الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شم النسيم - عيد الفرح والخلود

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2019 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


شم النسيم - عيد الفرح والخلود
شم النسيم عيد مصرى قديم ، يقترب عمره من عمر الأهرامات تقريباً ، بدأ الإحتفال به سنة 2700ق.م ، فى عصر الدولة القديمة ، وإسمه شمو يعنى تجدد الزروع ، وقد أضيفت كلمة النسيم فى العصر العربى فأصبح شم النسيم ، وأصبح يوحى بمعنى تجدد الهواء ، وليس تجدد الزروع ، لكنه وفى كل الأحوال ظل يحمل المعنى الذى قصده المصريون القدماء وهو عيد الربيع ، إذ كان يُحتفل به فى شهر مارس مع بداية الإعتدال الربيعى ، حيث كان الناس يخرجون إلى ضفاف النهر والحقول، ويأكلون الأسماك المملحة التى إحتفظوا بها صالحة للطعام ، والبيض الذى تخرج منه الطيور ، طعامهم الرئيسى ، والخضروات التى تخرج من الحقول ، وخاصة البصل والخس.
وعندما إعتنقت مصر المسيحية ، واجه شم النسيم أول تحد حضارى كبير، كان يمكن أن يلقى به فى سراديب التاريخ ، حيث كان الإحتفال به فى شهر مارس يتصادف مع فترة الصوم الكبير، التى تسبق عيد القيامة المسيحى ، وبالتالى فلم يكن مسموحاً بالأكل والإحتفال ، كما جرت العادة فى شمو أو شم النسيم ، لكن رجال الكنيسة فى القرن الرابع وجدواً حلاً لهذه المعضلة ، وتقرر ترحيله إلى الأمام ، من مارس إلى إبريل ، ليقع يوم الإثنين ، مباشرة بعد الإحتفال بعيد القيامة فى يوم الأحد الذى قام فيه المسيح ، وفقاً للمعتقد المسيحى ، على أساس أن الفرق بين مارس وإبريل ليس كبيراً، فكلاهما يقع فى فصل الربيع، وهكذا إرتبط العيدان ببعضهما البعض، عيدالقيامة وعيد شم النسيم ، وتجاوز شم النسيم أول عقبة كبرى فى زحفه الطويل عبر العصور.
وفى العصر العربى واجه شم النسيم تحد جديد، فلم يكن للعرب الأوائل سياسات واضحة تجاه المصريين/الأقباط ، وقد تراوحت سياستهم بين شدة ولين، وإنصهار ونفور، وإستمر ذلك حتى قرار الخليفة المعتصم سنة 218 هـ بتسريح الجيش العربى وتجنيد الأتراك ، وما ترتب عليه من نزوح العرب إلى القرى وأستقرارهم بها وتزاوجهم بالمصريين على نظاق كبير وبداية إختلاط العادات والتقاليد، ومع ظهور جنس تركى حاكم جديد غير الجنس العربى ، وتحديداً فى العصر الإخشيدى ، بدأت الإحتفالات المصرية القديمة تعود إلى الحياة ، وعلى رأسها الإحتفال بشم النشيم.
وفى العصر الفاطمى بلغ إحياء الإحتفالات المصرية القديمة ذراه ، وعلى وزن المثل، فتش عن المرأة ، يمكننا أن نقول فتش عن السياسة ، فقد كان الفاطميون عرباً منفيين ، إعتمدوا فى قيام دولتهم على الغرباء ، خاصة على قبائل البربر والأقباط، ولذا ، وبقدر الإمكان ، فقد كانوا ملزمين برد الجميل ، وإندمجوا فى حياة السكان الأصليين وشاركوهم عاداتهم وتقاليدهم ، وإحتفلوا معهم بأعيادهم الإجتماعية القديمة ، وهكذا عاد عيد الغطاس ، ووفاء النيل ، وشم النسيم إلى كامل الحياة ، يحتفل به الشعب والخلفاء.
وفى العصر المملوكى ، ورغم قسوة المماليك وبربريتهم أحياناً ، فقد إستمر إرتباطهم بالأرض المصرية وأعيادها وتقاليدها ، فقد كانوا أيضاً أقلية عسكرية من الغرباء ، وماكان يمكن أن ينفصلوا تماماً عن الأرض التى آوتهم وجعلت منهم ملوكاً ، لذا فقد إستمر الإحتفال بالأعياد المصرية القديمة ، وشارك فيها السلاطين وخاصة وفاء النيل ، والذى كان إحتفالاً مشهوداً يسمى بكسر السد ، أو كسر سد الخليج ، حيث كان يتم فتح سد المقياس بجزيرة الروضة ، إعلاناً بوصول فيضان النيل ذراه . وظل الغطاس وشم النسيم ، خلف المشهد ، ولكن على قيد الحياة . وإستمر نفس الحال فى العصر العثمانى ، مع تراجع عام فى روح مصر المرحة ، وغلبة الإحتفالات الدينية على المشهد الإجتماعى.
ومع العصر الحديث، عاد شم النسيم إلى الحياة ، ولكنه فقد صديقاه القديمان ، الغطاس ووفاء النيل، واللذان سقطا فى سراديب التاريخ ، رغم محاولات إحيائهما بأشكال جديدة ، وأكمل شم النسيم زحف العصور وحيداً ، ثم إكتسب صديقاً جديداً ، هو الإحتفال برأس السنة الميلادية ، أو رأس السنة الجديدة ، والذى أصبح ، ونتتيجة لنزعة التغريب التى صاحبت نشأة مصر الحديثة ، من أهم الأعياد الإجتماعية التى يحتفل بها المصريون بكل أطيافهم وطبقاتهم ، وهكذا إجتمعت أعياد الفرح فى العيد القديم ، شم النسيم ، والعيد الجديد، رأس السنة الميلادية ، واللذان أكملا معاً الطريق حتى السبعينات من القرن الماضى ، أيام متميزة من الفرح فى حياة المصريين، ولكن ومع تلك السبعينات، بدأ الإحتفال بالسنة الميلادية الجديدة يترنح أمام ضربات الإسلاميين ، الذين بدأوا فى السيطرة على الوعى المصرى منذ ذلك الحين، وإستطاعوا تحويل مصر من مدينة مزدانة سعيدة ، إلى قرية حزينة تلبس السواد ، وتراجع الإحتفال بالسنة الميلادية الجديدة تدريجياً إلى الفنادق والكافيهات ، بعدما كان قد وصل حتى إلى الطبقات الشعبية ، والتى كانت تسهر تلك الليلة حتى الصباح ، بينما صمد شم النسيم مع كل الطوائف والطبقات ، بل تجاوز دوره الإجتماعى وأصبح أيضا لاعباً سياسياً وقاهراً للإسلاميين ، والذين كلما زادوا به تشهيراً وتكفيراً ، كلما إستمر الناس فى الإحتفال والخروج وأكل الفسيخ والبصل والبيض ، حتى بدا وكأن لاشئ قادر على قهر شم النسيم ، وكأنه قد أصبح عيداً للفرح ، وللربيع ، وللخلود !!!
عبدالجواد سيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: البدأ بترحيل مهاجرين أفارقة الى بلدانهم، فما القصة؟ |


.. هجوم إلكتروني على وزارة الدفاع البريطانية.. والصين في قفص ا




.. -سابك- تستضيف منتدى بواو الآسيوي لأول مرة في الرياض


.. السياحة ثروات كامنة وفرص هائلة #بزنس_مع_لبنى PLZ share




.. المعركة الأخيرة.. أين يذهب سكان رفح؟ | #على_الخريطة