الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيكل سليمان في القدس بين التصديق والتلفيق

علي ثويني

2019 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


هيكل سليمان في القدس بين التلفيق والتصديق
د.علي ثويني
القسم الأول/4
تناقلت الاخبار منذ نهايات عام 2006 عن حفريات وتنفيق في جوف مدينة القدس، يمس أساسات المسجد الأقصى وقبة الصخرة، و ينذر بخطر التقويض و يدق ناقوس كارثة ،ويوقد أتون "حرب مقدسة" ، تتعدى قيمة الأثر وعمارته، الى حيثيات قدسية و هوية المكان. وكانت الذريعة المعلنة عن محض أعمال "بحثية بريئة" ،لكن الحقائق تشير الى مرام مبطنة لبعث رواسي هيكل دارس ،عادة ما دغدغ شغاف قلوب فرق يهودية ومسيحية ولاسيما الأشكناز(الغربيون) والصهاينة ونصارى (الكنيسة الإنجيلية).
لقد وضع الحجر الأساس لبناء ما دعوه الهيكل الثالث أمام تلك البوابة من سور القدس العتيق ، ووسموا به الخطوة الأولى في محاولة تلبيس الأسطورة والدعاوى "البحثية". والأمر يتعلق بتبرير حلول وتحقيق حلم سرمدي متكأ على القسم الغليظ الذي أطلقه (حسقيال) ( )،وهو أحد حكماء اليهود قبل أكثر من الفين وخمسمائة عام، حينما ترنم على جرف الفرات في بابل، ممني النفس بالعودة و التبرك بجبل صهيون . بيد أن هذا الحلم الأسطوري ألبس قبل قرن ونيف بمعطف الحقيقة الدامغة ، وعد واقع لايقبل الدحض والمراجعة ،والانكى في كل ذلك أقحم في عالم السياسة وكرس من أجله النفيس وأسست له دولة غرائبية لاهي أوربية ولاشرقية ولادينية أو علمانية ولا وطنية أو قومية،ومازالت بعد سبعين عام لاتستطيع كتابة دستور يعرفها .وهنا نشير إلى أن جبل صهيون يقع كذلك في جنوب الجزيرة العربية وفي اليمن،وليس في القدس،وهو اسم يمكن أن يتكرر بما يوحي لشكل (صهوة) المخروطي الشكل، والمعرّف بالواو والنون كما في اللغة الأكدية،وبعض لغات اليمن القديمة.وتشهد عليه طلب الملك سليمان عندما بعث بطلب الى حيرام ملك (صور) ليعينه على إقامة القصور والمعبد الذي يروم بناءه ، كونه بعيد عنه، أو ماهي علاقة بلقيس اليمنية وإنتقالها لو لم تكن قريبة. وما تذكره التواريخ الإسرائيلية ،ثم الغربية الإستشراقية التي تعود لقرنين أو أكثر قليلاً مضت أنه يقع على ربوة في أورشليم (مدينة السلام)، مثلما ظنوا قبلها أو غبانها بأن بغداد هي بابل، او أن منارة الملوية في سامراء هي برج بابل..الخ.
كلمة(هيكل) كما أسلفنا تعني المعبد والمكان المقدس، وترد من مصدر سومري عراقي بصيغة (Eg-gal أيكال) ( )،،و تعني "البيت الكبير".وقد استرسل الإصطلاح والمعنى عند الاكديين و أعاروها الى اللغات الآمورية والكنعانية الشقيقة حتى وصلت الآرامية و العبرية والعربية . والهيكل في حقيقته هو "مسكن الآلهة" كما هو حال أي كائن له مسكن وفي هذا المكان يتم الاتصال بين الآلهة والبشر ويمكن تأسيس علاقة خاصة فيما بينهم . و أول الهياكل الكنعانية في فلسطين هو ما وجد في أريحا ومجدو من مطلع الألف الثالثة قبل الميلاد . وكان هذا النموذج يتكون من غرفة واحدة لها باب على الجانب الطويل من البناء . وقد تطور هذا الشكل حتى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. ليصبح متكاملا كما هو في بيت شان (بيسان)، ويحتوي على المذبح الصخري والنصب المقدس والعمود المقدس (اشيراه) والقبوات(السرداب) .ويضطلع المذبح بصفة الصدارة من ضمن تلك الوظائف المعمارية . وغرف القبوات كانت تستخدم خلوات وفضاءات تأمل ،وتلقي للنبؤات . وكان يوجد عند المداخل أماكن للوضوء لغسل أرجل المتعبدين قبل ولوجهم الى المعبد .وقدس الأقداس هنا مكان مرتفع في مؤخرة المعبد يوضع عليه تمثال الآلهة على الأغلب( ).وفي سياق المعنى عينه فأن كلمة فرعون وجمعها فراعنه قد جاء محرفا لدى القدماء من الأصل الهيروغليفي المصري، ويعني قصر الملك ،حيث كان يطلق عليه عبارة (الدار الكبرى) و بالهيروغليفية (بارعا أو فرعا Paraa) وتحول إلى "فرعون" ( ).وهنا جدير أن نشير الى أن كلمة (فرعون) العربية بصفة الملك، لم تذكر في المدونات المصرية القديمة.
ويرد في سياق الأسطورة بأن هيكل سليمان الذي دمره الرومان عام 70 بعد الميلاد بعد الثورة المكابية، لن يبنى من الأرض ، وإنما سيهبط مجسما من الجنة ، أي سيأتي من السماء كامل ومجلل بالمجد ، ومهيأ بكل التجهيزات اللازمة، من بنية وعمارة ومذبح(محراب Altar) وزخرف، وحتى من أثاث وأقمشة وزينة وثياب للكهنة وأدوات وذبائح تنحر على أعتابه ، ومغسلة وأبخرة ..الخ( ).وهنا نشير الى أن اليهود كانوا متواجدون في فلسطين مثلما في اليمن وشمال أفريقيا والعراق، وأن الثورة المكابية لم تكن لشعب كانت لديه دوله،بل لتجمع بشري له دين خاص.
وعد اليهود احتلالهم للقدس عام 1967 معجزة، و وعداً وكرماً وحق سماوي، يدعوهم ويحثهم الى استباق الأمور وعدم التريث حتى نزول الهيكل جاهزاً من السماء ،وبرروه حاخاماتهم(حكمائهم) بما دعوه " أعمال يد الله" أي تنفيذ المشيئة الإلهية ،وتفسيرهم للتعجل بالأمر،بأنه سعي إلى " توريط" الرب بالدفاع عن "شعبه المختار"، إذا أحتاج الأمر إلى تدخله،وهي فكرة مهدوية. وورد ذلك عند أحد غلاتهم المدعو (اريئيل) ( ) شرح مكونات المعبد وأهميته لليهود ،وبشر المؤمنين بأن ( فريضة البناء ما زالت حية بين اليهود وهي واجب على كل جيل ، وتنتظر من يطبقها ). ولتجسيد الأمر أنشأت إسرائيل (معهد بناء الهيكل) عام 1986 ،الذي ضم أكثر من 20 باحثاً وعالماً في مختلف فروع المعرفة،ووضع المعماريون التفاصيل على ضوء الوصف المسهب والشروح الدينية الوارد في التوراة.
ونجد أن قصة سليمان وداود الذان بنيا الهيكل، وردا بصفة ملوك في (التوراة)،وليس بصفة أنبياء كما في القرآن الكريم ،وأطلق على مكان سليمان بالعرش وكذلك الصرح ، ( فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ. وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ( )، وهنا نقف على القدسية التي يكتسيها سليمان من خلال معجزة استقدام بلقيس ملكة اليمن وإيمانها بين يديه،خلافا لما هو وارد في التوراة.
وأسم سليمان في العبرية يرد بصيغة (شلما) أو (شلومو) ،و تحكي لنا قصتة أنه جلس (على كرسي داود أبيه وتثبت ملكه جداً.. وصاهر سليمان فرعون ملك مصر وأخذ بنت فرعون، وأتى بها إلى مدينة داود إلى أن أكمل بناء بيته وبيت الرب وسور أورشليم حواليها)( ). وهذا يدحض الاغراض السياسية التي اشاعتها إسرائيل عن هذا التاريخ وهذا المعلم الرمز الذي كثر اللغط بشأنه.
و تكرر ورود أسم النبي سليمان في القرآن الكريم 17 مرة، أهمها في سور ص، و الأنبياء وسبا والنمل والبقرة، وورد أن الله وهبه خوارق وحكمة ،كما في (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) ( ) وكذلك في (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)( ) ،أو (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) ( ) .وكذلك في (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ( ).ولدحض ما ورد في أساطير اليهود عن قدرة السحر لدى سليمان ورد في (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) ( ).
واختلف الآثاريون حول الزمان والمكان اللذين عاش فيهما سليمان (بن داود)، فبينما تقول القصة التوراتية إنه عاش خلال النصف الأول من بداية القرن العاشر قبل الميلاد،و تبين أن الاستحكامات والبنايات التي نسبت إليه ترجع إلى تاريخ آخر. وبحث البعض عن تحديد عصر ملكة سبأ ليتفق مع عصر سليمان منذ ثلاثة آلاف سنة،ونفى آخرون وجود سليمان في تلك الفترة.و لم يذكر شيئاً عن الزمان الذي عاش فيه الملك سليمان في القرآن الكريم ، ووردت في سور «الأنبياء» و«النمل» و«سبأ» و«ص»، ولا تفاصيل عن حجم مملكته أو مكانها. وبحسب ما جاء في التوراة، فإن سليمان كان (متسلطاً على جميع الممالك من النهر (الفرات) إلى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر، حيث كانوا يقدمون الهدايا ويخدمون سليمان كل أيام حياته) ( ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي