، إذا تكلمنا عن العالم والله والحياة،
كنا ندخِّن ونشرب إذا قرأنا قصة، إذا كتبنا خاطرة، إذا حضَّرنا للامتحان، إذا أنهينا الامتحان بنجاحٍ أو فشلٍ،
إذا بكت السماء، إذا أشرقت الشمس،
إذا فكرنا بمصروفنا الشهري،
إذا مات أحد معارفنا،
إذا اِعتُقِلَ أحد الأصدقاء،
كنا ندخِّن ونشرب إذا تخاصمنا مع أحدهم،
إذا خطب أو تزوج أحدهم،
إذا فارق أو انفصل أحدهم عمن يحب،
كنا ندخِّن ونشرب حين نركب في السرفيس جانب السائق،
حين نصطاد السمك، حين نسبح،
حين نحضر مباراة كرة قدم،
كنا ندخِّن في الاستراحة بين شوطين عندما نلعب كرة قدم ،
كنا ندخِّن مع فنجان قهوة الصباح،
في الحمَّام، في المرحاض،
حتى عندما كنا لا نفعل أي شيء كنا ندخِّن ونشرب حتى إذا وقعنا في المرض،
عشقنا اللفافة،
كانت صديقتنا الوحيدة،
نتعمَّد نسيان علبة الكبريت حتى نشعل السيجارة من مؤخرة السيجارة،
كنا ندخِّن ونشرب دون اِستخدام فرشاة ومعجون الأسنان، دون زيارة الطبيب، دون ممارسة الرياضة،
كان كل شيء مُخربَطاً وتافهاً في تلك الأيام،
لكننا لم نشعر بالخربطة والاضطراب والتفاهة لأنَّنا كنا نعيش في رحمها،
كنا نجد في التدخين باباً آخر نلج منه إلى عوالمٍ أخرى مختلفة،
نشعر معها أن صدورنا سعيدة، منفتحة على العالم،
كان يؤلمنا ما نسمعه عن أمراض الآخرين بسبب تعاطيهم للسيجارة،
لم نهتم للأمر حقيقة لأنّنا كنا مازلنا في ريعان شبابنا،
كنا نشعر أحياناً، في ظل الضغوط النفسية التي عشناها، أنَّ السيجارة هي الوحيدة القادرة على إخراجنا من مستنقعنا،
على إنقاذنا حتى من آلام صدورنا التي كانت على وشك الانفجار بفعل الأزمات الاِجتماعية والمالية والإنسانية والوطنية،
كانت السيجارة بالنسبة لنا كسمكة الكهل سانتياغو في رواية الشيخ والبحر لأرنست همينغواي،
كنا نغازلها في سهراتنا ونخاف أن نسحبها بعمقٍ كي لا تنتهي،
كما يغازل العجوز سمكته التي تبتعد عنه ويخاف أن يشدها كي لا ينقطع الحبل وتهرب منه،
كنا في تلك الأيام على استعدادٍ لتدخين أوراق الشجر أوالعشب الملفوف بالورق العادي،
كنا ندخِّن غالباً روْث الحيوانات دون أن ندري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية دفع ترامب أموالا لممثلة أفلام إباحية: تأجيل الحكم حتى 1


.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر




.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية


.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي




.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان