الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الحداثة في مجتمعنا العربي

نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)

2019 / 4 / 20
الادب والفن


إشكالية الحداثة في مجتمعنا العربي
نبيل عودة

يتهمني بعض ناشري الشعر والنقد ومختلف أنواع الأدب باني فقدت البوصلة الثقافية، ولم اعد اجاري عصري، ومن هنا نقمتي على ابداعات الأدب الحديث، او ما يطيب للبعض ان يسميه بالحداثة الأدبية، وحالهم كمن يعلن رسميا انه لا يفقه الف باء الحداثة ومصادرها الفكرية والفلسفية .. واحدهم لم يتردد ان يعلن ذلك عبر موجات الأثير بلقاء ادبي لا ادب فيه، وبثرثرات مقاهي بين واهمين انهم باتوا من شعراء وكتاب العصر.
أسوأ ما في هذا الأسلوب توجيه الاتهامات، إدانة المتهم وهو لا يملك حق الرد.
موقفهم لا يعني لي أي شيء جديد، انما اتعامل معه كإعلان شخصي للغباء، خاصة عندما يصرون على اصطلاح "الحداثة" حين تطبق على نصوص أحيانا من الصعب اعتبارها ابداعا ادبيا بل محاولات لكتابة ادب، واكثرية تلك النصوص تطمح لأن تكون شعرا. يبدو ان صياغة الشعر لا تحتاج الى شخصيات قصصية وعقدة قصصية ودراما وحوار بل مجرد أسطر مرتبة بصف عسكري، ولا بأس من عدم تواصل الفكرة بين سطر وآخر. دائما يوجد الناقد الذي يفسر ما لا يفهمه ولم يعنيه صاحب النص.
قمة الغباء ما قاله أحدهم بأن مشكلتي أني لم استوعب الحداثة وتفاعلاتها في الادب الحديث. لكن ليته يشرح للقراء مفهومه للحداثة او مصدرها الفلسفي، وعلاقة الحداثة بالتطور الاجتماعي، الاقتصادي، العلمي، الثقافي، وبحرية التعددية الفكرية وسائر الحريات. هذا ما نفتقده بشكل مطلق في واقعنا العربي، لو جرى الحديث عن الحداثة في الأدب العبري كنت سافهم ذلك. للأسف هناك ظواهر سلبية تلقي ظلالها على مجتمعنا العربي داخل إسرائيل رغم التغيرات العميقة الثورية التي حدثت خلال العقود الماضية، بعضها نتيجة سياسة التمييز العنصري والخنق الاقتصادي للمجتمع العربي الذي تمارسه السلطة الإسرائيلية، وأكثرها تأثرا وتقليدا للفكر السائد بالمجتمعات العربية والخلل البنيوي للواقع الاجتماعي، السياسي وتأثيره على حرية الابداع وحق التعددية الفكرية والثقافية.
عدا القلة من المبدعين يكاد يكون غياب كامل للأعمال الأدبية المثمرة على صفحات الجرائد والانترنت... واعترف اني حين عملت نائبا لرئيس التحرير ومحررا ادبيا في صحيفة "الأهالي" رفضت بقوة نشر اي عمل ادبي مما يسميه البعض بأدب الحداثة، لأنه حسب فهمي يفتقد ليس للحداثة بل للإبداع الحقيقي.
اتنازل عن تقديم نماذج، حتى لا ادخل بصراع شخصي. وامل ان يهتم الادباء الناشئين بتطوير فكرهم الثقافي وقدراتهم الإبداعية ولا يتوهموا ان إطلاق صفة الحداثة ترفع من شأن ما ينشرون.
في التلخيص النهائي اقول ما يلي: الحداثة او حداثة ما بعد الحداثة ... هي تعابير عقيمة لأنها أُخرجت من مسارها. الحداثة هي عملية تنوير اجتماعي، ثقافي وفكري. مجتمعنا، وكل المجتمعات العربية عامة، ما زالت على ضفاف الحداثة، وعدا بعض المثقفين ... والقليل من الأدباء المبدعين، ما زلنا اجتماعيا وفكريا نعيش في مجتمعات تحت سيطرة او تأثير وتحكم الفكر الاصولي المتطرف. حتى على المستوى السياسي تتحكم بمجتمعاتنا قوى تفتقد للتوازن السياسي، الفكري والثقافي.
السيطرة للأسف ليست لحركة الاصلاح والتنوير العربية، انما للقوى الظلامية ... ما زلنا نبحث ونتعارك حول السماح للمرأة بقيادة السيارة ... وحول اجازة الاعمال الأدبية، وحول السماح بتعليم نظريات علمية تنسف الغيبية الدينية، وحول اصلاح التعليم وتحرير عقل الطالب من اسلوب التلقين والايمان الاعمى بلا وعي، وما زالت مجتمعات العالم العربي، رغم ثرواته الهائلة، في أدنى مستويات الفقر، وتعاني من انتشار هائل للأمية. قبل سنوات قال الشاعر المصري عبد المعطي حجازي، بان من لا يعرف استعمال الحاسوب هو أمي. مثلا نسبة مستخدمي الانترت في العالم العربي منخفضة بالقياس مع الدول الأجنبية، ما عدا السعودية التي تتجاوز نسبة ال 70% نجد ان سائر الأقطار العربية وعلى راسها مصر لا تتجاوز ال 20% -40%، والمعروف ان السعوديين هم أفضل زبائن للمواقع الجنسية في الانترنت!!
لو راجعنا الوضع في الدول المتقدمة مثل اليابان والدول الأوروبية وامريكا لوجدنا النسبة تتجاوز ال 80% وبعض الدول تتجاوز نسبة ال 90% اليابان مثلا، اما في إسرائيل النسبة تتجاوز ال 80%. واعتقد ان الحاسوب اليوم اضحى ضرورة لكل بيت ولكل انسان. نسبة ال 80% لا تشمل كما اعتقد شريحة من العجزة والعاجزين بكل انواعهم. وربما نجد مثلا في مؤسسات مختلفة أجهزة للاستعمال العام للنزلاء. في كل بيت في إسرائيل يوجد أحيانا حاسوب لكل شخص، للزوج، للزوجة وللأولاد.
الحاسوب سهل إمكانيات النشر، ما لا تنشره الصحفة او الموقع فالفيسبوك الشخصي هو البديل. لذا أرى تراجعا بالمضامين والمعاني والصور الشعرية وفن الصياغة الأدبية عامة. هذا ليس دليل الحداثة انما دليل انفصام ثقافي مع مجتمعنا. ان ثقافة الحداثة اعزائي الادباء لا تجيء ببضع خربشات شعرية او نثرية او نقدية، انما هي معركة تنوير ما زلنا على ضفافها ... استغرقت اوروبا مئات السنين من الصراع مع الاصولية المسيحية للقرون الوسطى، ومع ذلك ما زال الغرب يعاني من ازمة معنى الحياة ومعنى الوجود، مما يعني ان التطور الاقتصادي والأكل والمشرب والمتع الجسدية، ليسوا كل شيء، وهي مشكلة تختلف مع مشكلة الانسان العربي، الذي ما زال يبحث عن اشباع جوعه اولا.
ان المحاولة للتقدم دون فهم اهمية عصر التنوير الذي حرر الانسان من التخلف الاجتماعي والعلمي والقوى الظلامية، ووضع مستقبله بين يديه، وغير اولويات حياته، وحرره من القيود على تطوير الفكر والعلوم والاقتصاد والثقافة وضاعف اوقات راحته وقدراته الاستهلاكية بمختلف انواعها، هي محاولة عقيمة ومحكومة بالفشل.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وعيهم مفقود لمعني الحداثة 1
محمد البدري ( 2019 / 4 / 20 - 14:20 )
لم تبدأ الحداثة الا مع عالم الصناعة والرأسمال. وهو عالم تأسس علي العقل والعقلانية وادراك قوانين الواقع بدءا من فيزياؤه النيوتونية الي ما لا يعلمه احد بتقدم العلم والمعرفة. وهذا لا علاقة له لا بالعرب ولا بالعروبة والاهم من هذه وتلك معاداه الاسلام للحداثة لاسباب كثيرة اولها ظهورها كنمط تفكير منقطع الصلة بافكار القرون الوسطي وما قبلها خاصة الجاهلية العربية. وثانيها كون الحداثة ظهرت مع ثورة اوروبا علي الدين التي يصنفها العرب داخل اطر تصنيفهم - التي لا يعرفون غيرها - بالمسيحية، وهنا ياتي العداء العميق الجذور لها. وثالثها انها تواكبت باعتبارها كشفا للمجهول جغرافيا وعلميا ومعرفيا وفضحا للواقع المعاش، عصر الاستعمار، اجتماعيا وطبقيا بين سادة وعبيد او بين مبشرين بالجنة واتباع كموالي واهل ذمة. وهنا ياتي الحديث عن المثقف الذي لا وجود له الا بصفته ثوريا، شاعرا كان أم اديبا، فمنذ متي يحق لهم كتابة شعر او ادب موصوف بالحداثة ومجتمعه غارق في خرافات الاسلام وجاهلية العرب. لم يسأل هؤلاء الشعراء والادباء عن صدق ما اتي به العرب من دين او ثقافة بل ولم يسالوا عن ما هيه اللغة العربية الا .... يستكمل


2 - وعيهم مفقود لمعني الحداثة 2
محمد البدري ( 2019 / 4 / 20 - 14:20 )
... بقدر استخامهم لها لكتابة نصوص يقولون عنها شعرا. فلا هي موزونة ولا مقفاه كحال الشعر الجاهلي او حتي شعر ما بعد الاسلام كما في المتنبي وابو العلاء.
افتقادهم لبناء قصيدة بهذا الاسلوب وذلك البناء الذي يفخر به علي السواء عرب الجاهلية والاسلام كونهم لا يعرفون غيره سوي ما اتي به القرآن من ادب بصورة نثرية شبه موزون وبقافية يكسرها بعد جملتين مما يسمي بايات بينات من الذكر الحكيم جدا والخالي من العقلانية والمعرفة العلمية الصحيحة وكأن صاحبه اصابه اليتم بموت ابائه من شعراء الجاهلية وكهان قريش.
لا اعرف لماذا يصفون ما يكتبون شعرا، ولماذا يطلقون عليه ادبا خاصة وان نصوص الشعر والادب في اصوله الجاهلية / الاسلامية لا علاقة له باي ادب.

تحياتي


3 - اضافة هامة للأستاذ محمد البدري
نبيل عودة ( 2019 / 4 / 21 - 03:14 )
شكرا للأستاذ محمد البدري لاضافته الهامة للموضوع، ، اجل الحداثة بدأت مع النهضة الصناعية والتطور الرأسمالي وهو ما نفتقده في عالمنا العربي والاسلامي.. الموضوع يرتبط ارتباطا وثيقا بنوع النظام السائد، بمجتمع قبلي المبنى سيبقى مجتمعا يجتر ماضيه..يضحكني ما يكتبه البعض عن الفلسفة الاسلامية، بعدم فهم ان الفلسفة هي قمة عملية التنوير وتحرير الفكر من الخرافات وهي توأم وحاضنة الحداثة وما بعد الحداثة، ولا يمكن ان تنشأ فلسفة في ظل الخرافات الدينية التي تسود المجتمعات الاسلامية وبالتالي الحداثة هي فكر فلسفي واقتصادي وعلمي,,

اخر الافلام

.. بطل الفنون القتالية حبيب نورمحمدوف يطالب ترمب بوقف الحرب في


.. حريق في شقة الفنانة سمية الا?لفي بـ الجيزة وتعرضها للاختناق




.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة