الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضبط الغوغاء.. أو قتلهم

مها أحمد

2006 / 5 / 1
ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية


ربع موجودات السوق العالمية تحتكرها (200) شركة كبرى ،إنها بركات العولمة التي تفيض سنة بعد سنة تراكماً في أرباح التكتلات الاقتصادية العالمية وتكدّّساً في ثرواتها يقابله تناقص هائل في فرص العمل وتردي ظروفه وتدني الأجور حتى يمكن القول أن الأول من أيار لم يتبق منه إلا رمزية ذابلة وعطلة يبحث فيها العمال عن عمل إضافي ...
من (عقد الوظيفة الأولى) في فرنسا الذي يبيح فصل المتعاقد خلال سنتي التوظيف الأولى دون إنذار ، إلى اجتياح الشركات العابرة للقارات سوق العمل دون أن يقابلها تكتل لنقابات أو اتحادات عالمية فليس لقوة العمل سبيل لتحارب ضد عولمة البطالة وتدني الأجور في ظل اتفاقيات ألغات والنافتا وغيرها من اتفاقيات التجارة الحرة التي يقول المتحمّسون لها أن الخاسر الوحيد فيها سيكون العمال غير المهرة ملاحظة : 70% من القوة العاملة تصنّف على أنها غير مهرة ، وحدهم فقط سيخسرون .
التجارة الحرة القائمة على التنافس الخلاق وتحفيز ملكات الإبداع الفردي سمحت لشركة جنرال موتورز أن تقفل (24) مصنعاً في أميركا الشمالية وتنطلق لإنشاء مصانع جديدة في مصر وتايلاند والمكسيك وكندا وغيرها من دول العالم الثاني والثالث حيث الأجور أقل ب(40%) ولمَ لا طالما بمقدور الشركة أن تتخلص من القوة العاملة لديها وتستأجر عمالة مستعبدة ، فورد أيضاً فصلت عمالها من الخدمة وأعادت استخدام الذين وافقوا على أن لا يكونوا نقابيين وبأجور أقل بكثير مما كانوا يتقاضونه كما حذت فولكس فاغن حذو الشركتين العملاقتين ومن المؤسف أن عيد العمال الذي بدأ للتضامن مع عمال أميركا في القرن التاسع عشر يمر هذا العام وفقط (15%) من عمال أميركا نقابيون ، إنه عصر اللكزس لا شجرة الزيتون كما يقول توماس فريدمان عاشق العولمة في كتابه الشهير (اللكزس وشجرة الزيتون) حيث عجلة التجارة الحرة ستدهس كل من لا يستقلها والتنافس وفق قوانين السوق هو الإعصار الذي لم يعد بوسع أي بلد أن يغلق أبوابه في وجه تياراته العاتية التي أطاحت بأي دور ممكن للدولة في حماية نظام الرعاية الاجتماعي والصحي بحجة الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي (الإصلاح المهووس به فؤاد السنيورة) ففي روسيا وحدها نصف مليون وفاة سنوياً كنتيجة مباشرة للإصلاحات بسبب انهيار الخدمات الصحية والاجتماعية وزيادة الأمراض وسوء التغذية وتآكل نظام الضمان المجاني المتقاعدين والفقراء وكل عام هناك (11) مليون طفل يموتون بسبب أمراض يمكن التغلب عليها ببضع سنتات لكن غالبيتها تحتاج لعلاجها التدخل في نظام الاقتصاد الحر ذاك الطوطم المقدس الذي لا يجوز المساس به لأنه عملية ديمقراطية بحتة تخضع فقط لخيارات السوق الخاضع بدوره لمجموعة من المؤسسات البنكية والتكتلات الثرية التي ما فتئت تشن حرباً ضروس على الطبقة العاملة التي كان عليها أن تشتغل ستة أسابيع عمل زيادة في العام (1993) للمحافظة على مستوى الأجور الفعلية لسنة(1970) كما جاء في دراسة أعدتها الاقتصادية د. جولييت سكور في جامعة هارفارد ، والتراجع في دور الاتحادات العمالية ما كان ممكناً لولا سيطرة النظام الرأسمالي على أدوات تشكيل الرأي العام التي تفعل ما في وسعها لتقنع العالم أن المعركة في مكان آخر ، ففي العام (1992) عملت شركة كاتربيلارد على تحطيم إضراب العمال الأميركيين من خلال قيامها باستئجار العمال الذين يقبلون أجور أقل من العمال النقابيين وقد كانت وسائل الإعلام مشغولة حينها بطابع الفس بريسللي ، كان هناك خياران : الأول الشاب الفس في طور اليفوع والثاني الفس أكثر نضجاً وقد أدار مكتب البريد حملة شعبية باهظة وأدلى ملايين الناس بأصواتهم ، لقد اصطفوا في منتصف الليل لشراء الطوابع الأولى بينما تلقن كاتربيلارد الغوغاء درساً بعيداً عن الكاميرات ، نفس الشيء يحدث اليوم في العراق: إنها حرب عل الإرهاب وهالبيرتون تعمل بصمت وبرعاية بوش شخصياً على تحقيق المزيد من الأرباح .
والمدهش أن الحكومات لم تعد أكثر من أدوات تنفيذية بيد الشركات العملاقة التي لم تعد جزراً صغيرة معزولة بل محيط واسع من المصالح المتداخلة المحمية بقوة من وسائل إعلامها ووزراءها وسطوة المال ، فقد ذكرت وزارة العمل الصينية أن (11000) عاملاً قتلوا في حوادث صناعية خلال الشهور الثمانية الأولى من العام (1993) بالإضافة إلى احتراق (81) امرأة حتى الموت عندما أقفل عليهن في مصنع مملوك أجنبياً في إقليم غواندونغ معجزة الصين الاقتصادية ، لكن تقرير حقوق الإنسان لوزارة الخارجية الأميركية لذلك العام أدان تشغيل العمال السجناء باعتباره خرقاً لحقوق الإنسان لأنه مشروع دولة يتنافى مع الأرباح الخاصة لكن ليس هناك حق بعدم الاحتراق حتى الموت إذا كان المصنع مملوكاً لشركة عالمية .
العمال في عيدهم لا يكادون يثيرون إلا الشفقة بعد أن كادت المتغيرات تفقدهم معظم مكتسباتهم التاريخية ليغدوا كماً زائداً وأرقاماً في إحصائيات لا تكاد وسائل الإعلام المهيمن عليها من النخب الحاكمة تتوقف عندها وإلا ما معنى أن يزداد معدل البطالة في فلسطين من 10إلى 27% في ثلاث أشهر ليبلغ عدد العاطلين عن العمل (208000) بسبب الحصار والإغلاق وجدار الفصل الذي سبب إقفال (1700) منشأة اقتصادية دون أن يرافق ذلك أي تحرك نقابي أو تضامن عمالي عربي أو عالمي وإذا كان لظروف الاحتلال خصوصيتها فماذا عن انعدام أي اعتراض على نظام الأسواق العمالية المرنة التي تحاول التجارة الحرة فرضها على العالم ، هذا النظام الذي يعني أنك قد تذهب إلى النوم في الليل دون أن تعرف إذا كان لديك عمل في الصباح .
كلنا عمال" بالقطعة" مياومون والإخطبوط يلف أذرعه بإحكام حول رقابنا ، يتحكم بقوتنا ويزيد الضغط كل يوم ليشل حركتنا فحشود الغوغاء يجب ألا تعيق تقدم اللكزس ، الغوغاء اليوم قيد الانضباط أو القتل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد