الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية إلى قضاة مصر

ميشال شماس

2006 / 4 / 29
حقوق الانسان


"طالما أن القضاء بخير, فإن بريطانيا سوف تكون بخير "
بهذه الكلمات طمأن تشرشل شعبه عندما كان تتعرض بريطانيا لقصف الطائرات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن صمام الأمان لاستمرار وجود الدولة يقوم في الدرجة الأولى على وجود قضاء مستقل عن باقي السلطات، حيث يشكل استقلال القضاء الكفء النزيه والعادل الضمانة الحقيقية لصلابة الجبهة الداخلية لأي مجتمع باعتباره الضامن لحقوق الناس وحرياتهم، بحيث لا تمس حرية أي فرد، إلا طبقا لأحكام القانون العام وحده، وبحكم من القضاء العام وحده، وبالإجراءات المتبعة أمامه وحدها.
وتأكيداً لأهمية القضاء المستقل ودوره الحاسم في استمرار تطور ورقي أي مجتمع، يأتي تحرك قضاة مصر الأبطال، استمراراً لنضالهم منذ سنوات من أجل إقرار قانون جديد للسلطة القضائية بما يكفل حيادها ويضمن استقلالها، بما يشكل في النهاية الدعامة الأساسية والحقيقية لحياة سياسية وسليمة في مصر حفاظاً على كرامة المصريين وحقوقهم الإنسانية، وهذا ما يصبو إلى تحقيقه ليس قضاة مصر وحسب، بل وجميع القضاة والمواطنين في البلاد العربية على السواء، اللذين يشاركون أخوانهم نفس المعاناة والهم.
كما يأتي هذا التحرك احتجاجاً على الغبن المتواصل الذي تعرض وما يزال يتعرض له قضاة مصر الشرفاء بسبب رفضهم الانصياع لتوجيهات الحكومة بالسكوت عما جرى من تزوير وتلاعب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت مؤخراً ، ومقاومة هيمنة سلطة الحكومة التي تعمل على فرض سياستها على كل من السلطة التشريعية والقضائية في مصر، لصالح أصحاب النفوذ والفاسدين والمفسدين، وإجهاض أحلام شعب مصر في الديمقراطية والحرية.
وبدل أن تستجيب السلطات المصرية لمطالب القضاة المحقة والعادلة، أخذت تضييق الخناق عليهم خاصة بعد أن خسر مرشحو الحكومة المصرية في انتخابات نادي قضاة مصر التي جرت مؤخراً والتي فازت بها قائمة الإصلاح والمطالبين باستقلال القضاء، وهذا ما أزعج الحكومة المصرية التي واصلت سياسة الضغط على القضاة ، بدءاً من قطع الدعم المالي الذي كانت تقدمه لنادي القضاة وصولاً إلى إحالة قاضيين بارزين إلى مجلس الصلاحية "التأديب"، هما المستشار محمود مكي، والمستشار هشام البسطويسي لمحاكمتهما على التصريحات الصحفية التي أكدا فيها حصول تزوير في الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة.
وليس هذا وحسب، بل أوعزت الحكومة المصرية إلى قوات الأمن لمحاصرة وتطويق نادي قضاة مصر الذين كانوا يعقدون جمعيتهم العمومية تضامناً مع القاضيين اللذين أحيلا للمحاكمة، كما فرضت تعتيم إعلامي بالغ الصرامة، وإجراءات أمنية مشددة لامثيل لها للحيلولة دون تسيير مظاهرات أو تنظيم اعتصامات لتأييد القضاة الإصلاحيين في موقفهم، إلا أن ذلك لم يمنع المئات من القضاة ومثلهم من المواطنين من إعلان دعمهم لموقف القضاة ضد استمرار هيمنة أجهزة الدولة على القضاء، ورفضهم لقبول رشاوى الحكومة المصرية لغض الطرف عن إشراف قضائي منقوص على العملية الانتخابية ، لتتمكن أجهزة الشرطة من التزوير وممارسة الفساد المنتشر منذ سنوات طويلة.
ويبدو أن تعامل الحكومة المصرية بهذه القسوة مع قضاة مصر ليس الهدف منه فقط إخضاع قضاة مصر لهيمنة الحكومة ومعاقبتهم على انحيازهم للمواطن المصري، بل الهدف هو إجهاض سقف حرية الرأي وإرهاب كل صاحب رأي سواء كان في الصحافة والإعلام أو بين الكتاب والفنانين والسياسيين وحتى بين المواطنين العاديين.
إنها حركة قوية ومشرفة يقوم بها قضاة مصر الشرفاء ليس نيابة عن قضاة مصر وحسب بل وعن جميع القضاة في بلاد العرب اللذين يعانون أكثر بكثير مايعانيه قضاة مصر، ويتطلعون بأمل أن يتكلل تحرك القضاة المصريين بالنجاح.
إنها حركة موجهة ليس فقط ضد استمرار تدخل أجهزة الدولة في عمل القضاء، وليس فقط دفاعاً عن استقلال القضاء وضمان حياده على أهمية ذلك، بل وأيضا من أجل حماية الحريات العامة للمواطنين وحقهم في التعبير عن أرائهم بكل حرية وشفافية.
فالتحية كل التحية لكم يا قضاة مصر الشرفاء في وقفتكم الرائعة في مواجهة الجبروت والطغيان، وإن انتصاركم يافرسان الحق والعدل، هو انتصار ودعم للحق والعدل في بلاد العرب أجمعين.
دمشق في 29/4/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل


.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ




.. نتنياهو: شروط غانتس تعني هزيمة إسرائيل والتخلي عن الأسرى


.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأونروا: 160 موقعًا أمميًا دمرته




.. الصفدي: الأونروا ما زالت بحاجة إلى دعم في ضوء حجم الكارثة في