الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- دعونا ننطلق- .. صيحة المستقبل الأجمل !

أحمد الخميسي

2019 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في العاشر من أبريل الحالي خطا العلم خطوة هائلة غير مسبوقة حينما تمكن العلماء من تصوير ظل ثقب أسود بحجم وكثافة وقدرة على الجاذبية تساوي ستة مليارات ونصف حجم الشمس التي تشكل مركز الجاذبية الذي ندور في فلكه. وسوف تقود تلك الخطوة الجبارة إلي تغييرات كبرى في مفهوم الزمن، وفي قدرة البشرية على اكتشاف الفضاء وبلوغ مجرات أخرى بعيدة لا نتخيلها، والتواصل مع حضارات وكائنات أخرى ربما تكون قائمة في نقطة ما في الفضاء الشاسع. هكذا تتجدد صيحة سابقة ارتفعت في أبريل أيضا لكن في الثاني عشر منه، عام 1961، فوضعت الأساس للتطور العلمي الفذ الذي نسمع به الآن. كان ذلك في صباح يوم الأربعاء حين هتف شاب روسي في السابعة والعشرين من عمره قائلا لمن حوله : " دعونا ننطلق"! وربما لم تسمع البشرية من قبل صيحة مستقبل أجمل من تلك " دعونا ننطلق". تلك كانت عبارة يوري جاجارين أول رائد فضاء يكسر حاجز الجاذبية الأرضية ويحلق بمركبة فضائية وقد احتشدت فيه ومعه كل أحلام الانسانية المتحفزة للتحليق واكتشاف الكون. " فلننطلق"، وبعدها ارتفعت المركبة " فوستوك – 1" في دورة حول الأرض فيما يشبه المعجزة التي أصابت العالم حينذاك بالذهول. ولم يكن السوفيت على يقين من عودة المركبة ويوري جاجارين سالمين فلم يعلنوا عن الرحلة إلا بعد نجاحها. في ذلك الوقت كنت في الثالثة عشرة من عمري لكني ما زلت أذكر حالة الذهول التي حطت على شوارع القاهرة والناس ما بين مصدق ومكذب . الرحلة التي استمرت حول الأرض لمدة مئة وثماني دقائق كانت شيئا يصعب تصديقه ولا يدخل العقل ! حينذاك قال الرئيس الفرنسي شارل ديجول: " إن نجاح العلماء السوفيت في تلك الخطوة شرف لأوروبا وللبشرية كلها"، وهتف هارولد ماكميليان رئيس وزراء بريطانيا بذهول: " إنه حدث تاريخي .. حدث تاريخي"! وأعلن الرئيس الأمريكي كيندي في 13 أبريل إن ماجرى هو" أكثر الإنجازات العلمية إبهارا". وكانت تلك الخطوة مقدمة لما حدث اليوم من غزو آخر للفضاء بتصوير الثقب الأسود، وعلى حد قول عالم الصواريخ الشهير سيرجي كرولوف فإن: " يوري جاجارين قد فتح الطريق أمام سكان الأرض إلي العالم المجهول، والأهم أنه منح البشرية الثقة في قدراتها وطاقاتها"! وقال رائد الفضاء الأمريكي آرمسترونج إن جاجارين: " دعانا جميعا إلي الفضاء" إلي استجلاء كل مجهول ، وكشف كل لغز، والثقة في أنه ما من مستحيل أمام إرادة وعبقرية العقل البشري .وفي كل خطوة جديدة نحو الفضاء ينبغي أن نرى يوري جاجارين، الذي نشأ في أسرة متواضعة وكان والده نجارا بسيطا، وقد عشق جاجارين الطيران منذ طفولته حتى أنه كان يحتفظ تحت وسادته وهو صبي برواية جول فيرن الشهيرة" من الأرض إلي القمر". في شبابه صار عاملا بسيطا بمصنع للحديد والصلب، وهناك انتسب إلي نادي طيران يتعلم فيه الحروف الأولى لصيحته الجميلة " دعونا ننطلق"! ثم دخل كلية الطيران عام 1955، وحين أخذ العلماء السوفيت يبحثون عام 1960 عن شاب صالح لمغامرة كونية انتهى بهم البحث إلي عشرين شابا كان جاجارين واحدا منهم، وعند تصفية المرشحين تبقى اسمان فقط على اللائحة: جاجارين، وتيتوف. وحسمت ابتسامة جاجارين الدافئة موقف اللجنة لصالحه، فقام برحلته المعجزة وصاح صيحته الجميلة التي دخلت التاريخ " دعونا ننطلق". عندما عاد جاجارين بمركبته الفضائية سالما، قام بجولة خارج الاتحاد السوفيتي زار خلالها ثلاثين دولة عام 1962
وكانت مصر الدولة العربية الوحيدة التي زارها، والتقي خلال الزيارة بجمال عبد الناصر ووضع على صدر إبنه عبد الحكيم شارة رواد الفضاء، وتوقف الشاب الذي أذهل العالم مذهولا في منطقة الأهرامات يتطلع إليها باعجاب ويلتقط الصور بجوارها. في مارس 1968 توفي جاجارين عن أربعة وثلاثين عاما فقط بينما كان يجرب طائرة"ميج -15" تحطمت به . رحل جاجارين، لكن بقيت عبارته الجميلة " فلننطلق"، وأمست صيحة للبشرية كلها، وعلامة على الأمل الذي يتجدد مع كل اكتشاف علمي جديد لأبعاء الفضاء، والذي سطع بقوة مع تصوير الثقب الأسود. " فلننطلق" بأمل وبقوة وثقة في المستقبل وفي العقل وفي العلم وفي قدرة الانسان على تجاوز كل الصعاب. فلننطلق.
أحمد الخميسي. كاتب وقاص مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جدل في تونس بعد دعوات لتجنيس المهاجم البرازيلي رودريغو.. هل


.. انتخابات إيران -المتأرجحة- تقصر السباق بين بيزشكيان وجليلي|




.. بعد المناظرة الرئاسية.. دعوات ديمقراطية لاستبدال بايدن| #غرف


.. كيف ينتهك المستوطنون الإسرائيليون اتفاقية أوسلو في الضفة الغ




.. الشرطة الأمريكية تفض مسيرات داعمة لفلسطين ورافضة لحرب غزة بش