الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر غياب الديموقراطية في التنظيمات اليسارية

جاسم عبد الأمير عباس

2019 / 4 / 23
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


اليسار العراقي يعيش اليوم أسوأ حالاته تنظيميا، وهذا التراجع التنظيمي سيقوده إن لم تبرز أصوات حريصة وقادرة على تصحيح سكّته التي هي في طريقها لفقدانها بوصلتها ، الى أن يفقد اليسار هذا كل تأريخه النضالي والذي حققه على مدى عقود طويلة أو يتراجع أكثر مما هو عليه الآن في أحسن الحالات. وعندما نقول اليسار، فإننا نعني به هنا تيار واسع وليس حزب معيّن فقط. تيّار إرتأى لظروف موضوعية وذاتية أن يعمل خارج التنظيمات والمنابر اليسارية الذي أضعف هو الآخر "التيار" بتشتته وعدم إلتزامه الجمعي هذا، حركة اليسار بشكل عام. تيّار خرج من رحم معاناة طويلة لشعب ووطن فشل " اليسار" لليوم في قيادته الى برّ الأمان، ولكنه وفي هذا المقطع الحساس من عمر بلدنا وشعبنا تراه يقف أمّا متفرجا على ما يجري ليأسه وهذه ليست من صفات اليساريين الحقيقيين، أو يقف في حلبة صراع ضد نفسه وضد الأحزاب والمنابر اليسارية الأخرى، وهنا تحديدا يكون قد خسر ومعه كامل اليسار المعركة لفترة قد تطول.

مشكلة اليسار بشكل عام هو ليس فقدانه للغة قريبة من الشارع، وليس نرجسيته التي تجعله يتعالى أمام الجماهير التي فقدت بغياب دور اليسار نفسه حياتها الآدمية بعد أن حوّلت الأنظمة الدكتاتورية والحروب والحصارات حياته الى جحيم لا يطاق فقط، بل يكمن في غياب الديموقراطية كمبدأ وممارسة في حياته الداخلية. فغياب الديموقراطية داخل أحزاب ومنابر اليسار، حوّلت هذه الأحزاب والمنابر الى هيئات بيروقراطية ذات تسلسل وظيفي أوامري، تفرض على الأدنى مرتبة حزبيا أن يصمت أمام أي خلل سياسي أو فكري أو تنظيمي يراه تحت طائلة العقوبة الحزبية. وهذا السبب تحديدا وليس غيره هو ما يحجّم نضال قوى اليسار بشكل عام بعد أن يُفقدها حريّة التفكير المبدع والخلّاق في تعاملها مع المشاكل التي تواجهها.

غياب الديموقراطية في الحياة الحزبية، يجعل القرارات الفوقية غير قابلة للنقاش والحوار في مفاصل هذا الحزب اليساري أو ذاك، ونتيجة لعدم مشاركة القاعدة الحزبية في إشباع القرار هذا أو تلك القرارات دراسة وتعزيز الدراسة هذه بالإقتراحات والنقد، نرى أنّ القرارت هذه غالبا ما تكون كارثية بعد أن تقتصر حصرا على حلقة ضيّقة أو حلقات معيّنة ومُنًتخبة بعناية! وهنا تكون هذه الحلقة أو تلك قد إبتعدت عن مفهوم العقل الجمعي في رسم سياسة هذا الحزب أو تلك المنظمة اليسارية. وهذا ما يمكن تسميته بثقافة دكتاتورية القيادة وقمعها المنظم للآراء، وتجاوزها للقواعد الحزبية والنظم الداخلية. ولم تنقل لنا تجارب اليسار على مرّ تأريخه تجربة واحدة حالفها النجاح وهي في صراع داخلي، وحتّى إن حالفها نجاح ما فما هو الا نجاح لا يعتدّ به، كون الفشل الذي سيليه سيجعل النجاح هذا غير ذي معنى، إن لم يكن فشلا كبيرا ومؤثرا على مستقبل عموم حركة اليسار.

مشكلة القيادات اليسارية وهي تتخذ القرارات بعيد عن الجسم الحزبي، هي أنها تُخلي مسؤوليتها عن الأخفاقات التي تترتب على إتخاذها تلك القرارات بعد أن تؤدي تلك القرارات الى فشل ما رسمته من سياسات بأعذار جاهزة على الأغلب، أو أنها تحول أي "نجاح" صغير وإن كان هامشّيا الى نصر كبير في مواجهتها لقواعدها الحزبية، أو في مواجهتها للبعض ممن عليهم إتخاذ القرار مثلها، أي أعضاء قياديون لهم وجهات نظر مختلفة حول جملة من السياسات التي عادة ما يكون هناك أختلاف بالرؤى حولها.

العمل في الأحزاب اليسارية هو عمل طوعي وغير ذي مردود، ومردوده الوحيد هو النضال المستمر وبوعي من أجل مصالح الوطن والكادحين وعموم جماهير الشعب، لذا فأنّ اليساري في بلد كالعراق مثلا هو مشروع إعتقال أو تغييب أو موت مؤجل وعليه ومن هذا المنطلق يجب أن تكون العقوبات مدروسة بعناية فائقة قبل إتّخاذها ضد هذا العضو أو ذاك، وأن يبتعد إتّخاذها أو حتى التهديد بها عن الأهواء الشخصية أو العلاقات الشخصية.

إنّ معاقبة عضو حزبي مهما بلغت درجته الحزبية وبغضّ النظر عن نوع العقوبة، أو محاولة عزله لموقف سياسي أو حتّى فكري يعتبر مرض خطر يصيب الحياة التنظيمية بشرخ كبير. فصراع الأفكار والآراء داخل التنظيمات اليسارية هي حالة صحّية ودلالة على عافية التنظيمات اليسارية المختلفة، كما وأنّها إشارة الى وجود مطبّات تواجه عمل اليسار في المجتمع والذي عليه الحذر من الوقوع فيها، وهي بالضبط كما إرتفاع درجة الحرارة عند الإنسان والتي بدورها تشير الى حالة مرضية في أحد أعضاء الجسم ووظائفه.

اليسار بالعراق اليوم بأحزابه وتنظيماته ومنابره وجماهيره، يعيش حالة عزلة حقيقية عمّا يدور حوله. ليس كونه لا يعيش وسط المجتمع، بل كونه لا يمتلك الآليات التي تؤهلّه للعمل وسط هذا المجتمع وقيادته. فالصراع والمناكفة والتخوين، أصبح اليوم ونتيجة فشل اليسار لأسباب موضوعية وذاتية هو السمة الأكثر وضوحا في تشتت قوى هذا اليسار.

المسؤولية التأريخية التي تقع على عاتق اليسار وهو ينظر ببلادة الى ما آلت إليه أوضاع البلد والشعب والمصير المجهول لهما، تضعه أما مهمات جسام ومصيرية. وأوّل هذه المهام هو إعادة النظر في كيفية تطوير وتفعيل الجانب التنظيمي ، إذ بدون تنظيم قوي وذو ركائز علميّة فأنّ حالة اليسار ستبقى تدور في نفس الحلقات المفرغة التي يدور فيها اليوم. والتنظيم الحقيقي والقوي هو الذي يشيع الديموقراطية في صفوفه، ويجعل من القرارات التي ستتخذ وخصوصا المصيرية منها مادة لنقاش وحوارمعمّقين قبل إتّخاذها والبت فيها.

لا شك أنّ للقواعد الحزبية وعموم جمهور اليسار أخطاء وإخفاقات ومنها الثرثرة والنرجسية والتسيّب وإتّخاذ مواقف مناهضة للآخرين على مبدأ " خالف تُعرَفْ" وغيرها، لكن الذي لا شك فيه أيضا هو أنّ لقيادات اليسار أخطائها وإخفاقاتها وهي تدير العمل الحزبي بمبدأ التطير من النقد مهما كان حجمه، علاوة على قمعها وإن بشكل غير مباشر للحراك الفكري والسياسي داخل التنظيمات اليسارية.

أنّ أزمة اليسار اليوم لاتحل الا بإشاعة الديموقراطية الحقيقية كمبدأ وتربية وممارسة في مختلف اللجان الحزبية ومنها اللجان القيادية طبعا. وإنّ مسؤولية إشاعة الديموقراطية هذه هي من صلب مهام اللجان القيادية التي عليها إشراك القواعد الحزبية في إتخاذ القرارات بعد دراستها، وعدم قمعها أو تجاهلها تحت أي ظرف ولأي سبب كان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية


.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت




.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام