الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سجائر غارغويل

علي دريوسي

2019 / 4 / 27
الادب والفن


مقتطف من مشروع أعمل عليه حالياً، للكبار فقط.
**
لم يكن عمري قد تجاوز السابعة حين سألت أمي عن وضع بطنها الذي تكوَّر فجأة، أخبرتني أنها ستنجب لنا مولوداً جديداً، بعد حوالي ثلاثة أشهر صار لدي أخ ثان، فرحت لقدومه رغم ملامح وجهه الغريبة، كان وجهه مستديراً كقرص، ذقنه صغيرة جداً، لسانه بارز خارج فمه وفي عينيه ميلان عرضي واضح، فيما بعد فهمت أنه مصاب بمتلازمة داون والمعروفة بمرض البلاهة المنغولية.

كنت في الحادية عشر من عمري حين علمت أن أمي ستموت قريباً، كانت تلك اللحظة من أقسى اللحظات في حياتي، يومها تخرّب العالم الذي كنت أعيش به، والأسوأ من مشاعري التي عشتها كانت حالة أبي ومشاعره، لم يستطع التخلّص من حالة ألمه وحزنه الشديدين، صار يشرب كثيراً، لم يعد يرغب في العيش، فيما مضى كان أبي بالنسبة لي رجلاً حقيقياً رغم قساوته وإهاناته، يعرف دائماً كيف يجد حلولاً للمشاكل التي تعترض طريقه، لم تتعبه المشاكل يوماً، كان قادراً على فعل أي شيء بطريقة ما.

على أي حال كان عليّ فجأة مهمة رعاية هؤلاء الناس، وأقسم لك أنها لم تكن مهمةً سهلةً أبداً.
ما الذي قلته لك؟ اهتمام بالآخر!؟ شيء غير مفهوم، شيء يدعو للضحك الهستيري، ببساطة أقول لك: فاقد الشيء لا يعطيه، لم يهتم أحد بي ذات يوم، بل لم ينتبه أحد لوجودي، فأنا لم أكن في المحصلة أكثر من كلب، لم يعلّمني أي شخص في وقت مضى أن أرعى شخصاً ما أو أهتم بشيء ما، فكيف لي أن أعتني بهم؟

في ذلك الوقت تحديداً، بدأ الجحيم بالنسبة لي، لكن بطبيعة الحال توجّب علينا احترام المظاهر الخارجية، كنت الكلب الغبي الذي عليه أن يصمت، كان عليّ أن أتحمل في المنزل مسؤولية كل شيء، نعم كل شيء، المدرسة والأهل والمرض والإدارة المالية واتخاذ القرارات الأسروية، إنّه لأمر كبير وثقيل في وقت مبكر للغاية بالنسبة لبنت في الحادية عشر من عمرها!

كان الوضع مع أهلي سيئاً للغاية، كنت غارقة حتى التعب في تأمين متطلباتهم، في تلك الأيام - ناهيك عن الضغط النفسي - غسلت ونظفت كل أنواع الإفرازات التي يرشحها الإنسان من نفسه وجسده، كثيراً ما وجدت بقاياها الكريهة ذات الرائحة التي لا تحتملها طفلة عالقة بملابسي، إفرازات الجسد القميئة لا يمكن مقارنتها بإفرازات وجع النفس، هل لك أن تفهم ما أعنيه؟ ما زلت إلى اليوم أشعر بالكآبة تهاجمني بين الساعة والأخرى، لولا سجائر غارغويل التي أتعاطيها لكنت الآن في مصح عقلي حتماً.

ذات يوم دخلت إلى غرفة أمي في الصباح لأنظَّف تحتها ومن ثم لأغيّر حفاض أخي الصغير وملاعبته، كانت في سريرها تتوجع وتبكي بحرقة، في تلك اللحظة وقف أبي إلى جانبها، سمعته يقول لها: لا عليك، تصرفاته الغبية في البيت سوف لن تغضبنا بعد الآن.

فيما بعد وقبل موت أمي عرفت منها تفاصيل ما حدث ذلك الصباح.
كان أخي قد خرِئ وفاحت رائحته، راح يجَهَش إلى أمّي، استيقظ أبي غاضباً من صراخه، قال لأمي: سلوك هذا المُعاق لا يعجبني، ضربته مراراً، حبسته في الخزانة دون جدوى، سأريه اليوم معنى العقوبة!
سحبه من يده، خلع عنه ملابسه، أَدْخَلَه بخِفَّة إلى آلة الغسيل، أغلق الباب الدائري عليه، أدار الآلة لمدة دقيقة من الزمن، أوقفها، شغَّلها ثانيةً، ضحك كالمنتصر وعاد إلى سريره، خمس دقائق طويلة وأمي صابرة، بينما أخي يصرخ من الوجع والرعب والاختناق، نهض أبي غاضباً، مشى إلى الغسّالة، فتح الباب وسحب منها جثة أخي الهامدة.

رأيت الكثير من القرف والوسخ وأشكال البراز التي لم يراها الكثيرون من الأشخاص في عمري الحالي بعد، ها قد مضت حوالي ثلاثة عقود على هذه الحكايات، ها أنت الآن قادر ببساطة على معرفة عمري، أرجو ألّا يفاجئك عمري، أنت تعرف قطعاً بأني أكبر سناً منك، أليس كذلك؟

توارى أخي الذي يكبرني بضع سنوات في مكان ما خارج البلد، لقد استطاع الوقت كله أن يختبئ وراء الدراسة تارة أو الجيش تارة أخرى، لا يمكنني حقيقة أن أقول بالضبط ما أريد قوله فيما يخص أخي!

كان لأبي من العمر ثلاث وخمسّون سنة، كان دائم المرض، كان يخاطبني وكأني زوجته: هرمتُ مبكراً يا طفلتي، أشعرُ وكأني أصبحت في الثلاث والتسعين من العمر، أموت اختناقاً مما أرى وأسمع، خسرت أحلامي، إذا حدث وأسلمت روحي قريباً قولي للناس: حمداً على سلامته!
في إحدى الليالي السوداء الماطرة، نام أبي إلى جواري في السرير، كرهتُ مشاركته لي، لم أستطع النوم إلى جواره، وبينما تئن أمي من أوجاعها وقد تجاوزت الساعة الثالثة صباحاً، أفاق أبي من نومه وبقي في السرير، شعرت به يخلع بيجامته، شعرت به يخرج عضوه من سرواله الداخلي، شممتُ رائحته، سمعتُ حفيف أصابع يده تداعب قضيبه، قلبَ جسده باتجاهي، بيده اليسرى بحث عن مثلثي اليافع، أمسك فخذي بأصابع يده، رفعه نحو الأعلى، سمعتُ شخيره، ارتجف جسدي، خجلتُ مما يرغبه معي، دخلتُ في قبري، وددتُ سراً لو يعاقبني باختراقه لبرعمي الصغير، فأنا في النتيجة زوجته الثانية، ما إن اِقتَرَبَ رأسه من مثلثي حتى صرخت من الخوف، لم يسمعني، لم تسمعني أمي، عَضَضْتُ على اللِّحَاف، فتحني، حشر عضوه في مثلثي، كان جسده يغطيني كجلد حمار، سمعته يطلق تنهيدة مرعبة، عندما سحب عضوه، رسم إشارة الصليب على صدره وعاد إلى موضعه، دفن رأسه باللحاف وراح يشخر، نهضتُ بحذرٍ، جررتُ غطائي خلفي وأنين أمي في الغرفة المجاورة يُرعبني، جلستُ على الأرض وبكيت حد الإغفاء!

والآن أخبرني: أيؤلمك بطنك؟ هل تقيأت؟ هل أُصبت بالإسهال؟ هل ما زلت قادراً على قراءة كلماتي الكريهة والمثيرة للاشمِئْزاز والمَلَل؟ أم ما زلت متماسكاً وتقوى على متابعة قراءة الحكاية باهتمام؟
**








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال