الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنتِ .. والبلد !

عاطف الدرابسة

2019 / 4 / 27
الادب والفن


قلتُ لها :

كلما حاولتُ أن أكتبَ عنكِ أو أكتبَ لكِ أجدُني أكتبُ عن البلدِ ، وما أصابَ البلدَ ، وقد حاولتُ مرَّةً أن أكتبَ عن غموضِ عينيكِ وعن أسرارِها ، وما يجري فيهما ، فإذا بي أكتبُ عن غموضِ هذا البلدِ وعن أسرارِه .

ليتني أعلمُ ما العلاقةُ التي أسعى إلى أن أُقيمَها بينكِ وبين البلدِ ؟ كم تغيَّر هذا البلدُ يا حبيبةُ وكم تغيَّرتِ وكم تغيَّرنا ، ما أجملَ هذا البلدَ حين كان يُقيمُ في الأغاني والقصائدِ ولوحاتِ الرَّسامينَ ! كان مثلكِ حلماً جميلاً ، ليلاً ساحراً ، غيرَ أن السِّياسيينَ غيَّروا كلَّ ملامحِه : القوميَّةِ والدينيَّةِ والمجتمعيَّةِ فأفسدوه ، وتاجروا بأعضاءِ جسدِه كما يُتاجرُ المجرمونَ بأعضاءِ البشرِ ، قطَّعوا أوصالَه وأطرافَه ، باعوا الكلى والقلبَ والعيونَ ، ويدُّعون إنَّنا في عصرِ الخصخصةِ والعولمةِ والتجارةِ الحرَّةِ ، لم يتركوا لنا شيئاً نقتاتُ عليه ، أو نُسكِتْ صرخاتِ جوعِنا وعطشِنا .

كلَّما حاولتُ أن أكتبَ عنكِ أجدُ حرفي يبكي البلدَ ويبكي أهلَ البلد ، أعني هنودَه السُّمرَ ، بات هذا البلد بلا سورٍ إو أبوابٍ كأنَّه رَبعٌ مُستباحٌ ، أو كأنَّه أرضٌ بديلةٌ للغرباءِ من الشرقِ والغربِ ، من الشَّمالِ والجنوبِ ، يفتحُ أحضانَه لهم ويقيمونَ ويطولُ بهم المُقامُ ، يتقاسمون مع هنودهِ الماءَ والطعامَ والأرضَ، و القِسمةُ ليست عادلةً ، فهم أصحابُ الحِصةِ الكبرى ، وشيئاً فشيئاً صار مُستَقَرَّاً لهم حيناً ومَعبراً أحياناً أخرى ؛ مُستقَرَّاً إذا كانوا هم حُكَّامُه وأسيادُه وصُنَّاعُ القرارِ به ، ومَعبراً إن حلَّت به بعضُ نوائبِ الدَّهرِ .

كلَّما حاولتُ أن أُعبِّرَ لكِ عن مشاعري ، أعني عن محبَّتي ، أجدُني أُغازلُ البلدَ ، وأجدُ لغتي تسألُ غصباً لا طوعاً : أين شبابكَ العلماءُ ؟ هؤلاءِ الشَّباب الذين بنينا لهم الجامعاتِ ، وصرفَ عليهم الأهلُ الملايينَ ليتخرَّجوا في الجامعاتِ ، مهندسينَ وأطبَّاء وفيزيائيينَ وكيميائيينَ ، ثمَّ لا يجدون عملاً ، ويقفون بالطَّابورِ أمامَ سفاراتِ الدُّولِ الغربيةِ جاهزينَ مؤهلينَ خالصينَ للعملِ دون أن تخسرَ عليهم تلك الدُّولُ فلساً واحداً .

وهكذا يا حبيبةُ تقاسمونا وتقاسموا البلدَ ، أخذوا الشَّجرَ والأرضَ والحجرَ ، وأخذوا شبابَنا صفوةَ البشرِ ، ولم يتركوا لنا مشروعاً سياديَّاً إلا وباعوهُ ، فأيُّ بلدٍ هذا الذي لا يتحكَّم باتصالاته أو نفطِه أو شركاتِ طيرانه أو معادنِه الطبيعيَّةِ أو بحرهِ الميَّتِ المسكينِ أو مينائهِ الوحيدِ ؟ أيُّ بلدٍ هذا الذي يدفعُ بأبنائه المتعلِّمين من الأطباءِ والمهندسينَ إلى الهجرةِ غير آبهٍ بملايينِ الملايينِ من الدولاراتِ ، وغيرِ آبهٍ بمستقبلِ هذا البلدِ فقد دخلَ مرحلةَ أرذلِ العمرِ وهو في أوجِ الشَّبابِ .

يا حبيبةُ اسمحي لي أن أعتذرَ من عينيكِ ، فكلَّما حاولتُ أن أكتبَ عنكِ أجدني أكتبُ عن البلدِ ، حتى لو لم يبقَ في ذاكرتي أو في ذاكرتكِ بلدٌ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب