الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب يؤكد على منطق -ما أُ خِذَ بالقوة لا يُسْتَرَدُّ إلاّ بالقوة

محمد كمال

2019 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ترامب يؤكد على منطق "ما أُ خِذَ بالقوة لا يُسْتَرَدُّ إلاّ بالقوة

الحربين، العالمية الأولى و الثانية تمثلان منعطفاً تاريخياً نوعياً في مسار الدول التي تشكل مجمل الخارطة السياسية و السيادية للدول . بعد الحرب الأولى تشكلت منظمة عصبة الأمم لترسيخ السلام العالمي و حل القضايا بين الدول بالطرق السلمية ، و بمعنى من المعاني " إنهاء نهج الغزوات و الحروب و الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، و الذي كان سائداً منذ أن تشكل الجمع البشري إلى هيكل طبقي ، و كان ذلك بداية التاريخ البشري ، بداية الصراع و الحروب و الغزوات دون وجود معايير أخلاقية و لا إنسانية "، و كان هذا هو الشرع السائد ؛ و بمعنى آخر أخذ خطوة إلى الإمام على المسار الحضاري و إنهاء ما كان شرعاً ينافي شرع الأخلاق ؛ و لكن البشرية لم تكن بعد مهيأة لهذه النقلة النوعية ، ففشلت منظمة عصبة الامم ، و انفجرت قنبلة الحرب العالمية الثانية . مع انتهاء الحرب العالمية الثانية ، شكل المنتصرون ، على النازية الألمانية و الفاشية الإيطالية و العسكرتارية اليابانية ، منظمة الامم المتحدة ، و قد تضمنت هذه المنظمة مجلساً أعلى مكون من الدول الكبرى الخمس ، و هي المنتصرة في الحرب ، لأن تفجر الحروب له علاقة مباشرة بالأقوياء (الدول الكبري ) ، و الأقوياء هم الذين يشكلون طبيعة الشرع، و إذا تم التفاهم بين الكبار ينصاع الصغار . الأساس بين المنظمتين مشترك ، و هو حفظ السلم و الامن بين دول العالم و نبذ الحروب ؛ و لكن يبدوا أن المنظمة التي خرجت من رحم الحرب العالمية الثانية آيلة إلى الأفول ، و أنه لا سبيل إلى تفادي قراءة الفاتحة عليها إلاّ إذا إحترمت الدول العظمى ميثاق الامم المتحدة و التزمت بالقانون الدولي ، و محت من قائمة شرعها "نهج ما فوق القانون" . إن شعوباً و دولاً ،ليست بالقليلة، تعاني من هذا الشرع غير الشرعي حسب المواثيق الدولية و القانون الدولي ، ناهيك عن شرع الأخلاق . و منطقتنا العربية تعاني بشكل منهجي متواصل من هذا الشرع ، و الصراع العربي (الفلسطيني) - الإسرائيلي هو من أكثر الأمثلة وضوحاً لهذا النهج الذي يشرعن ما هو غير شرعي ، عندما تتعامل أمريكا ، و هي الدولة الأعظم بين الدول العظمى ، مع هذا الصراع على قاعدة أن "إسرائيل فوق القانون" . منذ تأسيس هذه الدولة بشرع الامم المتحدة ، و هي في صراع غير متكافئ ( ميزان القوة في صالحها) مع الجانب العربي ، الذي يطالب بعقلانية بعضاً !!! من حقوقه المسلوبه ، لأنه على شبه يقين أن إسترداد الحق بكامله أمر غير منظور في الأفق الدولي السائد . إسرائيل تشن الحروب و تتوسع و تقتطع من الأراضي العربية ما تجيز لها قوتها العسكرية و نفوذها في أمريكا . طبعاً ما كان بمقدور اسرائيل أن تقدم على هذا النهج التوسعي في الأراضي العربية لو لا الدعم غير المحدود من قبل امريكا و تذبذب الدور الاوروبي ، و على رأسها العجز العربي . عندما يختل ميزان القوة بين طرفين ، فقل على الطرف الضعيف السلام ، حتى في ظل مواثيق و قوانين دولية وقعت عليها جميع الدول المنضوية تحت سقف منظمة الامم المتحدة ؛ المواثيق و القوانين الدولية تحرم شن الحروب و الاستيلاء على ارض الغير بالقوة ، و لكن الخلل في ميزان القوة بين الدول يخل بتلك المواثيق و القوانين ، مع وجود دول عظمى لها طموحات لإدارة شئون العالم ، أو السيطرة على العالم ، مثلما كان الأمر مع كورش الفارسي و الاسكندر المقدوني و قيصر الرومي ، فلابد ، وحال الماضي الهمجي مازال يحوم في أجواء الكون ، من وضع القوة الذاتية الرادعة في المرتبة الأعلى من الأولويات ؛ إذاً فمن المستحيل ، في ظل هكذا ظروف ، أن تكون للأمم المتحدة و مواثيقها و قوانينها الفاعلية المرجوة لضمان أمن و سيادة الدول الضعيفة التي تتعرض للعدوان . فالخلل في ميزان القوة بين الدول، مع عجز الامم المتحدة ، ينتج عنهما منطق " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" . فالقوة ، إذاً ، مازالت حتى اليوم هي سيدة العلاقات الدولية ، و ليس المواثيق و القوانين و الإتفاقيات الدولية .
"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" ، كلمات قالها الرئيس المصري جمال عبدالناصر بعد الهزيمة-النكبة عام 1967 ، و كان صادقاً في قوله هذا ، لأن السنوات اللاحقة على العدوان الاسرائيلي أثبتت صحة هذا القول ؛ قالها رداً على القرار الأممي رقم 242 بعد توقف القوات الاسرائيلية عن الاستمرار في التوغل في الأراضي العربية ، و الاكتفاء بما وضعت تحت سيطرتها من أراضي لثلاث دول عربية ، إضافة إلى استكمال السيطرة التامة على كل جغرافية فلسطين . و بهذا الاحتلال الجديد تكون القرارات الأممية 181 (1947) و 194 (1949) بعد نكبة إغتصاب الأرض الفلسطينية في حكم المنتهية صلاحيتها ، رغم الكر و الفر الإعلامي بين الجانب العربي و الجانب الاسرائيلي و من ورائه الحامي body guard الأمريكي . الواقع على الإرض ، و الدعم بقوة متوجة بالسلاح النووي تفوق قوة الخصم ، و بدعم مفرط لا يبالي بالقانون الدولي من قبل القوة العظمى ، مع واقع عربي متلاطم و جبهة فلسطينية متشرذمة ، يصبح الواقع على الأرض سيد الموقف . منذ القرار الأممي بإنشاء دولة اسرائيل و دولة فلسطينية مجاورة ، مع الرفض العربي لذلك القرار ، تشكل خطان بيانيان متناقضان في الإتجاه ؛ الخط البياني الاسرائيلي مقابل الخط البياني العربي . و لكل خط مساره النوعي مع الزمن ، و مع المسار الزمني يصعد او يهبط الخط البياني ؛ الخط البياني الذي يرسم حالة كل طرف ، العربي و الاسرائيلي . إن الخط البياني الاسرائيلي في صعود مضطرد ، بينما الخط البياني العربي - الفلسطيني في هبوط مضطرد . السبب هو "خلل في ميزان القوة" .
فهكذا فإن اسرائيل ، بعد أن إطمأنت إلى الحماية الامريكية المطلقة، أخذ يسيل لعابها للمزيد من الأراضي العربية و هي تتلمظ طعم الأراضي التي نهبتها و تلك التي تسيطر عليها ؛ النهب الأول (1948) تشرعن بقرار من الامم المتحدة ، أما النهب الثاني (1967) فقد أدرج تحت بند "أراضي محتلة" قابلة للتفاوض بين السارق و المسروق ؛ و عُرْفُ التفاوض يقتضي تقديم تنازلات من الطرفين حتى يغلق ملف القضية ، و لكن في ظل أجواء الخلل في ميزان القوة ، يكون التنازل من الجهة الأضعف فقط . سيناء خير مثال على التفاوض حول بند "أراضي محتلة" ، حيث أن مصر إستردت الأرض و إسرائيل حافظت على سيادة على الارض محرجة للجانب المصري ، و لكن لم يكن من خيار أفضل من هكذا حل في غياب "وجود قوة رادعة". فأفضل ما تبقى للجانب العربي - الفلسطيني من الجانب الاسرائيلي هو نموذج "إتفاقية كامب ديفيد" و ما تمخض عنها من إسترجاع لأرض دون سيادة ، أو ، في حالة رفض هذه المعادلة ، هو شرعنة الإحتلال بدعم من قوة عظمى لا تبالي لا للمواثيق الدولية و لا لقوانينها . ليس من المستبعد أن الساحة العربية تنتظرها حروب مفروضة عليها بغية إستكمال المشروع الصهيوني على الجغرافيا العربية . إسرائيل مركز القوة في المنطقة ، تحوم حولها دولاً عربية لا حول لها و لا قوة ، دول عربية أخرى ، تتلمظ الآمال تحت سقف الشعارات . إنها حالة كارثية ، و لا يفل فولاذها إلاّ الفولاذ . و لكن اليوم ، مع الأسف و الألم ، فإن الفولاذ العربي - الفلسطيني مازال في خبر كان .
و منطق "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة" لا يعني بالمطلق استخدام القوة لاسترجاع ما أُخِذَ بالقوة ، بل المعنى الواقعي ، غير المغامر، هو أن امتلاك القوة يساهم في ردع العدو ، و تكون بيد صاحب القوة ورقة قوية ، إذا إقتضت الضرورة الدخول لى مفاوضات. و هذا الجانب من تفسير هذا المنطق في حاجة إلى مقال مكمل لهذا المقال .

محمد كمال

——————-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك