الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في الثورات والمصائر (8)

منذر علي

2019 / 5 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


و) اليمن: 3 الانتفاضة الشعبية (أ)

في إطار الأبعاد المتنوعة، التي طبعت ولوَّنت السلطة الفاسدة ، والمعارضة بأجنحتها المختلفة، التي أشرت إليها في الحلقات السابقة، وفي ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، المتعددة و الشاملة، التي كانت تعصف باليمن عام 2011، وتحت تأثير الانتفاضة الشعبية في كل من تونس ومصر، وقعت الانتفاضة الشعبية في اليمن.


لقد بدأ الرفض الشعبي للنظام في المحافظات الجنوبية من اليمن، ولكن لم يكن هدفه إسقاط النظام ، بقدر ما كان هدفه مُنحصرًا في مطالب حقوقية، كرد فعل للتهميش الذي مارسه النظام ضد قطاع واسع من الشرائح الاجتماعية والسياسية والعسكرية ، عقب الحرب الدامية بين أطراف النخب السياسية في 1994؛ ثم ارتقى الرفض في وقت لا حق إلى مطالب جهوية ، تلخصت في طلب "فك الارتباط "، و كانت المطالب والأحتجاجات مُتباينة ، من منطقة إلى أخرى ، و يتخللها الكثير من التنافر والميول الانقسامية التي طبعت الحراك السياسي والشعبي.


ولذلك يمكن القول، بشكل موضوعي، أنَّ الانتفاضة الشعبية ، بمضمونها الوطني الشامل، انطلقتْ في البدء من محافظة تعز، التي تتميز بكثافة سكانية كبيرة ، وبحركة سياسية كثيفة ، وحركة عمالية وتجارية نشطتين ، وبطابع مدني نسبي، مقارنة بغيرها من المدن اليمنية ، ثم امتدت الانتفاضة إلى المدن اليمنية الأخرى، ومنها العاصمة صنعاء ، التي غدت بعد فترة وجيزة من الانتفاضة الشعبية ، مُقسمة إلى مربعات بين الجماعات المسلحة ، التابعة للرئيس السابق عبد الله صالح، و حزب الإصلاح وأنصار الله، الذين تدفقوا بالآلاف على العاصمة صنعاء من أحيائهم في العاصمة ، ومن معاقلهم القبلية في محيط العاصمة، ومن محافظات أخرى مثل ذمار ، و عمران، وحجة ، والمحويت و صعدة.


كان الجيش اليمني مخترقًا، و مُوزعًا بين مراكز القوى القبلية والسياسية، التي كانت تتقاسم النفوذ في السلطة والمجتمع. والأدهى من ذلك أنَّ قطاعًا كبيرًا من الجيش اليمني، الواقع تحت سيطرة التيار الإسلامي القبلي ، بقيادة اللواء على محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع وقائد المنطقة الشرقية الغربية، والعميد حميد القشيبي ، قائد اللواء 310 مدرع ، وغيرهما من القادة العسكريين، التحقوا بالانتفاضة الشعبية في العاصمة صنعاء وفي تعز والحديدة وغيرها من المدن الرئيسية ، متذرعين بحمايتها. كما أعرب آخرون، جهرًا وسرًا ، عن مساندتها من مواقعهم العسكرية المتعددة في عموم الجمهورية، وخاصة بعد مجزرة جمعة الكرامة يوم 18 مارس 2011، التي اقترفتها السلطة بحق المتظاهرين السلميين، وأودت بحياة عشرات القتلى والجرحى. كما التحقت بالانتفاضة مجاميع قبلية مسلحة، تابعة لحزب الإصلاح ، الإخوان المسلمين، في صنعاء و مناطق أخرى مثل تعز والحديدة وإب ، وأضفت على الانتفاضة الشعبية السلمية صبغة عسكرية واضحة.
لقد ترتب على انشقاق مجاميع كبيرة من الجيش أضعاف النظام القائم ، ولكنه لم يفلح في اسقاطه .إذ بقي النظام قويًا نسبيًا ، بسبب مساندة وحدات الأمن المركزي والحرس الجمهوري له، ولكن قوته لم تكن لتسمح له بالانتصار على خصومه المنتفضين عليه على الرغم من الصدام العسكري المحدود مع بيت الأحمر في صنعاء في 23 مايو 2012. كما لم تمكن قوة المعارضين، العسكرية والقبلية، من الانتصار على السلطة على الرغم من استهدافها المباشر لقيادة رأس النظام وإصابة الرئيس علي عبد الله صالح إصابات بالغة، وقتل وإصابة مجموعة كبيرة من قيادات الصف الأول في الدولة والحكومة والبرلمان في 3 يونيو 2011.


وبعبارة أخرى فقد ترتب على الوضع الجديد، عقب الانشقاق، عجز مزدوج ، فمن جهة هناك عجز النظام الحاكم في تثبيت سيطرة السلطة العرجاء بشكل كامل على العاصمة وعلى كثير من المحافظات، ومن جهة أخرى هناك عجزت المعارضة، بأجنحتها المتنافرة، عن إسقاط السلطة الحاكمة وإقامة بديل مختلف، يجسد رغبات المعارضة المتنافرة ، المتذرعة بالدفاع عن مصالح الشعب.


لقد كانت القوى السياسية بمجموعها، الدينية والقومية اليسارية منقسمة. كان ثمة انقسام حاد بين حزب السلطة وأحزاب المعارضة . وكان هناك انقسام عدائي واضح بين حزب الإصلاح الإسلامي وأنصار الله ، فضلًا عن الصراع المسلح المحتدم بين أنصار والجماعات السلفية ، وكان هناك تشقق سياسي في إطار الأحزاب الدينية ذاتها بين الجناح القبلي والجناح المدني، وبين الجناح العقائدي والجناح الليبرالي. كما كان هناك انقسام بين الجناح الاشتراكي النازع للانفصال، والجناح الاشتراكي المتمسك بالوحدة، وكانت الأحزاب القومية ضعيفة، وتعاني من أزمات متعددة، كانعكاس لأزماتها على الصعيد القومي.


ولئن كان لدي أحزاب المعارضة برامجها السياسية الفردية الخاصة بها ، إلاَّ أنها ، في مجموعها ، لم تكن لتملك رؤية سياسية واضحة وموحدة للسير بالانتفاضة إلى نهايتها الظافرة. فقد كانت المعارضة موحدة حول إسقاط سلطة على عبد الله صالح، ولكنها كانت منقسمة حول طبيعة النظام البديل الذي ينبغي أنْ يُشيَّد على أنقاض النظام القديم.


لقد كانت لقوى المعارضة أهداف عاجلة وأخرى آجلة، حيث كان إسقاط النظام، هو الغاية العاجلة، إما إقامة البديل السياسي للنظام بعد سقوطه فقد كان هو الغاية الآجلة. وكان تحقيق الغاية العاجلة يمكن أن يتم بالعنف، ولكن تعذر ذلك ، بسبب ميزان القوى الدقيق الذي لم يسمح لأي من الطرفين بالحسم العسكري، فغُلِّب البديل السلمي على العنف، وتم إجبار علي عبد الله صالح على التنازل عن السلطة في27 فبراير ، 2012، ضمن مساومة تاريخية، Historical compromise، كما عبرت عنها المبادرة الخليجية، أو بتوصيف أدق المُبادرة السعودية.


أما تحقيق الغاية الآجلة، أي تلك المتصلة ببناء النظام السياسي الجديد عقب سقوط علي عبد الله ، فلم يكن أمامها من سبيل سوى العنف، بسبب ضيق الأفق والتنافر القائم بين أطراف القوى السياسية. إذْ عجزت القوى السياسية الشوهاء، الحاكمة والمعارضة، عن رؤية هذا المسار الخطر منذ البداية والاستعداد السياسي له ، فتركت الجماهير الثائرة وتطلعاتها المشروعة لمصيرها البائس، و انفصلت عن المشترك الوطني، وتوزعت وفقًا لتوجهاتها، و تمركزت ، متوثبة خارج السلطة وداخلها ، و تمترست حول أهدافها الضيقة، القبلية والطائفية والجهوية، و غرقت في النزعة الانتقامية وتصفية الحسابات السياسية والثأرية، وسارت وراء أمانيها المشوشة والمتعارضة ، واعتمدت على مليشياتها المسلحة، وتسلحت بالأوهام، واتكأت على القوى الإقليمية، الإيرانية والسعودية والإماراتية والقطرية ، وانطلقت بتهور، وأفضتْ إلى الكارثة التي يعيشها شعبنا اليوم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس