الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة والعقاب !

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2019 / 4 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



أبواب الجحيم مشرعة للسوريين، تطالهم ألسنة لهبٍ مازالت تصطليهم منذ سنوات ثمان، لم يتوقف فيها القتل هنيهة، حتى لمجرد استعادة الأنفاس. جحيم تكالبت فيه حكومات العالم قاطبة، والأمم الصامتة المتبوعة بها، على السوريين لأنهم تمردوا على الاستبداد. ولأن الطغاة سادة الأرض بما حملت، أرادوا للثورة السورية أن تُخنق، و عملوا بجهدٍ وجدية غير معهودتين في المنطقة، لأجل أن تُطوى معها صفحات الربيع العربي، وأن تغلق الدروب والمسارب، أمام تحقيق الغايات التي خرجت من أجلها الجموع الى الشوارع.
لقد جربت القوى المناهضة للثورة السورية، منذ البدء سياسات الحل الأمني ومن ثم باستخدام السلاح بمختلف أنواعه الفتاكة المحرّمة، لتحول دون إسقاط الاستبداد، لكنها – بالرغم من المحن والهزائم - لم تستطع وأد الثورة السورية. ومع أن البلاد آلت في معظمها خرابا ويباباً، لكن رياح الربيع هبت من جديد، لتمنح الثورة السورية، ألقاً وأملاً جديدين ينبعان من عمق المرارة والمعاناة.
ومع حلول الذكرى الثامنة لانتفاضة السوريين (15-18 مارس 2011) يتعرض المدنيون، كما هو الحال منذ سنوات، لهجمات عسكرية جوية منظمة من قبل النظام الأسدي، في ريف إدلب وحماة، منذ أيام، بدعم لوجستي مباشر من القوات الروسية، وإيران، يستخدم فيها أسلحة محرّمة دولياً وهي القنابل الفوسفورية والعنقودية، هذا من حيث العمليات العسكرية المباشرة، والتي لم تتوقف على الإطلاق، لكن ارتفاع مستوى الهجمات من حيث شدة المواد المتفجرة المستخدمة، ومن حيث كثافتها، وانتظامها كعمليات عسكرية واسعة وشاملة ضد المنطقة، يشير إلى أن روسيا وإيران قد قررتا المضي قدماً في اختراق كل الاتفاقات التي تم التوصل إليها سابقاً عبر الطرف التركي، كضامن لوقف تصعيد العمليات العسكرية في منطقة إدلب على وجه الخصوص.
يأتي ذلك في تطور لافت، بعد انتهاء الاجتماع التركي الروسي الأخير بشأن تسيير الدوريات المشتركة، والذي لم ترشح عنه معلومات تؤكد التوصل إلى حلول للمسائل الأمنية العالقة بينهما في سياق أستانا وخاصة اتفاق سوتشي. كما أنه يأتي بعد أيام على استدعاء طهران لرأس النظام السوري. هذه المؤشرات دالّة على عمق الإشكاليات التي تحول دون التوصل الى تفاهم نهائي بين أنقرة وموسكو، والسبب هو استمرار روسيا في محاولة فرض استراتيجيتها المتعلقة باستعادة السيطرة على جميع المناطق، وأن أستانا ليست سوى تكتيك لخدمة تلك الاستراتيجية.
ومع مرور الوقت، ينفذ صبر موسكو، التي تبدو في عجلة من أمرها، كما هي العادة لقطف ثمار أي تطورات سياسية وأمنية في المنطقة لصالحها، خاصة وأن هناك معلومات تتواتر اليوم، عن استخدام روسيا لنوع جديد مطوّر من القنابل الفوسفورية، يجري تجريبه في إدلب، كما حدث وأن قامت بتجريب أسلحة أخرى منذ سبتمبر 2015، اعترف بها قادة عسكريون روس قبل نحو عامين، وأكدها وزير الدفاع الروسي شويغو، الاثنين الماضي بالقول : أن روسيا اختبرت 316 نموذجا من الأسلحة الحديثة، في سوريا.
يتم ذلك في انتهاك لا لبس فيه للقوانين الدولية، والاتفاقيات ذات الصلة، وهي اتفاقيات آمرة، تستوجب المحاسبة الدولية. لكن نظام الأسد، لم تجر محاسبته عن أية جريمة مماثلة حتى اليوم، وهو يستند الى دعم قوي في مجلس الأمن من قبل روسيا والصين، والى استخدام الولايات المتحدة أيضاً لهذا السلاح في سوريا والعراق.
ووفقاً للمادة الثالثة من اتفاقية جنيف فإنه يحظر استخدام الأسلحة الحارقة ضد الأهداف المدنية كما يحد البرتوكول الخاص بالفوسفور الأبيض، من استخدام تلك الأنواع ضد الأهداف العسكرية المتاخمة لمواقع تركز المدنيين.
و في واقع الأمر، ثمة إحالات أخرى، فقد استخدمت واشنطن الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية، قبل أيام، ضد بقايا داعش المتحصنة في قرية الباغوز على الحدود السورية – العراقية، كما أن الولايات المتحدة، لم تجرّم رسمياً جرائم القوات الروسية التي تستهدف المدنيين، بدعاوى محاربة التطرف والإرهاب ( جبهة النصرة مثالاً ). ولم يتضمن حديث المبعوث الأمريكي الخاص بشأن سوريا جيمس جيفري مؤخراً، أية إشارة الى الدور التخريبي العدواني والهدام الذي تقوم به روسيا، وتهدف من خلاله تقويض أي تسوية سلمية ممكنة، بما فيها مسار جنيف التفاوضي، بما في ذلك تجاوز قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وتبدو هناك ملامح مرحلة جديدة، بشأن الشمال السوري، بين تركيا وروسيا، تقف الولايات المتحدة منه موقف المتفرج المؤجج، في ظل عدم وضوح حقائق " الاستراتيجية السرية " للبيت الأبيض بشان سوريا.
ملمح آخر يمكننا الإشارة إليه، في صدد ذكرى انطلاقة الثورة السورية، وهو تزامنها هذه المرة، مع انتفاضتين مهمتين في العالم العربي: السودان ثم الجزائر، بما يرتبط به هذين البلدين من علاقات وثيقة من النظام الأسدي، وهو ما يعني تجدد روح الربيع العربي، وأن اعتبار مايحدث في سوريا، يمكن أن يصيب أي شعب يفكر في التمرد على مستبديه، لا يمكن أن تشكل رادعاً ضد إرادة الجماهير، الشعوب التي تنتفض من عمق القهر، خاصة وأن انتفاضة الشارع الجزائري، أربكت نظام بوتفليقة، إلى درجة الإعلان عن وقف المضي بما سمي بالعهدة الخامسة.
وبانتظار تطورات ما يحدث في الجزائر، فإن ما يجري اليوم في شمال سوريا، يأخذ صبغة مواصلة إنزال العقاب الأشد بالثورة السورية، لأنها كسرت حاجز الصمت والخوف معا، ولذلك فإن إحراق إدلب وريف حماة الشمالي بالفوسفور الأبيض بمثل هذه الصورة، هو تأكيد النظام الفاشي الأسدي وحلفائه المجرمين في موسكو وطهران، على الاستمرار في الانتقام من السوريين، بأشد الأسلحة حرقاً وقتلاً وتدميراً، بصورة لم نشهدها من قبل.
ومع التضحيات الكبيرة التي تتعاظم، في سوريا، فإن خروج موجة جديدة من الربيع العربي، يعني أن طوفان الشعوب لا يمكن وقفه، أو السيطرة عليه وإخماد جذوته ، وأن الاستبداد سوف يسقط لا محال !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال