الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر المسيح الدجال

إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)

2019 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لن يكون المسيح الدجال دميماً مخيفاً شرساً
أو ديكتاتوراً قاسياً أو مشهوراً غامضاً
بل سيكون وسيماً لطيفاً واجتماعياً محبوباً يتحدث عن الديمقراطية منادياً بحقوق الإنسان وتقبل الآخر
لاغياً بواسطة تلك الشعارات السامية كل الحدود بين الخطيئة والبِّر
لذا فسَيضِّل ولو أمكن المختارين .. كما قال الكتاب المقدس.

فى زمانه سيفرد سيطرته بالغشاوة على مقاليد التمييز لدى البشر الذين سجدوا للأديان يوماً، وعرفوا الله، فلقد تعرجوا كثيرا ما بين الخير والشر مؤخراً فى صورة التطلع لإنسانية أفضل، ولكنهم بحثوا عنها بعيدا عن الله، ومن هنا كانت الثغرة وسيكون تدخل الدجال المسموم.

انه زمن إعداده حيث يأتى من خلف تلال الشعارات الرنانة والأنيقة، الداعية لتبعية الشر والفجور والوضاعة الإنسانية فى أجمل صورة دعائية لها، وهى ادعاء الانسانية والمساواة فى الحقوق وتقبل الآخر.

لا عن عدالة أو حب أو وفاء انسانى إنما عن نيِّات خبيثة، تحذف الحدود بين ما هو مظلم ومنير، وبين ما هو صادق وكاذب، فعند التدقيق ستجد أنه لا تحرير حقيقى للنفوس من الشر وصوره، ولا تملك حب حقيقي تستطيع أن تقدمه للآخر ببذل، بل ستؤسَر تلك النفوس أكثر وأكثر تحت وطأة التحزبات والحروب والصراعات، وسيبعد الإنسان أكثر عن الله مصدر الحب ونبع احتضان البشر ووفاقهم، فتضِّل بوصلة اتجاهات اهدافه القويمة فى الروح والحياة، وسيضل عن نفسه وعن الآخر، برغم زَعمه لفهم الحقيقة ولنضوجه الانسانى وقربه السامى من الآخر.

وفى النهاية من ثمر هذا الفكر ستعرف حقيقة هذا الإتجاه الانسانى الجديد، وما هو إلا زيف تحت اسم حق، حيث يميل انسان هذا المبدأ إلى الآخر بما يتفق مع مصالحه النابعة عن تشوهات ذهنية ونفسية وروحية حدثت له بالفعل، ويستمر طوفان هذا الزيف فى الاستمرار وتمكنه من الإندلاع بشراسة فى النفوس القادمة، بعد تمهيداً طويلاً لسحق كل معايير الصح والخطأ فى نفوس أجيال الأطفال فى زماننا، فآباء هذا الزمان مشغولون فى معاركهم الخاصة ومحاولة تحررهم مما يعتبرونه قيودا، بداية من الإيمان مروراً بأعراف الطبيعة وحتى الأخلاقيات، ويغرقون فى صراعاتهم النفسية المُدَّعية للنضج، التى تصارع مع أساسات قيَّمها القديمة لتزحزحها وتسحق الباقى منها لتحل محلها كل فكر العولمة الجديد، وما يفرضه الانتشار ومنهج الأغلبية الحديث.

بل وسيجعلك هذا التجديد باسم الحرية والمساواة تحارب هذا الآخر، الذى لن يقبلك بما تحمله من فكر واتجاهات، فلن تسمح له بالتنعم بحرية الرفض لأقوالك، وستجد هذا المنهج الجديد يدفعك باسم الحفاظ على هيبة الحرية، أن تقمعه وتَجبره اجباراً على قبولك، وسيتعرض منك ومن المسيطرين عليك لأنواع من الخطر إن قاوم هذا الدفَع، وستقوم بهذا القهر المدعى للعدل بمنطقية شديدة بالنسبة لك وقتها، فالديمقراطية المسمومة قد تفشت مفاهيمها المشوهة فى نفسك أنت ومن صدَّق خبر هذا المثالى الزائف، بعد أن يكون قد صنع منكم أتباع من الديكتاتوريين الصغار.

عندما يأتى المسيح الدجال لن يكون غريباً عنك، بل ستشعر بأنه شخص قريب إلى قلبك وأنك رأيته من قبل.

إنه مرحا لطيفا قيادياً عظيماً متحدثاً لبقاً ومثقفاً ومبدعاً بارعاً، ذكياً ومشجعاً متحمساً للعلم، ودوداُ تسعى للحديث معه وللمشى خلفه للحاق بفرصة لكى تصبح احدى تابعيه، لتستمع إلى تعاليمه وتستنير بقوة كلماته ودعوته الجديدة، التى تتقبل كل شئ، وتمحو الخط الفاصل بين الشر والخير، وتزيح عن كاهليك حمل الأديان التى وضعته عندما حملَّتك مسئولية التمييز بين الحلال والحرام، ولن يأتي إليك مُفاجئاً أو لفكرك صادماً، بل سيأتى بعد أن تم اعدادك لتقبل هذا التعليم بعقل مُعجَب ونفس هادية وضمير راضى منذ سنوات وسنوات، فلقد سمعت همساته فى مشاهير قبله فى مجالات مختلفة، حتى الدينية منها، فحين تسمعه هو ستستعذب كلماته، فلقد قابلته فى خادميه من قبل، هؤلاء الذين هيأوا الطريق أمامه لسنوات ولقرون أيضاً، فهو ليس غريبا عنك، لذا فستشعر بقربه من كيانك وكأن له سلطان على روحك، ولكنه سلطان أنت تسببت فى وجوده، بينما هو سلطان وهمى.


سيقيدك المسيح الدجال بقيد الحرية الذى يحرر من كل شئ، والذى سيستبدل حبل الأديان به، تلك التى اعتبرتها طويلاُ قيداً عليك، وسيكون نافعاً له رفضك الداخلى القابع فى أعماق نفسك وروحك.

إن سر قوة المسيح الدجال على النفوس
ستكون فى تحقيقه لما اشتهاه البشر لأجيال، بل منذ وجود البشر على الأرض

وهو مسح الخط الفاصل
بين الشر والخير .. الحلال والحرام .. الموصَى به وما تريد

إنه تلك الهمسه التى همسها من سيرسله فى نفس البشرية منذ قديم الأزل، حيث قام بإقناع آدم وحواء، أن شجرة الحياة لن تكون حداً فاصلاً بين الحياة والموت، وأنه هناك مساواة بين الشر والخير.

وطالما كانت الأديان عبر تلك القرون حجر عثرة أمامه فى توضيح هذا الإختلاف دائما، ووضعَت قوانين تفصيلية روحية وانسانية، لتُعرِّف الإنسان وتُفهِّمه الحقائق بين النور والظلمة، لتمنع هذه الكارثة الروحية، فلقد شن أعوانه من قبله حربه الخبيثة عليها، ليقنعوا البشر أن الإيمان بالله هو السبب وراء تلك الانقسامات بين البشر، وحروبهم وسبب شقائهم، فجعلوا الانسان يتوق إلى إلهٍ آخر يتوحدون تحت اسمه لكنه ليس الله، وكيانه ليس فى صورة الهية انما فى صورة تكره الله وتحث على البُعد عنه.

وكان من أهم أسماء هذا الوثَن المُشتهى الجديد هو " الإنسانية"، الذى سعى اتباع هذا الدجال أن يعلوا من شأنها فوق شأن الله، بعد اقناع الكثيرين أن الإنسانية التى عُذِبَت كثيراً بسبب قوانين الله والدين، والقتل الذى اُرتكِب باسمه على مر التاريخ، من حقها أن تتحرر من سلطانه لتعيش فى سلام وتتوحد البشرية فى وئام تحت لوائها.

ولِكَم من الجرائم اُرتكب تحت اسم الإنسانية أيضاً!.

لذا فها هو يأتى فى الأزمنة الأخيرة عبر أعوانه قبل أن يظهر هو بنفسه
فى صورة لطيفة ناعمة، حيادية أليفة.

ليست دينية ولكنها روحية

انما تحمل روحاً شريراً يقنع الأغلبية، ولو تمكن من اقناع الجميع، من أنه ليس هناك روحاً ولا عالم روحيّ.

حتى يتعمق سلطانه على النفوس أكثر وأكثر، فيقول الإنسان المُستهدَف: إن لم يكن هناك من أحاربه فى الروح فهل سيكون ما أخسره روحياً وانسانياً إن لم أُحارِب؟!

إذن مَن هو المسيح الدجال؟!

هو مسيح بلا مِسحة سيقبله العالم بينما هو مُنتِظراً لمسيحاً آخراً، فالمسيح يسوع لم يتناسب مع أهواء انسانيتهم القديمة واحتياجات عصورهم الجديدة، هو مسيح ليس ممسوحاً من الله لكنه مفوضاً من ابليس، هو تعامُل خاص مع العالم من مُرسِلِه الذى له دراية سحيقة بالإنسان، عمرها من عمر البشرية، التى عاينها ودرسها وعاشرها معاشرة المادية والمعنوية، وعَرف ثغرات مداخلها جيداً، انه مسيحاً زائفاً له صورة التقوى لكنه مُنكر قوتها، انه يجمع البشر تحت مسمى الحب والسلام والمساواة، لكنه يفرقهم تحت نفس المعانى وباسمها.

فتلك شعارات لعناوين تحوى متناً به تفاصيلاً مروعة، تحيد عن حقيقة تلك المفاهيم وتدحضها، وتطبيقاتها تبعد كل البُعد عن الطريق الحقيقي لتلك المسميات، فباسمها سيُرتَكب أبشع الجرائم وأبشع التناقضات مع معانيها الحقيقية.

ولكم ارتُكِب حتى الأن من خدامه المخلصين الذين يعدون له حضوره الرهيب، ابشع الجرائم تحت لواء هذه المسميات، والتى سجلها التاريخ وشاهدها العالم على مرأى ومسمع الجميع، ولكن كم من الناس أيضا بالرغم من ذلك مازالوا قانعين بأن هذا هو الطريق الصحيح الذى لابد أن يسيروا عليه، ويسري نتائجه عليهم هم وأولادهم، وبالرغم من أن هذا الفكر هو سوط عذاب للبشرية، إلا أنه فيه اكتفاء ولذة ورضا بالنسبة لمنطقهم وشغفهم!.

إنه مسيحاً يناسب رغبات البشرية التى تشوهت وسُمِمَت، وزعيما انسانياً سيراه الاغلبية انه المخلص المنتظر، الذى سيخلص البشرية من حمل الإيمان والدين الذى يعتقدون أنه سبب آلامهم وعبوديتهم، ليجعلهم يعتنقون تأثير سلطانه عليهم بضمير مُخدَّر غير مبالى بالله او بالايمان به ورفض من هو ضده، فلم يعد للتمييز مكان فلقد لُغيت تلك الامكانية بعد ان توحدت القيم الانسانية وتضاداتها فى مكانة واحدة، والإيمان والكفر تحت زيف قيمة واحدة.

إن المسيح الدجال سيأتى على موقف قوة، فلقد تأسس كرسيه والأيادى الممدودة له شوقا تمتد من الأن حتى آخرها، فهى تتلوع اشتياقا لذاك الذى سيأتى وسيوحِّد قيمة اعتقادات البشر ودوافعهم وتصرفاتهم، فبالنسبة لكثيرين لم تعد شجرة معرفة الخير والشر محبوبة أو منطقية، ولم يبقى هناك سعى نحو شجرة الحياة، وآدم وحواء انتهت قصتهما وحكاية الاختيار.

لذا حين سيأتى المسيح الدجال
سيأتى ملكاً ذو نفوذ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية