الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة انقلاب عسكري

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 4 / 25
الادب والفن


في أحد أيام شتاء عام 1980 و كانت الساعة قد قاربت العاشرة ليلاً, كنتُ أقفُ خائفاً مرتجفاً في مكتب رئيس فرع مخابرات أمن الدولة في مدينة إدلب يسألني ما علاقتي بالسيدة "ملك كامل عبدالله مروة" ماذا أقول يا سادتي, تلعثم لساني, واصطكت أسناني, وجفَّ ريقي, وفقدتُ النطق, و غابت الكلمات في ضباب كثيف, وتاهت أحرف اللغة العربية في ذهني المثقل بالتساؤلات والرعب عن تشكيل جملة مفيدة. سكتُ لأنني لم اسمع باسم هذه السيدة من قبل. ألحَّ في السؤال:
- يا بني آدم تكلَّم, ما علاقتك بالسيدة "ملك كامل عبدالله مروة" كيف تعرفها, هل هي من أقاربك, من معارفك, من تكون حتى تُراسلها؟
في ذلك الشتاء البارد كنت في الصف الحادي عشر علمي حين جاءت سيارة بيجو 404 بيضاء بأربعة عناصر من مخابرات أمن الدولة إلى ثانوية المتنبي-رحمك الله يا أبا الطيب- استدعاني مدير المدرسة الأستاذ محمود حميداني على عجل من حصة مُدرس الرياضيات عبدالكريم شامي, وكان المُدرس يشرح لنا درساً في الهندسة الفراغية. قالوا رئيس الفرع يُريدك في أمر ما, لا تتأخر في الحضور, الساعة الخامسة بعد العصر يجب أن تكون "مزروعاً" في الفرع. سألني المدير بعد ان رحلوا:
-ماذا فعلت؟
قلتُ:
-لم أفعل شيئاً.
عدتً إلى درس الهندسة الفراغية فاختلط أمامي على السبورة الحابل بالنابل, مثلث متساوي الساقين خرج من ربع الدائرة, و الزاوية الحادة انفرجت نحو مستقيم مماس محيط الدائرة, و متوازي الأضلاع تفككت أضلاعه في الفراغ.
قلتُ:
-والله العظيم لا أعرفها يا سيدي.
قال:
-كيف لا تعرفها يا بني آدم وأنت تُراسلها!؟
ثمَّ راح يُفتش بين أوراق مكتبه, فجأة, لمحتها, ورقة مكتوبة بخط يدي مغروزة في ظرف رسالة زُينت حواشيه بالأحمر والأسود رفعها رئيس فرع مخابرات أمن الدولة بين أصابع كفه اليمنى, ففهمت الأمر بلمح البصر, وحمدتُ الله في سري لأنني فهمت أخيراً سبب استدعائي.
قال:
-أليست هذه الرسالة لك؟
قلت:
- نعم, هذه رسالتي.
قال:
- من تكون هذه السيدة؟
قلتً:
-يا سيدي هذا عنوان مجلة الهدف الفلسطينية التي تصدر في بيروت وهي ناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يرأسها جورج حبش وأنا أنشر فيها بعض المقالات والخواطر والقصص.
كنت قد تعرَّفتُ إلى مجلة الهدف على واجهة مكتبة "ولي زكي" في شارع الجلاء وسط مدينة إدلب, اشتريت العدد بليرة ونصف ليرة سورية وكان العدد يحمل الرقم 449 تاريخ 11/8/ 1979وعلى غلاف العدد صورة ملونة لجورج حبش وكنتُ اسمع بالحكيم ولا أعرف صورته قبل شرائي ذلك العدد.
المهم, خرجت من فرع مخابرات أمن الدولة بعد منتصف الليل, وكنتُ قد أخبرت أصدقائي أن يسألوا عني إن تأخرت حتى الصباح, ولكن-الحمد لله- حُلَّت قضيتي بأسهل السبل وعدتُ إلى البيت سالماً. حكاية الرسالة بسيطة لا تستحق كل ذلك العناء. قصة قصيرة كتبتها تلك الأيام وحملت عنواناً لا فتاً "انقلاب عسكري" وأرسلتها بالبريد العادي على عنوان مجلة الهدف: بيروت-لبنان-كورنيش المزرعة-ملك كامل عبدالله مروة-صندوق بريد /212/ فوصلت إلى فرع مخابرات أمن الدولة. وقد كان مكتب مجلة الهدف في بيروت في بناية ملك السيد كامل عبدالله مروة. اشتبه من يفتح الرسائل بالعنوان و بجملة أو جملتين في القصة فوضع تحتها "خط أحمر" سألني رئيس فرع أمن الدولة عما أقصده من تلك الجُمل, فشرحتُ له. وما كنتُ أعلم يومها أن الرسائل تُفتح وتُراقب.
بقيت النسخة الوحيدة من قصة "انقلاب عسكري" عند رئيس فرع مخابرات أمن الدولة. بعد سنوات وجدت بين اوراقي مسودات القصة فكتبتها من جديد وأرسلتها إلى مجلة الهدف فنشرتها في صفحاتها الثقافية. وكي تكتمل القصة لم يصل ذلك العدد الذي نُشرت فيه إلى المكتبات, صادره جهاز رقابة المطبوعات في سورية, ولم يسمح ببيعه في المكتبات العامة, لا تظن ظنوناً سيئةً , لا ليس من أجل قصتي صُودر العدد, بل كان يحمل رسماً على الغلاف للرئيس المصري حسني مبارك مرتدياً علماً أمريكياً, وكانت علاقة سورية جيدة تلك الأيام مع مصر, فمُنع العدد. ولكنني حصلت عليه في أحد زيارتي لمكتب مجلة الهدف في دمشق عن طريق مُدير التحرير الأستاذ هاني حبيب. بقي هذا العدد في مكتبتي بعد الرحيل عن مدينة إدلب مع أكثر من خمسمائة عدد من مجلة الهدف التي أسسها غسان كنفاني وصدر العدد الأول منها في 16/8/1969.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كندة علوش ملهاش في الأكشن وبتمنتج معايا أفلامى .. عمرو يوسف


.. كيف برأ الباحث إسلام بحيري فراس السواح و يوسف زيدان من التط




.. -للحديث عن الغناء الكلاسيكي-.. صباح العربية يلتقي بالفنان ال


.. الفنان السعودي مشعل تمر يوصف شعوره في أسبوع الأزياء بباريس




.. الفنان السعودي مشعل تمر يتحدث عن حصوله على مليار مشاهدة على