الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصلٌ من الكوميديا الليبية السوداء (2/3)

محمد بن زكري

2019 / 4 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


الملتقى الجامع لشهود الزور

بعد ثماني سنوات من التمكين ، في السلطة السياسية بليبيا ، تنفيذيا و تشريعيا ؛ لتحالف تيار الإسلام السياسي و الكومبرادور ؛ بقيادة الطليعة الليبرالوَيّة لجماعة الإخوان المسلمين (من أصحاب الرساميل و التوكيلات التجارية) ، مشاركةً مع أغنياء الأرياف (الوجهاء و الأعيان) من كبار ملاك قطعان الأغنام و الأراضي الزراعية . و ذلك انعكاسا لواقع التخلف الاجتماعي ، و تأثرا بتداخل علاقات التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية ، على مستوى الممارسة الديمقراطية (الشكلانية أصلا) .
و بعد ثلاث سنوات - و المضيّ قُدُما في السنة الرابعة - من إبرام صفقة اتفاق الصخيرات ، لفض الاشتباك السياسي (المفتعل) بين حكام ليبيا الجدد ، و من ثَمّ التمكين للمجلس الرئاسي و حكومته (الكومبرادورية) ، في العاصمة طرابلس ، بالتنسيق - و التكامل - مع الميليشيات المسلحة ، التي تمتنع عن الخضوع للسلطتين التشريعية و التنفيذية ، و ترفض تنفيذ قرارات حلها ، و تَحُول دون إعادة بناء المؤسسة العسكرية . و قد تمكنت - بقوة السلاح - من تعطيل الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاق الصخيرات ، و تحولت إلى شركات أمنية ، تبيع خدماتها (الحربية) لمن يدفع ، مقابل تأمين بقائه في السلطة ..
فإنه و قد ازدادت أزمة الصراع المحموم على السلطة تعقيدا ، بدخول المجلس الرئاسي (المدعوم غربيّاً) طرفا في الصراع . و قد آلت أحوال البلد إلى حافة الانهيار الاقتصادي التام ؛ نتيجة لأكبر عملية نهب للمال العام في تاريخ ليبيا ، على مدى الثماني سنوات التالية لحدث فبراير ، و التي بلغت خلال الأعوام الثلاثة الفائتة درجةَ الجريمة المنظمة ، ضد الدولة و الوطن ؛ لم يعد أمام أطراف الصراع الدولية و المحلية ، غير العمل على تفعيل اتفاق الصخيرات بأي ثمن ، لإعادة إنتاج نظام الغنائم و سلطة الكومبرادور ، في نسخة جديدة معدلة ، بالتطابق مع معايير صندوق النقد الدولي . و ذلك هو ما سيحصل ، تحديدا ، تحت عنوان (الملتقى الوطني الليبي الجامع) ، ليس من أجل الديمقراطية و العدالة الاجتماعية (بما هي عدالة توزيع ثروة المجتمع بين أبنائه الأفراد) ؛ بل تحسُّبا و تفاديا لانفجار غضب جموع المُفقَرين و المُجوَّعين و المحرومين ، في ثورة شعبية عارمة ، تخرج كُليّا عن السيطرة ، كما حدث في السودان أو على الأقل كما حدث في الجزائر (و السلاح بليبيا في كل بيت) ، فلا تتوقف عند حدود الإطاحة بسلطة الحكم و الاقتصاص من الحكام الفاسدين ، بل تتجاوز ذلك إلى المساس (التغييريّ) بجوهر نظام الاستغلال و الفرز الطبقي و التبعية للراسمالية العالمية .
و كما تم توقيع اتفاق الصخيرات ، بصما على وثيقة محكمة التفخيخ نيوليبراليا ، كان للاستخبارات المركزية الأميركية - عبر مندوبها الأميركي من أصل ليبي - دورٌ أساس في صياغة بنودها ، كما في تسمية عناصر التشكيلة (التحاصصية) للسلطة التنفيذية المعتمَدة فيها باسم المجلس الرئاسي ، و هو الجسم الذي كان أهم و أخطر مخرجات الاتفاق السياسي ، بين طرفي تنازع السلطة (برلمان فندق دار السلام في طبرق ، و برلمان فندق ركسوس في طرابلس) ، فالمطلوب الآن هو أن يتم (البصم) بنفس الطريقة ، في الملتقى الجامع ، على وثيقة جاهزة للبصم ، تمت صياغتها بالكامل ، بواسطة مؤسسة استشارية بريطانية ، لا ريب - بالمطلق - في أن للاستخبارات البريطانية و وزارة خارجية المملكة المتحدة ، دورا رئيسا في تكييف صياغات بنودها شكلا و محتوى ، و إعدادها للبصم ، و الشيطان النيوليبرالي يكمن متربصا بين السطور .

و أزعم - و أكاد أن أجزم - بأن الوثيقة المُجهّزة للبصم عليها ، في الملتقى الوطني الليبي الجامع ، لن تخلو من نصٍ ما ، يؤكد على أهمية ما يسمى (الإصلاحات الاقتصادية) ، بتدابيرها كارثية النتائج ، التي شرعت حكومة الكومبرادور (المنبثقة عن اتفاق الصخيرات) في تنفيذها ، لتحميل الفقراء و المفقَرين من الطبقة الوسطى ، دفعَ فاتورة التكلفة الباهظة ، لفساد السلطة ، و سياسات الإفقار ، و نهب المال العام ، و إطلاق حرية السوق ؛ في سياق تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي (برعاية وزارة الخزانة الأميركية) ، لإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي نيوليبراليا . مع الإبقاء على ثلاثي السلطة المكرَّس في صفقة اتفاق الصخيرات (برلمان و استشاري و رئاسي) ، و المحاصصة الثلاثية (الجهوية) في المجلس الرئاسي ، لإدارة الفترة الانتقالية الإضافية ، بما يضمن إعادة إنتاج نفس التركيبة السلطوية القائمة حاليا ، و ربما بنفس الوجوه . و هذا ما يفسر حماس الإخوان المسلمين و الكومبرادور ، بنفس قدر حماس الحكومات الغربية ، لمخرجات الوثيقة المُفبركة بواسطة مؤسسة استشارية بريطانية ، و الجاهزة لبصم (شهود الزور) الأشباح ، في (لمة) الملتقى الوطني الليبي الجامع .

إن المدعُوِّين إلى الملتقى الجامع .. المقترَح ، الذي يُعِد له ممثل الأمين العام ، و رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا السيد غسان سلامة ، لحل أزمة الصراع - العبثيّ - على السلطة و تنازع الشرعية في ليبيا ، لن يكونوا أكثر من شهود زور و (بصمجية) ؛ فيما لو لم تتضمن وثيقة مخرجات الملتقى ، النص بأقوى و أوضح العبارات دلالةً ، على مبدأين أساسيين ، مُلزِمين و متلازمين ، لضبط مسار عملية إعادة بناء دولة المؤسسات ، و ضمان نزاهتها ، و ذلك وفقا للتالي ..
أولا : في الشكل
1 - عدم الترشح في أول انتخابات عامة (رئاسية و تشريعية) قادمة ، و عدم التكليف بأية مهام تنفيذية لمدة لا تقل عن خمس سنوات آتية ؛ لأيّ عضو من أعضاء الكيانات السلطوية التشريعية ، المسؤولة عن أزمة الصراع على السلطة . و هم تحديدا ..
- أعضاء المؤتمر الوطني العام كافة (باستثناء مجموعة 94 عضوا المستقيلين) .
- أعضاء مجلس النواب كافة ، بلا استثناء .
- أعضاء المجلس الأعلى للدولة كافة ، بلا استثناء .
- أعضاء المجلس الرئاسي كافة (باستثناء العضو المستقيل / الكوني) .
2 - عدم التكليف بأية وزارة أو هيئة عامة سيادية ، في أية تشكيلة حكومية تالية لأول دورة انتخابية قادمة ، مع عدم الترشح لأول انتخابات عامة قادمة ؛ لأيّ عضو من أعضاء حكومات أزمة الصراع على السلطة . و هم تحديدا ..
- أعضاء حكومتيّ الإنقاذ الوطني .
- أعضاء الحكومة المؤقتة .
- أعضاء حكومة الوفاق الوطني .
ثانيا : في المحتوى
1 - مدنية و ديمقراطية الدولة و عصريّتها .
2 - عدالة و ديمقراطية المضمون الاجتماعي / الاقتصادي لنظام الحكم .

هذا كحد أدنى ، لمخرجات مشروع الملتقى الوطني الليبي الجامع ؛ و إلا لانتفت عنه صفة الوطنية ، و حقَّ عليه - وطنيّاً - الانتهاءُ إلى مكب نفايات التاريخ .
فالشعب الليبي ، و قد تجرع من المرارات و تكبد من الخسائر ، ما ستظل آثاره - المادية و المعنوية - المرعبة ، جراحا نازفة فيه ، لعدة أجيال قادمة ، جرّاء ممارسات خيانة الأمانة و سياسات النهب و هدر الإمكانات ، التي ارتكبتها عصابات نظام الغنائم و السطو على المال العام ، المتمترسة في خنادق الصراع الهمجي على السلطة ؛ ما عاد يقبل بإعادة إنتاج سلطة الأمر الواقع المافياوية ، في هيئة مثلث برمودا ليبي ، لابتلاع ما تبقى من ثروة البلاد ، محاصصةً بين حكام اتفاق الصخيرات ، الملوثة ذممهم بالفساد ، و المغمسة أيديهم في الدم .
ذلك أنه لو كان المؤتمر الوطني العام ، يتوفر على الحد الأدنى من الديمقراطية أو الوطنية ، لكان قد نقل مسؤولية السلطة التشريعية ، إلى مجلس النواب ، المنتخب في 4 أغسطس 2014 . و لو كان برلمان طبرق يتوفر على الحد الأدنى من الديمقراطية أو الوطنية ، لكان قد حل نفسه و أعاد الأمانة إلى الشعب ، فور انتهاء ولايته في 20 أكتوبر 2015 (و هي الولاية المنعدمة - أساسا - بحكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا) ، أو لكان قد تدارك الأمر و غادَر ، بانتهاء فترة تمديده التعسفي للبقاء في السلطة حتى 20 ابريل 2016 (ليتجاوز ذلك التاريخ بثلاث سنوات كاملة حتى الآن !) . و لو كان المجلس الرئاسي يتوفر على الحد الأدنى من الوطنية أو الشعور بالمسؤولية (و هو الجسم الاصطناعي غير المنتخب أصلا) ، لكان قد غادر السلطة يوم 17 ديسمبر 2017 ، بانقضاء المدة المحددة لولايته في وثيقة الاتفاق السياسي المُنشِئ له . لكنهم جميعا مغتصبو سلطة ، و أدعياء شرعية ، و منتحلو صفة ، و مرتزقة انتهازيون تسللوا إلى السلطة ، بهدف وحيد هو الإثراء سطواً على المال العام .
و إن الأغلبية الساحقة (المسحوقة) من الشعب الليبي ، لم تعد تثق بأي شخص من عصابات حكام ليبيا الجدد ، و لو خُيّرت بشأنهم ، لاختارت التحفظ عليهم جميعا ، في (مكان أمين) ، بتصرف النيابة العامة . و ليس أقل من استعادة ما نهبوه من ثروة البلاد و أرزاق العِباد ، بدءً من الرواتب الفلكية التي خصّوا بها أنفسهم ، و انتهاءً إلى استغلال الوظيفة للتربح و الاستثمار في فساد الاعتمادات المستندية .
و يجب أن يكون واضحا لدى عرّابي بعث الحياة في مومياء اتفاق الصخيرات ، أنّ الشعب الليبي ، لا تُهمه مصالح الدول الراسمالية ، المستترة تحت قناع المجتمع الدولي ، في فعّالية الملتقى الجامع لشهود الزور ، الذي يرتب له المبعوث الأممي غسان سلامة . فإنّ كل ما يهم الستة أو السبعة ملايين إنسانا ، منكوبي أزمة تنازع الشرعية - الزائفة - بين أطراف الصراع (الدموي) على السلطة ؛ هو الخلاص من أوضاع و ظروف العيش المزرية و اللا إنسانية ، التي لا زالوا ، منذ صيف 2014 ، يعانون مراراتها القاسية : عوَزا و جوعا و تشردا و بطالة و تآكل مدخرات و انعدام أمن ... ، حتى إنه لم يعد لدى ملايين المعذبين في الأرض الليبية ، ما يخسرونه ، في ثورة شعبية (عنيفة) لا خيار ثالثا فيها مع خياريْ : الموت بشرف ، أو الحياة بكرامة . و البركان يغلي تحت قشرة رقيقة من السكون الظاهر على السطح .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا