الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العودة

مزهر بن مدلول

2006 / 4 / 29
الادب والفن


دائماً .. منذُ أن كنتُ ..
الرمادُ ، يلتهبُ تحت قدميَّ .
فما أن تنتهي معركة ، حتى تستعرُ أُخرى .
ليسَ في الجبل ِ ، من جبهةٍ صامة .
يومها اكلتُ من العشبِ ، حتى تقرَّحتْ اشداقيَ.
ثلوجُ قنديل ، لا فصولَ لها ..
قممٌ تحتضنُ الافق ..َ
الحربُ هناك ، اكثر رعبا من حرب المدافع.
غيومٌ ملونةٌ ، تطاردها رياحٌ قاسيةُ البردِ ، يجتذبها دفئ الوادي ، فتلتفُّ على اجسادنا.
شلالاتُ المياهِ ، تندفعُ بقوةٍ من الاعلى ، فلم تتركُ لنا حجر ، او جذع شجرة بلوط يابسة ، تمتدُّ في عرض النهر ، نستخدمها في العبور من جرفٍ الى اخر.
نحن نمشي على حافة الهاوية ..
الجرحُ مازالَ طرياً ، في احواض بشت ئاشان ..
خجلُ الشهيد ابو صابرين ، الذي فارقنا للتوِ ، منقوشةٌ ظلالهِ في ذاكرتي ..
هناك ، بقايا احلامٌ مبعثرةٌ ..
لااظنُّ بأنَّ احداً مرَّ من هنا ..
كنّا عشرة من الانصار ، يقودنا مام خضر روسي .
مهمتنا ، الكشفُ عن اماكن جديدة للعمل .. امنة ٌ تكون ، وقابلةٌ للاستمرار .
ياإلهي .. بعيداً ، مثلما أهلي ..
كم كان جسدي النحيل متعبا ..
صراخ ابو خالد { امر الفوج } ، مازالَ صداهُ ، يرنُّ في اذني .. ( رفاق ..لا تطأطأوا رؤوسكم امام الرصاص ، عيب ، بعدين ايضحكون علينا ) ، و ذلك يشدُّ ساعدي .
نهارٌ كامل ، مشيٌ متواصل ، امطارٌغزيرةٌ لاتتوقف، و
مصحوبة في اغلب الاوقات بكراةٍ ثلجيةٍ { الحالوب } في جبالٍ باردةٍ ، بدتْ ، كأنَّ الحياةَ تيبست هنا ، فلاسهول ، ولا مسالك واضحةً ، انما مجردُ ، قمم شاهقة نتسلقها ، ووديان عميقة نتدحرج اليها .
قد نجد ، لنا صخرة ، نستريح تحتها ، لكنّ هذه الاستراحة لا تدوم ، كنّا اثنائها نرتجف من شدةِ البردِ ، ولا يوجد فيها حطباً ، يُمكُنُنا من ايقاد النار ، لكي نجففُ ملابسنا ونتدفأ حولها . الجبالُ الممتدةُ على مسافات طويلة ، كانت جرداء وموحشة ، خالية من كل شئ ، ولم ارى لها شبيها في مناطق كردستان الاخرى .
ورغم الجوع والبرد ، ورغم الاجهاد الذي أعيا كواهلنا ، كنّا مصرين على الحركة ، من اجل تحقيق مهمتنا ، فليس لنا على غير ذلك ايّ سبيل .
وصلنا الى مقر روست ، وهو مقر قديم ، لسرية الشهيد خضر كاكيل ، كان في تلك الايام ، لايصلح من الناحية العسكرية ، فالمخاطر تحيط ُ به من كل جانب . بتنا ليلتنا هناك ، وتحركنا في اليوم التالي ، بعد ان رافقنا عدد اخر من الانصار ، وكانت حركتنا صوب منطقة ليلكان ،التي سبق لي وان مررت بها .
كم كنتُ في تلك اللحظةِ ، بحاجةٍ الى وجبةٍ دسمةٍ وحارة ، وكنت امازح الرفيق المرحوم ابو تانيا ، الذي تمنى في وقتها قائلا .. لو كنتُ الانَ في المدينة ، لطلبتُ من الكباب نفرين ورأس بصل .
كانَ ذلكَ الرفيقُ محقاً ، حينَ احتلَّ زاوية َ الغرفةِ ، وكانَ عريفُ الحفل في اعيادِ رأس السنة ، يسألُ الرفاق واحداً بعد اخر ، عن امنياتهم بالعام الجديد ، وكانت التمنيات كبيرة وعامة ، وتتلخص جميعها في التخلص من الديكتاتور .. لكن ذلك الرفيق قلبَ الموازينَ ، حين سألوه..
ماذا تتمنى يارفيق في السنة الجديدة ؟
أجاب ...
واللة يارفيق ، مااكذب عليك ، أتمنى { بيضتين بالدهن } .
عندها ضجت القاعة بالضحك ، وتبدلت الامنيات ، وصغر حجمها .
ليلكان ، قرية ٌ صغيرة ٌ، تقع على سفح جبل ، لااسمَ لهُ ، او إنّنا لم نسميهِ ، كما تعودنا ان نطلق اسماءً عربيةً ،على القممِ والتلالِ والاماكنِ ، وينابيعِ الماءِ ، التي لا نعرفُ ، او نسمعُ باسمائها الحقيقية . تمتدُّ امامَ تلك القريةِ ، سهولٌ واسعة ٌ، وترتبطُ بقرى اخرى مترامية ، وهي في كل الاحوال ، بعيدة عن الحدود الايرانية والتركية ، نحن نعتبرها واقعة في العمق العراقي ، لذلك كنّا نبحثُ عن مصادر تموين عراقية ، فكانت هي الاسهل والاقرب .
اتخذنا من سفح الجبل ، مكانا مؤقتا لتجمعنا ، في الجهة الاخرى المقابلة للجهة ، التي تقع فيها قرية ليلكان . هنا بدأنا السعي من اجل تحديد الاماكن ، التي تصلح ان تكون ثابتة . فقمنا بالاستطلاعات اللازمة ، وحددنا مصادر التموين الممكنة .
وإن كانت جميعها لاتسد حاجة الانصار ، وخاصة بعد ان التحق بنا عدد كبير من الهورمان ، ولا ادري اية حكمة وراء ذلك ، كما وصل بعض الرفاق الجدد ، الذين قدموا من الخارج عبر الحدود السورية ، وكذلك بدأت المفارز ، التي انسحبت من بشت ئاشان الى ايران ، بالالتحاق بنا ، فباتَ المكان مكتضا بجموع الانصار ، وسادت بعض الفوضى هناك .
ونتيجة ، لما تركته معارك بشت ئاشان ، من اثرٍ ، في نفوسنا وفي نفسي ، قررتّ أن ابحثُ في طلامسِ الجبل . فبدأت اتعلم اللغة الكردية ، وكنت اربط اليشماغ ، على الطريقة البرزانية ، حتى ان احدَ القرويين في [ ادلبي ] مرة ً ، ردَّ علي ، غير مصدقا ، حين اخبرتهُ ، بانّي عربي ، وقال { بخواه تو برزانيَ } . ثم دخلت في عالم المغامرات ، عالم الادلاء ، في اكثر الاماكن خطورة ، حيث الاعداء يكثرون ، ومن الوان مختلفة واحيانا متحاربة ، من والى باهدينان ، ومن والى برزان وريزان ، وهنا كان الموت يلامسني في احيانا كثيرة . لكني ساحكي ، عن تلك ، في مراتٍ قادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان