الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات وأفكار حول الحراك الأردني

فتح عبدالفتاح كساب

2019 / 4 / 27
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


بعد مرور ما يقرب من العام على فعالية "فطورك وعلى الرابع" في رمضان الماضي، يبدو مشهد حالة الاحتجاج الشعبي في الأردن أكثر بؤسا وهزالا من حيث العدد وجمودا في الطرح. فالمشهد اليوم يستحق التأمل والمراجعة حيث بدأت السلطة تفرض إيقاع حركة الاحتجاج ابتداء من حصر وتضييق مكان الاحتجاج مرورا بحالات التوقيف الطويل أو القصير لبعض ناشطي الحراك ومغازلة البعض الآخر عبر مكالمات هاتفية بالدعوة للجلوس والحديث عن المطالب. وأخيرا دخول مجموعات "الولاء والانتماء" أو السحيجة ،كما يُطلق عليهم شعبيا، إلى ساحة الاعتصام الأسبوعي والبدء بالتحرش بشباب الحراك لإحداث حالة من الفوضى تعطي مبررا للسلطة لفض الاعتصام بحجة حدوث مشكلات.
وهناك ملاحظة أخرى تشي بأن السلطة بكافة أذرعها الفاعلة – الحكومة ليست ضمن تلك الأذرع- في حالة استرخاء تام ولم يعد للوقفات الأسبوعية تأثير مقلق لها. وأضرب مثالا على ذلك مشهد أفراد الأمن الذين يطوقون ساحة الاعتصام الأسبوعي وهم يدخنون أو يشربون الشاي والقهوة أو يتناولون بعض الوجبات السريعة وكأن التجمع لا يعني شيئا .
برأيي بدأت حالة الاسترخاء هذه بعد توقف الوقفات الاحتجاجية لإعطاء رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز مهلة لتنفيذ أجندة حكومته " الإصلاحية" والتي ادعى وقتها أنها ستتماهى مع نبض الشارع ومطالبه. لم أجد تفسيرا منطقيا لقبول أفراد الحراك بطلب "الهدنة" المؤقتة على الرغم من أن غالبية هؤلاء على علم تام وقناعة مطلقة أن الحكومات المتعاقبة لا تملك من أمرها شيئا. استفاق شباب الحراك بعد صدمة تشكيل الحكومة والتي أعادت تدوير خمسة عشر وزيرا من الحكومة السابقة والتي تم التسويق أنها أُسقطت بضغط المحتجين. لم يعد زخم الاحتجاج كما كان قبل ذلك وبدأت سلسلة التراجعات العددية في عدد المتواجدين أسبوعيا حتى وصلت الأمور إلى أن تكون أشبه بحالة تجمع كرنفالي أسبوعي تقدم فيه أطراف الحراك شعاراتها بعيدا عن تقديم برنامج بديل عما تقدمه السلطة.
ويمكن رصد الملاحظات التالية في المشهد:
الأولى: كان انسحاب النقابات المهنية من المشهد تماما بعد أن توصلت إلى حالة تشبه الصفقة مع بعض أذرع السلطة وبذلك سقطت أولى جماعات الضغط المنظمة من الميدان لحسابات لا يعلمها إلا السلطة ومجلس النقباء.
الملاحظة الثانية أن أغلب الأحزاب الأردنية بكل أطيافها لم تظهر في المشهد أصلا واقتصر أمر ظهور بعضها على مشاركة فاعلة أحانت لشبيبة تلك الأحزاب وخاصة شبيبة الحزب الشيوعي الأردني وشبيبة حزب الوحدة الشعبية. لكن ذلك لم يمنع حضور بعض الشخصيات الحزبية "القيادية" من باب الاستعراض والظهور بمظهر الأب الحاني "الفاهم" للمشهد ولإضفاء لمسة أبوية على الحراك. كما أن بعضها أعلن عبر بيانات نشرها عدم تأييدهم أو مشاركتهم في الحراك. لكن لم يستطع قياديو حزب جبهة العمل الإسلامي – الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- إلا أن يضيفوا لمساتهم الخاصة في الأوقات المناسبة رسميا. حيث صرح مسؤول الملف العربي في ذلك الحزب أن الحراك الأسبوعي في العاصمة عمان " تحركه أيدي إسرائيلية وأمريكية". لا أعرف سببا واضحا لمثل هذا التصريح ونحن على أبواب السنوية الأولى لانطلاق الحراك، لكنني أعرف أنَّ شباب الحراك ليسوا من تم طرح مشروع إعادة تأهيلهم ليكونوا الأداة السياسية البديلة الحارسة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة والحاجز بين الجماهير العربية الغاضبة والكيان الصهيوني. وهو المشروع تم تبنيه من قبل معهد كارنيغي عبر شخصية سياسية أردنية.
الملاحظة الثالثة تمثلت بحالات التوقيف أو الاعتقال لبعض الناشطين في الحراك والتي تركزت في معظمها على من يقودون الهتاف في التجمع الأسبوعي. وهؤلاء شباب لا يشكك فيهم أحد ولا في وطنيتهم والتزامهم تجاه محاربة الفساد والاستحواذ على السلطة، لكن لم يقدم أي منهم على المستوى الفردي أو الجماعي برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا يشكل بديلا مقنعا لما تطرحه السلطة يقود لالتفاف المجموعات الحراكية حوله ويكون مقنعا شعبيا لرفد الحراك بزخم جماهيري كمي ونوعي. فكلمة السر في الحراكات الجماهيرية السياسية أو المطلبية هي "التنظيم" أولا وقبل كل شيء.
الملاحظة الرابعة هي انضمام أفراد من منظومة السلطة إلى التجمع الأسبوعي والوقوف في ساحة الاعتصام. ولا أنظر إلى هؤلاء بحسن الظن لأنهم كانوا من ضمن منظومة السلطة التي أوصلت الأردن إلى الحالة المتأزمة التي يعيشها الأردنيون.وتبدو صورة حضورهم كصورة البدلاء في فريق كرة قدم متأهبون حين يصاب لاعب أساسي أو يتم تبديل آخر بسبب الإرهاق أو الحصول على بطاقة صفراء فيبدأ هؤلاء بالتقافز والتلويح بأيديهم ليراهم المدرب (المايسترو) ليكلف أحدهم بالنزول إلى الملعب لتبدأ اللعبة من جديد.
في ظل كل هذه القتامة والبؤس أعتقد أنه من الضروري مراجعة كل ما جرى منذ عام 2011 وحتى وقتنا هذا حتى لا نستمر في تضييع الوقت والجهد والهتاف وتفوز السلطة بالإبل. لذلك أطرح ما يلي كفكرة للنقاش للخروج من المأزق الذي نعيشه:
أولا: ينتخب كل حراك مناطقي أو مهما كان مسماه واحدا أو أثنين من أعضائه ليمثلوه في العمل على صياغة مشروع وطني حقيقي يحدد أولوياته وأهدافه بكافة مستوياتها وبرنامج عمله في الاحتجاجات وعلى المستوى الفكري. وهنا لا بد من التأكيد على معيار الكفاءة الفكرية والسياسية لا على علو الصوت لأن ما يعمل عليه الجميع هو مصير وطن وليس شركة أو عشيرة. وتكون أول مهماتهم تحديد نقاط التوافق لتثبيتها ونقاط الخلاف للعمل على حلها.
ثانيا: لا بد من الاستعانة بذوي الاختصاص من الخبراء أو الأكاديميين لإخراج المشروع بحلة واقعية وأهداف قابلة للقياس والتحقق. على أن يكون هؤلاء من ذوي الكفاءة وبعيدين عن التأثر بأحابيل أجهزة ودوائر السلطة.
ثالثا: العمل على صياغة دستور جديد أساسه العدالة والمواطنة والديمقراطية، على أن يتم فيه النص على فصل واضح للسلطات ويكون لكل منها ولايتها واستقلالها دون مواربة. كما يجب أن ينص الدستور الجديد بكل وضوح على مرجعية الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعهود الدولية لحقوق الإنسان كاملة ودون مراوغة والتي وقع عليها الأردن لكن لم يطبقها قانونيا ولا دستوريا. كما يجب أن ينص على أن تشكيل الحكومات أو إقالتها يستند إلى مرجعية شعبية واضحة والحال كذلك مع مجلس النواب.
يجب أن يتزامن هذا مع استمرار التواجد الفاعل في الحراكات لحماية القائمين على المشروع أعلاه ومزيد من الضغط على السلطة لتأخذ الحراكات ومطالبها على محمل الجد وليس المراوغة المعتادة.
ورغم أن ما أطرحه لا يعدو كونه أفكاراً إلا أنه حان الوقت للجميع لتنحية خلافاتهم جانبا والجلوس معا. أعي تماما أن ما أطرحه صعب التحقق ولكنه ليس مستحيلا، ولا أطلب من شباب الحراك سوى قراءة متأملة بعيدة عن الانفعال السريع وأن ينحّوا كل ما لا يصب في المصلحة الوطنية جانبا.
26/04/2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب