الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستتحقق نبوءة زعيم الثورة البلشفية وتندلع ثورة اشتراكية عالمية؟!

هيفاء أحمد الجندي

2019 / 11 / 14
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لم يكن لينين مخطئاً ، عندما توقع ، قيام ثورات ، في البلدان المتخلفة المستعمرات وأنصاف المستعمرات ، وهو الذي واجه خصومه بكل صلابة وثقة قائلاً لهم: يا لكم من حمقى سوف تعلمكم قارة آسيا درساً لن تنسوه!
وبالفعل، لقد لقنت الانتفاضات الشعبية ، التي اندلعت في الأطراف، خصوم لينين من الليبراليين ، درساً ما أظنهم نسوه! وبذلك ، تكون حركة التاريخ ، قد انتصرت لأطروحات لينين النظرية العبقرية والاستشرافية ، مخالفاً بذلك ماركس الذي اعتبربأن العالم لا يستطيع أن يتقدم ، وينطلق إلى الأمام ، إلا من خلال اتباع خطوات أوربا ، ولم يكن يتصور التاريخ ، خارج هذه القارة ، إلا بوصفه مسيرة جارية على نسقها ، ومخالفاً أيضاً تروتسكي ، الذي طغت الرؤية الأوربية على تنظيره للثورة العالمية ، والذي انتظر المعجزة من الغرب المتقدم.
لم يتمرد لينين ، على النسق الثوري الأوربي، إلا لأنه قرأ ماركس، قراءة روسية نابعة من خصوصية التركيب الاقتصادي- الاجتماعي الروسي ، المتخلف الفلاحي وضمن قانون التطور اللامتكافىء ، فضلاً عن تحليله العبقري واللافت لظاهرة الامبريالية ، لا نبالغ البتة إذا قلنا بأن اللينينية ، هي ماركسية عصر الامبريالية ، إذ تابع لينين ، ما كان قد بدأه ماركس، من تحليل لآليات نمط الإنتاج الرأسمالي ، وكما جاء في سفره العبقري "رأس المال" وبمجلداته الثلاث ، حيث صاغ نظريته الاقتصادية ، حول الأزمات ، على قاعدة الرأسمالية الصناعية ورأسمالية التنافس ومعتبراً ، بأن المكان الوحيد ، الذي ينتج فيه فائض القيمة ، هو كدح العمال، في العملية الإنتاجية ، وكتب أيضاً عن ولادة رأس المال ، والتراكم البدائي ، الذي قام على إبادة السكان المحليون ، ونهب الكنوز ودور النظام الاستعماري، في إنضاج التجارة وعملية الملاحة ، وتغذيته للشركات الاحتكارية التي أغرقت المستعمرات بالبضائع والسلع .
وفي معرض تحليله للامبريالية ، اعتبر لينين ، بأن ما يميز هذه المرحلة هو تصدير رأس المال ، خلافاً لتصدير البضائع ، ونشوء ظاهرة الاحتكارات ، وعندما يتم تصدير رأس المال ، هذا يعني تصدير قيمة ، يراد منها أن تحقق قيمة زائدة في الخارج.
بيد أن، ما يلفت النظر، في تحليل لينين ، إشارته إلى بروز، ظاهرة الهجرة في زمن الهيمنة الامبريالية ، وصراعها على اقتسام العالم اقتصادياً ، وانتقال العمال و نزوحهم ، من البلدان الأكثر تأخراً ، حيث الأجور المتدنية ، واليوم باتت حركة قوة العمل ، والهجرة ، شديدة الانتشار و صعبة الالتقاط ، هجرة قوة عمل شابة متعلمة وكفوءة ، إضافة إلى هجرة العمالة الزراعية الهامشية الخدماتية ، وهؤلاء المهاجرون ، ساهموا في نسف الحدود ، ولم تعد المسألة مقتصرة ،على تدويل الانتاج و الرساميل والتي وصفها سمير أمين ، بالعملية المبتورة ، لأنها تقتصر على حركة انتقال السلع والرساميل، دون قوة العمل التي تعمل وفق آلية قانون القيمة المعولمة.
وزد على ذلك ، أن قوة العمل المهاجرة ، من العالم الثالث ، ستشكل في العالم الأول مدينة أكواخ وضواحي بائسة ومغلقة ، في الوقت الذي يتم فيه ، نقل العالم الأول ، إلى الثالث ، على شكل سندات وبنوك وقروض!
ليس ما رأه ماركس مستقبلاً، إلا حقبتنا نحن، وفق تعبير انطونيو نيغري و التحول الذي طرأ على قوة العمل ، وعمليات استيعاب العلم والتواصل واللغة في صلب قوة الإنتاج، ما لبثا أن أعادا تحديد ، أبعاد ظاهرة العمل الكلية ، وأفق الإنتاج الكلي.
يقول أنطونيو نيغري :"ثمة قوى جديدة ، ومواقف جديدة لعمل عاطفي ، يميز قوة العمل، بمقدار ما يميزها العمل الكلي ، لقد باتت قوى الإنتاج اليوم ، سياسية حيوية ، وبات فائض القيمة ، يتحدد بالمشاعر المخترقة ، بالمعرفة وبذكاء العقل بالمقدرة المجردة على الفعل ، فإنتاج السلع ، يميل لأن يكون قابلاً للتحقق الكلي".
لا ضير من القول ، بأنه و بعد الثورات العلمية والتكنولوجية ، والتي رافقت الصناعة الكبيرة ، حدثت تغييرات جوهرية ، في بنية الطبقة العاملة ، أدت إلى تقلص دور دورها ، في الإنتاج و تبدلت بنيتها الطبقية.
وكان التحليل الماركسي الكلاسيكي ، يعتبر بأن البروليتاريا ، هي القوة الرئيسية بين سائر قوى الإنتاج، وأن شراء قوة العمل ، هو المصدر الرئيسي لفضل القيمة وكان ماركس يردد و يقول ، بأن المجتمع الحديث ، بأسره ، يعيش عالة على قوة عمل البروليتاريا ، بيد أنه وبعد استخدام الآلات وثورة التقانة ، تقلص دور البروليتاريا ، وبرز العلم كقوة انتاجية جديدة ، وقد وجدت هذه الواقعة ترجمتها في ما اصطلح الاقتصاديون على تسميته "التركيب العضوي للرأسمال " ولم يعد إهمال العلم ،كقوة انتاجية مستقلة ، والذي أحدث تغييراً في وظائف العمل وسيرورته مجدياً ، إذ لم تعد الطبقة العاملة اليوم ، مؤلفة من عمال وحسب ، بل من شرائح عمالية متمايزة أو متعارضة ، وشريحة من أصحاب الاختصاص المهني العالي، والعمال المختصين وأنصاف المختصين.
لم تعد الطبقة العاملة ، موجودة بالمعنى الكلاسيكي الصناعي للكلمة ، لأن قوة العمل اللامادية المتضمنة في الاتصالات ، والتعاون وإنتاج العواطف والمشاعر إضافة إلى الأعمال الهامشية ، التي بات يمتهنها قطاع كبير، من الذين أطلق عليهم المفكر الماركسي ديفيد هارفي "البريكاريا " وهي تشمل العمالة الموسمية والمؤقتة وهذه لا تعدو كونها ، أعمالاً مأجورة وليست منتجة ! إذ ليس بالضرورة أن يكون العمل المأجور منتجاً ، معتمدين على تحليل ماركس ، وكما ورد في الجزء الأول من رأس المال "إن كل عامل منتج هو عامل مأجور، ولكن ليس كل عامل مأجور هو منتج والتمايز بين العمل المنتج ، والغير المنتج ، يتوقف حصراً ، إذا كان العمل يبادل لقاء النقود، كنقود أو لقاء النقود ، كرأسمال وتحديد العمل المنتج، يرتكز على واقع أن إنتاج رأس المال ، هو إنتاج فائض قيمة ، أي عمل محدد اجتماعياً يتضمن علاقة خاصة بين شاري العمل وبائعه.
وبعد التحول ، الذي طرأ على قوة العمل والرأسمال ، لا ضير من القول ، بأن استنتاجات ماركس حول ثورية البروليتارية ، ودورها في انجاز الثورة، يحتاج إلى مراجعة عامة ، على ضوء تطورات الامبريالية العالمية ، وهيمنة رأسمالية الاحتكارات المعممة ، ويمكن اعتبار، كل الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسات خصخصة الأرباح و تعميم الخسائر ، هي الطبقة الثورية والتي سيقع على عاتقها إشعال الثورة العالمية ، والتي انطلقت شرارتها من الأطراف ، التي تتعرض فئاتها المهمشة ، للاستغلال المزدوج وهي دون سواها من يتحمل وزر وتكلفة الصراع الامبريالي ، ويمكن لظروف البؤس هذه ، أن تخلق أوضاعاً ثورية وتضع أي بلد على أبواب الثورة الاجتماعية ، وليس ديمقراطية بورجوازية ، وفق ما ارتآه لينين والذي حارب النزعة اللفظية الثورية ، في مسألة فهم الثورة العالمية وفهمها فهماً تاريخياً عينياً وبدالة تناقضات العصر الامبريالي ، وهو الذي منحنا الطاقة الثورية الكامنة في الأزمات ، والآليات الذاتية المعادية للامبريالية ، وطرح الثورة على مراحل وبدون توقف ، ولا سيما ، في الأطراف المهمشة ، لأن البعد المعولم للاحتكارات بات يستحوذ على الريع ، ويضع يده على كل الموارد الطبيعية والثروات .
إن إمبريالية اليوم ، باتت تنظم وعلى نطاق عالمي ، الاستغلال الممنهج لكل شعوب الأرض المهمشة ، ولكن استغلال الأطراف لا حدود له ، وهذا يفسر اندلاع الثورة اليوم ، في التخوم وليس في المراكز.
لن تكون المعركة سهلة ، بين القوى الشعبية الثورية ، التي تطمح إلى إحداث التغيير الجذري ، وبين الامبرياليات ، والتي ستعمل على تفكيك وسحق الانتفاضات ومن خلال اتباع التكتيكات المعهودة إياها ، أي دق الأسافين ، بين الشعوب الثائرة كي تقطع الطريق على اندلاع الثورة العالمية ، كاللعب على سياسات الهوية وتصعيد خطاب الكراهية والعنصرية ، إزاء قوة العمل المهاجرة ، ولن نكون رومانسيين إذا خلصنا الى استنتاج ، مفاده ، بأنه لن تنفع، شتى الأساليب ، التي يمكن أن تنتهجها الإمبريالية وخاصة وأن ساعة انهيارها قد زفت ، لأن أزمة الرأسمالية اليوم ، ليست أزمة مالية فقط ، وفق تعبير سمير أمين ، ولا هي مجموع الأزمات المتراكمة ، لنظام ولكنها أزمة الرأسمالية الامبريالية الاحتكارية والتي تتعرض سيطرتها العليا المنفردة للمساءلة ، من قبل الطبقات الشعبية ، في المراكز والأطراف ، والتي تدفع ضريبة سياسات الطبقة الواحدة ، المسيطرة مالياً وليس اقتصادياً ، وهذه الأوليغارشية والتي ما انفكت ، تبحث عن منافذ خارجية تمتص فوائض رساميلها ، العائمة في البنوك ولم تجد وتاريخياً ، هذه المنافذ إلا في هذا الشرق ، وعلى حساب تدمير أحياءه الفقيرة ونزع ملكياتهم ، بالقوة وطردهم وإجبارهم على الهجرة ، من الأطراف إلى المركز ولا أجد أعمق وأبلغ ، من توصيف ماركس ، لولادة رأس المال والتي وسمها بأنها ولادة ، تنزف دماً وقذارة ومن جميع مسامها والرأسمال هذا ، لم يكف ومنذ ولادته هذه ،عن إنتاج فيض نسبي من العمال ، وهذا شرط ضروري لعملية التراكم ، والتي تأخذ شكلاً حاداً في أوقات الأزمات وهي المعادل للإفقار المطلق .
كم كان محقاُ ، "ديفيد هارفي" عندما كتب مستنيراً بما كتبه ماركس في "رأس المال" بأن التطور الرأسمالي ، قتل المدينة التقليدية ، والتي سقطت ، ضحية الحاجة المستمرة ، للتخلص من رأس المال المتراكم.
غني عن البيان القول ، بأن قوة العمل العالمية ، الماديةاللامادية والتي تتعرض لاستغلال رأس المال المعولم ، ستكون القوة الاجتماعية الثورية الصاعدة والتي باتت تحتل الفضاء العام ، ولكن ينقصها التنظيم وإيجاد لغة نضالية مشتركة فيما بينها ، لغة قادرة ، أن تسهل عملية التواصل والتلاقي والتشابك ، أي بناء أممية جديدة ، تواجه رأس المال المعولم ، ولن تفضي هذه المواجهة ، بين النقيضين إلا إلى التغيير الجذري ، إذ لم تعد تجدي ، التسويات الاجتماعية ، والنزعات التوفيقية الديمقراطية ، والحلول الوسط ، بين الطبقات الشعبية ، وشرائح من بنية الهيمنة البورجوازية ، والتنظيم وحده دون سواه، سيقطع الطريق على مشاريع الإصلاحيين وكل أشكال التسويات والمساومات .
لن تفضي نظرية تحليل لينين للإمبريالية ، إلا إلى اندلاع الثورة الاشتراكية الجديدة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قيادة المشروع الأوروبي
فؤاد النمري ( 2019 / 4 / 29 - 05:44 )
ما كانت ثورة التحرر الوطني لتقوم في آسيا وأفريقي بغير المظلة السوفياتية وهي المظلة الأوروبية
لينين لم يخالف ماركس بشيء حتى بانظلاق الثورة الإشتراكية من روسيا


2 - النهاية
متابع ( 2019 / 4 / 29 - 07:12 )
معضم حركات التحرر انتهت الى انظمة ديكتاتورية وارهابية
اقتصاديات بائسة وهي تلهث تستجدي الاستثمارات من دول الغرب ولا تستطيع التقدم للديمقراطية
الموضوع معقد اكثر مما يبسط لينين
شكرا للكاتبة المحترمة
شكرا للحوار المتمدن

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا


.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية




.. الشرطة الأميركية تعتقل متظاهرين مؤيدين لفلسطين وتفكك مخيما ت


.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام




.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف