الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأهداف الخفية للمسلسلات التاريخية التركية

امير عبد عباس

2019 / 4 / 19
الادب والفن


الأهداف الخفية للمسلسلات التاريخية التركية
_توطئة_
تسيطر على الأعلام وصناعة السينما في هوليود ستة شركات ( الأستوديوهات الستة الكبرى ) حيث بلغ أجمالي أيراداتها مجتمعة اكثر من 300 بليون دولار , حيث تمتلك هذه الشركات قنوات تلفزيونية وجرائد وصحف ومواقع ألكترونية وأنتاج ألعاب الفيديو وشركات تسويق أعلامي, وهذه الشركات قادرة على الوصول بمنتجاتها ورسائلها وأفكارها الى كل شخص في العالم, يكفينا مثال واحد بتاثير هوليود وحدها على المراهقين وتاثير ألعاب الفيديو عليهم.
ماذا تعني هذا الشركات الأمبراطورية ستة فقط؟ وبميزانية تفوق ميزانية دول, هل يعني بالفعل من أجل رفاهية وسعادة شعوب سكان هذه المعمورة؟ بعد أن وعدنا (فوكوياما) بعصره الذهبي أو جنته الليبرالية الموعودة بتأكيده وبحتمية مطلقة باننا نعيش نهاية تاريخ سعيد وسقوط السرديات الكبرى وما على البشرية أن يعيشوا تحت فياء ليبراليته الفردوسية السعيدة, وأن هذه الشركات الأعلامية الهوليودية تعتبر جزء مهم ومن ثمار هذه الليبرالية التي ستوصلنا ألى نهاية تاريخ سعيد ,أم هنالك سر خطير ماوراء الأكمة.
بأختبار بسيط للواقع المعاش وبنظرة فطرية للحروب العبثية التي تفتعل من قبل حكومات ليبرالية وديمقراطية يتضح بأن (فوكوياما) مخادع جبار ومضلل محترف.وتتضح الرؤية أكثر بان الأعلام وهذه الشركات الأمبراطورية وأنتاجها للأفلام والمسلسلات ماهي الا أدوات مهمة بيد البرجوازيات المحلية والعالمية التي هي أداة طيّعة بيدها من أجل السيطرة على العقول لتغييبها وتدجيّن البشرية وبرمجتها وتطبيعها بطابع الليبرالية الفوكوياماية المترفة.
لذا نرى البرجوازيات المحلية والعالمية تضخ الأموال الطائلة من أجل أعلام زائف لتخلق من هذا الأعلام وأدواته المسلسلات والأفلام لتهجين ثقافة زائفة للسيطرة أكثر ولتضييق الخناق على الجماهير وشرذمتها وتفكيكها من أجل السيطرة ليس الا.
_المسلسلات التاريخية التركية انموذجا _
خذ مثالاً على البرجوازية المحلية التركية فمنذ عام 2004 والى اليوم غزت المسلسلات التركية وخصوصا التاريخية المنطقة كلها ,وأصبحت هذه المسلسلات تتناقلها الأفواه والألسن وطفقت شهرتها الآفاق, وأمست هي المُشكّلة للوعي العربي المغيب أصلا بفعل برجوازيته الطفيلية ,وبما أن عقل الفرد في أجازة طويلة تلقف هذه المسلسلات من دون تمحيص أو نقد غافل عن أهدافها ومآربها الرجعية المهلكة.
سأركز في هذه الورقة مغزى هذه المسلسلات التاريخية والهدف من ورائها, وكيف تستثمرها البرجوازية المحلية التركية الحاكمة لصالحها من أجل طبعاً احكام سيطرتها على تركيا ومن ثم المنطقة عموماً.
لكن قبل الأيغال بمحتوى هذه المسلسلات لابد من الأشارة الى أن هنالك تيارين رئيسيين يتنافسان على الساحة الأعلامية والدرامية في تركيا , التيار الأول هو التيار العلماني العريق الذي دمغ اذهان الأتراك بطابعه العلماني المدني الصريح , والتيار اللآخر هو الأسلامي المتمثل بحزب العدالة والتنمية .
التيار الأول ينتج مسلسلات محتواها ضد أفكار ورؤى الحزب الحاكم والدليل على ذلك انتاجه مسلسل (حريم السلطان) .
فعندما بدات شهرة (حريم السلطان) تبلغ منتهاها في العالم العربي خرج الرئيس التركي (أردوغان) لينتقد العمل قائلاً :(ليس لدينا أجداد مثلما يجري تصويرهم في المسلسل وأن سليمان القانوني قضى 30 سنة من عمره على ظهر الخيول في أطار الحروب والفتوحات وليس بين الحريم وخاضعا لزوجته) .
أنظر الفتوحات! هذا هو ما يرمي أليه (أردوغان) يريد أستعادة مجد ذلك التراث البالي. بعدها أعلن نائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم عن تقديم عريضة أمام البرلمان لوقف عرض المسلسل عام 2013.
مما حدى بأحزاب معارضة تركية بأتهام أردوغان بالسلطوية ومحاولة فرض سيطرته على القضاء التركي.
وقرر الممثل (خالد أرجنش) الذي يجسد دور السلطان التعبير عن رأيه في هذا الأمر، على الرغم من رفضه في البداية، الإفصاح عن رأيه الحقيقي، لكن وبعد إلحاح شديد، أبدى قال:(مع انني لا أريد التحدث في هذا الأمر، لكني أريد أن أعلم على أي أساس يوقف عمل ناجح يعتمد عليه كثيرون كمصدر رزق لهم.
ورغم شعبية المسلسل الذي يعرض في العالم العربي والعديد من الدول الأوروبية، صدرت الكثير من الانتقادات له واتهمته بتشويه صورة (السلطان سليمان) . ويلقب (السلطان سليمان) بالقانوني أو المشرّع لأنّه قام بتشريع الكثير من القوانين للدولة العثمانية التي بلغت أكثر من مائتين، بينما يقدّمه المسلسل بصورة السلطان المحاط بالنساء..
وحسب ماذكر في موسوعة (ويكيبيديا) حول هذا المسلسل (يقدم المسلسل صورة متخيلة عن حياة السلطان العثماني سليمان القانوني ونزواته مسلطاً الدور أكثر على حياته الخاصة، وهو ما أثار لغطاً كبيرًا في تركيا بلغ حد المطالبة بتوقيفه من قبل البرلمان التركي كون الدولة الإسلامية بلغت في عهده أقصى ٱتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم وهو ما تجاهله المسلسل).
وكرد فعل على مسلسل حريم السلطان قام التيار الأسلامي بأنتاج مسلسل يضاهي مسلسل حريم السلطان وهو مسلسل (أرطغل) فقد ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزراء حكومته وحزب العدالة والتنمية الحاكم أكثر من مرة في مواقع تصوير هذا المسلسل مع الممثلين وهم يرتدون ملابسهم التاريخية . وان بث هذه المسلسلات على القنوات الرسمية TRT11 ضمنيا تعني تبني الحكومة لها.
وحسب ماذكرالكاتب (باسم الدبعي) في مقال له يخص هذا الموضوع (أستطاع كاتب المسلسل أن يرسي بناءه على ثلاثة قواعد متينة (القرآن، الراية، السيف)، تمكّن بذكاء إبراز عظمة الإسلام، ووحدة المسلمين وشجاعة الترك، في سياق درامي لم يخلوا من المبالغة وبعض التجاوزات التاريخية. حقق المسلسل نجاحاً كبيراً منذ الأسابيع الأولى لأنطلاقته، ومازال حتى الساعة يواصل تحطيم الأرقام القياسية)
باختصار ملخص هذه المسلسل تدور أغلب أحداثها بين ولايتي حلب وأنطاكيا في القرن الثالث عشر، في زمن الصراعات والنزاعات بين الإمبراطوريات في المنطقة، ففي الوقت الذي جاءت فيه قبائل التركمان، كان المغول والروم يتنازعان على المنطقة.
وكما هو حال اليوم، كان المسلمون يعانون الكثير من المشاكل في القرن الثالث عشر خاصة ضعف الخلافة العباسية وهي ملجأ المسلمين في كل مكان. وكان العالم بانتظار قائد بطل. حيث ظهر (أرطغرل) متحدياً كل الظروف....وجابه (أرطغرل) كل تلك المصاعب وأنتصر على أعدائه بالعزم الصبر والذكاء ليهدي قبيلته أرضاً تستقر فيها. منهياً بذلك معاناتهم الطويلة. وليصبح بذلك الرجل الذي غيّر خارطة العالم ببنائه لأسس الإمبراطورية العثمانية التي انتشرت في قارات العالم القديم الثلاث.
انظر (غير خارطة العالم ببنائه لأسس الامبراطورية العثمانية) هذا هو مغزى اردوغان منها..
كذلك مسلسل كوت العمارة فقد حضر أيضا الرئيس التركي ورئيس الوزراء العرض التعريفي لهذا المسلسل فأعجبوا به أيما أعجاب حيث يروي هذا المسلسل وقائع البطولات التي خاضتها القوات العثمانية مع العرب ضد الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى وفك الحصار عن مدينة الكوت العراقية واستعادة الاراضي التي حاصرها العدو.
عودة ألى التركيز على أهداف ومآرب هذه المسلسلات التاريخية .المتتبع الحصيف لسلوك الساسة الرجعي في القرن الواحد والعشرين وعودتهم للفاشية والهمجية وبمسميات جديدة لفرض سطوتهم وتكريس ثقافة الرأي الواحد وبعد ان تحول العالم من قطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب اي ليس هنالك وحش واحد في هذا العالم بل عدة وحوش وتركيا احد تلك الوحوش القميئة .فماذا يعني أنتاج مثل هكذا مسلسلات تاريخية وصرف مليارات الدولارات عليها؟ هل من أجل سواد عيون جماهيرنا المغضوب على أمرهم ! أكيد لا بل من أجل فرض سياسة وسطوة ذو أفق واضح المعالم وسياسة ممنهجة ومدروسة أكل الدهر عليها وشرب, سياسة متخمة بالرجعية وموغلة بكهوف التاريخ المظلمة .
_أردوغان يحاول جاهدا العودة الى الماضي _
(أردوغان) الحالم الذي يريد أن يعيد أمجاد الأمبراطورية العثمانية يحاول وبكل قواه ومن خلال أدواته الأعلامية والثقافية والدرامية والتي من خلالها حاول أن يستخدم سياسة ناعمة من خلال هذه الدراما بما يخدم أهداف سياسته الخارجية فالدراما كأداة فنية تكون لها أهداف سياسية غير مباشرة وكذلك التعريف بتركيا وثقافتها وتاريخها ألى العالم الخارجي .
وقد نجحت بالفعل الدراما التركية نجاح منقطع النظير فلا تحلو الأجواء العائلية داخل البيت الا بوجود نموذج من تلك المسلسلات.
وليس هذا فقط بل ساهمت هذه المسلسلات بأرتفاع حجم صادرات تركيا , فقد أعلنت وزارة الكمارك والتجارة التركية ألى أن الدراما ساهمت في رفع حجم الصادرات من الأكسسوارات والحلي والملابس وفنون الموضى والديكور خلال السنوات الأخيرة .
اذاً لايوجد اي تفسير او تحليل غير هذا وهو مايجول اليوم في ذهن البرجوازية التركية الحاكمة هو العودة الى الوراء وأستعادة أمجاد الأمبراطورية العثمانية والسيطرة على المنطقة من خلال هذه المسلسلات التاريخية فحزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه للسلطة عام 2004 وهو يحاول جاهداً ان يعبر عن هوية تركيا الاسلامية والدراما تعتبر أداة مهمة بيد هذه البرجوازية من أجل رسم مايصبون اليه.
أنظر لخطابات( أردوغان) منذ تسلمه السلطة والى اليوم ماهي الا خطب لتمجيد الأمبراطورية العثمانية مثل (نحن أحفاد العثمانيين) . وكذلك في خطاب متلفز يقول :(أذهبوا الى سوريا اذهبوا الى العراق أذهبوا الى كل مكان في شمال افريقيا في الشرق الاوسط في دول البلقان وأسألوا الناس هناك عن قناعاتهم حول تركيا والأتراك لن تسمعوا في أي منها كلمة محتلة او مستعمرة او ظالمة بل بدل كل هذه الكلمات ستسمعون جملة جديدة أصبحت كشعار لديهم وهي شكرهم على قدوم الأتراك الأوفياء اليهم) .أتسائل أين نضع هذا المثل الذي أصبح أحد أهم الأمثال الشعبية المتداولة (بين العجم والروم بلوة بتلينا) من هذا الخطاب العجائبي الغرائبي الأردوغاني .
أيضا ولاننسى كلمة القرضاوي (طيب رجب اردوغان هو الذي يحمي الدولة الاسلامية) !!
وأكثر من هذا كله عندما حصل حزب العدالة والتنمية على أغلب المقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2011 قال أردوغان محتفياً بانتصار حزبه :(بقدر ما أنتصرت أسطنبول أنتصرت سراييفو وبقدر ماأنتصرت أزمير أنتصرت بيروت وبقدر ما أنتصرت أنقرة أنتصرت دمشق وبقدر ماأنتصرت ديار بكر أنتصرت رام الله وحنين والضفة الغربية والقدس وغزة وبقدر ماأنتصر الشرق الوسط والبلقان وأوربا ).ولكم أتسائل ماذا يعني مثل هكذا خطاب؟ ألا توافقوني بأنه يعني حنين جارف ألى تلك المناطق المفقودة خارج أطار تركيا الأردوغانية .ومحاولة أستعادتها لمكانها الصحيح حسب مايزعم.
وأخيرا لاننسى خطاب اردوغان المجلجل عام 1998(مساجدنا ثكناتنا قبابنا خوذاتنا ماذننا حرابنا والمصلون جنودنا هذا الجيش المقدس يحرس ديننا)
اذا بعد كل هذا الأستعراض يجب أن نكون واعين بماتبث تلك المؤسسات الاعلامية من مسلسلات وما تحتوي من أفكار رجعية وفاشية لاتتناسب مع متبنيات ومرتكزات هذا العصر الحديث .نحن نريد ان نتقدم بافكارنا وعقولنا لانريد ان نرجع القهقري.نريد ان نرسخ بأذهان أجيالنا القادمة قيم المسامحة والعطف والمحبة والأنسانية ومبادئ حقوق الانسان. ليس على شكل شعارات رنانة او كدعايات سياسية, بل نجعلها جزء من منظومتنا القيمية والأخلاقية الأنسانية السامية , وان نزيل داء الكراهية والحقد والتي تعمل تلك الحكومات ان ترسخه في أذهان أجيالنا القادمة .ويجب أيضا أن نكون حذرين من أفكار الطبقات البرجوازية الحاكمة التي تريد أن تضيق الخناق أكثر وأكثر على الطبقات والجماهير المحرومة من أجل مصلحتها ومن أجل السيطرة على وسائل العنف بالمجتمع, لكي تضل ممسكة بثور الطبقة المحرومة من قرنيه لتستطيع توجيهه أينما تريد.


مصادر
قيامة ارطغرل و احمد داوود اوغلوا مصدر يوتيوب
شاهد الخطاب التاريخي الدي سجن بسببه أردوغان .
يوتيوب القرضاوي : أردوغان هو من يحمل هم الأمة الإسلامية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل