الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول مايو .. لا خيار للعمال إلا الثورة

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2019 / 4 / 30
ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي


في صباح 11 نوفمبر 1887، وفي وقت تنفيذ حكم الإعدام في المناضل الأناركي أوجست سبايز، تَلتْ زوجتة كلمة تركها لابنه جيم: "ولدي الصغيرعندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت. ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى بريء. وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفتخر بابيك وتحكى قصته لأصدقائك". سبايز هو نفسه الذي أطلق صيحته، التي باتت شعارًا في تاريخ نضال الحركة العمالية : "سيأتي اليوم الذي يُصبح فيه صمتنا في القبور، أعلى من أصواتنا". وقد مات سبايز ورفاقه دفاعا عن حقوق العمال والحركة العمالية وأصبحوا رموزا للنضال الثوري ضد جرائم الرأسمالية ونتائجها المروعة على العالم.
أول مايو 1886 تمكنت الحركة العمالية في الولا يات المتحدة بعد سنوات طويلة من النضال ضد الرأسمالية وأرباب العمل والحكومة الأمريكية من الحصول على أحد الحقوق الأساسية من حقوق العمال وهو يوم الثماني ساعات، بدلا من عشرة أو إثنى عشرة ساعة من العمل يوميا في بعض الحالات. فأول مايو ليس عيدا للعمل، كما تشير إليه بعض أجهزة الإعلام البرجوازية والرأسمالية، والتي لا تكتفي بسرقة عرق العمال وإنتاج مجهودهم وإنما تسرق حتى رموزهم التاريخية. فأول مايو هو يوم ضد عبودية العمل ويوم لتذكر نضال العمال من أجل حقوقهم المشروعة، ويوم يلقي الضوء على الحركة الأناركية ودورها في تقدم وتطور الحركة العمالية العالمية، لأن الأناركيين هم الذين دفعوا وما زالوا يدفعون الثمن. في بدايات القرن التاسع عشر وفي اوج الثورة الصناعية تعرض العمال والفئة الكادحة بكل أطيافها إلى اشد أنواع الاستغلال من قبل أصحاب الأملاك وأصحاب المصانع والشركات ورؤوس الأموال، فكان العامل يكد بين 10 إلى 16 ساعة في كل يوم، وكانت عمالة الأطفال منتشرة في العديد من المصانع، وفي اغلب المؤسسات الصناعية لايوجد أي نوع من الرعاية الصحية أو الضمان الصحي أو الإجتماعي للعاملين. وبسبب هذه الحالة البائسة بدات تظهر الكثير من الاحتجاجات العمالية، لكنها كانت متفرقة وغير منظمة وكانت غالبا بدون نتيجة بسبب التفاف أصحاب رؤس المال على مطالب العمال، في بعض الحالات اقترن قبول مطلب تقليل ساعات العمل بتقليل الراتب أو اقالة العمال وتشغيل غيرهم، أو المماطلة وإعطاء الوعود دون تحقيقها. وفي ظل رفض أصحاب الأموال والتحيز الحكومي، كانت الحاجة ملحة لتوحيد مواقف العمال، وهذه هي الفكرة الأساسية لإنشاء النقابات والاتحادات في كل العالم. بالفعل بدات جميع الاتحادات العمالية بالتوحد على مبدا يوم عمل مدته ثمان ساعات بدون تخفيض الرواتب، وبدات هذه المطالب تنتشر بالمدن الأمريكية.
فمنذ 1884، الحركة العمالية بمختلف إتجاهاتها اتفقت على هدف واحد بسيط ومحدد: الحصول على حق يوم الثمانية ساعات، وأعطت مهلة عامين للحصول على هذا الحق بواسطة الإضرابات المختلفة والإجتماعات والمفاوضات مع الحكومة والشركات والمصانع المختلفة، وبدأوا أول نشاطهم في أول مايو، لأنه اليوم الذي تبدا فيه السنة المالية - المحاسبة - للشركات والمؤسسات الرأسمالية. بعد سنتين من النضال المستمر، تمكن الآلاف من العمال من الحصول على يوم الثماني ساعات، ولكن العديد من الشركات وأرباب الأعمال رفضت الرضوخ لضغط الحركة العمالية مما اضطر مئات الآلاف من العمال للجوء إلى الإضراب العام لإجبار أرباب الأعمال لإعطائهم حقوقهم المشروعة، وكان ذلك يوم السبت أول مايو 1886، والذي دعت له النقابات العمالية الأمريكية وكذلك الصحيفة الأناركية The Alarme والتي لعبت دورا رياديا في تعبئة العمال وتنظيم الحركة من أجل يوم الثماني ساعات. هذا اليوم التاريخي شهد إضراب أكثر من 340,000 عامل، وتوقف أكثر من 12,000 مصنع عن العمل في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت مسيرات شعبية مسالمة، شارك فيها العمال بعائلاتهم وأطفالهم ولم تحدث أية استفزازات لقوى البوليس والجيش التي فوجئت بالجو الإحتفالي والعائلي للمسيرات. وفي شيكاغو، أنتهت المسيرة على ضفاف Lac Michigan حيث ألقى العديد من العمال وقادة الحركة العمالية كلمات لتعبئة الحركة ومواصلة الضغط على الحكومة وأصحاب المصانع، ومن بين الذين ألقور كلماتهم ألبرت بارسونس Albert Parsons أوغست سبايس August Spies، واستمرت الحركة في الايام التالية، في يوم الإثنين 3 مايو في شيكاغو نظم إجتماع عمالي كبير أمام مصانع MaCormick Harvester حدثت أثنائه إشتباكات بين المضربين والبوليس الذي أطلق النار وقتل ستة من العمال. في اليوم التالي، 4 مايو، أعلن إضراب عام وشامل في كل شيكاغو التي كانت على وشك الإنفجار من الغضب والثورة ضد العنف الذي تمارسه السلطة لحماية ارباب الأعمال ومصالحهم. ونظم تجمع ضخم في ساحة Haymarket أستمر حتى المساء حيث بدأ العمال في الرجوع إلى بيوتهم بعد إنتهاء التجمع وبعد إلقاء العديد من الكلمات من قبل المنظمين للتجمع وقادة الحركة العمالية، ولم يبق سوى 200 متظاهر، وهنا قررت قوات البوليس المتواجدة إرغام هؤلاء المتظاهرين على التفرق وبدأت في مطاردتهم وإطلاق النار مما أدى إلى مقتل عامل وجرح العديد من العمال، وفي هذه اللحظة ألقيت قنبلة في وسط تجمع الشرطة أدت إلى مقتل أحد رجال البوليس وجرح العديد بجروح خطيرة، أدت إلى موت العديد منهم فيما بعد. وحل الهلع بقوات البوليس فأطلقوا النار بطريقة عشوائية على المتظاهرين، ولم يعرف حتى الآن عدد العمال الذين ماتوا في هذه المجزرة، ربما عدة عشرات من الأبرياء. وألقى القبض على مئات العمال ومنعت التظاهرات والمسيرات دون الوصول إلى معرفة الشخص الذي ألقى القنبلة، وإن كانت الحركة العمالية متأكدة من أنها ألقيت عمدا من قبل عميل للشرطة بقصد الإستفزاز. هذه الأحدات أدت إلى حملة لا مثيل لها قادتها الصحافة البرجوازية ضد العمال وضد الحركة الأناركية التي أتهمت بأنها وراء العنف الذي هز مدينة شيكاغو ومدن أخرى في أمريكا، مما أدى إلى إعلان الأحكام العرفية وإلقاء القبض على عدة مئات من العمال، منهم ثمانية عمال أناركيين - إثنين منهم فقط كانوا متواجدين في هاي ماركت سكوير أثناء إنفجار القنبلة، أتهموا بإلقاء هذه القنبلة. بدأت المحاكمة في 21 يونيو 1886 وحكم على خمسة منهم بالإعدام شنقا، وهم Albert Parsons, August Spies, George Engel, Adolph Fischer, Louis Lingg ورغم الحملة العالمية لمساندتهم والتنديد بالعدالة البرجوازية السلطوية المجحفة، فإن الحكومة الأمريكية نفذت حكم الإعدام بشنق أربعة منهم يوم 11 نوفمبر، أما المتهم الخامس Lingg فلم يتمكنوا من شنقه، لأنه أنتحر في زنزانته في اليوم السابق. وكان الجلاد ينفذ حكم الإعدام بالعمال الأربعة كانت زوجة اوجست سبايز تقرأ خطابا كتبه زوجها لابنه الصغير جيم " ولدي الصغيرعندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت.ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى بريء. وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بابيك وتحكى قصته لأصدقائك" وقد ظهرت حقيقة الجهة التي رمت القنبلة عندما اعترف أحد عناصر الشرطة بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصر الشرطة أنفسهم.
البرجوازية والرأسمالية العالمية ليس من عادتها إعطاء الهدايا للعمال، فجميع الحقوق التي يتمتع بها العمال في أوربا وأمريكا اليوم أو ما تبقى منها، هي حقوق أنتزعت منهم قصرا وبفضل دماء العمال ونضالهم، وليس من مزايا "الديموقراطية" كما تدعي دعاية الصحف التي يملكها عادة نفس رجال الأعمال الذين يستغلون هؤلاء العمال. الديموقراطية وحدها لن تكفي مطلقا لينال العامل حقه في الحياة الكريمة. بل العكس الذي نشاهده الآن في أمريكا وفرنسا وكل أوروبا، حيث يتواصل الهجوم الشرس من قبل وحوش الرأسمالية لتفتيت ما تبقى من حقوق العمال. الرأسمالية لا تعدل ولا ترحم ولا تعرف إلا تراكم الثروات في الخزائن والبنوك، فما أن تضعف المقاومة أو تتراخى الحركة العمالية، حتى تخرج الضباع والذئاب أنيابها وتلتف حول ضحيتها لترغمها على الإستسلام والعودة إلى العبودية المطلقة، كما كان الأمر قبل أول مايو. العمال والكادحين والمهمشين والجياع في كل بقاع الدنيا، ليس أمامهم سوى حل واحد وطريق واحدة، طريق الثورة الإجتماعية الشاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثورة و الثيران
طلال السوري ( 2019 / 4 / 30 - 20:26 )
ان تكون خطوتهم صحيحة ومحسوبة النتائج وليست ثورية

الثورة : حركة (هياج) مفاجئة مصحوبة بالعنف وغير محسوبة النتائج --- كحركة الثور الهائج

اللفظ والعمل لكلمة الثورة مشتقة من الثور والقائمين بالفعل (بالعمل) هم الثيران (الثوار --- محاولة لتحسين اللفظ وتمييزه )-- والدول التي لم يظهر فيها الثيوار لم يصبها الخراب كالاردن ودول الخليج---اما الدول التي ابتليت بكثير من الثيوار فحالها الخراب مثل سوريا والعراق وليبيا-- والدول التي ثيوارها اقل عنفا فخرابها أقل
دع عنك كلمة ثورة واستبدلها بما يليق


2 - الثورة الشاملة هي ما يليق بنهاية الرأسمالية
وديع العبيدي ( 2019 / 8 / 10 - 12:48 )
الثورة من صفات الطبيعة التي تعيد من خلالها تنظيم الخراب واستعادة التحكم بالعالم. الثورة تهدم لكي تبني. والثور هو ممثل الطبيعة في العالم. لماذا نحتقر الثور المشهور بالقوة والاحتمال والصبر، دون أن يطمع في شيء من وراء ذلك. ان الثورة هو العامل. العامل المنتج ولكنه لا يحظى من تعبه غير قوت شحيح. هكذا ينبغي النظر للفظة الثورة. الثورة هي الحل الأبدي وطريق الخلاص الأوحد.
كل تفلسف خارج المفهوم الطبيعي للثورة هو طروحات برجوازية خبيثة، مثل المعارضة الدمقراطية لتغيير السلطة، بالأحرى، تغيير تغيير قشور السلطة وقشور الحيوان، وانظر مصير الغرب وفساده جراء الدمقراطيات البرجوازية وغياب الثورات والحصار القانوني البوليسي لكل فكرة أو اجتماع تهدد قواعد الراسمالية أو تحرض المجتمع ضد النظام


3 - حتى الحيوانات تثور
سعود سالم ( 2019 / 8 / 11 - 19:22 )
ألأخ وديع العبيدي
شكرا على التعليق، وأتفق معك بخصوص الديموقراطيات الرأسمالية والتي ما هي إلا دكتاتوريات صناعية مقنعة ترفض أي رأي يضع مصالحها في خطر.
إن الإنسان هو الحيوان الوحيد القادر على المناقشة والتفلسف لتبرير العبودية
والإستغلال والقهر والإذلال .. ولكننا نقول لمن يريد أن يسمع أنه ليس هناك حل لهذا العالم المتعفن سوى الثورة .. أو الموت والتعفن معه
مع فائق الإحترام
وشكرا

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -