الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن المقفع

ندى أسامة ملكاني

2019 / 5 / 1
الادب والفن


الآداب السلطانية هو نمط من الكتابة السياسية شاع في العصر العباسي الأول، تدور حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم منقولة بمعظمها عن السلطانيات الفارسية. وقد دشن هذه الإيديولوجيا السلطانية حسب تعبير محمد عابد الجابري ابن المقفع الذي عاصر أواخر العهد الأموي وعهد فتوة الدولة العباسية. أي أنه عاصر تحوّل دولة الخلافة إلى دولة الملك السياسي. وقد شهد المجتمع العربي الإسلامي في هذه الفترة اصطفافات اجتماعية جديدة، اتخذت طابعاً هرمياً: السلطان في القمة، الخاصة في الوسط، والعامة في القاعدة وفقا لمبدأ "إنزال الناس منازلهم". ويأتي الأدب السلطاني ليُكوّن الخطاب الإيديولوجي الذي يقوم بهمة تكريس هذا البناء الهرمي.
إن معظم الآداب السلطانية في الفكر العربي خلال العصر العباسي منقولة عن الثقافة الفارسية وذلك لسببين:
• أولهما أن العصر العباسي شهد انفتاحاً أكبر على الثقافات الأخرى، ولاسيما أن المجتمع الفارسي ودولته اندمجا في المجتمع العربي.
• وثانياً أن المجتمع العربي كان يتطور بالاتجاه نفسه الذي تطور نحوه من قبل المجتمع الفارسي: من دولة الدعوة إلى دولة السلطان. مع الإشارة إلى أن الدولة في التراث الساساني الفارسي هي دولة الفرد السلطان.
فجاء هذا النمط من الأدب ليعكس هذا التطور الجديد وليتم توظيفه كأداة إيديولوجية. فالتحديات السياسية التي واجهت الحكم الأموي ثم العباسي والمتمثلة في اتساع رقعة الخارجين على السلطة ثم جهود النظام العباسي في ترسيخ السلطة، فرضت الاستعانة بنوعية من الكتاب المثقفين ثقافة سياسية واسعة، وكان من أبرزهم ابن المقفع الذي استطاع أن يثبت حضوراً سياسياً متميزاً وكان من أهم أدواته توظيف التراث الفارسي ووضعه في خدمة الحكم، ومن أشهر مؤلفاته السلطانية رسالة الصحابة أو رسالة في الصحابة، والمقصود بالصحابة: صحابة السلطان أي تتناول بطانته ومن يستعين بهم في حكمه. وجاءت على شكل تقرير وجهه إلى الخليفة المنصور عن الأوضاع العامة في الدولة، ونصائح له في كيفية تسيير شؤون الحكم.
فمن هو ابن المقفع؟
هو روزبة بن داذويه، فارسي الأصل، ولد في البصرة في عام 106 للهجرة، وسمي أبوه بالمقفع، لأنه أثناء عمله في دواوين الخراج للحجاج، ظهرت عليه خيانة في أموال الدولة، فضربه الحجاج ضرباً مُبرحاً، حتى تقفعت يداه "يبست"، أما ابن المقفع الذي أسلم متأثراً بعيسى بن علي أحد أعمام أبي جعفر المنصور، فقد كُنّي ب عبد الله بن المقفع، وقد قتل على يد سفيان بن معاوية المهلبي والي البصرة بأمر من الخليفة المنصور. والسبب المباشر يعود إلى كتاب الأمان الذي خطه ابن المقفع لعم المنصور عبد الله بن علي، وفي هذا الكتاب يطلب ابن المقفع من المنصور أن يكتب بخط يده أنه إذا عاد عمه وغدر به الخليفة يكون الخليفة كافراً وخارجاً عن كل الأديان، نساؤه طوالق وعبيده أحرار، فأستشاط المنصور غضباً ثم أمر بقتله. وقد قطعه المهلب قطعاً ورماها في التنور في سنة 142 للهجرة، والآخرون أرّخوا مقتله بسنة 143، والبعض الآخر في سنة 145.
والمثير للقارىء هو أنه كيف لكاتب سلطان أن يقتل على يد السلطان؟.
يرجع البعض كطه حسين وهاني عبادي إلى أن سبب مقتله هو مُؤَلفه رسالة الصحابة.
فكيف تكون رسالة الصحابة وهي مصنفة بالإيديولوجية السلطانية التي تكرس تفوق الخليفة سببا لمقتله؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين: الربط بين اتصالات ابن المقفع بأعمام الخليفة المعارضين والصيغة الإصلاحية التي جاءت برسالة الصحابة على شكل نصائح للسلطان. فالباحث عمر فاروق فوزي في دراسته: "قراءات ومراجعات نقدية في التاريخ الإسلامي" يذهب إلى القول بأن ابن المقفع كان يميل إلى أعمام الخليفة المنصور المتمردين على حكمه إذ أثارت الرسالة عدة قضايا أهمها الدفاع عن الاستقراطية العربية ووضعهم في مراكز قيادية وفي ذلك الوقت كان أعمام الخليفة على رأس قائمة أشراف العرب. فالفكرة الجوهرية التي تعالجها الرسالة أن صلاح الناس لا يكون إلا بوجود الأمير.
وعلى صعيد اللغة والخطاب كانت الرسالة تأكيدا بأن السلطان هو صاحب القول الفصل في أمور الدين والقضاء وإذا كان ابن المقفع قد دشن الإيديولوجية السلطانية، إلا أن كتاباته حملت طابعاً إصلاحياً بإطار من الإبداع البلاغي، وبروز الذات الفكرية الخاصة به، ولكن مع التأكيد على تفوق السلطان على الخاصة والعامة. فهي ليست ثورية كما يدعي البعض، أولاً لأنها لا تخاطب عامة الناس، وثانياً، فهي تربط ربطاً عضوياً بين صلاح الناس وطاعة السلطان في جميع الأمور المتعلقة بالدين والعقل معاً، وتجب الطاعة دائماً بما أن السلطان لا ينهى عن الفرائض الشرعية ، ثالثاً، رسالة الصحابة تعكس هرمية المجتمع وتراتبيته وتحدد وظيفة العامة بالطاعة، ووظيفة الخاصة بحمل الناس على طاعة السلطان والطبقتين بحاجة إلى السلطان، إذا يقول في الرسالة: (وحاجة الخواص إلى الإمام الذي يصلحهم الله به كحاجة العامة إلى خواصهم وأعظم من ذلك. فبالإمام يصلح الله أمرهم...ويبين لهم عند العامة منزلتهم...) فتكون بذلك رسالة إصلاحيه ولكن يبقى الخليفة صاحب الأمر والنهي، فهي بموضوعها سلطانيه تبريرية إذ إن ابن المقفع يؤكد على طاعة السلطان في بنية اجتماعية هرمية تنزل كل إنسان منزلته .
.
المراجع:
- تاريخ الأدب العربي،العصر العباسي الأول، شوقي الضيف، الطبعة السادسة عشرة، دار المعارف
2- قراءات ومراجعات نقدية في التاريخ الإسلامي، فاروق عمر فوزي، 2007
3- نقد العقل العربي (3)، العقل السياسي العربي، محدداته وتجلياته، محمد عابد الجابري مركز دراسات الوحدة العربية،
4- الطاعة السياسية في الفكر الإسلامي، هاني عبادي محمد سيف، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الأولى، 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تتحدث عن معاناتها مع مرض نادر وتعد بالعودة إلى ال


.. الفنان الليبي الطارقي أماكا جاجي يحدثنا عن ثقافة وموسيقى الط




.. فيلم ولاد رزق 3 يتخطى 12.5 مليون جنيه خلال يومي عرض بالسينما


.. نجم الغناء الأمريكي كريس براون يعلق في الهواء على مسرح أثناء




.. طرد كوميدي شهير وصف نتنياهو بـ-النازي- في فرنسا.. ما القصة؟