الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الجزائري بين الشمولية والديموقراطية.

بوذراع حمودة
(Boudra Hamouda)

2019 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تزخر المنطقة الشرق أوسطية والمنطقة المغاربية بأنظمة شمولية تحكم بالحديد والنار شعوبها من دون أي اعتبار لشرعيتهم، ليس ذلك وحسب بل إن معظم هذه الأنظمة الشمولية لا تستطيع توفير شروط العيش الكريم لشعوبها، ولا إدارة هذه البلدان سواء: مواردها المادية التي تحسد عليها، أو البشرية التي تطغى عليها الفئة الشابة القابلة للعمل والابداع والإنتاج.
ونظرا لكون الأنظمة الشمولية تقوم على مبدأ العقيدة الواحدة، والإيمان بمطلقية السلطة للحزب الأكبر والحاكم، فإن كل ما لا يعدو كونه منفعة للحزب لا يمكن اعتباره شيء يرقى بمكان لدرجة المحافظة عليه أي كان ذلك الشيء أو ذلك الشخص.
ونظرا لكون الأنظمة الشمولية مجموعة من الأنظمة الدكتاتورية المستنسخة في أماكن جغرافية مختلفة لكل واحدة منها خصوصيتها، فإنها تبقى تشترك في كونها شمولية، ديكتاتورية ( بغض النظر على ما ينص به الدستور)، و أزلية.
وفي ما يلي سوف نحاول مقاربة الواقع في الجزائر بالأنظمة الشمولية من خلال الأوجه التالية:
1- الحزب الواحد ( الحزب الأكبر ): على مدار السنين وعلى مر الزمن استقرت السلطة وثبتت على يد حزب (FLN) الذي كان الحزب المحرر للجزائر من قبضة الاستعمار الفرنسي، والحامي لمبادئ الفاتح من نوفمبر، لكن الحزب لم يلبث وأن انحرف عن مبادئه ليتحول الى مستنقع يغرق في بحر من الفساد والتطلع للسلطة ويغرق الجزائر في دوامات من الحكم الغير الراشد وراح يكرس للبيروقراطية والمحسوبية، ويركز على اقتصاد المال الفاسد، وينظر لفكرة الشعب الدمية، وفي حقيقة الأمر -تمكن من تحقيق نظرته حتى هذه السنة- لولا الانتفاضة الشعبية الحاصلة واقع الحال، وبالنظر لهذا المؤشر فان المقاربة ثابتة لحد الأن.
2- الحزب لا الفرد: تقوم الشمولية على الأزلية للحزب والمنفعة الأولية للحزب والملكية للحزب وتنبذ الفردانية ، فرأس النظام لدى الأنظمة الشمولية لا تعني الكثير، فهي مجرد بيادق يتم صرفها وفق الحاجة لذلك، ويتم التضحية بها ان لزم الأمر فالأصل في الشمولية الحزب لا الفرد، لكن الوضع في الجزائر وفي بدايته الأولى أثبت فعالية الشمولية الحزبية، بحيث كان تغيير الرؤساء واغتيالهم يكاد يكون حدثا ليس بالغريب، لكن ومنذ (1999) حيث اعتلى بوتفليقة كرسي الرئاسة ( 82 عاما ) فقد تغيرت ملامح النظام وملامح الحزب الحاكم نفسه، وبفعل تطبيق مبادرة المصالحة الوطنية ( بوتفليقة لم ينظر لها، وإنما طبقها فحسب ) تعمق حب الشعب وتعلقوا به لما آلت إليه البلد من سلم وأمن بعدما ضاق الشعب الويلات من جراء العشرية السوداء ( 1992- 2002 )، وحمام الدم، كل هذا جعل فكرة الشمولية الحزبية تتقلص وتتراجع مقابل الفردانية الشرعية ( الشخص الوحيد ذو الشرعية للحكم، من حيث التاريخ ومن حيث المبدأ والحاضر) وهنا تتباين مبادئ النظام الشمولي عن النظام الحاكم في الجزائر، بحيث وبرغم الظروف والعقبات لم يستطع حزب (FLN ) انتاج رأس آخر للنظام بحيث ثقلت كفة السلطة للفرد ( بوتفليقة ) بدل الحزب نفسه، أو أن التشققات الداخلية والتصدعات ( وهذا هو الأرجح ) لم تمكن الحزب على التوافق على ابن بار للنظام، وهذا أيضا يكمن في شرخ ( التنشأة الحزبية ) الذي سنتحدث عنه لا حقا.
3- الشرعية بدل الصندوق: يستمد النظام الحالي شرعيته من التاريخ لا من الصندوق، اذ أنه لا يمكن الحديث عن شرعية الصندوق من دون وجود مؤسسات دولة مستقلة فعلا، لا تخضع للسلطة التنفيذية، بل تكون مؤسسات دستورية تحمل سلطة في ذاتها وليس من نظامها، لكن كون النظام شموليا فهذا يعني كون الملكية وكذا الولاء للحزب لا للدستور فالأصل هو الحزب ( لاعتبارات تاريخية ) لا للدستور، لكون هذا الأخير منتوجا حزبيا لا يعدو كونه قانوننا على الحزب بل على ما دون الحزب، وعملية صياغته وإعادة صياغته تخضع للشرعية التاريخية لا القانونية، الشأن الذي يجعل مخرجات الصندوق تحصيلا حاصلا، يمكن التنبؤ بها بل والقطع باليقين بنتائجها، لأن المدخلات ( الأصوات ) غير مهمة حين تكون المؤسسة موالية للنظام، والعمال موالون للنظام، فضلا على القاعدة الشعبية الأساسية لمثل هذه الأنظمة.
ومنه فإن (FLN) يستمد شرعية دائمة من الثورة التحريرية لا من الرأي الحر للمجتمع المدني الذي يمثله، وهذا بالرغم من انقضاء فترة الشرعية الثورية ورغم تجدد الذهنيات والاتجاهات الشعبية، فالأغلبية الساحقة لم تعايش أحداث الثورة، وأصبحت الثورة تاريخا لا مصدرا للشرعية، الأمر الذي يجعل من الحزب الحاكم فاقدا للشرعية الدستورية، وأن الدور المنوط لحزب كهذا أن يحال كحزب تاريخي.
4- وحدة العقيدة: تعمل الأنظمة الشمولية على استنساخ الذهنيات المتواجدة والمسخرة لها، بحيث تجعل كل ما له أصولا حزبية يكون منطقيا في عقل الجميع، وشأن هذه المعتقدات شأن قدسية الشرعية التي يقوم عليها الحزب، والابتعاد عن مثل هذه المعتقدات أو الضرب والطعن فيها يكون في الغالب أمرا مساويا للخيانة العظمى ( خيانة الوطن ) أو انحرافا اجتماعيا على المجتمع وعن المجمع عليه، هكذا تشكل مثل هذه الأحزاب أطواقا وجدرانا دفاعية منيعة تحمي الحزب نفسه وأعضائه، وكذلك قوة من شأنها استخدمها لردع أي عداء يشكل خطرا على الحزب أو حتى انتقادا مشروعا له من خلال تحويل هذه العقيدة كأساس تشريعي وقانوني للرقابة الفكرية التي هي بدورها تعد احدى دعائم هذه النظم وسوف نتطرق اليها في العنصر الثامن.
ولقد كان للـ (FLN) في سابق الزمان استراتيجية لبناء مثل هذه العقيدة ( المقصود بالعقيدة مجمل الثقافة السائدة في مجتمع معين: من قيم أخلاقية، عادات تقاليد، معتقدات دينية...) الا أن خوض غمار التعددية الحزبية قد شكل للحزب عائقا، كما أن ذلك ليس العامل الوحيد الذي جعل من الحزب يفشل في خلق عقيدة موحدة، بل تفاعل العوامل المختلفة من فساد في جميع مرافق الدولة من
أعلاها الى أسفلها، مما يجعل مسألة صنع القيم أمر غير ممكن، كذلك نخص بالفضل وسائل الإعلام والاتصال ومؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الأخرى الحديثة التي يكون الأصل فيها هو التعدد والاختلاف.
كما أن ضعف الجهاز الحكومي في تلبية حاجيات الشعب، وفشله في تحقيق الرفاهية الاقتصادية، جعل من تقبل أفكار الحزب أمرا غير ممكن، فوحدهم من يأمنون بعقيدة الحزب من يستفيدون منه ويتمنون أزليته، وبناء على واقع الحال فإن أغلبية الشعب الجزائري تحت خط الفقر فإن عقيدة الحزب مرفوضة لديه بقدر ما هو الحزب نفسه مرفوض لديهم.
5- السيادة في الداخل والزعامة في الخارج: تقوم الأحزاب الشمولية على أساس من الغطرسة الانفرادية مما يجعل من النظام منفردا بالحكم في داخل، وفي صراع دائم مع الأنظمة الخارجية، بالإضافة الى كونه ساعيا لخلق قوة استراتيجية توسعية تجعل منه ذا ميزة تنافسية، لأن الأنظمة الشمولية دائما ما تتحسس في كونها في خطر من قوى خارجية أخرى، وعادة ما تجد إحدى هذه النظم عدوا تاريخيا يسهل عنها هذا الأمر، أما تلك الأخرى فدائما ما تروج لفكرة الأيادي الخارجية والمؤامرة على البلد وشعبه بغية حشد الجماهير إلى صفها.
لكن النظام في الجزائر قد ركز على شيء واحد فقط وهو السيادة على الداخل، واتخذ من مسألة شرعيته التاريخية أمرا يخول له ذلك، كما أنه اعتمد على ترويج فكرة المؤامرة الخارجية والأيادي الأجنبية/ الخفية وسيلة لتحقيق غاية إخماد غضب الشعوب، بحيث تتحول أي مناداة داخلية للتغير أو التحسين أو الحرية فخا من فخاخ هذه القوى الوهمية، وبالتالي يكون أمر وأد مثل هذه الانتفاضات أمرا يسيرا، وهكذا يحتكر النظام الشمولي سيادته على الشأن الداخلي.
إلا أن النظام في الجزائر قد أهمل جانب خلق القوة الاستراتيجية وفرض الرأي والسيادة على الخارج وهذا في حد ذاته يحمل بذرة فناء للنظام، لأن أي نظام شموليا كان فعليه أن يكون ذا نزاعات مستمرة مع قوى خارجية أو أن تنتفي منه صفة الشمولية ليصبح مجرد نظام عميل، أو نظام من دون قرار، يمكن تشبيهه أكثر بالنظام الغير ناجع.
6- التنشئة الحزبية: تقوم الأحزاب الشمولية على غاية العمل على استعمال التنشئة الحزبية كسبيل لتكريس شمولية النظام وضمان استقراره، بحيث تعمل على تطييف كل من وسائل الاعلام وجميع المطبوعات المنتجة أو المستوردة ومنها الكتب المدرسية وجميع حركات المجتمع المدني لخلق ثقافة جامعة لكل أفراد المجتمع تمتاز هذه الثقافة بالتواتر للعمل على جعل المجتمع يتطابق فكريا وإيديولوجيا مع رؤية الحزب ومبادئه، مما يجعل أي حالة اختلاف في الرأي بالضرورة شذوذ فكري وخروج عن المجتمع وهكذا تتمكن مثل هذه الأحزاب بفرض ديمومتها على المدى البعيد، ويتم ذلك من خلال آليتان هما:
- العمل على استغلال جميع مؤسسات الدولة من أجل تطبيق رؤية الحزب في ما يخص التنشئة الاجتماعية من خلال: تحديد الفيصل ما بين المباح وغير مباح في جميع ميادين الحياة العامة، شريطة أن يكون ذلك يخدم مصالح الحزب.
- العمل على اقصاء أي شذوذ عن فكر الحزب ورؤيته مهما كان بسيطا، فمثل هذه الأحزاب تقوم على القمع المطلق، أي أنه مهما كان الاحتمال صغيرا في تأثر الحزب، استلزم بتر الشذوذ، وذلك من خلال أجهزة متعددة على غرار شرطة الفكر.
في حين أن الحزب الحاكم في الجزائر والنظام القائم حاليا ( حتى 2019 ) فإنه لا يقوم إلا على ركيزة واحدة، وهي اقصاء الشذوذ ولا يعمل على التنشئة الحزبية ( أو يعمل بمستوى ضعيف ) وهذا نفسه يولد نهاية الحزب مهما طال، لأن اقصاء الأفكار الغير ملائمة للحزب لا ينفع على المدى البعيد، بحيث أن الأصل في الواقع هو التعدد والتغير، ولا ينجح الحزب ان لم يقم على استراتيجية للتنشئة، فالقمع من دون تنشئة يساهم في تسريع نهاية الحزب، لأن الاقصاء لا يعني وضع حد للأفكار والآراء المناوئة بقدر ما يعمل على تعزيزها وتكريسها وجعلها أكثر صلابة للحد الذي يجد النظام فيه نفسه في حالة دفاع مستمرة بدل كونه في وضعية ترصد للأفكار الغير مسايرة للنظام.
7- الأزلية: كون الأحزاب الشمولية تقوم على مبدأ الحزب لا الفرد، فإن تحقيق الأزلية لها ليس بالشيء الصعب ، فكل شخص في الحزب يخدم الحزب لا شخصه، وطالما أن الجميع يخدم الحزب فإن بطبيعة الحال يكون الجميع يخدم الجميع، ويصبح تحقيق الرفاهية والمصالح الحزبية هو نفسه تحقيقها للفرد، كما أن الفرد وحده لا يعني شيء من دون خدمته المطلقة للحزب، فجميع الأشخاص بيادق للحزب، والجميع في خدمة الأخ الأكبر ( رمزية الحزب: مجاهد، بطل، قائد....).
وهنا يفشل الحزب الحاكم في الجزائر في تجسيد مثل هذا المستوى العالي من النظرة الشمولية، بحيث أن الحزب لم يلبث وأن تصدع داخليا وأصبح تحقيق المصالح الشخصية بدل المصالح الحزبية أمرا ساريا فبذلك بدأت نهاية مثل هذا الحزب وكما يقال " إن الأنظمة الدكتاتورية تحمل بين ثناياها بذور فشلها"
ومن بين أهم آليات تحقيق الأزلية نجد التنشئة الشعبية الشأن الذي لا يقوم به النظام في الجزائر بشكل فعال، أو كونه غير قادر على تجسيده نظرا لتحول البلد إلى التعددية الحزبية والغطاء الديموقراطي الظاهر وتأثيراته حتى وإن لم يكن مجسدا فعلا على أرض الواقع، وكذا الرقابة الفكرية من شأنها العمل على تحقيق أزلية الحزب/ النظام من خلال رصد واقصاء أي من الأفكار المناهضة للحزب ووأدها حتى قبل أن تولد.
8- احتكار القوة: تعمل النظم الشمولية غالبا على توزيع جميع منابع ومصادر القوة على أبناء النظام الأوفياء والموالون، الذي سبق وتم تنشئتهم من قبل الحزب نفسه وبلغوا أشواطا كبيرة في خدمته واستطاعوا أن يثبتوا ولائهم، فيتم توزيع المناصب السياسية والعسكرية والادارية عليهم، وهكذا تصبح جميع أعصاب الدولة في قبضة واحدة ( المركزية ) مما يجعل من تزعزع الحزب أو النظام أمرا في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.
والحزب الحاكم في الجزائر والنظام السائد فيها قد اعتمد بشكل أعمى على هذه الرؤية للحد الذي جعل من النشاط الاداري للنظام أمرا غير فعالا نظرا لعاملين هما:
- الابتعاد عن الادارة الأوتوقراطية، فكل من هو قريب من النظام ومواليا له ليس بالضرورة ذو كفاءة عالية أو معتبرة للحد الذي يخول له المنصب المنوط به، وليس بالضرورة أن يكون كل كفوء مواليا للنظام الشأن الذي يبعد الكفاءة على النشاط الاداري، مما يتمخض عن ذلك زوال وضعف الحزب والنظام والبلد على المدى البعيد.
- نفاذ مخزون الحزب الحاكم من الكفاءات نظرا لإهماله جانب التنشئة الحزبية، كما أن النظام وصل لمرحلة من الديكتاتورية أصبح يحارب كل البدائل السياسية وكل الكفاءات الوطنية خوفا على مصالحه الشخصية الحزبية الضيقة متجاوزا في ذلك المصلحة العليا للوطن، وراح يروج لفكرة رداءة البدائل الممكنة وأن الحزب نفسه هو الجدير، لكن هذا وعلى المدى البعيد مهد لأزمة خانقة للحزب قد تكون نهايته: إذ أنه صحر الساحة السياسية ليس فقط من جهة المعارضة، بل حتى أنه صحر كل كفاءة التي من الممكن أن تنبع من الحزب نفسه، الشأن الذي أوجد الحزب بخيار واحد وهو الرئيس ( بوتفليقة، 82 عاما ) مع ظروف صحية لا يحسد عليها.
9- الرقابة الفكرية: إن أهم ركائز قيام الأنظمة الشمولية يكمن في رقابتها المستميتة على الأفكار وتوجهات عامة الناس ومنظمات المجتمع المدني، وذلك إما من خلال إنشاء نمطية فكرية على أساسها يتم تجنب أي شذوذ فكري خارج عن الإطار المألوف الذي يرسمه النظام الشمولي، أو من خلال الرقابة على كافة منابع الفكر أيا كانت ( مكتوبة، سمعية، سمعية بصرية، شفهية، سوقية ) من خلال جهاز يدعى بشرطة الفكر ولعل هذا الجهاز حاليا يطلق عليه بالجهاز الاستخباراتي.
وهذه الرقابة على الفكر تمتد لتشمل صناعة الخبرات للإنسان والتدخل في سير العملية النفسية الداخلية للإنسان، فيصبح المرء في حالة حصار دائما فمشاعره وأفكاره مساقة، ومن هذا المنطلق يكتسب الحزب الحاكم الشمولي قوته، بحيث يصبح هو فقط الحقيقة المطلقة وكل ما يعدو مخالفا له فهو كذبة مطلقة ومؤامرة خارجية شيطانية الهدف منها بث النزاع والفرقة في البلد.
لكن هذه الرؤية لم تحظى بالحظ الوافر، إذ أنه لم يلبث إلا وفقدت جميع الأنظمة العالمية والشمولية منها السيطرة على المعلومات والأفكار والتوجهات بفعل الثورة التكنولوجية الحاصلة والسرعة في تناقل المعلومات دون حواجز ( جمركية، قانونية، جغرافية، لغوية، عرقية ) وهكذا بات تحقيق الوحدة الثقافية والتوجيه الجماهير أمرا غاية في الصعوبة للأنظمة.
ولطالما عمل النظام الجزائري على إقصاء جميع الأفكار السياسية والثقافية المعارضة له، وراح يكرس هذا الإقصاء منذ الانقلاب العسكر الحاصل في الجزائر، وهذا ما نتج عنه وعلى المدى البعيد تصحر في الساحة السياسية للآراء والأفكار التي ألحقت الضرر بالنظام نفسه قبل أن تشمل الدولة والشعب، الشأن الذي يهدد سقوط النظام نفسه بحيث أنه وصل لدرجة الإفلاس من حيث البدائل الشأن الذي أجبر النظام على المجازفة وترشيح رئيس مريض لعهدة أخرى.
10- المركزية: تعتمد الأنظمة الشمولية على مركزية التسيير واتخاذ القرارات في شتى نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والخدماتية للدولة، وهذا الركن هو ما يكرس الشمولية لأي نظام بحيث تصبح جميع السلطات والقطاعات في يده، الشأن الذي يمكنه من احتكار السلطة المطلقة في البلاد.
واللامركزية ترمي في أساسها إلى جعل جميع مؤسسات الدولة تكتلا يخدم مصالح النظام بدل مصالح البلد، ويصبح لزاما على كل مؤسسة مراعات مصالح النظام أولا إلى حد إهمال المصالح العليا للوطن، وبالتالي يصبح كل مسؤول على مؤسسة من مؤسسات الدولة مجرد ملقط في يد النظام الشأن الذي يخلق على المدى البعيد فراغا مؤسساتيا بحيث تصبح جميع مؤسسات البلد تتخذ قراراتها وتدابيرها بناء على المرجعية المركزية وليس على المرجعية القانونية أو الدستورية.
لقد حاولنا من خلال هذا المقال الاجابة على أهم الأسئلة التالية، بغية عرض الوقائع الحاصلة، وذلك ابتداء بـ من؟: حيث حاولنا تشريح النظام في الجزائر ومحاولة مقارنته ما بين كونه نظاما ديموقراطيا وكونه شموليا بالاعتماد على مؤشرات واقعية، ماذا؟: وهذا السؤال يرمي
إلى تحديد طبيعة النظام القائم في الجزائر ما بين كونه نظاما ديموقراطيا أو غير ذلك، لماذا؟: لأن هناك شرخ بين ما هو معلن ومنصوص عليه وما هو حاصل في الواقع، كيف؟: من خلال مطابقة مؤشرات الواقع مع أهم عشرة عناصر تقوم عليها الأنظمة الشمولية بغية تحديد طبيعته، متى؟: إن الفترة الزمنية ثابتة لأن النظام الجزائري لم يتغير منذ (1962) الى غاية (2019)، أين؟: وهو الحيز المكاني محل الدراسة وهو الجزائر.
والنتيجة التي نخلص بها من خلال هذه المقاربة: تنص على أن النظام الجزائري ليس بنظام شمولي نضرا لكونه يفتقر الى الكثير من دعامات ومرتكزات مثل هذه الأنظمة وفشل في أن يكون كذلك، كما أنه وللأسف لا يمكن اعتباره ديموقراطيا إلا بصفة شكلية وذلك لكون السلطة فيه محتكرة على طبقة سياسية واقتصادية محدودة وفيه حكم الشعب يكاد منعدما، الشأن الذي يفتح المجال لتأويلات عديدة وغير محصورة حول طبيعة النظام في الجزائر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات التهدئة في غزة.. النازحون يتطلعون إلى وقف قريب لإطلا


.. موجة «كوليرا» جديدة تتفشى في المحافظات اليمنية| #مراسلو_سكاي




.. ما تداعيات لقاء بلينكن وإسحاق هرتسوغ في إسرائيل؟


.. فك شيفرة لعنة الفراعنة.. زاهي حواس يناقش الأسباب في -صباح ال




.. صباح العربية | زاهي حواس يرد على شائعات لعنة الفراعنة وسر وف