الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في قصة :-امرأة من زمن الحرب- للكاتبة : وفاء الحمري

ثريا حمدون

2006 / 4 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


بدأت الكاتبة قصتها امرأة من زمن الحرب بقولها:
"فاجأها المخاض إلى عمود خيمة متهرئة ... تكورت على نفسها... أغمضت جفنيها.... صعد دم قان إلى وجنتيها....حبست أنفاسها للحظة. فتحول اللون الوردي في وجهها إلى أزرق غامق ثم نفثت نفسا طويلا، كأنها تتخلص بخروجه من كل آلامها ومعاناتها..."
تأتي مفاجأة ؛ كلمة المخاض في بداية السطر فتشعر لأول وهلة بالأمل ؛ لأن الحياة تستمر ، والطفل رمز للحرية المجهضة ؛ ورمز للأمل على الرغم من معاناة هذه المرأة القوية ؛ معاناة من آلام المخاض وكأنها مريم العذراء . لكن الفرق بين المرأتين هو الزمن والمكان فإذا كانت مريم العذراء تواجه مجتمعا يتهمها في أخلاقها ؛ لأنها أنجبت بمعجزة إلهية
فان تهمة بطلة هذه القصة( الشخصية الرئيسة) أنها أنجبت ـ وزوجها غائب ـ ربما يكون محاربا وربما يكون ميتا. غياب الناس أيضا يخلق ثغرة وهوة كبيرة في نفسها وبذلك تكون التهمة نفسية أكثر منها اجتماعية . إنها لعنة الوحدة التي تعاني منها، لعنة الحرب ولعنة الفقر تجتمع كلها كي تلتف حول عنقها مثل المشنقة لتجعل من هذا الأمل آلاما.

رمز المرأة في النص:
ترسم لنا الكاتبة ـ بريشتها ـ صورتين للمرأة ؛ امرأة ناضجة ، وأخرى طفلة يسيران في خطيين متوازيين مع أحداث القصة فيشكلان محاورها
امرأة تفاجأ بالمخاض وما يصاحبه من ألم لا تعرفه إلا المرأة التي تعاني من ألم المخاض تغيير اللون من الوردي إلى اللا لون
ميزات هذه المرأة :
الصمت (صامتة هي حتى في ذروة ألمها....)
والصمود (صامدة هي حتى والأرض تهتز من تحتها..)
والصبر (أنست هذه اللقطة البائسة المرأة آلام مخاضها لمدة لكن الآلام عاودتها من جديد)
أستغرب كيف تجعل الساردة من طفلة صغيرة امرأة ناضجة تحمل الجينات الوراثية نفسها للأم وتصبح صورة مصغرة لها؟ تقول الساردة:

(ربما تمنت في لحظة جوع وعطش وعري أن ترتمي في حضن والدتها الدافئ وتشبع لبنا سائغا دافئا لذة للشاربين.) الصبر على الجوع لماذا لم تصرخ هذه الطفلة ؟؟ هل الألم والجوع أثرا فيها فلم تقو على الصراخ كباقي الأطفال ؟
طفلتها تهرش بأسنانها قطعة خبز صلبة... بصقت بقايا لقمة الخبز العنيدة مصبوغة باللون الأسود وهي تتحسر على مجهود ضاع من غير نتيجة ...
فإذا بصراخ يعلو ويعلو ويعلو ثم همد على حلمة ثديها


المرأة في هذا النص رمز لكل امرأة لكل شيء مؤنث تكاد تكون الأرض الوطن المسلوب الإرادة القوية ، الضعف ، العطاء ، الحياة…
تشير الساردة إلى نوعية الحرب المستعملة "عادت الصبية إلى الخيمة تفرك عينيها من سموم دخان الصاروخ بإبهاميها الوسختين فسالت دموع رمادية على خديها الغضين"
يبدو من خلال هذا الوصف أن الحرب لم تعد تسال فيها الدماء وديانا بقدر ما أصبحت بالقنابل الفتاكة تحرق الجسد ولا تحرق الثياب....
خاتمة
هناك تقنية استعملتها الكاتبة في نصها وهي:ثنائية الحياة والموت
نجد في بداية النص مخاض" فاجأها المخاض إلى عمود خيمة متهرئة" وفي نهايته
موت :"ثم أغمضت لها جفنيها عساها تسعد بحلم جميل تشبع فيه خبزا طريا و...و "
حضور المرأة "الأنثى " ومعاناتها المرأة الأم والطفلة
طفل يولد وطفلة تموت وما بين الولادة والموت يكبر الألم وتحضر الدهشة
غياب الحوار والصراخ واللغة بين الشخصيات :ليست هناك إلا لغة الحرب
تدرج الألوان في النص من الأحمر لون الطاقة والحياة إلى الأسود لون الانتهاء( أحمر ،الوردي،الأزرق، اللا لون، اللهيب، الرمادي الأسود)
أسوق الأمثلة التالية ؛ لتأكيد ذلك:
دم قان إلى وجنتيها
فتحول اللون الوردي في وجهها إلى أزرق غامق

أحمر إلى ازرق إلى اللا لون
لهيب نيران
فسالت دموع رمادية
بصقت بقايا لقمة الخبز العنيدة مصبوغة باللون الأسود
الصوت المدوي في بداية النص صوت الطفل وصوت القنابل في نهايته وبين صوت الحياة وصوت الموت ألم وجوع و....

استعمال أسلوب التكثيف والاختصار فألغت التقديم وألغت النهاية فجعلتهما مفتوحين لعل الطفلة تحلم بواقع أفضل وتأكل قطعة خبز...ربما لأن الكاتبة مؤمنة أن النهاية في زمن الحرب واحدة وهي الموت ، قد يختلف شكل الموت ، وتصبح له وجوه عديدة الألم ، الجوع ، لهيب النار بفعل الصواريخ...لكنه يشكل نهاية المطاف
وأختم هذه القراءة بما عبر عنه الروائي السوري ( حنا مينا ) عندما قال " إن مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الذكرى الثانية لرحيلها.. شيرين أبو عاقة تترك إرثا ما يزال


.. بحضور رئيس البلاد.. الآلاف يهتفون لفلسطين على مسرح جامعة أيس




.. سفن قوات خفر السواحل الصينية تبحر بالقرب من جزيرة تايوانية


.. الشفق القطبي ينير سماء سويسرا بألوان زاهية




.. مصر تلوّح بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل إن استمرت في عملية