الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإطار السياسي والاجتماعي للآداب السلطانية في العصر العباسي

ندى أسامة ملكاني

2019 / 5 / 1
الادب والفن


لا تنفصل دراسة الأدب عن الإطار التاريخي والسياسي الذين يولد فيهما ، إذ إنه يأتي للتعبير عن المجتمع وأخلاقه وذوقه ونظم تعاملاته الاجتماعية وتراتبيتها السياسية، ويعكسها بغية تبريرها أو التمرد عليها، وفي الحالتين يكون وليد مجتمع ما في إطاريه الزماني والمكاني مع ما يتضمنهما هذان الإطارن من أحداث وظواهر اجتماعية وسياسية. كما أن المناخ السياسي للمجتمع يؤثر في الموضوع الذي يعالجه الأدب والطابع الذي يتسم به. فحينما نتحدث عن الأدب في عصر معين، فإن هذا العصر هو الإطار المرجعي الذي يحدد معالم ومحتوى ذلك الأدب، و هو ما تلخصه العبارة التالية: "الأدب مرآة المجتمع والعصر" .
ومن هذه المقدمة، فإن الحديث عن سمات الأدب في العصر العباسي، ينطوي على الأهمية البارزة لتحديد ماهية المناخ السياسي والاجتماعي الذي أثر بدوره في بلورة طابع الإنتاج الأدبي في ذلك العصر، ولا سيما ما يطلق عليه "الآداب السلطانية". مع الإشارة إلى أن مقاصد المقالة تلك التي يتقصاها الباحث في الفكر السياسي عند قراءته للأدب: كيف عبر الأدب عن العلاقة بين "الحاكم" و"المحكوم" وكيف عكس هذه العلاقة، على مستوى اللغة، وعلى مستوى الخطاب والأسلوب ؟ ومن جهة أخرى: هل كانت هناك حاجة سياسية وراء ذيوع نمط معين من الأدب؟ مع افتراض أن لكل ظاهرة أدبية أو اجتماعية مضمونها السياسي المخفي أو المعلن وأن السياسة ليست فقط إدارة الشؤون العامة بل "أيضا موجودة في كل نشاط اجتماعي وفي محور الوجود الإنساني" (1)
ومع دراسة الأدب في العصر العباسي نستذكر أنه مع انتصار الثورة العباسية على الحكم الأموي وبداية العصر العباسي ، شهدت الثقافة العربية انفتاحا على ثقافات الفرس والروم ومؤلفات الفلسفة الإغريقية، وهذا الانفتاح يعود بالدرجة الأولى إلى تركيبة القوى الاجتماعية المتنوعة التي شاركت في تقويض أركان الدولة الأموية، التركيبة التي يسميها الباحث العربي في قضايا الفكر العربي المعاصر، محمد عابد الجابري، ب"الكتلة التاريخية" والتي يعرفها على أنها: (لا تعني مجرد تجمع أو تكتل قوى اجتماعية مختلفة ولا مجرد تحالفها، بل تعني كذلك التحام القوى الفكرية المختلفة (الإيديولوجيات) مع هذه القوى الاجتماعية.....) (2) . ما يعني أن هذه القوى (عرب، موال (ي)، فرس، فلاحين، حرفيين، تجار، أغنياء، فقراء) كان لها تأثيرات ليس فقط على التراتبية الاجتماعية في الدولة العباسية بل أيضا على البنية المعرفية والفكرية للمجتمع، كما أنها أثرت في ذيوع نمط الآداب السلطانية المنقول عن الثقافة الفارسية. ويتلخص مفهوم الآداب السلطانية بأنها نمط من الأدب النثري، موضوعه التدبير السياسي لشؤون الحكم، أسلوبه: نصائح مقدمة إلى الملوك والأمراء، وهدفه تبيين العلاقة بين الحاكم والمحكوم على ضوء تلك النصائح. وتجدر الإشارة أن الأدب السلطاني بطبيعته أدب تبريري يسوغ المركز المتفوق للخليفة السلطان كظل لله على الأرض وكممثل لإرادته وليس فقط منفذا لها. والأهم من ذلك هو أن الآداب السلطانية في العصر العباسي كمرآة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدولة لا تشكل قطيعة معرفية مع ما كان رائجا في الحقل السياسي والإطار الفكري خلال الحقبة الأموية بل تمثل امتدادا وترسيخا لها. وبعبارة أخرى، منذ تولي معاوية بن أبي سفيان حكم الدولة الإسلامية حلت فكرة "الملك" في الشعور السياسي، أو بتعبير ابن خلدون (الملك العضوض) (بضم الميم وسكون اللام) ، فيها ضعف تأثير العقيدة "كإطار مرجعي للحكم" ولكنه لم يغب كأداة إيديولوجية تبريرية، وحل تأثير الحقل السياسي كمضمار تمارس فيه السياسة كسياسة، وهو ما أشار إليه الجابري في تحليله للعقل السياسي العربي بغلبة تأثير القبيلة على العقيدة ومجيء الأدب السلطاني ليعكس واقع العصر والذي به بدا الخليفة السلطان على رأس التنظيم الاجتماعي، فاتسم الأدب السلطاني بتوظيف النصوص الدينية والموروثات الثقافية في تبرير طاعة الحاكم.
. ومن المفارقات أنه في التكوينة الاجتماعية الجديدة للعصر العباسي، يكون السلطان خارج التصنيف الاجتماعية لأنه يسمو عليه، ففي العصر العباسي انقسم المجتمع إلى شريحتين "الخاصة" و "العامة" ضمن ما يسمى بالسوسيولوجية المعاصرة "المجال السياسي" (public sphere
والذي بدأت نشأته أساسا مع حكم معاوية، فالطبقة الخاصة كانت تشمل الوزراء والأمراء وكبار ضباط الجيش وكبار التجار والفقهاء والكتاب، ليس كطبقة بالمعنى الرائج في التاريخ الأوروبي الحديث، لأن الخاصة ليست طبقة منتجة ولا مستقلة إنما هي طبقة تدور في فلك السلطان وتعيش على عطاياه مقابل خدمات تقدمها له. أما الطبقة العامة فشملت بقية الناس وصغار الجنود، لكن السلطان في القمة، وفي ذلك استحضار حي لحضارات الشرق القديمة التي تمجد الحاكم فيغدو إلها أو تجسيدا لإرادة الإله مع إضافة نصوص شرعية دينية ، كما أن هذا الاستحضار وذلك التوظيف جاء لتكريس الفكرة الفلسفية التي تم التعبير عنها سياسيا والقائلة إن إرادة الحاكم مطلقة تعكس إرادة الله وليس مسيرا مجبرا وفقا لمشيئة الله، أي أن السلطان ذي إرادة هي إرادة الله ذاتها وليس إرادة تنفذ مشيئة الله أو كما كان رائجا عند بني أمية فيما أطلق عليه "الجبرية" في أن الإنسان بشكل عام والحاكم بشكل خاص تسيره مشيئة الله. إذا كانت فكرة الملك العضوض أو تحول الخلافة إلى ملك ضمن مجال سياسي بدأت مع حكم الأمويين، إلا أنه في العصر العباسي تغدو فكرة السلطان هي محور المجال السياسي و الحياة الاجتماعية وتراتبيتها، وسيرورة الأدب السلطاني التي بدأت في أواخر الحكم الأموي وتكرست في العصر العباسي جاءت لتعبر عن هذا الخط السياسي. وقد ذهب أحمد سالم في مؤلفه دولة السلطان إلى القول بأن الكتب التي تناولت الآداب السلطانية في العصر العباسي "لم تؤسس لواقع جديد بقدر ما رسخت واقعا قائما بالفعل" (3)
وضمن هذا الحقل السياسي والانفتاح على العناصر من قوميات مختلفة نشطت الآداب السلطانية كضرورة ملحة توظف في خدمة السياسة. ويقارب الجابري بين عملية نقل الآداب السلطانية عن الثقافة الفارسية في العصر العباسي الأول لتعكس واقع العلاقات السياسية في ذلك العصر وبين التوجه المعاصر لنقل إيديولوجيات الطبقات الاجتماعية في أوروبا الحديثة والمعاصرة (الماركسية، الليبرالية، والاشتراكية) لتمنح الإطار المفاهيمي الذي يعبر عن مطامح الطبقات السائدة في المجتمع العربي المعاصر.
وضمن حركة النقل هذه للإيديولوجية السلطانية يبرز ابن المقفع كأول من دشن القول فيها ضمن منظومة الثقافة العربية الإسلامية، وقد عاصر نهاية الحكم الأموي وبدايات العصر العباسي الأول (أي في عهد شباب الدولة العباسية) ، ما يعني أن أدبه قيم ومفيد للاطلاع على ملامح الآداب السلطانية كاستمرار لفكرة "الملك العضوض" واستحضار فكرة السلطان خليفة الله على الأرض تكريسا لواقع بدأه حكم الأمويين.
من هو ابن المقفع وما هي أشهر مؤلفاته، وما هي سماتها وأين تقع ضمن إيديولوجية الآداب السلطانية وهل أدب ابن المقفع أدب تبريري ؟ هذا ما سيكون موضوع المقال القادم.

المراجع
1- Politics, Andrew Heywood, fourth edition, Palgrave Foundations, 2013, P:9
2- محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي (3)، العقل السياسي العربي، محدداته وتجلياته، مركز دراسات الوحدة العربية، الصفحة 331
3- الآداب السلطانية وازدهارها في منذ أواخر الخلافة الأموية، قراءة في كتاب دولة السلطان: جذور التسلط والاستبداد في التجربة الإسلامية، محمد عويس، شباط ، http://www.alhayat.com/Articles/7243060/
2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها


.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف




.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب