الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وَحْيُ الشيوعيَّة

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 4 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


(بمناسبة إصدار البيان الشيوعي باللهجة التونسية"

الوَحْيُ: كلُّ ما أَلقيتَهُ إِلى غيرك ليعلَمَه. والوَحْيُ في المعجمات الكتابة و النقش, ومنه قول أهل اليمن القدماء: أبقى من وحي في حجر. وهو أيضاً الإشارة والرسالة والإلهام. وأوحى أي كتب, وأوحى الله إلى أنبيائه أي أرسل إليهم الوحي بواسطة من السماء. وأوحى بمعنى أشار قال تعالى: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا".
هل تنطبق دلالة الوَحْي على الشيوعيَّة الحديثة؟ بمعنى هل هي إشارة, بشارة, رسالة, إلهام, سجَّل كارل ماركس وفريدريك أنجلز مضمونها في "البيان الشيوعي" فأصبح "البيان" مقدَّساً عصيَّ الفهم على عامَّة الناس, وبالتالي احتاج إلى تبيينٍ وتدبيرٍ و تأويلٍ وتفسيرٍ من فقهاء ومفسرين في كتب رديفة تشرح بعضها بعضاً. ومن ثمَّ أمستْ هذه الكتب -هي الأخرى-أيقونات فكرية مقدَّسة, يُحجُّ إليها وتُزار كحال كعبة لينين في الساحة الحمراء في موسكو؟ أم أن علينا تفسير العنوان الذي صنعه ماركس لكاتبه الصغير هذا ونفرِّق بين بيان "الحزب" وبيان "الشيوعيَّة" كما فعل ماركس في "نقد برنامج غوتا" و هو وثيقة تستند إلى رسالة كتبها في أوائل مايو 1875 إلى حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الألماني.
أدهشني وأثار استغرابي ما فعله رفاقنا "التوانسة" -كتَّر الله خيرهم- فقد أصدروا في الأمس القريب "البيان الشيوعي باللهجة التونسية" ووزعوه مجاناً على عامَّة الناس بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ، بدعوى نشر الثقافة الماركسية في الأوساط الشعبية. لعل وعسى تفهم بلهجتها العاميَّة ما عجزتْ عن فهمه بالفصحى. وهي خطوة جريئة على كل حال, على ما تحمل من دلالات وتفسيرات ومقاصد ومآرب. وكان المفكر التونسي العفيف الأخضر-رحمه الله- قد عمل ترجمة سماها "البيان الشيوعي في أول ترجمة غير مزوَّرة" على حدِّ زعمه ضمَّنها تعليقات مسهبة من قاموس الفكر الماركسي. طبعتها دار الجمل وأصدرتها نسخة ضخمة فخمة تجاوز عدد اوراقها/350/ صفحة عام 2015.
هل يمكننا القول بأن "البيان الشيوعي" هو المخطط الهندسي الذي نسترشد به لبناء هيكل فهمنا لماهية الشيوعية؟ أم أنَّ فهم الشيوعية يحتاج إلى ذلك الحصاد الوفير من المراجع التي تركها لنا الأوائل من المفكرين من ماركس إلى مهدي عامل, ومن ثمَّ نسترشد "بسنَّة" أبرز قادة الثورات الشيوعيَّة في القرن العشرين: لينين, ماو تسي تونغ, كيم إيل سونغ, هوشي منه, فيدل كاسترو.
وهل علينا أن نفرق بين "الشيوعيَّة" كسلاح في يد الطبقة العاملة العالمية لنيل حقوقها من خلال اتحادها, وبين فلسفة الماركسية التي تدفع بالفكر البشري إلى حقول معرفية فسيحة. وهل يمكنني القول مثلاً أن المرء يمكن أن يكون ماركسياً ولا يكون شيوعياً؟ فأنا أعتبر أن عنترة العبسي كان شيوعياً لأنه قال: يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي/ أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ.
وأسأل هُنا كيف للعامل البسيط المسلم أو المسيحي أو اليهودي أن يتدبر أمره مع الشيوعيَّة وهو يعيش في بيئة دينية؟ وهل يمكننا القول بأن الشيوعيَّة كالدين تعيش في بيئة مُتحضرة غنية كما تعيش في بيئة مُحافظة فقيرة ؟ بمعنى يمكنك ان تجد شيوعياً يعيش في مدينة بيرن عاصمة سويسرا وتجد شيوعياً آخر يعيش في بيوت الصفيح في كلكتا في الهند. والسؤال الأخطر, و الذي لا زال يقلقني من سنوات عديدة, ما الفائدة المرجوة من وجود الأغنياء وأصحاب رأس المال في الحزب الشيوعي؟
ماذا نفعل كي نفهم الشيوعيَّة فهملاً معقولاً؟ هل ننتسب إلى حزب شيوعي؟ فعلنا ذلك, وكانت النتيجة "صفر مكعب" لم نفهم. نقرأ ماركس-أنجلز؟ فعلنا ذلك أيضاً وكانت النتيجة "نَجَحَ شحط" يعني مع المساعدة. وفي هذا الصَّدد أذكر "مُلْحَة" نقلها المفكر والباحث العراقي هادي العلوي تقول: إن مسؤولاً في اليمن الجنوني -أيام عبدالفتاح إسماعيل-كان يضع على حائط مكتبه شهادة ببرواز مذهَّبْ حصل بموجبها على درجة مئة بالمئة في "الديالكتيك" من الاتحاد السوفييتي في أيام الرفيق ليونيد بريجينيف. علَّق العلوي: لو قُدِّر لكارل ماركس نفسه أن يدخل هذا الامتحان لما حصل على هذه الدرجة.
هل قرأتم مجلدات لينين "العشرة" بغلافها الأزرق التي ترجمتها دار التقدم عن الروسية ونشرتها بالعربي في سبعينات القرن العشرين؟ نعم, فعلنا وحفظناها عن ظهر قلب. وماذا كانت النتيجة؟ عملياً -في تجارب أحزابنا الشيوعية- رسبنا في الامتحان وانفض الخلق من حولنا, وأمسينا لاحول لنا ولا قوة. شراذم هُنا وهُناك. وفي دولنا الاشتراكية التي حاولنا فيها أن نكون مخلصين للشيوعيَّة كذلك الأمر فشلنا, فهي تجربة فاشلة بكل تأكيد, وهذا الفشل يفقأ العين, وأوضح ما يكونه بين الكوريتين اليوم.
مهما كانت أسباب هذا الفشل, والمسؤول عنه, لا نستطع أن نفعل فعل النعام-مع أنني لم أر النعام يفعلها, يغرس رأسه في الرمال حتى لا يرى عدوه- ولكنني أسأل نفسي أولاً: هل الشيوعيَّة إناء ينضح بما فيه؟ بمعنى "طنجرة طبيخ" نأكل مما وضعنا فيها, لأننا في الأحلام أو "اليوتوبيا" نأكل ما نشاء, أما في الواقع فنحن نأكل مما طبخناه في طناجرنا, فأنت لن تأكل سمكاً من طنجرتك التي وضعت فيها بيضاً مسلوقاً. وكذلك في المثل "نحصد ما نزرع" فأنت لن تحصد قمحاً إذا زرعت شعيراً.
في ظني أن الأمر كذلك, الشيوعيَّة في الصين غير ما هي في كوريا الشمالية, وهي في الهند غير ما هي في فنزويلا, وهي في كندا غير ما هي في السنغال وهي في روسيا غير ما هي في السعودية. تضحك؟ والله العظيم "كان صرحاً من خيال" يحمل اسم "الحزب الشيوعي في السعودية" قرأتُ بعضاً من بياناته في ثمانينيات القرن العشرين في مجلة "الهدف" الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هل كان في بالنا ان نجرِّب زراعة الشيوعيَّة في السعوديَّة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشيوعية ليست وحياً
فؤاد النمري ( 2019 / 4 / 21 - 06:58 )
الرفيق العزيز عبد الرزاق
والد كارل ماركس أرسل ابنه كارل إلى الجامعة في بون ليدرس الحقوق ويمارس المحاماة مثل والده
إلا أن علم الحقوق لم يكن مقنعاً لعقلية ماركس العبقرية فترك بون وتوجه إلى برلين ليدرس الفلسفة في كلية هيجل الذي طبقت شهرته الآفاق وهناك وهناك تبنى كارل الديالكتيك الهيجلي ثم تعرف على فيورباخ وفلسفته المادية
من خلال ديالكتيك هيجل المثالي ومادية فيورباخ استطاع ماركس أن يكتشف الحقيقة المظلقة وهي -المادية الديالكتيكية- التي هي القانون العام للحركة في الطبيعة أي أن الطبيعة تتغير حتى أنها ليست هي نفسها في ذات اللحظة وهذا قانون لا علاقة له بجدلية هيجل ومادية فيورباخ بل هو ضدهما كما أكد كارل ماركس نفسه

عبقرية ماركس المتجلية في كتابه -رأس المال- إنما تعود أصلاً من اكتشاف المادية الديالكتيكية التي تخلق مختلف تهيؤات الطبيعة بما في ذلك المجتمعات البشرية
ومن هنا يمكن التأكيد على أن الشيوعية إنما هي تهيؤ من تهيؤات الطبيعة
ولذلك قال ماركس حكمته الشهيرة .. -صحيح أن الإنسان هو من يصنع التاريخ لكنه لا يصنعه وفق ما يرغب -

تحياتي البولشفية للرفيق عبد الرزاق دحنون


2 - الشيوعية ليست وحيا
ابراهيم الثلجي ( 2019 / 4 / 21 - 09:42 )
الصديق فواد النمري بعد اذن الكاتب المحترم
فان عنوان المقالة هام جدا بان الشيوعية عند البعض غدت ايحاءات لا تصدر الا عن معصوم او قديس
فانت قلت يا سيد فؤاد بان ماركس وبعد التتلمذ على يد العمالقة اخرج قانونا وليس مجرد نظرية والقانون لا يمكن الاستدراك عليه وانما الاشتقاق منه
وهذا النهج لم يكن مرغوبا به في الية الثورات الشيوعية وخاصة في روسيا حيث لينين الذي قال عنها نظرية لنرسلها للميدان للتطبيق ويظهر انه سئم من الجدل الفارغ الذي عم المؤتمرات ذات الصلة في جدليات فارغة ومقسمة للثوار
فنزلنا على الميدان وتبين انها ليست قانون بل نظرية لاا لشيء بل القانون يفرض نفسه بدون جميلة او منة من احد ومن دليل ذلك النقد والنقد الذاتي كفكرة رفض القداسة
والمعصومية وكانت سببا لانفضاض رفاقه عنه
من مساوئ اتخاذها قانونا ان يعبد النص وتعلق المشانق للمخالفين وهذا ما حدث في معظم العواصم الحمراء
لو بقيت نظرية او فكرة لبقيت حية ونشطة في سعي المعجبين من خلال بحوثات وتجارب تغني المجتمعات ميدانيا بالطريقة الاشتراكية وكما فعلا كان في روسيا
والعملية اكثر ما تشبه تعصب فئة لاينشتاين وثقوبه السوداء لتلبيسنا فكرة المقدس


3 - الرفيق العزيز فؤاد النمري
عبدالرزاق دحنون ( 2019 / 4 / 21 - 10:21 )
السؤال أين تجليات هذا - الديالكتيك- في تطبيقات حزب العمال في كوريا الشمالية؟
أفهم تماماً ما تقول:
يعتبر الديالكتيك الأساس الذي تبنى عليه الشيوعية بمعنى الجدل الذي يوصل إلى النظريات والقواعد التي تحكم الناس وتسير حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والمادية الديالكتيكية هي النظرة العالمية للحزب الماركسي اللينيني. وهي تدعى مادية ديالكتيكية لان نهجها للظواهر الطبيعية، أسلوبها في دراسة هذه الظواهر وتفهمها ديالكتيكي بينما تفسيرها للظواهر الطبيعية، فكرتها عن هذه الظواهر، نظريتها مادية.
المادية التاريخية هي امتداد مبادئ المادية الديالكتيكية على دراسة الحياة الاجتماعية، تطبيق مبادئ المادية الديالكتيكية على ظواهر الحياة الاجتماعية وعلى دراسة المجتمع وتاريخه. و تدعي الجدلية المادية التاريخية انها استطاعت أن تكشف عن الأساس الموضوعي المادي لمجمل الحياة الاجتماعية وتبين جوهر المجتمع البشري وتدرس قانونيات التاريخ العالمي.


4 - سؤال إلى الرفيق العزيز فؤاد النمري
عبدالرزاق دحنون ( 2019 / 4 / 21 - 11:16 )
هل تعتقد أن فيدل كاسترو لم يكن شيوعياً جيداً ...وإن كان شيوعياً جيداً لماذا فعل بأهل كوبا ما فعل ...حكم حتى ملَّ الحكم منه؟ وجماعة كوريا الشمالية الجد والأبن والحفيد...هذه السلالة ما هي علاقتها بالشيوعية؟ وهل رئيس كوريا الحالي شيوعي؟
رفيقي العزيز أنا لا أختلف معك في شيء لكل منّا له وجهة نظر في -ستالين- مثلاً ...أنا من وجهة نظري أن التشابه في سيرة حياة ستالين وصدام حسين تكاد تتطابق...وأنا على كل حال لا أعتبر صدام حسين إنساناً سوياً وأفعاله تدل عليه...أنت تعتبر ترو تسكي خائناً استناداً لوقائع تملكها انت ...نحن لم نعاصر تلك المرحلة ...لذلك حكمنا ينطلق مما نقرأ...لذلك يظهر التباين في وجهات النظر...وهذا لا يؤثر في لب المسألة برمتها...تحياتي وتقديري مرة أخرى لشخصكم الكريم...دمت بخير.


5 - الصديق ابراهيم الثلجي
فؤاد النمري ( 2019 / 4 / 21 - 15:24 )
أعذرني يا صديقي فأنا لم أدرك ما ذهبت إليه
الماركسية هي النظرية العلمية التي تشرح قانون التطور النافذ في كل الأشياء ومنها المجتمعات البشرية
ليس في هذه الأطروحة ما يستدعي الإشتباه إلا إذا وجد أحدهم خللاً في قانون المادية الديالكتيكية

تحياتي


6 - السيد عبد الرزاق دحنون
فؤاد النمري ( 2019 / 4 / 21 - 15:28 )
كل من يرى تشابها بين ستالين وصدام حسيم لا يمكن أن يكون شيوعياً على الإطلاق .

اخر الافلام

.. مظاهرات بتل أبيب والقيسارية ضد نتنياهو هي الأضخم منذ بدء الح


.. الناصرية 1 حزيران 2024 - مشاركات الحضور - ندوة سياسية لمنظم




.. الناصرية 1 حزيران 2024- اجوبة على مداخلات الحضور- الندوة الس


.. شاهد: احتجاجات ضخمة واشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهر




.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على صحفيين وتعتقل متظاهرين في تل أب