الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد الحكومة الفلسطينية ال18

فيروز شحرور
(Fairouz Shahrour)

2019 / 4 / 14
القضية الفلسطينية


إذا أردت أن ترى وطنا، فانظر لرجاله.

منذ أكثر من 71 عاما؛ تاريخ النكبة، وما قبله الانتداب البريطاني، وفلسطين تمرّ بظروف سياسية، واقتصادية، واجتماعية متقلِّبة، وغير طبيعية، وإذا كان التقلُّب أمرا لا بدَّ منه؛ كون التغيير حقيقة حتميّة، فإن فلسطين تصارع هذه الحتميّة بنفَس المُقاتل، تحت سطوة استعمار استيطاني يتسارع، وبدعم من سياسية الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الحلفاء من المنطقة العربية؛ لفرض تغييرات طارئة ستمسُّ التشكُّل الديمغرافي، والشكل الجغرافي، والتعددية السياسية فيه.

منذ اتفاقية أوسلو، عاصر الشعب تغييرات داخلية، مثل: سبع عشرة حكومة، والآن الثامنة عشرة! ردود أفعال لا يزال أغلبها يتمسَّك بعنق الزجاجة بتفاؤل، برغم الحصار الاقتصادي والمعيشي على الضفة والقطاع. ولقد رأيت، من خلال هذه الردود، أنَّ الشعب يستحقُّ كلمة: شكرًا! شكرًا على الصبر، وعلى سكوته للإخفاقات السابقة. لكن! لربما يقول أحدهم: نحن شعب نجلد أنفسنا كثيرًا، ولربما يقول آخرون: الشعب غير مدرك لما يحصل في الكواليس السياسية، ولا يدرك العدو الخفّي، ولا يقدم أعذارا. لكنني أدركت لاحقًا أن هذا عذرٌ غير مبرَّر، فعلى الرغم من معرفتي الكاملة بما تعنيه "الكواليس السياسية"، واقتناعي بسرِّية المعلومات، وجدت أن ترك الأمور فضفاضة، دون تحفيز الأدباء والصحفيين والمحلِّلين على ممارسة دورهم الحقيقي، في كشف بعض الملابسات، وانعدام الشفافية في الأمور التي تصلح للعلن، جعلت الشعبَ، والحالة العامَّةَ في وضع من الفوضى، وبالتالي فُقدت الثقة ما بين الشعب وممارسات الحكومة؛ لأن التكُّتم وعدم مشاركة العامّة، بما يليق حتى في أبسط الإجراءات، وفي أي قطاع كان، صحيا، أو تعليميا، أو مهنيا، خلَق حالة من الغضب الداخلي، ومما لا شك فيه؛ أنَّ هذا الغضب سينفجر يومًا، كما انفجر في القطاع؛ لذا من المهم دراسة وتفعيل الدور الإعلامي الحر، والدور الإعلامي الحكومي، بما يليق في الأنظمة الداخلية والدولية، واحترام فكر المواطن.

لقد ذكرت أن فلسطين ظلَّت تعاني الاستعمار الاستيطاني، إلا أنني توقفت عن ترديد هذا الجملة، إذ حينما يأتي دور العمل، فإحياء وطن يحتاج لسواعد، لا شمَّاعة!. لا يوجد عاقل وحريص يقبل الإخفاقات التي نتجت عن الحكومات ال 17 السابقة، وعن حجم الفساد، كون ذلك يمسُّ مقدَّرات البلد، وكرامة الإنسان وسمعة الوطن في المحافل العربية والدولية. إن العالم اليوم يشهد سقوط أنظمة "حرة مستقلة"، فما بالكم بنظام تحت الاستبداد الصهيوني؟! من حق الثائر الفلسطيني الذي عايشَ المنفى، وعايشَ الظلم والاعتقال، والصبر على مرارة الخبز، أن لا يقال عنه: فاسد، أو خائنٌ للتراب! لذا فإنَّ سمعة الوطن، عربيًا ودوليًا، والتوقُّف عن الاستهتار في بناء منظومة تربوية، تعليمية، ثقافية، واقتصادية، وسياسية تعددية حرّة، هي مسؤولية الحكومة الـ 18.

أذكر مقابلة لمحمد حسنين هيكل، قال فيها: إن لم تكن هناك ظروف مواتية للابتكار، فلا ضرر من التقليد. وفلسطين لديها القدرة على ابتعاث موظفيها للتعلُّم خارج أراضيها وللمشاركة في وفود عربية ودولية؛ لذلك هذه الفرص عليها أن لا تقتصر على المشاركة والتعلُّم للتطبيق الجزئي، يجب أن تدوَّن الملاحظات والممارسات والأنظمة، كافَّة، ودراستها من طرف الجهة المسؤولة؛ لتطبيقها، بما يراعي النهوض في الخدمة المقدَّمة للوطن والمواطن، بمعنى آخر: فكرة تقارير الإنجاز التي يكتب عليها المسؤولُ المباشر "اطلعت"، أي تمَّ الاطلاع عليه، هي فعل فقير، وغير مثمر. يجب أن يتم إنشاء فرق وأنظمة على مستوى الوزارات، كافة، وبشكل منهجي مدروس يرافقه نظامٌ تكنولوجي يُحفَظ للرقابة والتقييم.

لبناء دولة، علينا أن نبني أمة أولًا! لذلك لا ضير من التمعُّن، في تجارب أمم أخرى، مثل: الصين، واليابان، وسنغافورة، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية. هذه الدول -مهما تغيَّر فيها أعلى الهرم- تبقى الرؤية العامة للبلاد والأنظمة في تصاعُد، وهذا أمر مهم للتفكير فيه بعمق، وذلك يعني أن هناك فِعلا وصناعة متجذرة لنظام ما، وليس لشخص، ولكل دولة مما ذكرت، على الرغم من التعداد السكاني الهائل في الصين، أو التعددية الهوياتيّة، كما في الولايات المتحدة، لا تزال هناك حالة من التماسك والعمل الحثيث تمنع زعزعة النظام، لكن هل ما كفل هذا الترابط هو الحب والسلام فقط؟ لا! بل القوانين؛ لذا هل فكرنا بنفض القضاء والقوانين البائسة لدينا؛ لتصبح فكرا خارج الورق؟ هل سعينا لتطبيق منظومة قضائية مستقلة تكفل التعددية، وحرية الأديان، وحرية المعتقد الفكري، واحترام فئات الشعب، من شماله إلى جنوبه، وإيقاف الإيذاء على الواقع، وعلى الافتراض، بالقانون. من حقِّ المواطن أن يثق، وأن يرى بأن قضيته العادلة وإنسانيته هي من أولويات القضاء؛ بإجراءاته السريعة، بإعداد طواقم مؤهَّلة، باستقلاليته السياسية والاجتماعية والقبلية، وليس الوقوف عبر طابور مذلٍّ للشكوى عن الإذلال. هذا حق المواطن من الحكومة الـ 18.
لقد رأينا في الأيام السابقة استياء الأهالي من نظام التعليم وقراراته المفاجأة، السؤال: هل التعلُّم بأن تكون ذكيًا تقنيًا؟ بالعودة لما ذكرته؛ من استنساخ التجارب، وما ذكرته في الشفافية والمشاركة الشعبية، فقد تم الإخفاق هنا. الخبراء يأتون لتقديم خبرتهم وتصوراتهم، لكن في النهاية نحن الأدرى بوضعنا المعيشي والاجتماعي، وأيُّ تغيير يلزم أن تسبقه تهيئة، وطالما ابن المجتمع لم يشعر بهذه التهيئة، فإن القرار لم يمر بإجراءاته السليمة والمنطقية، في أي مشروع. علينا أن نحترم رسالة القطاع التربوي والتعليمي، واحترام فئات المجتمع المهمَّشة وحقها في التعليم، الذين لا حول لهم لشراء وسائل تقنية، عدا ذلك الاطِّلاع على التجارب التعليمية في الحقول المختلفة؛ المهنية والصناعية والإدارية وغيرها، وتهيئة المدراس، والاستعانة بخبراء سيكولوجيين أمر مهم، حيث دعونا لا نغفل بأن لدينا طلبة يعانون مرارة الوصول للمدارس، لذلك تنشئة طفل سليم نفسيًا معافى عقليًا، ولديه المجال لممارسة أنشطته اللا منهجية والحفاظ على موروثته الثقافي والتاريخي، هي مسؤولية الحكومة.

لسوء الحظ، أن فلسطين تعاني ثقافيًا، فلسطين التي أنجبت للعالم دوريش وغسان كنفاني ومي زيادة وغيرهم من العظماء، أصبحت على حافَّة العقم!. هؤلاء الأدباء والفنانون والمسرحيون وسائر المبدعين، لهم دور في المحافل الدولية والعربية يوازي الدور الدبلوماسي، ولنعومة أيصاله الفكرة لقلوب البشر، فإنني أؤكد أنهم أكبر تأثيرًا من الدور الدبلوماسي حتى. أن تصدح مسارح العالم بالدبكات الشعبية الفلسطينية، وبالممثلين، وبالأشعار التي تعرِّي فظاعة الاستعمار، كل ذلك، مما لا شك فيه، يمثِّل تأريخًا شفويًّا ودورا بارزا؛ لذا فمن الاستهانة إغفال هذا الدور وعدم تخصيص موزانات له تشمل: النهوض في اتحاد الكتَّاب، والزمالة مع المؤسسات الفلسطينية الدولية، وتمويل الأفلام والمسارح، والعمل على استضافة مموِّلة للمبدعين، وتدوين آثار هذه الإنجازات وتسليط الضوء الاعلامي عليها، كفعلٍ بروباغندي مدروس.
أما في الجانب الاقتصادي، ففلسطين تفتخر بعقول اقتصادية، ومن الجميل أن نرى هناك شبابًا يسعون بكافة طاقتهم لتقديم اقتراحات بديلة عن اتفاقية باريس، وعن دور التجارة الذكية والعابرة للقارات، عن استخدام الوسائل المالية الناجعة لزيادة المردود الفلسطيني؛ لذا من المهم أن يجتمع مسوؤلو الأنظمة المالية، وخبراؤها في الحكومة، مع الفئات الشبابية وغيرهم، وأنا أجزم بأنّ هناك العديد من الأفكار التي سيتمُّ استثمارها. هذه الممارسات ستزيد الثقة ما بين الشعب وحكومته، وسيكون لأحلام فئة الشباب عينٌ تراها.
ولا شك بأن الجانب المؤسساتي يجب إعادة هكيلته، فالقانون الذي لا يطبَّق في المصلحة العامة، ونراه في المصلحة الشخصية، لسنا بحاجة إليه. القوانين وجدت للتنظيم، وليس لجعل الحياة أكثر بؤسًا؛ لذلك من المهم إعادة النظر في حملة شهادة الدبلوم وأدناه، في القطاع الحكومي، وإقرار نظام معيشي لائق بهم، المرء لا يحاكم على شهاداته التعليمية فقط، بل على ما يقدِّمه من خبرات، فلْنَحترم هذه الخبرات والقدرات، ولْنَزِنْها بالميزان الصحيح، ووفق رقابة إدارية تضمن أن اللوائح لم تتشكَّل وفق أهواء وأوضاع أشخاص، بل لترسيخ نظام، كما من الضروري إعادة هيكلة المؤسسات بالتوازن مع هيكلة التكنولوجيا الحكومية فيه وأن تكون بمستوى أكثر فعاليّة مما عليه، ويمكن التعلم من أنظمة المؤسسات الدولية في التنظيم الداخلي، مثل: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

في الخلاصة؛ نقول لحكومتنا الـ 18 : إذا كان للحكومة هدفٌ سامٍ، فهدفها، في هذه المرحلة، تعزيز صمود المواطن، هذه العبارة كافية لأن يندرج تحتها ما يجعلنا نضع خطوطا عريضة وقوانين وأنشطة تكفل ذلك.

*فيروز شحرور/ كاتبة وشاعرة فلسطينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة