الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباب إسبانيا قلدوا شباب مصر ليصحوا قوة سياسية فاعلة في البرلمان

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2019 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


" لكنها تدور....."

شباب إسبانيا قلدوا شباب مصر ليصبحوا قوة سياسية فاعلة في البرلمان

د. خالد سالم
شهدت إسبانيا الأحد الماضي انتخابات عامة ادت إلى زلزال سياسي إذ تراجع فيها الحزب الشعبي، الذي تناوب السلطة مع الحزب الإشتراكي منذ وفاة الجنرال فرانكو في منتصف السبعينات، واجراء أول انتخابات حرة مع بزوغ الديمقراطية بعد رحيله بعامين. هذه الانتخابات حُسمت لصالح اليسار السياسي، على عكس ما يحدث في أوروبا في السنوات الاخيرة، ولعل المهم فيها هو صعود حزب "نحن نستطيع"، بوديموس، الذي ولد من رحم ثورة يناير 2011 المصرية.
بهذه النتائج أصبح حزب "بوديموس" مفصليًا في تشكيل الحكومة الإسبانية الجديدة بينما ينزوي أكبر حزب محافظ بحصوله على أقل من نصف المقاعد التي حققها في الانتخابات العامة السابقة، وتتآكل شعبيته لصالح حزب "المواطنين" اليميني وحزب "بوكس" اليميني المتطرف الذي يتوعد المهاجرين والمرأة، وبهذا تختفي الثنائية الحزبية السيطرة منذ رحيل فرانكو، وهي الحالة التي حافظ عليها أكبر حزبين، الاشتراكي والشعبي، بعد أن أحكما السيطرة على الساحة السياسية ولم يسمحا لظهور أحزاب أخرى طوال أربعة عقود.
ما يعنينا في شرقنا العربي هو كيف بزغ حزب "نحن نستطيع" مقلدًا شباب ميدان التحرير في قاهرة المعز، إذ ضاع الأمل والشاب، ودخلنا في حروب بينية تروي فيها الدماء العربية فيافينا القاحلة، وهنا تحضرني قصيدة "بكائية شمس حزيران" لعبد الوهاب الياتي يقول فيها:
طحنتنا في مقاهي الشرق حرب الكلمات / والسيوف الخشبية / والأكاذيب وفرسان الهواء / نحن لم نقتل بعيراً أو قطاة / شغلتنا الترّهات / فقتلنا بعضنا بعضاً، وهانحن فتاث / في مقاهي الشرق نصطاد الذباب / نرتدي أقنعة الأحياء في مزبلة التاريخ / أشباه رجال. تصوير البياتي لوضعنا في الشرق العربي، رغم مرور نصف قرن على نظمه للبكائية.
مؤكد أن كثيرين أحبطوا لما آلت إليه الأمور بعد ثورة شباب مصر، ثورة 25 يناير، ثورة ميدان التحرير، الظاهرة المصرية التي حاول تقليدها شباب من دول أخرى، عربية وأجنبية، ومنها من وُئد ومنها ما تمخض عن نتيجة لم يكن يحلم بها المقلدون، رغم إصابة البعض بالحيرة والربكة لما انتهت إليه الثورة.
كان الإسبان من بين شعوب العالم التي أبدت اعجابها بثورة المصريين فقاموا بتأييدها ومساندتها بالتظاهر من أجلها بينما كان الصراع يحتدم بين الشعب ونظام مبارك، وكان اعتصام ميدان التحرير نموذجًا احتذى به الشباب الإسبان في اعتصاماتهم التي بدؤها في بويرتا ديل صول Puerto del Sol، ميدان الشمس، في قلب العاصمة مدريد في 15 مايو 2011، وعلى ضوء ذلك الاعتصام تشكلت حركة 15-م ونالت أسماء عديدة، من بينها حركة المواطنين، حركة الغاضبين، من بين أخريات.
اتخذ الشباب الإسبان الغاضبون من النظام الحزبي الثنائي وسيطرة قطاع المصارف على اقتصاد البلاد، الثورة المصرية فاتحة خير لتقليدها بأشكال عدة ما يقرب من ثلاثة أعوام، وفي يناير الماضي اتفقت مجموعة منهم يؤيدهم فريق من المثقفين على وضع بديل ينفخ الحياة في اقتصاد متهالك ونظام سياسي متكلس فأسسوا حركة أطلقوا عليها "نحن نستطيع" Podemos بمبادرة من أساتذة جامعة شباب ومثقفين وممثلين ونشطاء سياسيين واجتماعيين ومساندة موقع إلكتروني. الملفت للنظر أن زعيم هذه المبادرة، الحزب، أستاذ علوم سياسية في جامعة مدريد كومبلوتنسي، بابلو إيغليساس ومن الصدف أنه نفس اسم مؤسس الحزب الإشتراكي العمالي الإسباني في القرن التاسع عشر، أحد أكبر حزبين في الوقت الراهن.
تحولت الحركة إلى حزب سياسي اكتسب شعبية كبيرة بين الشباب وحقق نتائج طيبة في أول تجربة إنتخابية لها، فدخلت مجلس النواب بخمسة مقاعد في برلمان بروكسل وحوالي ثمانية في المائة من أصوات الإسبان. وبهذه النتيجة اقتنص الحزب الجديد الترتيب الرابع بين الأحزاب السياسية الإسبانية العتيدة في انتخابات البرلمان الأوروبي.
تصدر مؤسسي الحزب شاب يعمل أستاذًا للعلوم السياسية في جامعة مدريد كومبلوتنسي. ووتسق أفكارهم مع الكثير من أفكار ومطالب الحركة التي انبثقت تقليدًا لثورة 25 يناير المصرية، خاصة في ما يتعلق بالقلق والغضب من الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في إسبانيا، وسيطرة السياسيين المفسدين ورجال الأعمال والمصارف عليها، فأخذت الأزمة تنخر عظام ما بناه الشعب الإسباني من رفاه وحريات في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.
حري أن نشير أن الحياة السياسية الإسبانية يتقاسمها، منذ حوالي ثلاثة عقود، حزبان رئيسان، يتبادلان تناوب السلطة، الحزب الاشتراكي –اشتراكي ديمقراطي- والحزب الشعبي-يميني-. ويعد هذا النظام إحدى عورات الفترة الإنتقالية التي تمخضت عن وفاة الجنرال فرانكو في منتصف السبعينات ودستور عام 1978 الذي لا يزال معمولاً به. وبهذا أصبح هناك متسع لحيز يساري تقدمي يشغله الحزب الجديد إلى جانب تحالف اليسار المتحد الذي ولد على ركام الحزب الشيوعي، الذي أحرز تقدمًا في هذه الانتخابات، وأحزاب يسارية أخرى اختفت في الثمانينات.
الحقيقة أن من عرف إسبانيا منذ وفاة المستبد فرانكو ونظامه المتكلس وما شهدته من طفرة كبيرة بدأت مع عودة الحريات والديمقراطية حتى منتصف العقد الماضي، يصاب بالأسى لما أصابها من تردٍ ملحوظ على المستويات كافة، جراء أزمة اقتصادية طاحنة وفساد سياسي مستشرٍ جعل إسبانيا بلدًا طاردًا لأبنائه بعد أن ظال جاذبًا للمهاجرين لأكثر من عقدين. كانت تلك السنوات سنوات وفرة وتقدم بخطى واسعة كنا جميعًا، نحن العرب، نحلم باستنساخها في وطننا المستنزفة شعوبه وثرواته.
ورغم هذه الكبوة التي تمر بها إسبانيا فإنني على يقين من أنها ستنهض قريبًا، فالشعب الذي استطاع ساسته وبطانة عصر فرانكو -بحس رجال الدولة- من التوصل مع المعارضة إلى صلح حقيقي في نهاية السبعينات، أن يسترد عافيته. وهو الشعب نفسه الذي استطاع شبابه اليساري التقدمي اليوم قضم مساحةً كبيرة من الحيز السياسي، ولهذا فإنه سيكون قادرًا أن يعيد الأمور إلى مسارها الطبيعي في بلد قطع شوطًا كبيرًا في عالم الحريات والديمقراطية بعد تشرذم واستبداد طوال أربعة عقود جثم فيها الجنرال فرانكو وزمرته على أنفاس شعبه.
بعض أساطين العمل العام، محترفو السياسة، لم يعجبهم هذا الحزب الجديد، وكان من بين منتقديه رئيس الحكومة السابق، الإشتراكي فليبي غونثاليث، الذي أعرب عن قلقه من التوجه اليساري لهذا التشكيل الجديد، إذ قال إن "هذا التوجه البوليفاري –اليساري- لن يعود على البلاد سوى بتوزيع البؤس". بالطبع هذا ليس رأي الشباب، وهناك من يحمله مسؤولية تحول الحزب الاشتراكي نحو الإشتراكية الديمقراطية أو الابتعاد عن طابعه العمالي، بعيدًا عن فكره اليساري الذي وضعه في مؤسسه، الزعيم العمالي بابلو إيغليسياس، في نهاية القرن التاسع عشر.
مما لاشك فيه أن العمل السياسي في مناخ ديمقراطي قادر على احراز نقلة جماعية إذا اتضحت الرؤى وحُجّم الساسة وانتهازيو الأنظمة من خلال مؤسسات فاعلة. أقول هذا وأنا أفكر في شباب مصر الذي اكتفى باجترار المرارة على المقاهي بينما ينفثون دخان الشيشة التي يضيعون حولها الجهد والوقت في أفضل سن، وفي أحسن الظروف يتجمهورن حول شاشات التلفزيون العملاقة للتفاعل مع نتائج مباريات كرة القدم الأوروبية.
من المفارقات العجيبة التي تستحق التوقف في هذا الإطار هو أنه بينما قام الشباب الإسباني، بالسير على خطى ثورة 25 يناير واعتصامات ميدان التحرير نجد أن شباب مصر الذي فقد ايمانه بالعملية السياسية، ولجأ إلى سلبية ملفتة للأنظا.
إنه درس لمثقفينا في أرجاء الوطن العربي أن يأخذوا بيد الشباب على طريق وضع أطر سياسية تخرج بلدان الربيع العربي من الجب التي حُملت إلى قاعاها الثورات العربية، فانتظار أن يهدي من بيدهم الأمر الحرية والديمقراطية إلى الشعب ضرب من الهذيان. أقول هذا وأنا لا أفكر في نصابي الثقافة وأصحاب دكاكينها الذي تلونوا بألوان الأنظمة كافة وأكلوا على موائدها طول عقود.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف