الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسافر إلى أرض الموت

فوزى سدره

2019 / 4 / 14
الادب والفن


مهداة إلى روح الشاب المصرى جون
الذى سُفكت دماءه على أرض محلات الدخان فى مدينة ناشفيل
*****
المؤهل : بكالوريوس تجارة
المهنة : محاسب
المظهر : وسيم الطلعة بشوش الملامح ..اجتماعي بطبعه
الحالة الداخلية : طموح مع قلب طيب .. صبور بقضاء الله
هذا هو "غريب" على قدر علمي به .. أما باقي الصفات والخلجات فيعلمها الله.

الزوجة : طبيبة
المظهر : وديعة.. هادئة
الحالة الداخلية :طيبة.. لدرجة أن حيل العالم لا تعرف لقلبها طريقًا..أنجبت له طفلين رائعين فى البراءة والجمال .
في أحد الأحياء الراقية الهادئة في المدينة الثانية ..عروس البحر الأبيض المتوسط ..الإسكندرية ..وفي شقة متواضعة .. كانت الحياة تسير هادئة في يسر واكتفاء واجتماعيات محدودة .. فقد ربط الزوجان نفسيهما برباط مقدس يحيطه التفاهم والاحترام والحب.
ذات ليلة سأل غريب زوجته:
- ما رأيك في أمريكا؟
- كل ما تجيب سيرتها قلبي ينقبض.
- ماذا تقصدين؟
- احنا كويسين هنا.
- ألا تفكرين في مستقبل أفضل لأولادنا؟
- أولادنا بخير هنا وفي مدارس راقية..وهنا وطننا وأرضنا وأهلنا وديننا .. فلماذا الغربة وعذابها؟
- أنا لا أعرف لماذا لا يكون عندك طموح وأهداف .. لماذا ترضخين للواقع وتستكينين ؟
- اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش .. ثم ماذا سوف يكون هناك؟ نولد من جديد، بلغة جديدة .. نبدأ الرحلة من أولها ..عمل لا يناسب تعليمنا وأناس غريبة عنّا..والغربة والضغوط علمت الناس أن تكره بعضها وتحسد وتحقد على بعض .. ومفيش احترام لحد .
- معك حق في ذلك ..ولكن مالنا ومال الناس . كل واحد في حاله .. وأنا هدفي الأولاد ولازم نضحي.. والرسالة لها ثمن.
- أنت كتبت أكتر من مرة في اللوتري ولم يصبنا الدور .. إن كان لنا نصيب كانوا اختارونا .. أنا شايفة إن ربنا مش موافق على خروجنا من هنا.
- المكتوب لينا مين يقدر يغيره.
- بلاش حكاية أمريكا دي . ينتابني إحساس غامض وأحلام مزعجة كل ما بسمع سيرتها.
- ده إحساس ملهوش أساس.
- اللي شايفه اعمله .. أنا معاك على الحلوة والمرة.
حصلت الأسرة على تأشيرة سياحية ..كان من الصعب الحصول عليها .. كثيرون يتمنون أن يكون لها ثمن يدفعونه ليذهبوا إلى أمريكا.
يعتقد البعض أن أمريكا أرض الذهب والأحلام .. هناك من يحاول الهروب من المعاناة في أرض الوطن .. وآخرون يبحثون عن كرامتهم في أرض الغير لأنهم بلا كرامة في وطنهم..والبعض يبحث عن طموحات في حياة أفضل ..ولكن الكل يقول : علشان خاطر الأولاد .
بدأت رحلة المعاناة للأسرة .. تلطم "غريب" من محل لآخر.. ليس لديه أوراق .. وبدأ رحلة الأوراق والعمل . هناك التزامات .. أجرة السكن والكهرباء والمياه ..هناك أطفال جائعة .. لابد من أي عمل .. والعمل هو الذي يختارنا وليس نحن الذين نختاره .. وليس هناك عمل لمن بلا أوراق إلا في محلات التوباكو التي تبيع الدخان والبيرة..عمل غريب في إحدى هذه المحلات ..حيث يبقى أصحابها في عقر دارهم الآمن ويتركون الغلابة تحت الأخطار بدون حماية أو تأمين.
وكان صباح لم يأتِ له مساء على غريب ..صباح حدد مصير أسرة بضربات لا تعرف رحمة.
جاء "غريب" صباحًا ليفتح المحل .. ولم يكن يعلم أن أيادٍ غادرة في انتظاره ..لم يعرف أنه ذاهب لأمريكا ليدفن في أرضها وأنه ذاهب إلى قبره بقدميه.
كان ضحية .. ولم يكن هو المقصود .. فقد تشاجر أحد رواد المحل في الليلة السابقة مع صاحب المحل .. فتوعده وقرر الانتقام منه .. وفي الصباح جاء ليطلق النار عليه ..أكثر من عشرين طلقة مزقت جسده البريء.. ولو كان في معركة حربية لما اخترق جسده هذا الكم من الطلقات . تناثرت دماؤه واختلطت بالدخان والخمر على أرض المحل .. ولم تجف الدماء حتى الآن على أعتاب محلات الأحزان والمعاصي.
كان وقع الخبر على زوجته لا يحتمله إنسان أو جماد .. تمنت لو ماتت معه .. تمنت لو انشقت الأرض وابتلعتها .. لو انتهى وجودها.
لا أحد يعرف مدى الألم والحيرة التي دارت في داخلها ما لم يكن في نفس المشهد.
لمت طفليها في حضنها واحتوتهما بدموعها ورجعت بلا زوج ولا أب يحنو عليهما .. مكسورة الجناح .. أرملة في ريعان الشباب ..وفي أعماقها جرح غائر لا يشفيه إلا الموت.
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا