الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربطة العنق التي ستخنق العراقيين

خالد صبيح

2006 / 4 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حين اعتلى السيد محمود المشهداني،رئيس مجلس النواب الجديد، منصة المجلس في جلسة تسمية الرئاسات الثلاث لتقديم نبذة عن نفسه، قدم انطباعا اوليا ايجابيا لرجل نحيف، مرح، وبسيط وسط مجموعة من الطواويس المتجهمين والمتكرشين، الا أن هذا الانطباع سرعان ماتبدد بعدما أدرك الناس أن تلك النحافة هي ثمرة لشخصية انفعالية متوترة وان المرح سذاجة وسطحية والبساطة هي شعبوية مندثرة.

أثناء تلك الجلسة أطلق الرجل عبارات حادة، لاقت اعتراضات مباشرة من الحاضرين، ذكرت الناس بأطياف لغة دموية، يسعى الجميع لنسيانها، لغة مثيرة للكآبة وخالية من اللياقة، اعترف هو أن مستشاروه سجلوا عليه في هذه الجلسة القصيرة ثلاث وأربعون خطأً بروتوكوليا.

الأخطاء الشكلية التي يسببها الجهل في قد يستوعبها العراقيون الا انه لايمكنهم، بالتأكيد، أن يقبلوا ويهضموا الفجاجة والمواقف الارتجالية غير المسؤولة لرجل يحتم عليه موقعه في راس أول هيئة برلمانية منتخبة في تاريخ العراق الموقف المتوازن والسلوك الناضج.

لاحقا وبالتحديد يوم 27-4 أطلق السيد المشهداني وعلى مدى خمس وخمسين دقيقة استضافه فيها الإعلامي القدير في برنامج المختصر على فضائية البغدادية العراقية، كما كبيرا، يصعب حصره وتصنيفه، من الاتهامات والإدانات والانتقاصات على مجموعة كبيرة من ممثلي الاتجاهات السياسية. اتسمت، بغض النظر عن صحة بعضها، بالحدة والاتهامية بل وبالتجريم ـ كاستغرابه، مثلا، من ديمقراطية الشيوعيين الذين <تعلمنا!!> منهم السحل في الشوارع عام 59 ـ قال ذلك مستهجنا رد السيد حميد مجيد سكرتير الحزب الشيوعي عليه حينما ذكر بتر الألسن وقطع الأيدي في كلمته بجلسة البرلمان ـ. وهاجم بشراسة السيد صالح المطلك فاضحا < رغم رفعه في بداية اللقاء لشعار نتصارح ولا نتفاضح كمبدأ يستهدي به> الخلافات الداخلية في جبهة التوافق، وسعي المطلك المحموم< بسبب التربية القديمة> ـ إشارة موفقة لأصول المطلك البعثية ـ ليكون الرقم الأول في المعادلة مع انه ( أي المطلك) لم ينل أكثر من عشرة مقاعد وان نفوذه لم يتجاوز حدود جزء بسيط من أهله في المنطقة الغربية.

لكن غضب السيد المشهداني في ساعته التلفازية نلك لم تكن له حدود حيث امتدت فظاظاته إلى الغمز لبعض الساسة ونعتهم ببائعي البيض والدجاج، واستهجان خلفيات الآخرين،كما نعرف، هو سلوك عدواني مريب . ولم يكبح رئيس البرلمان مخيلته المملوءة بالمجازات الساذجة فشبه العراقيين بالديكة< الديوجة>، حسب تعبيره، التي تتناقر مع بعضها أو< مع نفسها إن لم تجد من تتناقر معه>. وهذه الصور والتعابير ونمط العقلية المحركة خلفها توحي بأنه، ربما كان يسعى بذلك، وبصورة لاواعية، لتهيئة ذهن المواطنين إلى ماسيدور من صراع <تناقر ديكة> في مجلس النواب.

يمكن القول أن السيد المشهداني عبر في هذا اللقاء التلفزيوني الموسع عن نمط لشخصية استعلائية عكسها بشكل جلي نمط ولغة الاتهامات التي وزعها يمينا ويسارا وفي تعبير وجهه الممتعض في بعض لحظات حديثه، وهذه النزعة الاستعلائية تعود بأصولها ، بتصوري، إلى خلفيته العسكرية القديمة والى انتمائه السياسي الإسلامي ـ وقد لانتجاوز إذا أضفنا المذهبي أيضا ـ.

لكن الرجل برر أسباب شططه بأنه لم يكن مدربا على السلوك الدبلوماسي ، كما أشار مستهزئا بالآخرين، وانه لم يدخل دورات لهذا الغرض، مع انه، بتصوري، كمشتغل بالسياسة كان عليه ان يكون قد تعلم بسرعة مهارات الممارسة السياسية بتفاصيلها على الأقل لمستوى لايتمكن به مقدم البرنامج البارع من استدراجه إلى الاعتراف صراحة بطبيعة ولائه في المجلس ولمن سيكون حيث أكد من انه سيكون لحزبه السياسي، جبهة التوافق،< فهو مسلم علمه دينه حفظ الأمانة وردها لأصحابها>.

ويثار في السياق هنا تساؤل:

وماذا عن أمانة العراقيين إذن؟

لااحد يبحث عن إجابة يعرفها في واقع مفصل الولاءات بإتقان كبير. لكن رغم أن الولاء للطائفة والحزب ليس بالأمر الغريب على عالم السياسة وعلى السياسيين العراقيين بالتحديد الا انه اكتسب هنا في اعتراف السيد المشهداني إعلانا صريحا على ماينتظر البرلمان من حدة في الصراع وحالات منتظرة من الشد والجذب سيتركان آثارا مؤذية على مسار الأحداث. وأكيد أن شخصية السيد المشهداني،كما قدمها لنا هو بنفسه، سيكون لها دورا في إشعال حدة الخلافات داخل المجلس المتنافر والمتباين في الموقف حول كل شيء ومنها شخصية رئيسه. وكل من تابع مسار انتخاب السيد المشهداني في جلسة البرلمان أدرك أن رصيده داخل المجلس ليس بالكبير، فهو وبالرغم من الاتفاق الرسمي الذي تم عليه بموجب صفقة المحاصصة بين كل الكتل المشاركة في اقتسام غنيمة السلطة، الا انه لم يحصل على تأييد واسع لترشحه في البرلمان أثناء التصويت وفاز، بفارق بسيط على منافسه < فارغ> أي< الأوراق الفارغة > الذي كاد أن يهزمه.

مع هذا فان المرح لم يفارق السيد المشهداني فقد أشار في سياق اللقاء التلفزيوني، إلى معاناة ثلاثة أشخاص ولمدة ساعتين لإقناعه بارتداء ربطة عنق، وهي واقعة وان كانت تحسب له كرافض لنمط الأناقة الكئيب الذي يتشبث به زملاؤه من الرسميين، الا أنها أشرت أيضا إلى طبيعة التصلب والعناد في شخصيته إضافة إلى أنها أضاءت للتحليل،، بالإضافة إلى التوتر الناتج عن انه لم ينم في مكان واحد مرتين منذ الاحتلال، مايمكن أن يكون سببا لحنقه وغضبه في جلسة تعيينه رئيسا للبرلمان، وإذا كان يمكننا اعتبار أن ربطة العنق هي سبب لإطلاقه التهديدات ببتر الأيدي وقطع الألسن فليس على العراقيين إذن سوى أن يدعوا الله كل ساعة في أن لايزنر رئيس برلمانهم رقبته بها مرة أخرى فيختنق ويخنق الجميع معه.


27-4-2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت