الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية الشاهدة و الزنجي

زهير إسماعيل عبدالواحد

2019 / 4 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


((قراءة في رواية))
الشاهدة والزنجي - مهدي عيسى الصقر
((حكاية امرأة حالمة في زمن متوحش))

يعد القاص مهدي عيسى الصقر من قصاصي جيل الخمسينات المجدد في العراق فهو من القاصين الذين تمكنوا من المزج بين الواقعية لتسجيل أحداث اجتماعية مهمة وبين الفنية المعتمدة على المخيلة المحلقة في مناطق شعبية تستمد وعيها من المثيولوجي والغرائبي. فهو ابن بيئة جنوبية مشبعة بالعمال والعمل، بالأجنبي المحتل وبأبن البلد ، ولقد مهدت هذه البيئة للقاص مهدي عيسى الصقر أن يجد في معسكرات الشعيبة وفي محلات البصرة القديمة مكانا وثيمة يستل منها قصصه وأحداثه. ولعل روايته القصيرة الشاهدة والزنجي خير دليل على هذا التزاوج بين سكان المدينة وأحداثها، فهي رواية تتحدث عن المدينة المحتلة من قبل الأجنبي وكيف يولد هذا الاحتلال خللا في العلاقات بين الناس تصل إلى حد الزنى والقتل للأجنبي فمن خلال امرأة شعبية تدفعها الظروف لممارسة الجنس في البساتين يكشف عن بقعة غنية بالدلالة عندما تكون المرأة رمزا لمدينة محتلة من قبل الأنكليز.
تبدو الرواية رواية مواقف واصطفاف أفراد، رغم بساطة الشخصيات ومحدودية أشكال الوعي التي تميّزها، فمن الملاحظ بأن الرواية لا تتضمن وعياً استثنائياً، وإنما هناك وعي في حالة الصيرورة هو وعي "نجاة" الساذج ومداركها المحدودة.
"في احدى المرات ماتت لها قطة.. قطة بيضاء صغيرة كانت تحبها كثيراً. بقت بعدها ثلاثة أيام لا تذوق الطعام. ومرضت مرضاً شديداً حزناً عليها .. على القطة!!".
تلك الفتاة الحالمة التي تبدأ بالتغير من امرأة حالمة الى امرأة مرتابة .
"هل هو رفيق مهذب (المترجم) كما يبدو من سلوكه، ام انه يتظاهر بذلك امامها فقط لغرض في نفسه!؟ لم تعد تثق بإحد ... لم تعد تصدق الكلمات والمظاهر ... الكلمات المنمقة العذبة التي تخدر العقل والحس، وتجعل الإنسان مشلولا، فاقد الإرادة، يتصرف كما يريد منه الآخرون. المهم النوايا ... ما يخفيه الناس في تلافيف أدمغتهم المظلمه ... وراء أقنعة وجوههم الخادعه، ولكن كيف يتسنى لها هي أن تعرف ما يضمره الآخرون من نوايا؟ هل تعلم الغيب؟ لو كانت تعلم الغيب لما تورطت هكذا".
ومن ثم تصبح الشاهدة "نجاة" في النهاية مجردَ فكرة وموقف ومصير، بينما يمثل الزنجي فكرة ً أخرى تتصادم أو تتصارع معها بيأس وشراسة. إنهما يرمزان إلى الأرض والأقدام الزاحفة، الوطن والمحتل، وقد خسر الفوهرر الحرب أمام الحلفاء، بينما تكون "نجاة" قد فرّت هاربة بجسدها وروحها نحو البحر.
"حان الوقت لتضع حداً لكل هذا التعب. تعبها هي وتعب الآخرين من حولها. سوف يجن الكولونيل عندما يسمع النبأ!".
اما عن الزمن المتوحش فأن ما يرويه أحد أبطال الرواية عن طريقة تعذيبه واهانته صورة واضحة عن ذلك الزمن.
"وتذكر يوم طردوه من مستودعهم الكبير خارج المدينة..... حين اكتشسف احد رجال البوليس العسكري البيض مقداراً قليلاً من السكر كان يخفيه بين طيات ثيابه، فجعله يبتلع السكر المسروق كله. ثم أمره يخلع ثيابه ويقف عارياً. وصبغ جسده بالزفت السائل بفرشاة كبيرة.. حتى وجهه صبغه... بعد ذلك أوقفه داخل برميل فارغ، عند باب المستودع، لكي يتفرج عليه كل من يدخل ويخرج. وكان البرميل ساخناً ومعدته تضطرب، والزفت الذي يلتصق بلحمه يلسعه مثل النار... ".
‏اخيراً فلا بد من اشارة اخيرة وهي دعوة لكتاب القصة والرواية للإفادة من هذه الرواية لما فيها من ظروف تاريخية وسياسية تماثل ظروف البلد الحالية والكتابة عن الاحتلال من زواياه المتعددة ، مبررات وجوده ، أهدافه، غاياته، نتائجه لتأسيس ادب يمكن تسميته بـ (أدب الاحتلال) ، كما سبق وأطلقنا على الأدب الذي يتناول نزوح الأهالي عن المدن جرّاء الحروب والمحن الأخرى بـ" أدب النزوح" وكتبنا فيه قصصاً ومقالات كثيرة.
الرواية صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة سنة 1988.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء