الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة في كتاب -الاقتصاد العراقي – الأزمات والتنمية للسيد الدكتور علي خضير مرزا -الحلقة التاسعة- قراءة في الفصل التاسع: الزراعة: التخلف عن إشباع حاجة السكان

كاظم حبيب
(Kadhim Habib)

2019 / 4 / 17
الادارة و الاقتصاد


يقدم لنا الدكتور علي مرزا مساهمة مهمة عبر تسجيله وتحليله للوحة مكثفة جداً عن الواقع الزراعي وحجم الإنتاج في فترة كان القطاع الزراعي يشكل القطاع الأول في تحقيق الناتج المحلي الإجمالي، فترة الريع الزراعي، وفي الفترة التي أصبح القطاع النفطي يشكل القطاع الأول في توفير النسبة العظمى من الناتج المحلي الإجمالي وتراجع القطاع الزراعي إلى الموقع الثاني فالثالث أو متقلب بينهما. وإذ أشار إلى دور الإجراءات التي اتخذتها الدولة العثمانية لتوطين البدو من خلال توزيع الأراضي الأميرية على شيوخ العشائر والعائلات الميسورة في الولايات الثلاث، انتقل إلى الفترة التي أعقبت تخلص العراق من الهيمنة العثمانية وسقوطه تحت الهيمنة البريطانية حتى سقوط الملكية عام 1958. وقسم الفترة الواقعة بين 1864-2018 بالسبة للقطاع الزراعي إلى فترتين: الأولى قبل العهد النفطي، والثانية بعد سيادة الدولة الريعية النفطية، وقارن بين أربع مسائل مهمة للفترتين المذكورتين، وهي:
إجمالي مساحات الأراضي المستخدمة في الزراعة أولاً، وإنتاجية الفرد الواحد أو الدونم الواحد ثانياً، وإجمالي الإنتاج الزراعي، ومقارنة بين نمو السكان ونمو الإنتاج الزراعي ثالثاً، وعلاقة ذلك بإشباع حاجات المجتمع والقدرة التصديرية للمحاصيل الزراعية رابعاً. كما ركز في دراسته على المحاصيل الزراعية الثلاثة: الحنطة والشعير والرز. ثم عمد إلى إبراز دور النفط وتنامي إيراداته السنوية على دور القطاع الزراعي ومستوى الاهتمام بهذا القطاع الأكثر أهمية لإشباع حاجات السكان من السلع الزراعية والمواد الأولية الصناعية، من خلال استخدامه خطوتين، أولى إجراء مقارنة بين الإنتاج الزراعي في الفترتين، والثانية إجراء قياس الارتباط بين معدل حصة الشخص من العوائد النفطية ومعدل حصته من الإنتاج الزراعي، وتوصل إلى استنتاج بهذا الصدد صاغة على النحو التالي: "نخلص من الاختبار باستخدام الخطوتين إلى: 1) أن حصة الشخص من الإنتاج الزراعي كانت في تصاعد قبل العهد النفطي وفي تدهور خلال العهد النفطي. وب) يبين معامل الارتباط عموماً، ارتباطاً عكسياً بين تغير حصة الشخص من العوائد النفطية وحصته من كمية الإنتاج خلال العهد النفطي. ج) وبذلك نميل للاعتقاد إلى أن كلا الاختبارين يرجحان باحتمال معقول صحة الفرضية الريعية، عموماً". (أنظر، مرزا، الكتاب، ص229/230).
على أهمية هذه الدراسة وضرورة إبراز دور الدولة الريعية النفطية السلبي على القطاع الزراعي وعلى مجمل الاقتصاد الوطني والحياة الاجتماعية والسياسية، وأهمية تغيير هذه العلاقة لصالح تنويع الاقتصاد الوطني والاهتمام بالقطاع الزراعي، فأن أي دراسة اقتصادية ليست مهمتها الجانب التقني والحسابي فحسب، بل وبالأساس دور الاقتصاد في التأثير المباشر وغير المباشر على الإنسان في معيشته وحياته سلباً أو إيجاباً، أي ضرورة الغوص في أعماق المشكلة الزراعية في العراق لا البقاء على سطح الأرقام على أهميتها، رغم إن الأرقام تمنحنا صورة مفيدة ولكن المعدل لا يعبر عن واقع الحال للفئات الاجتماعية المختلفة. غالباً ما يشير علماء الاقتصاد إلى إن الأرقام الإحصائية التي تنشرها الدول، ولاسيما النامية، تشبه مايوه السباحة النسائي إذ يكشف عن الكثير من جسم المرأة، ولكنه يخفي أهم ما فيه.
كتب ابن خلدون (عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي 1332-1406م) في مقدمته ما يلي: "إنه لا يكفي أن تصف موج البحر، وظهور السفن، حين تريد أن تتكلم عن حياة البحر... لا بد لك أن تفهم ما في القاع... قاع البحر المليء بالغرائب والتيارات والوحوش… وقاع السفينة حيث يجلس عبيد وملاحون إلى المجاديف أياماً كاملةً، يدفعون بسواعدهم بضائع تحملها السفن، وثروات وركاباً.. وينزفون عرقاً، وتتمزق أجسامهم تحت السياط.. أجل، ينبغي أن تعطيني صورة كاملة، عندما تريد أن تقنعني بأمر من الأمور".
إن البحث في الاقتصاد الزراعي يفترض أن يمتد ليشمل، على وفق قناعتي الشخصية، عدة مسائل جوهرية، إذ كان بودي لو كان قد تطرق إليها الزميل مرزا ولو بكثافة، لأني مقتنع بأن لديه الكثير من المعلومات حولها، أشير إلى أهمها فيما يلي:
أولاً: أهمية الإنتاج الزراعي في ضمان الأمن الغذائي والاقتصادي للعراق، ولاسيما وأن المنطقة مليئة بالمفاجئات غير السارة والتي تستوجب تأمين احتياطي منه. ومرّ العراق بتجارب مريرة في هذا الصدد ومنها فترة الحصار الدولي بين 1992-2003.
ثانياً: الأهمية القصوى لتنويع الإنتاج الزراعي وأهمية ذلك لمسالتين مهمتين هما: الدورة الزراعية وتأثيرها الإيجابي على خصوبة التربة ونوعية الإنتاج من جهة، وتحسين معدلات الغلة وزيادة الإنتاج وتأمين المنتجات الزراعية للاستهلاك الغذائي، والخامات الزراعية للقطاع الصناعي.
ثالثاً: القطاع الزراعي لا يشمل المحاصيل الزراعية فحسب، بل هو قطاع يشمل المحاصيل ومنتجات البستنة والغابات والثروة الحيوانية والثروة السمكية، وبالتالي، فالاقتصار على المحاصيل الزراعية لا يقدم لوحة كافية عن القطاع الزراعي ضمن صورة الاقتصاد الوطني.
رابعاً: واقع الاستغلال الذي يتعرض له الفلاح غير المالك للأرض الزراعية وفئات المزارعين الآخرين، وسبل استخدام الريع الزراعي في الاقتصاد العراقي في الفترة التي سبقت الريع النفطي وبعده. وهناك معلومات كثيرة في هذا الصدد ابتداءً من رسالة الدكتوراه للدكتور صالح حيدر وانتهاء بكتاب الدكتور طلعت الشيباني، وزكي خيري وعزيز سباهي وكاظم حبيب وعشرات كتب أخرى حول القطاع الزراعي، إضافة إلى كتاب الدكتور كامل عباس مهدي الصادر باللغة الإنكليزية في لندن عام 2000 وتحت عنوان "الدولة والزراعة في العراق، التطور الحديث، الركود وتأثير النفط" State and Agriculture in Iraq- Modern Development, Stagnation and the Impact of Oil إضافة إلى الكثير من الأبحاث والدراسات والمقالات المهمة الصادرة بهذا الشأن والمنشورة على العديد من المواقع الإلكترونية.
خامساً: مستوى الخدمات التي تقدم للفلاحين والريف العراقي خلال الفترات المنصرمة، ومدى تأثير ذلك على هجرة الشباب بشكل خاص، وبقاء الفلاحين كبار السن في الريف والزراعة، على ما يلاحظ في العراق خلال فترات طويلة.
سادساً: مدى تأثير الحروب العراقية، الداخلية منها والخارجية، فعلياً على الريف والزراعة العراقية وحياة العائلات بالارتباط مع التجنيد الإجباري للقوى العاملة التي تتراوح أعمارهم بين 18-60 سنة وأحياناً أقل وأكثر من هذين الحدين، إضافة إلى نشر الألغام في الكثير من الأراضي الزراعية الحدودية ولاسيما في إقليم كردستان العراق.
وإذ أشير إلى هذه المسائل المهمة في القطاع الزراعي فلا بد أن أشير أيضاً إلى الأهمية القصوى لأي باحث اقتصادي يعالج أوضاع القطاع الزراعي إن يبحث في مسألتين مهمتين لا يجوز إغفالهما بأي حال، حتى لو اختلفت وجهات نظر الباحثين، وأعني بهما:
أ‌) طبيعة علاقات الإنتاج السائدة في البلاد قبل وبعد الإصلاح الزراعي لا على ما هو مسجل في القوانين فحسب، بل والحالة الفعلية على أرض الواقع، وهي أمور متيسرة.
ب‌) مستوى تطور القوى المنتجة البشرية والمادية ومدى تأثيرها على إنتاجية العمل أو غلة الدونم الواحد من الأرض الزراعية في السنة. إذ إن التوسع في الأرض وزيادة الغلة التي برزت بشكل خاص في الفترة التي سبقت الفترة الريعية النفطية قد أدت إلى تسليط استغلال بشع على الفلاحين، إذ كان عليه أن يعمل ساعات أكثر وعلى مساحات أوسع لإنتاج غلة مساوية أو أكثر لصالح مالك الأرض أو المستحوذ عليها. وحين توفرت إمكانية زيادة نصب المضخات المائية على شواطئ الأنهر وزيادة المكائن الزراعية من تراكتورات (حارثات) وحاصدات وأدوات أخرى وأسمدة كيمياوية وحبوب محسنة ومخازن وقضايا النقل الزراعي وسبل التسويق، ازدادت غلة الأرض وارتفعت إنتاجية الفرد الواحد، ولكن لم تلعب باستمرار دوراً تحسينيا في حياة ومعيشة الفلاحين.
ويبدو لي بإن المفروض أن يبحث الكاتب واقع الزراعة العراقية ومشكلاتها الراهنة في أعقبت إسقاط الدكتاتورية الغاشمة حتى سنة صدور الكتاب والدور الكبير والمتنامي لكبار الملاكين الذين عادوا إلى الأراضي التي فقدوها بسبب القانونين الزراعيين وتعديلاتهما، ودور شيوخ العشائر الذين عادوا وبشكل أقوى إلى دورهم السابق في الهيمنة على الفلاحين والريف بل وبروز تأثيرهم المتنامي وتقاليدهم التي تهيمن حالياً على أجواء المدن العراقية، ومنها بغداد.
انتهت الحلقة التاسعة وتليها الحلقة العاشرة، الفصل العاشر: التصنيع: نشاط متدهور
08/04/2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب.. استقرار ملحوظ لجميع الأعيرة


.. تعديلات في حقائب وزارية منها الدفاع والخارجية والبترول والما




.. الصحفية الاقتصادية سمر الماشطة توضح موعد ارتفاع الأسعار هذا


.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 3 يوليو 2024 في محلات الصاغة




.. الإمارات والسعودية ما بعد -أفول شمس النفط- .. تنويع اقتصادي