الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الشعوب هي الكسيحة؟

وليد الحلبي

2019 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


من المفارقات العجيبة التي صاحبت أحداث الربيع العربي، أن عبيد النظام القديم أصبحوا – في دفاع مقنَّعٍ خجول عن الدكتاتورية – يتهمون المعارضات العربية التي تحركت للإطاحة بالأحذية التي سحقت رؤوسهم عقوداً من السنين، يتهمونها بأنها كانت مهلهلة، لا تملك قيادات واعية، ولا مشاريع يمكن لها أن ترث النظام الذي قامت من أجل الإطاحة به، مما أدى بها إلى الوقوع في أخطاء نتج عنها السماح لدول أجنبية بالتدخل في ثوراتها، وبالتالي اختطاف تلك الثورات، وتجييرها للدفاع عن مصالح جهات أجنبية خارج نطاق الوطن.
في الظاهر، ربما يكون في هذه الاتهامات بعضٌ من الصحة، لكنها في العمق تبدو هزيلة متهافتة، الهدف الحقيقي منها هو تخطيء دوافع الربيع العربي، والعض بالنواجذ على النظام القديم المتعنت، وتكريس نظام العبودية، وإلغاء حق الناس في التحرر من النظام القديم، واختيار نظامهم السياسي، وبالتالي الاجتماعي والاقتصادي. غير أن فصل القول في تفنيد هذه الترهات السخيفة، هو أن الدكتاتوريات العربية أخضعت شعوبها لعقود طويلة من السنين بقوانين الطواريء، والتي بموجبها حُرِّم على الناس التجمع بما يزيد على ثلاثة أشخاص، وبالتالي التمكن من تكوين الأحزاب السياسية على مختلف مشاربها، بل إن هذه الدكتاتوريات قربت منها قيادات منتفعة هزيلة من الأحزاب القديمة، وشكلت بها جبهات سميت زوراً "تقدمية" لكنها كانت في الواقع تعمل كواجهة براقة لديمقراطية مزيفة، وأكبر مثال على ذلك برلمانات سوريا ومصر، واللجان الشعبية الليبية، وغيرها من برلمانات عربية اخترعها الحكام الدكتاتوريين لستر وجوه أنظمتهم القبيحة. ومع ظهور وسوائل التواصل الاجتماعي، حرم النظام القديم على الشعب التداول عبرها بكل ما يمس هيبة الدولة المتسلطة، وتعرض من يقوم بذلك لتهم ربما تصل إلى الخيانة العظمى وتهديد أمن الوطن، علاوة على اختراع النظام العربي القديم مواقع على الشبكة العنكبوتية، أدارها موظفوه من رجال المخابرات والمنتفعين والذين عميت أبصارهم، فبدأت حرب إلكترونية ضروس بين الطرفين، بينما وقف مؤسسو وأصحاب تلك المواقع، كالفيس بوك وتويتر وما شابهها، في حيرة من أمرهم، بماذا يسمحون وماذا يمنعون. أما التجمعات النقابية، فقد اخترقتها أجهزة الأمن، ونصَّبت عليها عملاء لها يقدسون الحاكم، ويحرّمون الاقتراب منه نقداً ولو بالتلميح، ويشيدون بإنجازاته ولو كانت حبراً على ورق، ناهيك عن السجون التي أصبحت أسماؤها مشهورة ومعروفة أكثر من أسماء الجامعات، والتي فيها تمارس كافة أشكال انتهاك حقوق الإنسان على أفراد كانت تهمتهم الوحيدة هي طلب الحرية. ولو تحدثنا عن القضاء، فحدث ولا حرج عن تجييره لصالح الحاكم وعصابته، وأصبحت الأحكام لا تصدر بعد المداولة، بل بعد المكالمة، والجيش تمت السيطرة عليه بامتيازات وصلاحيات للرتب الكبيرة من ضباطه، مما جعلها تتفانى في خدمة الدكتاتور، ليس محبة فيه، بل خوفاً منه وحفاظاً على مصالحها المتمثلة في رواتب وقصور ومزارع وأراضٍ وتوكيلات تجارية، والإعلام بوسائله المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفزة، أصبحت ملكاً شخصياً لرأس الدولة وأسرته والمنافقين حوله، أولئك الذين خنعوا ونافقوا إماً خوفاً أو طمعاً، وبهذا أصبحت القاعدة التي تنطبق على كل من حول الدكتاتور: ( ذل الرجال يكمن في الخوف والطمع).
في هذا الجو الخانق، كيف كان يمكن للناس أن تشكل أحزاباً سياسية وتنظيمات نقابية تستطيع أن تكوّن مشروعاً يمكنهم من إقامة نظام يرث النظام القديم؟، فكانت النتيجة أن استمر ذلك النظام، بكلاب حراسته ومنافقيه، في اتهام أصحاب الربيع العربي بالجهل وفقدان الرؤية الصحيحة، وهي تُهَمٌ هدفها الحقيقي الدفاع عن النظام القائم وتكريسه، بل وتحريم الخروج عليه.
هذا الاستعصاء بين عشاق الحرية وبين الحاقدين عليها، يبدو أنه سوف يستمر إلى أجل ليس بالقريب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل