الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الديموقراطية في بلداننا بين التطرف الديني والعلماني!

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2019 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


أزمة الديموقراطية في عالمنا العربي في ظل صراع الأيديولوجيات الأصولية القومية والاسلاماوية والعلماناوية !؟
******************
من خلال مناقشاتي الطويلة والكثيرة مع كل أصحاب الايديولوجيات في عالمنا العربي، فإنني أرى أن مشروع توطين وتمكين الديموقراطية في العالم العربي تعرض لعدة طعنات شرسة، من خصومها وأنصارها على السواء، مما انتهى بإصابتها بتشوهات في وعي ومخيال الشعوب العربية حتى باتت مكروهة!!... ففضلًا عن الأنظمة العربية المتخوفة من الديموقراطية على سلطانها واستقرارها فإن القوميين الإشتراكيين العرب (البعثيين والناصريين ومن خرج من تحت جلبابهم) تبنوا ما يُسمى بالديموقراطيات الشعبية القائمة على تأطير الشعب في تنظيم واحد في ظل قيادة ثورية وتاريخية وقومية واحدة!، ونصبوا العداء للديموقراطية الليبرالية التعددية والحزبية واعتبروها حالهم حال الشيوعيين إبنة النظام الرأسمالي وأنها ديموقراطية رأسمالية مزيفة مخادعة!، وهكذا أخذوا بعد سيطرتهم على الحكم في شن هجوم لاذع ممزوج بالسخرية والاحتقار للديموقراطية في الغرب واجراء غسيل أدمغة للشعوب العربية مما ساهم في تشويه صورة الديموقراطية في أذهانهم وولادة أجيال تنظر للديموقراطية الليبرالية والنيابية والحزبية نظرة ارتياب واستصغار!، ثم جاء دور العلمانيين العرب وغير العرب في منطقتنا ممن يحملون شعار (الحداثة) حيث مع نصرتهم للديموقراطية الليبرالية إلا أنهم أصروا على أن تكون ديموقراطية علمانية - بشكل حاف وجاف وجذري!! - في دولة علمانية مفصولة تمام الفصل عن دين وشريعة المجتمع (المسلم)!، بدعوى أن (الدولة لا دين لها!) وبالتالي رفعوا راية اقصاء (الشريعة) حتى عن مجال (الأحوال الشخصية) كما يجري في تونس الآن!، وبعض هؤلاء علمانيون ليس لهم عداء مع الدين ولكن بعضهم الآخر هم من الملاحدة المعادون للاسلام كدين ولكنهم يخفون عدائهم للاسلام بستار الحداثة والعلمانية ويعتقدون أن معركتهم ليست مع خصومهم السياسيين (الاسلاماويين) وحسب بل قضيتهم الأساسية هي تحجيم الاسلام ومحاصرته في المسجد ومراقبته بشكل صارم كما فعل بورقيبة وبن علي ومن قبلهما أتاتورك!!، وبعضهم قالها لي بشكل صريح: (( لابد من مرحلة ديكتاتورية تسيطر فيها النخبة العلمانية على الحكم بالتحالف مع الجيش وتقود مرحلة من توجيه المجتمع لتفكيك الاسلام السياسي أولًا بشكل نهائي ثم ثانيًا تحجيم الاسلام وخلق جيل ليبرالي علماني ثم يمكنها فتح المجال للديموقراطية!، أما بدون هذا فإن الاسلام الديني الثقافي سيظل ينتج الاسلام السياسي!، وبالتالي ستستمر المشكلة!!)).. هكذا قالها لي صراحة غير واحد من المثقفين والسياسيين العلمانيين العرب وغير العرب في مناقشاتي العديدة والمديدة معهم منذ ما يربو عن 20 عامًا!، أليس هذا هو التطرف الأصولي الجذري (الراديكالي) بعيونه وقرونه ولكن بوجهه العلماني والليبرالي؟؟ وهو لا يختلف عن التطرف الأصولي الجذري (الراديكالي) بعيونه وقرونه بوجهه الاسلاماوي!!.. ولأن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار أو يزيد ومضاد له في الإتجاه فإن القوى الدينية والاسلاماوية (المحافظة) وخصوصًا (السلفية) والتي هي الاتجاه الغالب حاليًا لدى الفئات الشابة من المتدينين، اتخذتْ - بسبب هذا المنطق والخطاب العلماني الراديكالي - موقفًا معاديًا للديموقراطية من حيث المبدأ وجملةً وتفصيلًا!، لأنها ارتبطت في أذهانهم إما بالنموذج الغربي الموغل في ليبراليته (الفردانية) وعلى حساب الهوية والقيم الاجتماعية مما نتج عنه اتساع رقعة الاباحية والمثلية في المجتمعات الغربية وكذلك مشكلة الهجرة غير الشرعية!، أو ارتبطت في أذهانهم بمشروعات العلمانيين العرب (المغامرين والمتطرفين) الذين يعلنون حربًا شعواء على شريعة المجتمع ومنها أحكام الأحوال الشخصية والعائلي كما يفعل العلمانيون التوانسة حاليًا وهم يعتقدون أنهم يُحسنون صُنعًا ويخدمون قضية الديموقراطية في العالم العربي!، فبات مشروع الديموقراطية الليبرالية وخصوصًا الذي يحمل رايته العلمانيون العرب المتأثرون بالنموذج العلماني الفرنسي كحال العلمانيين التوانسة مثلًا لا يعني للقوى الاجتماعية والدينية المحافظة في مجتمعاتنا إلا شيئًا واحدًا وهو أنه مشروع لإقتلاع الاسلام!!(*)..... وهكذا وبسبب كل هذه الملابسات والايديولوجيات المتناحرة، أصبح مشروع توطين وتمكين الديموقراطية الليبرالية دون اصطدام بثوابت المجتمع المسلم والذي بدأ قبل ظهور هذه التيارات العلمانية والقومية والاسلاماوية (المأزومة) هو الضحية الأولى والكبرى لكل هذه الصراعات والخطابات والمشروعات المتطرفة!،إذ قبل هذا كانت هناك محاولات تنظيرية وفكرية عربية اسلامية (ليبرالية) هادئة من مفكرين عرب ومسلمين تعمل على تكييف الديموقراطية الليبرالية مع قيم وثوابت الاسلام وسد (الهوة) المتخيلة في العقل العربي والمسلم بين الاسلام والديموقراطية وبالتالي انتاج فكر سياسي عربي واسلامي متوافق ومتعايش ومتناغم مع الديموقراطية الليبرالية، وكان هؤلاء المفكرون العرب المسلمون (الليبراليون) يحققون نجاجًا في هذا المضمار حتى هبت رياح الغضب العروبي القومي المأزوم بسبب هزيمة العرب أمام دولة الصهاينة ثم الغضب الاسلاماوي المأزوم بسبب قسوة وتسلط الدولة الشمولية البوليسية التي أسسها القوميون الاشتراكيون العرب، مما أدى إلى تعطيل وتهميبش هذا المشروع الفكري الحضاري والثقافي العربي الاسلامي (العظيم) لتوطين وتمكين الديموقراطية الليبرالية في ظل ثوابت هوية وثقافة مجتمعاتنا العربية والمسلمة مما أدى إلى كل هذه التشوهات وكل هذه التخبطات والتناقضات والاخفاقات التي تهيمن على المشهد العربي الحالي!، والمطلوب من كل أنصار هذا المشروع العربي الاسلامي (الليبرالي) لتوطين وتمكين الديموقراطية الليبرالية في عالمنا العربي استئناف جهدهم وجهادهم الفكري العقلاني والحضاري في هذا الاتجاه في مواجهة المشروعات المتطرفة والمأزومة للأصوليات الدينية والقومية والعلمانية جميعًا!، وهذا هو الطريق!.
سليم نصر الرقعي
(*) أعتقد أن العلمانيين التوانسة بإصرارهم على هذا المطلب الطوباوي المتطرف - أي بالمساواة بين الجنسين في الميراث - وهو مطلب يصطدم بنص قرآني يعطون للقوى المحافظة والاسلام السياسي الحجة الكافية لقيادة انقلاب اسلاماوي عنيف وربما استئصالي ضد العلمانيين العرب الذين ربما غرهم وأغراهم تعرض الاسلام السياسي لإنتكاسة كبيرة بعد ثورات الربيع العربي، فاعتقدوا أن الفرصة مواتية للإجهاز على مرجعية الشريعة الاسلامية فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، وهذا غباء علماني انتحاري كبير كغباء انتحار الاسلاميين في مصر!، مثل هذه التصرفات العلمانية الجذرية الراديكالية المتشددة هي في حقيقة الأمر ما سيعيد انعاش الاسلام السياسي بعد أن تلتئم جراحه ويعود للساحة من جديد أكثر قوة وحيوية وفاعلية ، حيث سيجد من أخطاء ومغامرات العلمانيين خصوصًا في تونس المبرر الكافي لتحجيم العلمانية وتوجيه ضربات قاصمة للظهر لها!، أعتقد أن حركة النهضة في تونس تدير هذه اللعبة بخبث ودهاء سياسي منقطع النظير!، وبنفس طويل لتجر العلمانيين للملعب الذي تريده!!.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصديق سليم نصر الرقعي
nasha ( 2019 / 4 / 20 - 07:23 )
انا اؤيدك بأن المجتمعات المسلمة غير ناضجة لتبني الفكر الليبرالي وتحتاج إلى وقت أطول من ذلك
ولكن قولك التالي :
مثل هذه التصرفات العلمانية الجذرية الراديكالية المتشددة هي في حقيقة الأمر ما سيعيد انعاش الاسلام السياسي بعد أن تلتئم جراحه ويعود للساحة من جديد أكثر قوة وحيوية وفاعلية
هذا القول فيه شك.... لانك تتوقع أو تتنبأ بما سيحدث

كيف ستلتئم جراحه ويعود من جديد؟ ما الجديد الذي في جعبته ولم يستخدمه؟ التمكين والتحايل أصبح معلوما والخواء الفكري الفلسفي واضح وعالم الفكر مفتوح على مصراعيه ولا يمكن عزل أي مجتمع عن باقي مجتمعات العالم فكريا وسياسيا.
ماذا للإسلام السياسي غير الإسلام المحمدي الاصلي الممزوج مع العاطفة الدينية المحقونة في عقول الناس بكثافة في مجتمعات كانت معزولة تماما عن المجتمعات العالمية الأخرى. العزل انتهى

لا حل إلا بالحرية الفكرية الكاملة دون أية شروط سواء دينية أو غير دينية.
تحياتي


2 - إيمانك الشخصي
عدلي جندي ( 2019 / 4 / 20 - 17:18 )
ونظرتك للدين
ليس مقياس لصلاحية الدين


3 - مرحبا صديقي nasha العزيز
سليم نصر الرقعي ( 2019 / 4 / 20 - 18:10 )
نعم هو مجرد رأي وقراءة مني للماضي والحاضر وتوقع للمستقبل!، فمع هذا التطرف العلماني والليبرالي الذي أشاهده في تونس فإنني أتوقع عودة الاسلام السياسي بوجه جديد ولكنه سيكون مع هذا التطرف العلماني والليبرالي أشد فتكًا مستندًا على عواطف الجماهير الدينية!... انظر إلى صعود التطرف الوطني والقومي الشعبوي اليميني في الغرب فإنما هو نتاج التطرف الليبرالي على حساب قيم اجتماعية ووطنية استهانت بها الليبرالية في غمار تقديسها للحرية الفردية والشخصية ، إذ أن العقل يقول لنا لابد من (الموازنة) بين القيم الليبرالية الفردية والقيم الاجتماعية والجماعية للمجتمع بدون هذا يحدث خلل وعدم اتزان ينشأ عنه عودة الروح الجماعية بنفس شعبوي!... هذه ظاهرة مشاهدة في أوروبا التي هي أم الليبرالية فكيف بمجتمعات مثل مجتمعاتنا العربية والمسلمة إذا تجاوز الليبراليين العلمانيين فيها الخطوط الحمراء الدينية!؟؟ صدقني النتيجة معروفة سلفًا لمن يقرأ تجارب التاريخ ... أنا لست مسلمًا أصوليًا ولا أصنف نفسي مع الاسلاميين بمشروعاتهم السياسية الطوباوية وغير الواقعية ولكنني مسلم ليبرالي غير علماني له رؤية خاصة، ولك خالص تحياتي واحترامي


4 - أظن أن هذا المقال يهمك
إلهام صالح ( 2019 / 4 / 21 - 16:34 )

أظن أن هذا المقال يهمك
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=634851

اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض