الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكانة -القوة- في العلاقات الدولية و دورها

محمد كمال

2019 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


مكانة "القوة" في العلاقات الدولية و دورها
في مقال سابق تحدثنا عن مبدأ " ما أُخِذَ بالقوة لا يُسْتَرَدُّ إلاّ بالقوة " ، و كيف أن هذا المبدأ ، رغم قدمه منذ بدء التاريخ، مازال هو السائد بين الدول و الشعوب ؛ و كيف أن جميع الدول ، العظمى منها و الصغرى ، تحترم هذا المبدأ ، و حتى المؤسسات التي تتبنى نهج السلم العالمي و تنادي بالمبادئ الإنسانية لا حول لها و لا قوة أمام جبروت القوة ، و هي تقف عاجزة أمام عبث القوي بالضعيف و استهتار القوة بالقيم الإنسانية ... القوي لسانه سيفه ، و بالسيف يغزو و ينهب و يذل و يفعل ما يشاء و يستفرد بخيرات الطبيعة نهباً و سلباً و قهراً لصاحب الحق ، و هو يفعل كل هذه الموبقات دون أن ينبس بكلمة و دون أن يرف له جفن و الضمير قد جف ماؤه في تربة نفسه ؛ بينما الضعيف سيفه لسانه ، يجول و يصول به بالكلام ، بالشكوى و العويل و الاستنجاد ، و امام عجزه و حنقه يكظم غيضه على مضض ، و أفضل مفرزات الضعف و الغبن عند الضعيف العاجز هو فلسفة الحال ، و التفلسف هو سيد اللسان في غياب السيف ؛ فالسيف أصدق أنباءً من الكتب ...
من يملك القوة فهو صاحب القرار ، بغض النظر عن طبيعة القرار، و هو صاحب القانون ، له قانونه الخاص الذي يفرضه على الضعفاء ، بينما هو لا يلتزم بأي قانون ، سوى ما تمليه عليه مصالحه و أهواء نفسه ؛ فمصالحه نهب من خيرات الآخرين ، و أهوائه عبث و مهانة لكرامة الآخرين . رغم جبروت القوة و هولها ، إلاّ أن لها منطقها ؛ منطق القوة الذي يفرز شيئاً من العقلانية على القوة ، و يحد من إندفاعاتها و استهتارها . و هذا المنطق يرتكز على قاعدة " و داوها بالتي كانت هي ألداء "...
القوة بذاتها لا ترتدع رغم ما تدعيه البشرية من تطور حضاري ، و تحول تاريخي من مرحلة همجية الى مرحلة بربرية ، و من بربرية إلى مرحلة حضارية ؛ الحضارية التي ، من المفترض فيها، أن يكون الانسان قد تخطى معها و بها نهج العدوان إلى نهج التعاون و السلام ، و لكن يبدوا أن الموروث البربري في النفس البشرية مازال قوياً رغم النقلة النوعية الى الحضارة ؛ و هذا الموروث المتبقي في جسم الحضارة دلالة على أن الحضارة بعد لم تتخطى حدودها المادية و المظهرية ، و أن النفس مازالت في حاجة إلى الترويض في ظل الحضارة المادية قبل أن ترتقي إلى الحضارة ببعدها المعنوي و عمقها الروحي ، و التي عندها ترتدع القوة بذاتها من أجل التعاون و السلام و الخير العام... و ليس من الممكن تحديد المدى الزمني لحدوث هذه النقلة النوعية و الروحية، و ليس من المستبعد أن يدمر الانسان نفسه ، تدميراً كاملاً ، قبل حصول هذه النقلة المرجوة .
إذاً فالقوة مازالت بربرية النزعة ، رغم مادية الحضارة، و أنها لا ترتدع بذاتها ، و أن الردع الفاعل و المؤثر يتمثل في قوة مقابلة ؛ و في غياب قوة مقابلة ، فإن القوة تفعل ماتشاء دون حدود أخلاقية و لا نَفَسٍ انساني و لا واعز من ضمير . و هكذا بإمكاننا أن نفهم و نقدر المبدأ الذي يؤكد بأن " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة " ؛ و مازال هذا المبدأ هو السائد على جميع المستويات ، من المستوى الفردي مروراً بالمستوى الاجتماعي و صولاً إلى مستوى العلاقات الدولية ؛ و طبيعي أن المستوى الدولي هو الأساس و هو الأكثر كارثية بالنسبة للإنسان ، و أنه يمكن لهذا المبدأ أن يكون السبب في وأد الحضارة قبل إصطلاب عودها و اكتمال بنيانها . حضارتنا مازالت في طور المهد بفعل الموروث البربري الذي مازال مغروساً في نفوسنا .
إن القوة المقابلة تحت سقف "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" لا يعني بالضرورة التساوي في ميزان القوة ، و لا يعني كذلك تفجير شرارة الحرب لاسترداد الحق المسلوب ؛ وجود القوة ، و لو كانت نسبية ، كافية للردع ، و كوريا الشمالية و كوبا أمثلة حية على هذا المبدأ أمام العدو اللدود ، أمريكا، الذي يمتلك أعظم منتجات العلم و التكنولوجيا من السلاح بانواعه المدمرة ؛ فهذه الدولة العظمى ، و مثيلتها ، روسيا و الصين، يمتلكون من القوة ما يمكنها تدمير الكرة الأرضية مئات المرات ( جنون العظمة ، رغم أن التدمير الأول لا يفسح المجال لتدمير ثانٍ ) . و لكن كل هذه الدول العظمى ترتدع ذاتياً من الدخول في حروب مع من يمتلك القوة ، و لو قوة نسبية. إن إمتلاك القوة ، و لو نسبية ، تكون ورقة مجدية في المفاوضات حول القضايا الخلافية مع الجانب القوي ، و تساهم في تنازلات مقبولة من الجهة الأخرى ، لأن الحرب ليس بالضرورة أن تكون مجدية بالنسبة للقوة الأعظم ، و الأمثلة كثيرة ، من فيتنام الى افغانستان ؛ و في حالة عدم جدوى مخرجات المفاوضات ، يمكن للقوة النسبية أن تدخل في مناوشات عسكرية استنزافية لا ترقى إلى حالة الحرب و تكون محرجة و مضرة بالجانب الأقوى ، و لكن الثمن لن يكون رخيصاً (في حاجة إلى تماسك وطني داخلي) ، و لكنها تكون مؤثرة و مفيدة لمفاوضات مجدية لاحقة ؛ و مع وجود قوة نسبية ، يمكن الدخول في تحالفات مع قوى أخري ، مما يساعد و يساهم في دعم الردع المطلوب ، لأن القوي يتحالف مع القوي ، و هذا هو التحالف ، ببنما إرتباط الضعيف بالقوي لا يرقى إلى مستوى التحالف ، بل تكون العلاقة بين السيد المقتدر الآمر و التابع الخانع المطيع .
وحسب قوانين الطبيعة و قوانين العلوم الاجتماعية ، فإن القوة تستطيع أن تمتص و تستوعب ضربات القوة الموجهة إليها ، حتى و إن كانت أضعف ؛ بينما الضعف الكامل سيكون سجاداً مبسوطاً تطؤها أقدام القوة ، دون حاجة للقوة أن توجه و لو ضربة واحدة إلى الضعف . فمازالت البشرية تتلذ بطعم القوة ، و تمجد القوة و لو كانت ظالمة ؛ فالقوي يحترمه القوي و يهابه الضعيف.

محمد كمال

——————-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل نفق مظلم.. مغامرة مثيرة مع خليفة المزروعي


.. الحوثي ينتقد تباطؤ مسار السلام.. والمجلس الرئاسي اليمني يتهم




.. مستوطنون إسرائيليون هاجموا قافلتي مساعدات أردنية في الطريق


.. خفايا الموقف الفرنسي من حرب غزة.. عضو مجلس الشيوخ الفرنسي تو




.. شبكات | ما تفاصيل طعن سائح تركي لشرطي إسرائيلي في القدس؟