الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافتنا والنقد الأدبي

نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)

2019 / 4 / 30
الادب والفن


ثقافتنا والنقد الأدبي
نبيل عودة

(هذا المقال صغته بناء على ملاحظات سجلتها في ندوات أدبية شاركت فيها، ومقالات نقدية قرأتها بصحافتنا منذ عام 2005، وما اعادني لتسجيلاتي يقيني ان لا شيء جديد تحت الشمس، ربما للأسوأ)
*****
شهدت الثقافة العربية في اسرائيل في السنوات الأخيرة ظاهرة غير عادية، أفضل تسمية لها هي "الفوضى في الثقافة النقدية "هي تشمل أيضا الكثير من المداخلات (او الخطابات) في ندوات مختلفة تكاد تخلو من أي قيمة نقدية.
هناك شح ملموس في الابداع الحقيقي، لكن الناقد يظن ان تكليفه للحديث بندوة يعني الخطابة بلا نقد حقيقي لمضمون النص. فنرى ان الطابع الإخواني والاستعراضي المبسط لثقافتنا النقدية هو السائد خطابة ومقالات.
لاحظت أيضا ان النقد يتحول في الكثير من الحالات لنوع من الطقس الادبي المرافق للإصدار الأدبي، وذلك بغض النظر عن مستوى الاصدار وجودته ... مع ان للنقد بشكل عام مهمات ثقافية أكثر اتساعا من مجرد متابعة الاصدارات. وقرأت في الأشهر الأخيرة اكثر من 10 مقالات نقدية معظمها لدواوين شعر .. ولن اضيف أكثر!!
هذه الثقافة النقدية النازلة علينا بفيض عارم، اسهمت في احداث تباعد بين الابداع وبين النقد بمفهومهما الأولي، مما بات يشكل لدى بعض المبتدئين مقياسا للإبداع، أحيانا من "كاتب موسوعي" يكتب حتى مقالا عن الحياة في المريخ اذا لزم الأمر!!
جاءت علينا فترة في زمن ماضي ، سادت ثقافتنا النقدية المرجعيات الحزبية ، بمعنى تمجيد كل ابداع ادبي يبدعه ادباء الحزب، او يجد طريقه للنشر في صحافة الحزب (برضاء سياسي عن المضمون من القيادات السياسية)، وليس سرا ان الحزب الذي اعنيه هو الحزب الشيوعي الاسرائيلي، صاحب المشروع الثقافي الهام في سنوات الخمسين والستين، هذا المشروع اجهض فيما بعد وافرغ من مضمونه ، بعد ان تحول الى مجرد مشروع لرصد نقدي لعدد مختصر (احيانا لعدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة) من ادباء الحزب، ثم تحول الى ترويج تجاري واحيانا سياسي فظ .. وما كان له ان ينجو من هذا السجن الفكري المنغلق، مما أثر سلبيا على مجمل ثقافتنا، وخاصة الثقافة النقدية. مراجعة تلك الفترة تكشف ان عددا من ممارسي النقد، وبعضهم على قدر جيد من الثقافة النقدية، بدأوا يمارسون خطب ود الحزب الشيوعي، عبر الكتابة النقدية الحماسية المتماثلة مع رؤيته والمبايعة بلا تردد لإبداع أدباءه المتنفذين، ليساهم الحزب القوي والقادر وقتها، على رفع اسهمهم في العالم العربي، في إطار مشروعه الثقافي الذي أثمر اسماء ادبية احتلت لفترة طويلة طليعة الادب العربي غي إسرائيل، وما تزال بعض الاسماء نجوما تتألق في سماء الابداع الثقافي العربي.
مراجعة ما كتب وقتها من نقد، والأصح القول من تمجيد، أثر سلبا على تطور ثقافتنا النقدية، وظل التمجيد هو المضمون مع سبق الترصد والاصرار لمعظم ما يكتب من ثقافة نقدية ... وهناك غياب كامل للفكر النقدي، وللنقد الفكري، وللنقد بمفهومة الاجتماعي والسياسي العام.
الناقد أصبح مسوقا للأسماء وقد يتبين ان ناقد ما يكتب نقده قبل قراءة المادة الأدبية، او عبر التقاط مقاطع متفرقة، خاصة في الشعر الذي يحتل المساحة الأعظم من نقدنا وابداعنا.
لا انفي ان ادباء الحزب الشيوعي شكلوا التيار الادبي المركزي في الثقافة العربية في اسرائيل، ولا أحد ينفي جمالية هذا الأدب، غير ان عدم الالتزام بالمصداقية النقدية، واستبدالها بمرجعية نقدية اخوانية، قادنا الى الضرر الذي يتحول اليوم الى اسهال نقدي يتكاثر ولا أظن ان القارئ العادي او حتى المثقف، يواكب هذا النقد الترويجي.
كثيرا ما استهجنت بأحاديث مغلقة مع زملاء احترم رؤيتهم الثقافية والنقدية، هذا الواقع، كانت نصيحتهم "اتركك من وجع الرأس والصدام" كنت أصر ان ما يجري أشبه بمذبحة ثقافية. رد علي باحث وناقد له مكانته "بطيخ يكسر بعضه".
هل اخطئ بعدم الحفاظ على صمتي؟ لست معاديا لأي تجربة أدبية، لكني لا أرى ان كل نص يجب ان يحوله الناقد الى ابداع كبير؟ او ان التنبيه لهذا الواقع لا يفيد؟ واترك الحبل على الجرار!!
اقلقتني هذه المسألة منذ بداياتها ولم استوعبها على حقيقتها الا بعد فترة طويلة، واعترف ان هذا الموضوع لم ينزل من اهتماماتي الفكرية منذ سنوات، ولم اتحمس لطرحه .. حتى جاء وقته بعد ان استفحل المرض للأسف الشديد. وربما ما كان ليفهمني أحد لو عالجته قبل سنتين مثلا !!
قد يكون التزامي السابق بفكر أيديولوجي مغلق أثر على قدرتي من التحرر المبكر، والتفكير الابداعي حول مضامين ثقافية او سياسية مختلفة، وانا اعترف أنى لا ارى قيمة بأدب ونقد لا يتعامل مع واقع الانسان ومع عالمه الفكري .. ولا أستسيغ حتى اللغة إذا خلت من القدرة الانسيابية والغنى في المضامين الثقافية والفكرية.
أنى اربط سقوط المشروع الثقافي للحزب الشيوعي، الذي بادر اليه جيل الشيوعيين الطلائعيين، منذ اوائل الخمسينات، اي بعد النكبة الفلسطينية مباشرة، كجزء من تفكير سياسي وفهم فكري للضرورة الملحة في تطوير ثقافة المقاومة لسياسة التجهيل والاضطهاد القومي وافشال سياسة العدمية القومية، هذا النهج في وقته انجز نجاحا عاما، محدثا انطلاقة ثقافية اثارت اهتماما واسعا وتأثيرا كبيرا في العالم العربي أيضا. لكن الشيخوخة طالتها أسرع من المتوقع. اربط ذلك ليس فقط بظاهرة الثقافة النقدية المتهاوية، وانما ايضا بالتحولات السلبية التي عصفت بالحركة الشيوعية في العالم عامة وفي بلادنا على وجه الخصوص.
غاب فرسان المشروع الثقافي، وغاب فكرهم المبدع وقدراتهم على فهم الأهمية الاخلاقية والسياسية والنضالية والثقافية لهذا المشروع. وجاء "فرسان " المشاريع الشخصانية والانتهازية والتسلط الفردي الذي رافقته ظواهر مقلقة من عبادة الفرد، تتواصل حتى اليوم، رغم غياب المعبود. ربما تحول الى تعويذة سياسية؟!
كذلك برز فقر التفكير وسطحية المفاهيم، وساد الارتجال الشخصي وغيبت القيادة الجماعية، واستبدلت بالمصفقين والمهرجين، ومن دلائل "العهد الجديد " اغلاق مجلة "الجديد " التي كانت الجامعة الثقافية التنويرية التي تخرج منها أبرز مثقفي شعبنا، ونشرت الثقافة والوعي الفكري والسياسي في مواجهة سياسة التجهيل والتعتيم الثقافي للسلطة الاسرائيلية ونجحت بكسرها ... ثم غيبت من قيادات لم يعد يعنيها من التنظيم الا مكانتها الشخصية.
اقفال "الجديد " كان اقفالا لحقبة تاريخية بالغة الاهمية، واعلان سقوط المشروع الثقافي من اجندة الحزب الشيوعي. وتحولت الثقافة الى امر ثانوي، غيابها لا يلفت النظر لدى القيادات الجديدة، وأصبح الموقف السلبي من الثقافة مميزا لكل الاحزاب والحركات والمؤسسات الرسمية والشعبية...
هذا السقوط جر ظواهر سلبية، حددته اساسا بما نشهده اليوم من خطاب نقدي اخواني، الكثير من ممارسي هذا الخطاب يفتقدون للفكر النقدي وبلا ذائقة ادبية وأحيانا لا يربطهم اي رابط بالحركة الثقافية. المضحك ان معظم الكتابات النقدية تبدأ ب: " اهدانا الأديب / او الشاعر / او الصديق فلان روايته / او ديوانه لنقول رأينا فيه ... الخ " وفورا نقرأ ان صاحبنا الذي أهدي الناقد كتابه "تتجلى مواهبه " في جميع ما يكتب وان "شعره او قصصه جواهر وذهب صافي" وان القراء "مسحورين" بإبداعه رغم ان احدا لم يقرأه بعد ومن غير المتوقع ان يلفت نظر القراء حتى لو وزعه عليهم بالمجان.
مجرد تسجيل ما ذكرت يبين اننا لسنا امام مراجعة نقدية، انما غزل اخواني وتهريج ثقافي، وتفسير غيبيات بغيبيات اسوأ، ويصبح الناقد مفسرا لما كتبه صاحب العمل الذي احيانا لا يفهم هو نفسه ما كتب !!
أنظر حولي فلا أجد ادبا يستحق جهد النقد الا القليل، وهذا القليل يرفض نقدكم كما قال لي زميل شاعر مبدع من رؤيته ان نقدكم مهزلة وانه أكثر الكتابات خلوا من الفكر والمنطق ومن اللغة الأدبية ومن جمالية الصياغة ومن الذائقة الأدبية.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأدوات النقدية هي كل شيء
أفنان القاسم ( 2019 / 5 / 1 - 13:35 )
إن لم يكن بقدرة الناقد استيعابها فلا نقد هناك... أتذكر فترة النقد الماركسي تحت راية الحزب الشيوعي، لكنها أدت بهذا النقد الإيديولوجي إلى الفراغ النقدي الذي تعيشونه منذ وقت غير بعيد وحتى اليوم...


2 - عزيزي افنان
نبيل عودة ( 2019 / 5 / 1 - 15:33 )
تماما هو ما حدث في نقدنا حتى جرد كليا من قيمته الثقافية
المهزلة كبيرة ، كتبت عنها عدة مرات ، وكل ما كسبته عداء كناقد ، لا يهمني الأمر، انما الجيل الناشئ بات ظنهم اني سلبي ولا اعتبر ما يكتبونه من الأدب.


3 - كيف صار محمد ابو هزاع هواش فأرا ؟
نبيل عودة ( 2019 / 5 / 2 - 05:35 )
اقرأوا القصة الرائعة واضحكوا على محمد ابو هزاع هواش صاحب التعليقات الفئرانية التي لا :
ينشرها الحوار المتمدن, مطلع القصة وتابعوها في حوار الفيسبوك.

كيف صار محمد ابو هزاع هواش فأرا ؟
قصة ساخرة عن شخص مسخرة
جرى حجز محمد أبو هزاع هواش في مستشفى للأمراض النفسية، بناء على طلب زوجته والعديد من اقاربه، بعد ان تبين انه يعاني من حالة نفسية غريبة، اذ يظن انه فأر، وكلما رأى قط، يصاب بالرعب ويبدأ بالصراح والركض للاختباء داخل احدى الغرف، حيث يغلق الباب ولا يفتحه رغم توسل زوجته اليه واصرارها ان القط الذي رآه لم يدخل البيت بل هرب الى بيت الجيران حيث اصحابه. المشكلة أصبحت غير محمولة بعد ان قرر البقاء بغرف مغلقة متوجسا من القطط.
تابعوها بتعليقات الفيسبوك..


4 - تحيه طيبه
ادم عربي ( 2019 / 5 / 2 - 21:33 )
ههههه روعه ، لكن الاروع وجود الاخ ابو هزاع هواش

اخر الافلام

.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بسبب دهس سيدتين


.. كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال




.. هنا صدم الفنان عباس ا?بو الحسن سيدتين بسيارته في الشيخ زايد


.. إيران تجري تحقيقا في تحطم المروحية.. وتركيا تتحدث عن رواية ج




.. ضبط الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في الشيخ