الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة النقابية المغربية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2019 / 4 / 16
ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي


ما ان يحل فاتح مايو من كل سنة ، تبادر الجريدة الالكترونية العربية التقدمية " الحوار المتمدن " ، بفتح ملف عن الحركة العمالية العربية ، ودور النقابات العربية في الدفاع عن المكتسبات التي تحققت ، بفضل نضالات متنوعة ومختلفة، وفي مدة زمنية وصلت الى عشرات السنين ، لمّا كان لليسار العربي المتناغم مع اليسار الاوربي ، دور في الدفع بالتناقضات الاجتماعية الى مستويات جد متقدمة ، من النضال ، ومن افرازات الصراع الطبقي بالوطن العربي .
اليوم سأعيد بيت الشاعر : " بأي عيد عدت يا عيد ..... بما مضى ام في امرك تجديد " . ان هذا التساؤل الذي كان سيد زمانه ، يصعب اعادته ونحن لا نرى غير التراجع ، بل اكثر من التراجع عن كل المكتسبات التي تحققت بفعل النضال ، والتضحيات المختلفة ، بل ان ما أضحى مشاهدا ، هو ان النقابات التي تم افراغها من مضامينها التثويرية ، وأصبحت عبارة عن صدفيات فارغة ، صارت منحازة الى جانب الدولة ، وصارت هي متنفسها وآليتها ، في تمرير المشاريع الخطيرة التي تضرب في الصميم ، ليس العمال الغير الموجودين بالمفهوم الماركسي ، بل أضحت النقابات اكبر عدو لجميع الشرائج الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع ، وانا هنا اقصد النقابات العمالية المسمات زورا وبهتانا ب " النقابات الأكثر تمثيلية " ، التي تمسكت منذ اكثر من ثلاثين سنة بمقولة السلم الاجتماعي ، الذي ابعد النقابات عن النضال الحقيقي ، واصبح هذا السلم اللاّاجتماعي على حساب الشغيلة ، كابوسا تستعمله القيادات النقابية الشائخة ، كفزاعة ضد النقابيين الحقيقيين الذين رغم قلتهم ،لا زالوا يرفعون شعارات متناقضة مع الوضع العام ، كما انها توظف من قبل القيادات التي بسطت يدها على النقابات لإصدار تهم التخوين ، والإساءة الى الفاعلين ، بغية التخويف ، وبغية الحفاظ على نفس الوضع الذي يخدم ، لا التحالف الطبقي ، بل يخدم النظام الذي نجح في جعل كل النقابات جزءا منه وتابعة له باسم " المصلحة العليا للدولة " ( للوطن ) .
وبالرجوع الى مختلف المحطات التاريخية للنقابات ، سنجد انه كلما كانت هناك أحزاب قوية تتبعها النقابة ، كلما كانت هذه جديرة بالثقة ، وجديرة بالدفاع عن العمال ، والمستخدمين ، وعموم الشعب ، وكلما كانت هناك أحزاب عميلة او ضعيفة ، كلما انعكس ذلك على حجم النقابة ، وقوتها ، ودورها في فرز التناقض الطبقي بين المُستغَلين والمستغِلين .
هكذا سنجد ان الحركة النقابية المغربية ، وهنا اعني نقابة الاتحاد المغربي للشغل ، حين تأسست في سنة 1955 ، كانت تمثل قوة أساسية خلقت مشاكل للنظام ، الذي دخل بلا هوادة في محاربتها ، وخاصة وان الأسطوانة التي كان النظام يبرر بها مواجهته للنقابة ، هو تهمة الشيوعية ، والاشتراكية ، والقومية العروبية من بعثية وناصرية .
ان هذه هذا الوضع الشاد بين النقابة وبين النظام ، مرده الى الأحزاب التي كانت تفعل في التوجيه السياسي للنقابة ، بما كان يوظفها في خدمة مصالح البرجوازية المتوسطة ، وما فوق المتوسطة ، والصغيرة ، كالاستحقاقات الانتخابية ، والتفاوض على عدد المقاعد البرلمانية ، مع إمكانية الدخول الى الحكومات لتحقيق المصالح الخاصة ، حيث مع مرور الزمن ، اصبح العمل النقابي والعمل السياسي ، وجهان لعملة واحدة كل منهم يكمل الاخر ، بهدف الانتفاع من الريع الاقتصادي الذي سيخلق طبقة هجينة ، تتكلم باسم العمال لكنها في الحقيقة لا تتكلم الاّ على نفسها ، وعلى مصالحها المتداخلة مع مصالح النظام .
ان هذه المواجهة بين النقابة ودرعها حزب " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، ستعرف تطورات سلبية بسبب ، من جهة القمع المسلط على الجهاز ، ومن جهة اختراق البوليس لها ، ومن جهة دفع تيارات بدأت في التكوين والتشكل بسبب خلافات سياسية داخل حزب " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، الى قيادة انشقاقات أدت في سنة 1978 الى تأسيس اطار نقابي جديد سيعرف بتسمية " الكونفدرالية الديمقراطية للشغل " . وقد لعب الجناح السياسي برئاسة عبدالرحيم بوعبيد المرتبط بالقصر ، دورا في هذا الانشقاق ، فأصبحت " ك د ش " تابعة تنظيميا الى الحزب الذي سيغير باقتراح من الحسن الثاني اسمه من " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " الى " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " في سنة 1974 ، في حين ظل الجناح النقابي في الحزب منتميا ومسيطرا على نقابة الاتحاد المغربي للشغل .
بعد ان خرجت النقابة الجديدة " ك د ش " الى الوجود ، كان عليها من اجل تثبيت وجودها ، وظهورها كنقابة ليست خبزية ، ولا بورصية ، ان تخوض بعض النضالات التي كانت ساحتها ، القطاعان الأساسيان فيها وهما الصحة والتعليم . وهنا يجب التذكير بالمأساة الاجتماعية التي ترتبت عن الاضراب الذي شنه هذين القطاعين في سنة 1979 ، حيث تم طرد المئات من موظفي التعليم والصحة لسنين طويلة ، لم تعرها قيادة النقابة الانتهازية اية أهمية ، ما دامت قد حققت بهم مرادها ، خاصة تسهيل الاعتراف بها من قبل وزارة الداخلية التي كانت تفاوضها على العديد من الملفات .
رغما ان " ك د ش " بهذين الاضرابين ، وعلاقتها الوطيدة مع حزب " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " ، قد سجلت بعض الحضور المهم الى جانب نقابة الاتحاد المغربي للشغل ، الاّ ان انزلاقات سياسية بسبب الاختلافات التي نشبت داخل قيادة الحزب ، قد اثر عليها تنظيميا وقطاعيا ، وأصبحت بذلك مهددة بالانسحابات التي اسفرت عن خروج جماعات ، وتأسيسها لنقابات لم يتعدى نضالها البيانات التي كانت تصدرها بمناسبة وبغيرها .
وبعد ان صارت النقابة مِلكا لزعيمها محمد نوبيرالاموي ، الذي حولها الى دكان للسمسرة ، وبعد ان استقبله الملك محمد السادس مباشرة بعد وفاة والده ، ستنقلب قيادة النقابة على كل تلك المشاريع التي وعدت بها العمال ، والمستخدمين ، وعموم الشغيلة عند تأسيسها في سنة 1978 ، وسيصبح اكبر عدو يعمل ضد الموظفين ، وضد العمال ، والمستخدمين هي قيادة النقابة التي فقدت وزنها ، واضحت لا تختلف في شيء عن النقابات الصفراء ، خاصة حين تماهى زعيمها على غرار زعماء النقابات الاخريات مثل " الاتحاد العام للشغالين بالمغرب " المنتمي الى حزب الاستقلال ، و " الاتحاد المغربي للشغل " حاضنة اليسار المتطرف ، الى جانب الحزب الرئيسي " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، وحزب " التحرر / التقدم والاشتراكية " إضافة الى أحزاب الإدارة كحزب " التجمع الوطني للأحرار" في التمسك والتشبث " بالسلم الاجتماعي " خدمة لمقلب " المصلحة العليا للوطن " .
كل هذه الإجراءات الخطيرة انعكست سلبا على الوضع الاجتماعي للعمال ، والمستخدمين ، والموظفين ، فكان تآمر كل النقابات مع الدولة في ضرب صناديق التقاعد ، وفي الاجهاز على صندوق المقاصة ، والدخول في توافقات ليس نداد للند ، بل تنفيذ مشروع الدولة في ميدان التعليم ، والصحة ، والوظيفة العمومية ، والحقل الاجتماعي ، والاقتصادي الأكثر من متدهور .
ان التاريخ ليسجل تطورات سلبية ، في مراحل تسلسل النضالات النقابية بالمغرب ، من التأثر بالنضال النقابي ، والحزبي التقدمي الذي كان تعرفه اوربة ، خاصة الحركة النقابية والحزبية الفرنسية . هكذا ونتيجة للدور الذي لعبه الاتحاد السوفياتي المنحل ، في الصراع الدولي باسم العمال ، والفلاحين ، وعموم الشعب العامل ، كانت الحركة النقابية والحزبية بالمغرب ، تشهد ابهى مراحل تطورها النظري ، والتأطيري ، والتنظيمي ، كما كانت الأحزاب المغربية ، ك " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية " الذي انقلب على الخط الثوري في يناير 1975 ، والمنظمات الماركسية ، قد سجلوا حضورا قويا في الساحة الوطنية ، من خلال تقدم مختلف النضالات التي عرفتها الساحة الوطنية .
لقد بلغ الصراع اوجهه في اعلان إضرابات مختلفة ومتنوعة كإضراب 9 يونيو 1981 ، واضراب 1990 ، كما تطور الصراع ليس فقط بين هذه المكونات والدولة ، بل سيلقي الصراع بثقله داخل النقابات والأحزاب بسبب المصلحة ، بسبب بعض الاختلافات السياسية وليس الأيديولوجية ، وقد انعكس ذلك كله بشكل سلبي على تراجع النضالات ، بل وغيابها ، من خلال افراغ الساحة الوطنية ÷ من الأجهزة النقابية ، والأحزاب ، والمنظمات التي شهدها الحقل السياسي المغربي ، طيلة الستينات ، والسبعينات ، وحتى بداية منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، وقد زاد من هذا الوضع والواقع المزري ، اختلاط الساحة بظهور منظمات الإسلام السياسي ، التي تمكنت من احتلال أكثرية مواقع اليسار ، بمختلف اجنحته ومكوناته ، وفتحها مواقع اليسار بالنقابات ، والسيطرة على الساحة السياسية الوطنية والطلابية .
ان حزب العدالة والتنمية مثلا حقق في الانتخابات الأخيرة 105 مقعدا في البرلمان ، وهو عدد لم يسبق لليسار ان وصل اليه حتى في اوج قوته ، وربما انه لم يكن حتى ليحلم به .
وخلاصة فالوضع النقابي والحزبي اليوم بالمغرب نكاد نقول انه فارغ وميت ، وما بقي منه ملتصق بالدولة يقتات من فتاة موائدها ، ويعيش بفضلها ، وليس باسم الجماهير التي يروجون اسمها ، رغم انه اصدافاً اكثر من فارغة .
في المرة الأولى التاريخ يعيد نفسه بشكل هزلي ، وفي الثانية يعيده في شكل تراجيديا ، وهي التي نعيشها اليوم ، حيث اضحى الجميع وبدون استثناء في المغرب يسبح باسم الدولة لا غير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الذكرى الثانية لرحيلها.. شيرين أبو عاقة تترك إرثا ما يزال


.. بحضور رئيس البلاد.. الآلاف يهتفون لفلسطين على مسرح جامعة أيس




.. سفن قوات خفر السواحل الصينية تبحر بالقرب من جزيرة تايوانية


.. الشفق القطبي ينير سماء سويسرا بألوان زاهية




.. مصر تلوّح بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل إن استمرت في عملية