الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب الفارياق، مبناه وأسلوبه وسخريته، تل أبيب 1991-

سليمان جبران

2019 / 5 / 2
الادب والفن


من كتاب "سليمان جبران: كتاب الفارياق، مبناه وأسلوبه وسخريته، تل أبيب 1991"
[الفصل الثالث: السخرية في كتاب الفارياق]
شخصية الشدياق الساخرة
سليمان جبران
تغلب روح الفكاهة على أسلوب الشدياق في فارياقه في كلّ فصوله، وعلى اختلاف الأحوال. تتجلّى هذه الروح في الدعابة والمرح الخفيف حينًا، والسخرية والتهكّم حينًا آخر، حتّى يمكن القول إنّ هذه الروح تشكّل أبرز المميزّات الأسلوبيّة لهذا الكتاب.
كان الشدياق، على ما يبدو، مرحًا، محبّا للنكتة بطبعه، يمارسها في أحاديثه ومجالسه كما يمارسها في كتابته. أشار إلى ذلك جرجي زيدان، فقال: "وفي سنة 1886 قدم صاحب الترجمة إلى هذه الديار، وقد شاخ وهرم، وأتيح لنا مشاهدته وقد علاه الكبر، وأحدق بحدقتيه قوس الأشياخ، واحدودب ظهره، ولكنّه لم يفقد شيئًا من الانتباه أو الذكاء. وكان إلى آخر أيامه حلو الحديث طليّ العبارة رقيق الجانب، مع ميل إلى المجون". هذه الملاحظة نقلها بولس مسعد عن زيدان، كما يبدو، فقال إنّ الشدياق "ظلّ كما عهده جلّاسه في وادي النيل، رقيق الجانب لطيف المعشر ليّن العريكة.. ميّالا إلى المجون، مولعًا بالنكتة البيانية". ويشهد كذلك مارون عبود أنّ الشيخ "كان مطبوعًا على الفكاهة، ميّالاً إلى النكتة".
لعلّه من المفيد في هذا المجال أنْ نحاول الكشف عن جذور هذه الشخصية الساخرة الفذّة، أو البحث في بعض العناصر الموضوعية في شخصيّة الشدياق وحياته، التي نرى أنها ساهمت، على ما يبدو، في تكوين شخصيّة الشدياق الساخرة.
يصف زيدان الشدياق فيقول: "وكان رحمه الله ربع القامة كبير الأنف واسع العينين مع بروز وحدّة".
إذن فقد كان الشدياق ذا أنف كبير، وطبيعيّ أن يلاقي بسبب ذلك المضايقات في الفترة الأولى من حياته. وقد ذكرنا آنفًا، عندما تحدّثنا عن ملامح شخصيته في الفصل الأول، كيف استعار الشدياق كبر الأنف للقسّيس، وجعله عقدة هذه الحكاية الطريفة. وعلى لسان هذا القسيس أطلق الشدياق صرخة متذمّرة لعلّ فيها ما يصوّر شعوره الشخصيّ بالذات: "من أين ورثتُ هذا الأنف الجلمود، وأنف أبي كان كأنوف الناس. ليت شعري أين كان عقل أبي حين نقر في رأسه فكر إنشائي في هذا الكون، وفي أيّ طور أو طربال أو منارة كانتْ أمّي تفكّر ليلة راوحته على هذا العمل؟".
يبدو أنّ الشدياق كان يشعر بقبح منظره أيضًا، إلى جانب كبر أنفه. فقد رأيناه في إحدى مقاماته يصف الفارياق، على لسان راويته الهارس بن هثام، فيقول: "فجئت الفارياق وهو مكبّ على النسخ وفي طلعته مبادئ المسخ. فقد رأيتُ عينيه غائرتين، ويديه ذاويتين وعظم خدّيه ناتئًا، وجلده كالظلّ زانثًا، حتى رثيتُ لحاله". والشدياق يعود على ما يشبه هذه الملاحظة حين يريد تفسير انقطاع دعوته إلى المآدب الإنجليزية فيقول: ".. قلّت الدعوات وكثر قلق الفارياق لأنّ من نظر إلى سحنته مرّة لم يُردْ أنْ ينظر إليها مرّة أخرى".
إذن فقد كان أنف الشدياق كبيرًا، وكان منظره، في رأيه على الأقل، قبيحًا، وكثيرًا ما يولّد القبح، أو العاهة في جسم الكاتب، فكاهة وسخرية في أسلوبه. يكفي في هذا المجال أنْ نذكر من القدماء الجاحظ، أستاذ الشدياق، ومن الجدد عبد القادر المازني، وكلاهما من كبار الأدباء الساخرين.
ثمّ إنّ الشدياق، وإنْ كان ابن بيت عريق إلا أنّه عاش حياة الفقراء، وعانى ما يعانون، إنّه "ابن بيت قديم نكبته السياسة [...] والسياسيّون المنكوبون في كلّ عصر يصبحون أفقر البريّة متى انتزعت منهم أملاكهم كما حلّ ببيت الفارياق".
لقد عانى الشدياق منذ صغره الفقر واليتم، واضطرّ إلى العمل في النساخة لتحصيل قوته، كما حاول أعمالا أخرى لم يلاقِ فيها التوفيق. ثمّ كانت مأساة أخيه أسعد التي ظلّت تؤرّقه طيلة أيّام حياته. وقد رحل بعد ذلك من بلد إلى بلد، غريبًا عن وطنه وأهله، "لم يغيّر شيئًا من لباسه التركيّ ولا بدّل طربوشه"، فعاشر أقوامًا يختلفون عنه طبعًا وحياة، وكان خلال هذه الأسفار المتواصلة يحصّل قوته وقوت عياله بالعمل الدءوب والجدّ الذي يصل الليل بالنهار. وإذا كان قد لاقى سعة العيش والرخاء في تونس ومن بعدها في الآستانة، فقد كانت تلك الفترة الثانية من حياته بعد تأليف كتابه الفارياق الذي نحن بصدده. أما الفترة الأولى فقد كانتْ فترة مضطربة، كما ذكرنا، قضاها الشدياق في كفاح طويل وعيش ضيّق وغربة صعبة، حتى قال مازجًا التشاؤم بالسخرية: ". . إلا أنّ صاحبنا الفارياق لم يكدْ يدخل أرضًا سعيدة الا ويخرج منها وقد تغيّر حالها".
هذه الملاحظة، على ما يبدو، لم تكنْ سخرية عارضة، وإنما هي أقرب إلى الإيمان الداخلي عنده بنحس طالعه حتى أنّه يرى في تغيّر أحوال البلاد التي يحلّ بها أمرًا لا نقاش فيه، فيقول في موضع آخر: "وذلك أنه لمّا تصرّمت مدّة غيابه عن الجزيرة وأزفَ وقت رجوعه، رأى أنّ العود إليها غير أحمد، لأنّ أحوالها تغيّرت عمّا كانت عليه من الخصب والبحبحة في المساكن، وتلك عادة للفارياق أنه لا يدخل بلدًا خصيبًا إلا ويفارقه ممحلا كما تقدّمتِ الإشارة إليه".
في هذه الحياة المضطربة والغربة القاسية، لم يجد الشدياق سلاحًا أفضل من الابتسامة يمسح بها همومه، والسخرية المرّة يرمي بها خصومه وأعداءه مرّة، ويشهرها في وجه الحياة القاسية مرّة أخرى.
كان ردّ الشدياق على هذه الحياة القاسية، والمصائب التي لا قاها في وظنه لبنان خصوصًا، الثورة والتطرّف: ثار على الإقطاع وعلى رجال الدين، وثار على تقاليد اللغة ومواضعاتها، وثار على النفاق الاجتماعي والظلم، بل ثار على تقاليد هذه الدنيا "التي لا تميل إلى أحد إلا إذا استمالها بالمدوّر مثلها وهو الدينار"، وتُعرض عنه إذا لم يملك هذا الدينار، ولو كان في ذكاء الشدياق وعلوّ همّته. هذه النقمة العارمة على النظام السياسي والاجتماعي الذي كان قاتمًا آنذاك، لم تجدْ لها متنفسًا كالسخرية والتهكّم؛ فسخر الشدياق من كلّ شيء حتى سخر من نفسه غير مرّة، كما فعل الحطيئة قبله. فقد بدا له نظام الحياة كلّه مهزلة كبيرة يرتفع فيها الوضيع وينحطّ الرفيع. "فالمحيط البيتي والبلدي وتلك النكبات المتتالية جعلت منه هذا الساخط الحانق، ومن طبعه أنه يجيد الكلام متى حنق، أوتي قوة استطراد عجيبة فكانت سلاحه الماضي في منازلة خصومه".
يضاف إلى هذه العوامل ما طالعه الشدياق في الأدب العربي القديم من أساليب ساخرة، وخصوصًا عند أستاذه الجاحظ، ويبدو أنّ هذا الأسلوب قد استهواه، ووافق طبعه وقلبه، فخلط الجدّ بالهزل ترويحًا للقارئ، وانبرى لخصومه من أدباء وأمراء ورجال دين ينازلهم بلسانه الحادّ وسخريته المرّة، فيقوّض بذلك أمجادهم، ويسخّف مواضعاتهم، حتى كان الشدياق في فارياقه أحد كبار الأدباء الساخرين في العصر الحديث إن لم نقلْ أكبرهم.
موضوعات سخريته
أ‌- رجال الدين
لعلّ رجال الدين هم أكثر من تعرّض لنقد الشدياق وسخريته في قارياقه. فالعداوة بينه وبين رجال الدين متأصّلة بحيث لا يكاد يمرّ ذكرهم في الكتاب دون ذمّ أو سخرية أو تقريع، مما جعل جرجي زيدان يعتبر التنديد برجال الدين أحد أمور ثلاثة أرادها الشدياق من تأليف كتابه.
كما يرى مارون عبود أن النقمة على السلطة السياسية والسلطة الدينية قد تكون "أول العوامل التي تفاعلت في نفس هذا النابغة، فولّدت الفارياق كتاب أحمد الباقي".
والشدياق متطرّف في نقمته على رجال الدين، كما هو متطرّف في كلّ شيء. ففي كتابه الكبير لا نعثر على كلمة حسنة تقال بحقّهم، سوى قصيدة أثبتها في آخر كتابه يمدح فيها الخوري غبرئيل جبارة "أرسلها إليه من باريس إلى مرسيليا وهو أول شعر مدح به قسيسًا" يصفه فيها بأنه "الطيّب الأصل الكريم الفعل، المرتدي ثوب العفاف..." الخ. أما إذا استثنينا هذه القصيدة التي أثارت عجبنا فعلا، ولا نعرف الظروف الخاصة لنظمها، فالكتاب طافح بذمّ رجال الدين، وخاصة الموارنة منهم، بمناسبة وبغير مناسبة، حتى أنه يعقّب بعد ذكره أصناف العمائم المختلفة قائلا: "وكلها على أصنافها أحسن من هذه الأجران التي تلبسها رؤساء المارونية في الدين، فلينظروا وجوههم في مرآة جليّة".
إلى هذا الحدّ بلغت بالشدياق نقمته على رجال الدين عامة، ورؤساء الموارنة خاصة. فما هي الأسباب التي تختفي وراء هذه النقمة وهذا البغض؟
السبب الأول هو ما جرى لأخيه أسعد مع رجال الدين الموارنة. فمقتل أخيه أسعد ظلّ يؤرّقه في حلّه وترحاله، ولم يغفر للبطريرك الماروني فعلته تلك حتى بعد سنوات طويلة، ولذلك قال فيه مارون عبود: "وهو قبل كل شيء اختصاصي في التحدّث عن رجال الدين لأن ذكرى أخيه أسعد لم تمح من مخيّلته". وكما لاقى أخوه أسعد العذاب ثم الموت على يد البطريرك. فقد فرّ الشدياق من لبنان وبدأ رحلته السندبادية خوفًا من بطشه وانتقامه، وأراد أن يحاسب البطريرك الماروني، ويحاسب رجال الدين من مؤيديه بعد شعوره بالأمان فقال: "قد تفلّت الشدياق من ناديكم وانملص من بين أياديكم، وعنجر في وجوهكم جميعًا، وأصبح لا يخاف لكم وعيدًا، وبقي الآن أن أذكّركم ما أشططتم [ كذا في الأصل] به من الظلم والطغيان والجور والعدوان على أخي المرحوم أسعد".
السبب الثاني هو التعصّب الديني الشديد عند رجال الدين، وهو يتّصل اتصالا مباشرًا بالسبب الأول، بل إن اضطهاد أسعد الشدياق ما كان إلا نتيجة له، ولكننا جعلنا هذه الحادثة سبًا مستقلا لما كان لها من أثر عظيم في نفس فارس الشدياق. شهد الشدياق الصراع العنيف الذي كان قائمًا بين الموارنة والبروتستانت، والتعصّب الأسود الذي كان يملي على البطريرك وأتباعه تصرفاتهم الشاذة وقسوتهم الشديدة، فلا يتورّعون عن تعذيب المرء ورمي "الحرم" عليه بل وحتى قتله قصاصًا له على انتقاله من طائفة إلى أخرى، "وعندهم أن إهلاك نفس غيرة على الدين يكسبهم عند الله زلفى". كذلك رأى الشدياق أن رجال الدين يشاركون الأمراء في ظلمهم وتعسّفهم وبطشهم بالناس واستبدادهم بحقوقهم. لقد كانت السلطة الدينية في لبنان آنذاك ركيزة من ركائز الإقطاع والرجعية، تتضافر مع سلطة الأمراء السياسية في اضطهاد الناس وإذلالهم وسلبهم أقواتهم وحرّياتهم، حتى قال فيهم: "وقد تمسّكوا بظاهر أقوال من الإنجيل فيما رأوه موافقًا لغرضهم وزائدًا في جاههم وسلطانهم، فيقولون إن المسيح بقوله ما جئت لألقي على الأرض سلمًا لكن سيفًا، إنما رخّص لهم في إعمال هذه الأداة في رقاب الناس ردًا لهم إلى طريق الحقّ، وقد نبذوا وراء ظهورهم خلاصة الدين وجوهره ونتيجته، وهي الألفة بين جميع الناس، والمحبّة والمساعدة وحسن اليقين بالله تعالى".
ثار الشدياق أيضًا على جوانب أخرى في رجال الدين كالنفاق الاجتماعي، إذ يتظاهرون بالورع والتقوى والصلاح علانية، ولا يتورّعون عن المعاصي سرًا، وفي هذا يتساوى رجال الدين في لبنان وغير لبنان، في رأي الشدياق، ولهذا نراه يهاجم القسيسين في مالطة كما هاجمهم في لبنان. فالراهب في رأي الشدياق "يأكل من أرزاق الناس، ويعوّضهم عنه دعاء يطفح من أصمار الكاس، ويغنيهم في الدياجي عن النبراس، ويركب ما لديهم من النجائب، فهو كما قيل آكل شارب راكب، ثم ما عليه بعد ذلك إن خرب الكون أو عمر، وإن مات الخلق أو نُشر".
من الطبيعي بعد هذا كله ألا يكون من مصلحة رجال الدين هؤلاء أن يتعلّم الناس ويتفقّهوا، حتى يتيسّر لهم استمرار بسط نفوذهم على رعيّتهم والتحكّم بمصائرهم، مثلهم في ذلك مثل الزعماء السياسيين، فهم جميعًا في نظر الشدياق سواء: "والظاهر أن سادتنا رجال الدين والدنيا لا يريدون لرعيتهم المساكين أن يتفقّهوا أو يتفقحوا، بل يحاولون ما أمكن أن يغادروهم متسكّعين في مهامه الجهل والغباوة".
هكذا رأى الشدياق رجال الدين، مما جعله يصبّ عليهم سخريته بلا رحمة وبلا حساب، فكأنه بذلك يريد أن ينتقم لأخيه أسعد ولنفسه وللرعية بوجه عام من رجال الدين القساة المتعصّبين المتعاضدين مع الأمراء في ظلم الناس والتحكّم بمقدّراتهم. وهو في سخريته متطرّف جريء، يضمّنها الكثير من الفحش والإقذاع، وقد اختار مجالين أساسيّين في حياة رجال الدين ليكشف فيهما عن عيوبهم الفاضحة ويقرّعهم شرّ تقريع:
1- الفضائح الخلقية: وقد عمد في هذا المجال إلى إبراز التناقض الصارخ بين ما يبرزون من ورع وتقوى وتديّن، وما يمارسون من فضائح وموبقات. إنه يذكر في ذلك فضائح كثيرة وحكايات عديدة تدور كلها حول علاقة هذا أو ذاك منهم بالنساء من رعيته؛ بل إنّ قصة القسيس كلها هي عبارة عن سلسلة من الفضائح والموبقات، يمارسها هذا القسيس الماجن حيثما يذهب وكيفما اتفق، مستغلا في ذلك سذاجة "أبنائه" البسطاء والعداوة القائمة بين رؤسائه ليتابع طريق المجون والفجور.
ولا تقتصر هذه الفضائح التي يوردها الشدياق على هذا القسيس الماجن، فهذه الحكايات في الفارياق تلازم رجال الدين حيثما مرّ ذكرهم، وذلك دون ذكر لأسماء أبطال هذه الفضائح أو القرية التي وقعت فيها، فيقول مثلا: "وأعرف آخر جاء إلى قريتنا متماوتًا وقد طوّل كمّيه وأسبل قلنسوته، حتى لم يكد يظهر من تحتها إلا فمه ولحيته، تظاهرًا بالصلاح والتقوى. ثم أنزل نفسه منزلة خطيب في القوم، فجعل يخطب ويعظ وينذر بصوت جهير، وكان يبكي عند ذلك أشدّ البكاء ويذرف المدامع، إذ كان يجعل في منديله الذي يمسح به وجهه شيئًا ذا حرته لا أدري ما هو، ثم آل أمره أن يقضي أيامًا وليالي مع أرملة حسناء شابّة من نساء الأمراء في خلوة، استذراعًا بأنها تعترف له اعترافًا عامًا، أي من يوم انتفخ ثديها ونبت شعرها إلى ذلك اليوم".
ونحن لا ندري إن كانت هذه الحكاية، وحكايات أخرى كثيرة مثلها، قد وقعت فعلا وسجّلها لنا الشدياق في فارياقه. لكننا نود الإشارة هنا إلى أن هذه الحكايات عنده ربما كانت صدى أو انعكاسًا لحكايات شعبية كثيرة شائعة، يتناقلها الناس ويروونها في أحاديثهم الخاصة، حتى أنها تشكّل جزءًا هامًا من الفولكلور الشعبي في مجال النكتة والنوادر المسلّية. فلعل الشدياق نسج على منوالها في كتابه، مستغلا التناقض الصارخ بين المظهر الورع لرجال الدين وواقعهم الحقيقي المغاير لذلك تمامًا، واضعًا يده بذلك على عنصر هام من عناصر السخرية الأساسية.
2- أما المجال الرئيسي الثاني لسخرية الشدياق من رجال الدين فهو "الركاكة"، أو الكتابة بأسلوب ضعيف حافل بالأخطاء الإملائية والنحوية والاشتقاقية.
كان أسلوب رجال الدين، كما يظهر من الرسائل التي نشرها مارون عبود خلال حديثه عن الصورة الدينية لذلك العصر، غاية في الركاكة فعلا. إنها لغة أقرب إلى لغة التخاطب في مبناها النحوي، ثم أنها حافلة بالأخطاء النحوية والخروج على قواعد اللغة والإملاء. وكان الشدياق ميّالا إلى اللغة بطبعه، فأخذته الغيرة عليها، وهبّ لينتقم لها من رجال الدين الذين شوّهوها وأفسدوها. ويرى مارون عبود أن عمل الشدياق في مطلع حياته في نسخ هذه الأساليب قد زاد من ثورته الحادة على هذه الركاكة فيقول: "ونسخ هذه الكتب وعباراتها السقيمة ولّد في نفس أحمد فارس الشدياق كره "الركاكة". فكان يعيّر بها رجال الدين، كما تقرأ في الفارياق - إن كنت ممن يقرأون- فهذا النسخ الحرفي الذي كان على الشدياق أن يقوم به دون تصحيح وتنقيح، جعله يعدّ "الركاكة" صفة لازمة لرجال الدين وكتبهم".
ليس رأي مارون عبود هذا بعيدًا عن الواقع، فقد يكون النسخ ولّد في نفس الشدياق كرهًا للركاكة، ولكن هذه الركاكة كانت في أسلوب الدواوين والرسائل وغيرها كما كانت في أسلوب الكنيسة، فلماذا يخصّ الشدياق رجال الدين دون غيرهم بهذه السخرية من ركاكتهم، فلا يذكرهم إلا ويذكر الركاكة صفة لهم؟ كان طبيعيًا أن يمقت الشدياق ركاكة الأسلوب وهو اللغوي بطبعه، كما مقت التقعّر والأسلوب التقليدي لميله إلى التجديد، ولكنه وجد في ركاكة رجال الدين بالذات مجالا يتندّر عليهم فيه ويسخر منهم أشدّ السخرية، مما يوافق اتجاهه العام في ذمّهم وتقريعهم، فأصاب عصفورين بحجر واحد كما يقولون: دافع عن اللغة التي أحبّها وغار عليها، وهاجم أعداءه رجال الدين الذين كرههم أشدّ الكره، ومن هنا كان هذا الفيض من السخرية المرّة من لغة رجال الدين حتى قال في ركاكتهم الشعر:
وإن لأسفار الكنيسة منهجًا يخالف أسفار الورى ويغايرُ
وإن لفي اللفظ الركيك تبركًا ويمنًا لقوم عنهم العار ظاهرُ
وإن غناء اللحن في القول عندهم لكاللحن في الإيقاع والأصل ظاهرُ

بل إن الشدياق يزعم أن الركاكة عندهم هي من خواص الدين: "ثم لما خرج القسيس من الكنيسة إذا بالناس جميعًا أهرعوا لتقبيل يده وذيله وشكره على ما أفادهم من المعاني البديعة، بقطع النظر عن غيرها، لما تقرر في عقولهم من أن خواصّ دين النصارى أن تكون كتبه ركيكة فاسدة ما أمكن، لأن قوة الدين تقتضيه لتحصل المقابلة كما أفاد المطران أثناسيوس التتونجي الحلبي [..] في بعض مؤلفاته المسمّى بالحكاكة في الركاكة".
نخلص من هذا إلى القول بأن ركاكة أسلوب رجال الدين كانت المجال الثاني، بالإضافة إلى الفضائح الأخلاقية، الذي انطلق فيه الشدياق يذمّهم ويسخر منهم. وهو مجال سهل يوافق طبع الشدياق اللغوي ويسهّل عليه ابتكار سخرياته فيه، فاستغلّه لتقريعهم وتسخيفهم انتقامًا له ولأخيه أسعد وللرعية المسكينة التي كانوا يسومونها الاضطهاد والإذلال باسم الدين والتقوى والإيمان بالله.
ب‌- الأساليب التقليدية في اللغة والأدب
ذكرنا غير مرّة أن الشدياق لغوي بطبعه، وقد ألّف في مجال اللغة مؤلّفات كثيرة، فلعله يتبادر إلى الذهن من ذلك أنه كان محافظًا شأن رجال النحو في كل زمان، همّه أن يأخذ على الكتّاب والشعراء أخطاءهم في اللغة، ويفتّش عن هفواتهم فيما يكتبون. ولكن الشدياق كان على العكس من ذلك تمامًا، فقد أراد أن يكون مجددًا حتى في كتبه اللغوية. ثم إنه كاتب إلى كونه لغويًا، وهو كاتب مجدّد نبذ الطرائق الأسلوبية القديمة، وثار على المواضعات اللغوية المتوارثة، فكان من الروّاد الذين مهّدوا الطريق أمام ظهور الأسلوب الأدبي الحديث في هذا العصر. صحيح أنه كتب الأسلوب التقليدي أيضًا، ولكن اتجاهه العام في الأسلوب يغلب عليه التجديد إن لم نقل الثورة. وصحيح كذلك أنه، من ناحية أخرى، ذمّ الركاكة وعابها على رجال الدين بوجه خاص، ولكنه لم يطالب بالسير على خطة القدماء في هذا المجال، بل أراد للأسلوب أن يكون "أدبيًا" بعيدًا عن الأخطاء والضعف، قريبًا من الأفهام، بعيدًا عن المبالغة وإيراد الغريب.
عرف الشدياق الآداب الأجنبية وترجم الكثير من اللغتين الفرنسية والإنجليزية، ثم التفتَ إلى الأدب العربي في عصره فوجده ما زال على نهجه في عصوره الأولى: بعيدًا عن الحياة في مضمونه، تقليديًا جامدًا في شكله، يرى في الحريري بأسلوبه المتقعّر إمام المتقدّمين والمتأخّرين، فثار الشدياق على التقاليد اللغوية والأدبية، وتطرّف في ثورته هذه، كما كان متطرّفًا في كل شيء، فانبرى إلى التقليديين من رجال النحو والبلاغة والشعراء والأدباء، ونقدهم ساخرًا متهكّمًا حتى كان هذا المجال من موضوعات سخريته البارزة في فارياقه:
1- ثار الشدياق، وهو النحوي، على نظرة العرب القديمة للنحو وعلى طرق تدريسه. فالنحو بما له من صلة بضبط القرآن والشعر احتل من نفس الأدباء والنحاة العرب منزلة كبرى لم تصلها العلوم الطبيعية. لقد اعتبروا النحو غاية في ذاته، لا وسيلة لتقويم اللسان والقلم، ولعلنا ما زلنا حتى يومنا هذا نعاني مخلّفات هذه النظرة القديمة، فنرى كثيرين من التلاميذ والمعلمين يجعلون النحو أهم فرع في اللغة العربية. لقد عاشت البلاد العربية فترة طويلة من الزمن تعالج أمور النحو وتتوسع فيها، وتمضي السنين الطوال في النقاش والجدال، وتؤلّف الكتب في شرح ألفية ابن مالك، بينما كان العالم الغربي قد أخذ بأسباب العلوم الحديثة التي تقوم عليها الحضارة. وجاء الشدياق فثار على هؤلاء القابعين في زوايا المرفوع والمنصوب والعامل والمعمول، وسخر من هذا الجدال الطويل الذي لا طائل تحته، فقال على لسان معلم النحو متهكّمًا: "بل النحو أساس العلوم، وكل العلوم مفتقرة إليه افتقار البناء إلى الأساس. ألا ترى أن أهل بلادنا لا يتعلمون سواه ولا يعرّجون على غيره، وعندهم أن من تمكن منه فقد تمكن من معرفة خصائص الموجودات كلها ولذلك لا يؤلفون إلا فيه".
هكذا سخر الشدياق من اعتبار النحو أساس العلوم، ومن التأليف في النحو دون سائر العلوم الأخرى. أما الجدل الطويل في أمور النحو وإقامة الحجة والدليل، وقضاء الأيام والأعوام في إعراب "حتى" وتقصّي معانيها فقد قال فيه الشدياق: "قال الفراء أموت وفي نفسي شيء من حتى، وقد مات سيبويه وبقي في قلبه من فتح ان وكسرها أشياء، ومات الكسائي وفي صدره من الفاء العاطفة والسببية والفصيحة والتفريعية والتعقيبية والرابطة حزازات، ومات اليزيدي وفي رأسه من الواو العاطفة والاستئنافية والقسمية والزائدة والإنكارية صداع وأي صداع، ومات الزمخشري وفي كبده من لام الاستحقاق والاختصاص والتمليك وشبه التمليك والتعليل وتوكيد النفي وغير ذلك قروح وأي قروح، ومات الأصمعي وفي عنقه من رسم كتابة الهمزة غدّة".
هكذا يسخر الشدياق من المجادلات النحوية، ومن أعلم بما في البيت من صاحبه؟ أما طريقة تدريس النحو العقيمة فقد خبرها الشدياق "على جلده"، فسجّل لنا: "إن الشيخ كان مضطلعًا بعلم النحو غاية ما يكون، فكان يقضي ساعة تامة في شرح جملة غير تامة".
ورأي الشدياق في علم البلاغة كرأيه في النحو. انتقد مبالغات القدماء في تصنيفاتهم وتقسيماتهم الطويلة في هذا المجال فقال: "وبيان ذلك مفصّلا يستفرغ أجلا، وربما قضى الانسان عمره كله في علم الاستعارات وحدها ثم يموت وهو جاهلها، أو يكون قد نسي في آخر الكتاب أو الكتب ما عرفه في أوله".
كذلك سخر الشدياق من طريقة تدريس العروض والمنطق وغيرهما من المواضيع كسخريته من تدريس النحو، فقد ذكر أنه كان يصاب كلما بدأ كتابًا جديدًا بداء جديد، ثم عقّب بعد عرضه لهذه الكتب التي درسها قائلا: "قد ذكرت في آخر الكتاب الثاني أن الفارياق ابتلاه الله بأمراض كثيرة وكتب وفيرة ثم أنجاه منها جميعًا".
2- ثار الشدياق أيضًا على أساليب الأدب في عصره، شعرًا ونثرًا، كما ثار على تقديس النحو وطرق تدريسه، ولم تعوزه في هذا المجال أيضًا السخرية اللاذعة والتهكم المرّ، فقد كانت في كتابه كله خير وسيلة للنقد عنده.
كان الأسلوب الأدبي في عصره قوالب تقليدية جامدة، وكليشيهات يتناقلها الأبناء عن الآباء. كان همّ الكاتب الأوّل العناية بالسجع والمحسّنات اللفظية، كأنما يقوم ذلك مقام المعنى الجميل والمضمون الجيّد، ولكن الشدياق رفض هذا الأسلوب وسخر منه ومن حكم الناس عليه فقال: "ولا يراعي الناس ما في كتابه [المؤلّف] من الفوائد والحكم إلا إذا كان مشتملا على جميع المحسّنات البديعيّة والدقائق اللغوية [...] وقد استغنى الناس عن ذلك [التأليف] بتلفيق بعض فقر مسجّعة في الرسائل ونحوها، كقولك السلام والإكرام، والسنية والبهية، فأخفّه ما كان ساكنًا".
كان الكتّاب يبالغون في هذه الصناعة اللفظية في مقدمة الكتاب بوجه خاص، فالتفتَ الشدياق إلى هذه الظاهرة وقال ساخرًا: "ويشترط في خطبة الكتاب أن تكون جامعة لجميع هذه الأنواع [من الاستعارة ] وأن يراعى فيها وفي الكتاب كله نوع الطباق. مثال ذلك إن قال القائل في فقرة طلع فلا بدّ أن يقول فيها أو في الثانية نزل، وإذا قال أكل يقول بعده من غير تراخ تقيّأ أو-. وفي الجملة فينبغي أن تكون الخطبة عويصة ما أمكن. وأية خطبة لم تكنْ كذلك كانت عنوانًا على ركاكة الكِتاب كلّه، فلم يكنْ جديرًا بالمطالعة".
أترى كيف يحارب الشدياق على جبهتين، فيسخر من خصومه هنا وهناك: سخر من أسلوب رجال الدين الركيك، وسخر من أسلوب التقليديين "العويص" المتقعّر، وأراده أسلوبًا طبيعيًا يخدم فيه لفظه معناه، لا تقعّر فيه ولا ضعف. أراده أسلوبًا من "السهل الممتنع" الذي هو غاية كل كاتب أصيل.
وآراء الشدياق في الشعر لا تختلف عنها في النثر الأدبي، وإن كان هو نفسه قد سقط في نفس العيوب التي سخر منها في شعر معاصريه. عافت نفس الشدياق الناقد التقليد في الشعر كما عافته في النثر فقال: "فأما الشعر في عصرنا هذا فإنه عبارة عن وصف ممدوح بالكرم والشجاعة، أو وصف امرأة بكون وصف خصرها نحيلا وردفها ثقيلا وطرفها كحيلا. ومن تعمّد قصيدة جعل جلّ أبياتها غزلا ونسيبًا وعتابّا وشكوى، وترك الباقي للمدح".
لقد نقد بعبارته الموجزة هذه وأسلوبه الهازل كل ما يقال عن عيوب الشعر في القرن الماضي، بوجه عام، شكلا ومضمونًا. اما مبالغات الشعراء حتى قيل "أعذب الشعر أكذبه" فلم تنجُ كذلك من قلم الشدياق الثائر وأسلوبه الساخر، فقال: "وهي قصيدة نظمها الفارياق في مطلع حياته، أشبه بنفَس شعراء عصره الذين يقسمون ايمانًا مغلظة بأنهم قد عافوا الطعام والشراب شوقًا وغرامًا، وسهروا الليالي الطويلة وجدًا وهيامًا، وأنهم ناسمون وقد ماتوا وكفنوا وحنطوا ودفنوا، وهم عند ذلك يتلهون بأي لهوة كانت".
كذلك شاع في عصر الشدياق "اللهو" في الشعر وتأليف الأحاجي والتواريخ وغيرها من الفنون التي لا تفيد أحدًا، وكان ناصيف اليازجي من أبرز من ساهموا في هذا المجال، فاسمع الشدياق كيف يسخر من هذا النوع من الشعر: "وقد طالما حاول الشهرة أناس بالقول المردود والكلام المقصود، فمنهم من نظم أبياتًا مهملة أي عارية من النقط فأهملت، ومنهم من التزم فيها الحبك بان يجعل في أول كل بيت منها حرفًا من حروف اسم الممدوح فتركت وألغيت".
ولعل سخريته من شعر المدح، داء الشعر العربي القديم وفي عصره أيضًا، فاقت كل سخرية أخرى. فقد وقف الشدياق أحد فصول الكتاب على السخرية المرّة من شعر المدح، فذكر كيف انتقل الفارياق إلى أحد الممدوحين، وأقام في مجلسه ينظم له في كل يوم بيتين من الشعر عن كتابة يأتي بها "البشير" في رقعة، ثم يجري بعد ذلك نقد البيتين في المجلس، فيسخر الشدياق في ذلك من شعر المدح ومن نقد ذلك الزمان معًا، وهو فصل طويل نكتفي بإيراد بيتين اثنين منه ونقدهما بعد ذلك:
"خرج السريّ مع السريّة ماشيًا غلسًا إلى الحمّام كي يتنعما
من كان يدعك مرّة جسميهما خلقت يداه على المدى ان تُلثما
فاعترض عليه أن الأولى أن يقال ماشيين، وردّ بأنه لا محظور منه، فإن السرّي هو الأصل بدليل تغليب ماشيين. ثم اعترض أن الأفصح أن يقال جسمهما أو أجسامهما، وأجيب بأن الأفصح لا ينفي الفصيح. ثم قيل إنه ارتكب ضرورة بحذف الجرّ في المصراع الأخير إذ حقّ الكلام أن يكون خلقت يداه بأن، على أن تثنية اليد هنا لا معنى لها فإن الداعك لا يدعك بكلتا يديه. وأجيب بأنه لا مانع من حذف الجرّ مع ان، وأن التثنية للإيذان بأن كل الجوارح مخلوقة لخدمة الممدوح". والفصل كله على هذا النحو، بل في الكتاب سخريات أخرى كثيرة من شعر المدح والمدّاحين، وإن كان الشدياق نفسه لم يقصّر في كتابة هذا النوع من شعر المدح.
لقد كان الشدياق لغويًا وشاعرًا وأديبًا، فعرف عيوب معاصريه عن كثب، وعرف كيف يطلق سخريته فتضحك مرة وتؤلم مرة أخرى، فصاحب الدار أدرى بما فيها، كما أسلفنا.

ج- النقد الاجتماعي والسياسي
عرضنا لموقف الشدياق من رجال الدين، وحاولنا الوقوف على دوافع هذا العداء المستحكم بين الشدياق وبينهم. لقد كانت بعض هذه الدوافع شخصية، كما بيّنا، ولكن رجال الدين في نهاية الأمر كانوا ركيزة من ركائز النظام القائم أو إحدى "السلطتين المتعاضدتين" كما يقول مارون عبود، أما السلطة الأخرى فقد كانت الحكام والأمراء الذين حكموا لبنان واستبدّوا بأهاليه من الفقراء والبسطاء المستضعفين.
الشدياق كان ممن قاسوا من ظلم هؤلاء الأمراء والمتسلّطين؛ قاسى ضيق العيش والكدح في وطنه أول الأمر، ثم قاسى بسببهم أيضًا غربته الطويلة عن أهله وبلده. ولهذا ثار الشدياق على النظام الساسي الاجتماعي، فلم يسلم الحكم من نقده وسخريته. عرف بحسّه السليم أن الملوك والأمراء لا يقبلون التغيير، ولا يميلون إلى التجديد، وإنما همّهم أن يبقى كل شيء على حاله، فقال فيهم: "وبعد فإن الملك إذا أخذ في تغيير العادات وتبديل السنن فربما أفضى ذلك إلى تغييره، فيكون مثَله كالديك الذي يبحث في الأرض عن حبّة قمح فيثير التراب على رأسه".
يعرف الشدياق تسلّط الأمراء وتعنّتهم، واعتقادهم بوجوب طاعتهم، سواء كانوا مصيبين أو مخطئين، كأنما مخالفتهم ممنوعة، فيقول في أحدهم: "واتفق أن زارني في صباح ذلك اليوم بعض الأمراء الذين ينبغي أن يقال لما أثبتوه نعم في موضع لا، ولما نفوه لا في موضع نعم". إذا كنا اليوم نقول في أمثالنا الشعبية "كلب الشيخ شيخ" فكأنما الشدياق يقول: حمار الأمير أمير، ذلك أن الاستبداد لا يقتصر على الأمير نفسه، بل يتعدّاه إلى حماره أيضًا: "فلما أصبح الصباح تأهّب الفارياق للرجوع فلم يجد الحمار [..] فجعل يبحث عنه فوجده قد خرج مع حمار آخر من حمر الأمير إلى سهل، وهو تحته يزقع وينخر. فلما رآه على حالة المفعولية غلبه الضحك فقال: قد ورد في الحديث أن الناس على دين ملوكهم، إلا أنه لم يقلْ أحد إن الحمير على مذهب أصحابها، ولكن بالعير ولا بالمعير". ولا نجد سخرية أمرّ من ذلك الحوار بين الراوي وفارياقه، وتلك المقارنة التي عقدها بين شعر يقال في الأمير، وآخر يقال في الحمار ففضّل الثاني! إنها سخرية لا أمرّ ولا أنكى بالأمراء وبشعر المدح: "إني حين أمدح السرّي أجد في ضمّ لفظة إلى أخرى ما يجده المُعاني لضمّ نقيضين مختلفين، وليس كذلك ما نظمته في الحمار، فإني نظمت فيه هذه المرثية في ساعة من الزمن. قلت ولكن الناس لا ينظرون إلا إلى الظاهر، فقصيدتك في الحمار يسمّونها حماريّة وأبياتك في السريّ سريّة" . أرأيت كيف يجهز الشدياق على الأمراء، وعلى شعر المديح، وعلى رأي الناس المنخدع بالمظاهر، بضربة واحدة ذكيّة ساخرة؟
إلى جانب هذه السخرية من الحكام والأمراء، نجد الشدياق يثور على المقاييس الاجتماعية في تقدير الأفراد وتقييم منزلتهم. حزّ في نفسه أن يرى المال والجاه والمظاهر الخارجية معيارًا في تقدير الناس للفرد، بينما لا يلتفتون إلى ما في رأس المرء من فكر وحكمة. رأى الشدياق العبقرية مهانة في المجتمع الشرقي، فأطلقها سخرية هادئة هذه المرّة تصدر عن نفس متألّمة وشعور بالغبن عميق: "ولا يخفى أنّ الدنيا لما كان شكلها كرويًا كانت لا تميل إلى أحد إلا إذا استمالها بالمدوّر مثلها وهو الدينار، فلا يكاد يتمّ فيها أمر بدونه، فالسيف والقلم قائمان في خدمته، والعلم والحسن حاشدان إلى طاعته". إن هذا التذمّر الذي ينفثه الشدياق ليس جديدًا في الواقع على الأدب العربي؛ إن الرؤوس الفارغة والجيوب الممتلئة من جهة والرؤوس الممتلئة والجيوب الفارغة من جهة أخرى، قد أثارت قبل الشدياق كثيرين من الأدباء والشعراء وعلى رأسهم المتنبّي، ولكنّ الشدياق مع ذلك عبّر عن هذه النظرة الاجتماعية بأسلوبه المتميّز الذي يحمل دائمًا طعمًا خاصًا:
" . . فقد جرت العادة بأن الرجل إذا كان ذا منزلة رفيعة فإن كان عيّيًا مفحمًا عُدّ رزينًا وقورًا، وإن يكُ مهذارًا عُدّ فصيحًا". أو كقوله في موضع آخر: "إن المرء إذا كان ضيّق الصدر والرأس بحيث يكون واسع السراويلات واللباس كان هو النبه الآفق المشار إليه بالبنان، المحمود على كل لسان". أما إذا كان المرء مجدّا نشيطًا فلا حظّ له في هذه الدنيا، إذ " إنّ أكثر الناس نفعًا وشغلا أقلّهم أجرًا وجعلا، ومن لم يحسن إلا التوقيع أحلّ المكان الرفيع ولُقمت يده وقلمه كما يُلقم الرضيع".
هذه هي فلسفة الشدياق الاجتماعية كما تبدو في فارياقه: يرى المجتمع مقلوبًا، يحلّ فيه الجاهل في أعلى مقام ويقاسي فيه العبقري من ضيق الحال. إنها نظرة متشائمة ساخرة، كانت عند الشدياق وليدة حياة مضطربة ومصائب متلاحقة، قبل أن يلاقي المجد والجاه في تونس والآستانة.
بالإضافة إلى هذه الآراء السياسية والاجتماعية، سجّل الشدياق في فارياقه ملاحظات كثيرة حول البلدان التي زارها في رحلته، والناس الذين خالطهم؛ وهي ملاحظات تحمل طابع الموضوعية والجدّ حينًا، وطابع السخرية أحيانًا. لقد لجأ الشدياق إلى السخرية غالبًا في نقد عادات وأخلاق هذه الشعوب حين لم تعجبه، فهو يرى السخرية خير وسيلة للنقد، بل انه لا يستطيع أن ينقد إلا ساخرًا، شأنه في ذلك شأن تلميذه مارون عبود في نقده الأدبي.
هبط الشدياق مصر فأحبّها، ولكن مصر وشعبها لم يسلما من نقده وسخريته في كل ما لم يعجبه من أحوالها. وجد شعب مصر يخضع للحاكم الأجنبي، وهذا يستبدّ به في كثير من الخيلاء والزهو فقال: "ومن خصائصها [مصر] أيضًا أن البغاث بها يستنسر، والذباب يستصقر، والناقة تستبعر، والجحش يستمهر، والهر يستنمر، بشرط أن تكون هذه الحيوانات مجلوبة إليها من بلاد بعيدة". إنّ في سخرية الشدياق من مكانة الترك في مصر ما يمكن اعتباره تحريضًا للشعب المصري عليهم، وحضًا له على خلع نيرهم والمطالبة بالاستقلال، وذلك في فترة سبقت الدعوة إلى القومية العربية، والمطالبة باستقلال العرب عن الترك: "فإذا عطس التركي قال له العربي رحمك الله، وإذا تنحنح قال حرسك الله، وإذا مخط قال وقاك الله، وإذا عثر، عثر الآخر معه إجلالا له وقال نعَشَك الله لا نعشنا. وقد سمعت أن الترك هنا عقدوا مجلس شورى استقرّ رأيهم فيه لدى المذاكرة، على أن يتّخذوا لهم مركبًا وطيئًا من ظهور العرب، فإنهم جرّبوا سروج الخيل وبراذع الجمال وأكفها وأقتاب الإبل وبواصرها وحصرها وسائر أنواع المحامل من كفل وشجار و... [صفحة كاملة] فوجدوها كلها لا تصلح لهم ... ولم أدر ما سبب تكبّر الترك هنا على العرب، مع أن النبي (ص) كان عربيًا، والقرآن أنزل باللسان العربي، والأئمة والخلفاء الراشدين والعلماء كانوا كلهم عربًا".
هكذا يعبّر الشدياق عن مقته لحكم الأتراك لمصر، ويسمّي شعب مصر بالعرب وحكامهم بالأتراك، في فترة سبقت ظهور القومية العربية بسنين. ويعرض في موضع آخر لظلم حاكم القاهرة وتنكيله بالمصريين فيقول: "ومن ذلك إن لضابط البلد شفقة زائدة على أهلها تقرب من حدّ الظلم، وذلك أنه يأمر جميع السالكين في طرقها ليلا أن يتّخذوا لهم فوانيس وإن كانت الليلة مقمرة، خيفة أن يعثروا بشيء في أسواق المدينة فيسقطوا في هوّة أو جبّ فتنكسر أرجلهم أو تدق أعناقهم. ومن وجد ليلا يطوف من غير ذوي البرانيط [الأجانب]، وليس بيده فانوس، غُلت رجله إلى يده، ويده إلى عنقه، وعنقه إلى حبل، والحبل إلى وتد، والوتد إلى حائط، والحائط إلى ناكر ونكير وتصلية سعير".
هكذا يندفع في هجومه على حاكم مصر والأجانب فيها بشكل عام. ولكن هل يسلم الشعب المصري الذي ينصره الشدياق ويدافع عنه من النقد والسخرية هو الآخر؟ لقد عاب الشدياق على المصريين أخلاقا وعادات كثيرة، ولعله من أوائل من أشاروا إلى "خضوع" الشعب المصري، هذه الصفة التي اختلف فيها المؤرّخون فيما بعد، وحاول بعضهم اتخاذها أساسًا في فهم التاريخ المصري، فقال: "وأعجب من ذلك أنّ كثيرًا من رجالها ليس لهم قلوب. وقد عوّض الواحد منهم عن قلبه بكتفين وظهرين وأربع أيدي وأربع أرجل". كما لاحظ الشدياق أنّ من أمراض المصريين الاجتماعية تعاطيهم الحشيش، واعتبر ذلك محاولة للهروب من الواقع، تمامًا كما يرى الباحثون العصريون، إلا أن له في ذلك تحليله الخاص وأسلوبه الساخر أيضًا: "ومن ذلك أن كثيرًا من أهلها يرون أن كثرة الأفكار في الرأس يكثر عنها الهموم والأكدار أو بالعكس [.. ] فمن ثم اصطلحوا على طريقة لتوقيت جريان العقل في ميدان الدماغ حينًا من الأحيان، ليتوفر لهم في غيره، وذلك بشرب شيء من الحشيش أو بمضغه أو بالنظر إليه أو بذكر اسمه. فحين يتعاطونه تغيب عنهم الهموم ويحضر السرور، وتولّي الأحزان ويرقص المكان، فمن يرهم على هذه الحالة ودّ لو يكتب في زمرتهم، ويدخل في دائرتهم، ولو كان قاضي قضاة".
كما عاب على أهل الإسكندرية بخلهم، ورأى أنهم تعلّموه من الأجانب "أصحاب هذي البرانيط"، وانتقد الزيارات الاجتماعية بينهم حيث ينضمّ من يعرف المضيف ومن لا يعرفه، وسخر من أطبّاء ذلك الزمان، ومن كتابة الأقباط التي "لا تقرأ إلا إذا أدخلها الإنسان في عينه"، مستخدمًا في كل ذلك أسلوبه الساخر وفكاهته الذكية كما رأينا فيما تقدم.
كذلك فإن إقامة الشدياق في مالطة لم تطبْ له، كما يبدو، فمقت أحوال شعبها وأحواله وأخلاقه بشكل عام، فغالبًا ما يرد ذكر مالطة والمالطيين على سبيل السخرية والتقريع. كره الشدياق في أهل مالطة لغتهم، حتى كنّى عنها بالبخر فقال: "ومن خصائصهم أيضًا انهم يتكلمون بلغة قذرة طفسة منتنة بحيث أن المتكلم يشتمّ منه رائحة البخر أول ما يفوه. والرجال والنساء في ذلك سواء، فإذا استنكهتَ امرأة جميلة وهي ساكتة نشيتَ منها عرفًا ذكيًا، فإذا استنطقتها استخالت إلى بُخُر".
ويكثر الشدياق من نقد أهل مالطة لتهوّسهم في الدين وإجلالهم للقسيسين، فكأني به لم يشفِ غليله كل ما رمى به رجال الدين في وطنه من سخرية وتقريع، فجاء إلى مالطة يتابع خطّته في نقدهم وتجريحهم بنفس الأسلوب ونفس السخرية: "وسيقانهم [القسيسين] مغطاة بجوارب سود، والظاهر أنها عظيمة لأن جميع القسيسين في هذه الجزيرة معلّفون سمان [...] وإنما يجب على القسيسين أن يلبسوا سراويلات قصيرة مزنّقة حتى يمكن للناظر أن يتبيّن ما وراءها". أما حماس أبناء مالطة في الدين فقد استطاع أن يقلبه إلى مسبّة، ويسخر منه كما سخر من عادات أخرى ذمّها فيهم: "حتى أن الزواني في هذه الجزيرة متهوّسات في الدين، فإنك تجد في كل بيت واحدة منهن عدّة تماثيل وصور لمن يعبدونه من القديسين والقديسات، فإذا دخل إلى إحداهن فاسق ليفجر بها قلبتْ تلك التماثيل فأدارت وجوهها إلى الحائط لكي لا تنظر ما تفعله فتشهد عليها بالفجور في يوم النشور". حتى النساء في مالطة، والمرأة شغله الشاغل، يختلف زيّهن في رأيه عن سائر نساء البلاد المشرقية والمغربية: "ولأن كثيرًا منهن لهن شوارب ولحى صغيرة ولا يحلقنها ولا ينتفنها، وقد سمعتُ أن كثيرًا من الإفرنج يحبّون النساء المتذكّرات، فلعل هذا الخبر الغريب بلغ أيضًا مسامعهن".
أما في لندن وباريس فقد وجد الشدياق الحال تختلف عنها في مالطة. رأى بلادًا راقية متحضّرة، وشعوبًا واعية مثقفة في المدن خاصة. أعجب الشدياق بمظاهر الحضارة الغربية في هاتين المدينتين، وأعجب ببعض أخلاق أهلها فنوّه بذلك أيضًا: "ومع ذلك فهم [لإنجليز] ذوو محامد شهيرة وفضائل كثيرة ليست في غيرهم من الإفرنج، منها إنجاز الوعد وصدق الوفاء في الحضرة والغيبة، وتوفية أجر من يعمل لهم ومراعاة حرمته".
إلا أن الشدياق لم يعجب بأخلاف الفرنسيين والإنجليز جميعها، ولم تبهره الحضارة الأوروبية إلى درجة يرى معها كل ما في باريس ولندن معقولا ومقبولا، وخصوصًا حين أخذتْ عينه النقّادة تتفحص أحوالهم الاجتماعية وتتحرى طباعهم وأخلاقهم. لقد ظل الشدياق الذي طاف أوروبا بلباسه التركي وبطربوشه على رأسه، ينظر إلى كثير من الأمور الاجتماعية نظرة الرجل الشرقي الصميم، ولذا فقد نقد كثيرًا من أخلاقهم ومواضعاتهم الاجتماعية حين عرضها على معاييره الشرقية، وطبيعي أن يقدّم نقده هذا مشوبًا بالسخرية والمجون.
عاب عليهم البخل مثلا، وقد عابه على أهل الإسكندرية الشرقيين قبلهم فكيف بهؤلاء الغربيين؟ وصف كيف دعي إلى مأدبة غداء في بيت أحد الإنجليز في جزيرة مالطة، وأبطأ أهل البيت في تقديم الطعام فقال: "فلما صارت الخامسة أطنّ جرس الأكل ليجتمع المتفرّقون من أهل البيت، كما هي العادة عند ذوي العيال من الإنجليز، ثم مضت ساعة وأعيد إطنان الجرس وما زالت الساعة تمضي حتى نجزت الساعة الحادية عشرة، وفي خلال ذلك كانت الأم تتفقّد المطبخ وتُسارّ البنات كأنما نزل بهن نكبة البرامكة [..] ثم نهضا [الفارياق وزوجته] ومسّيا على صاحبة البيت، وركبا في زورق، ودخلا البلد عند نصف الليل، فتعشّيا في بعض المطاعم عشاء في ضمنه غداء".
عاب عليهم الشدياق كذلك علاقة المرأة بالرجل، والحرية التي تتمتع بها المرأة في هذا المجال، فرأى الباريسيات مثلا يتحكّمن برجالهن: "ومن ذلك تحكّمهن على الرجال وتعززهن عليهم في كل حال وبال، فترى الرجل يماشي المرأة وقلبه بين رجليها". وعن دلال الباريسيات قال: "ولا يزلن طوال الدهر وحامًا ولا حبل". أما علاقة الفتيات بالشباب، والحرية التامة التي يمارسونها في علاقتهم ببعض فقد أثارت الشدياق الشرقي أكثر من أي شيء آخر، فقال في وصف باريس: "فترى للواحدة منهن عدّة عشّاق تواصلهم في أوقات مختلفة من الليل والنهار، ومع ذلك فلا تزال تلقب بدموازيل، وهي كلمة تطلق على الأبكار على وجه التعظيم، ومعناها سيدة غير ذات بعل. ومنهم من يتصدّى لمعرفة هؤلاء البنات من المراقص، فيعمد الرجل إلى بنت ويدعوها للرقص، فإذا أعجبته وأعجبها دعاها للشراب في موضع مخصوص في المرقص، وعقد عليها عقد الزيارة الشهري، ومن عامل واحدة منهن مشاهرة لم ينفقْ عليها نصف ما ينفقه لو قضاها على كل مرة على حدتها".
إن علاقة المرأة بالرجل في باريس لفتتْ نظر الشدياق وأثارت حفيظته، ومن ثم سخريته، أكثر من أي أمر آخر. أما في لندن فقد أثاره إفراط الإنجليز في التأدّب في الحديث والمجالسة والمجاملة في الكلام، واعتبره نفاقًا اجتماعيًا، وخصّه بسخريته في أكثر من موضع. يقول مثلا في نصائحه لزوجته في كيفية معاشرة الإنجليز: "وكلما رأيت شيئا في بيوتهم من أثاث وغيره فاستحسنيه واعجبي به فقولي وأنت مدهوشة: آه ما أجمل هذا، آه ما أجمل ذاك، ما أبهى هؤلاء. ما أملح تلك، ألا ما أذكى مراحيضكم وأشذى بواليعكم وأنقى مرافقكم وآنق متاعبكم وأنظف أعتابكم ووصدكم وأبهج نفقكم وسربكم. فهذه هي الذريعة التي يتذرّع بها الغرباء لاستجلاب مودتهم وكسب رضاهم [...] ثم ينبغي لك إذا دعينا إلى وليمة عند أحد أكابرهم أن تأكلي هنا من قبل أن تذهبي، فإن المدعوين لا يأكلون عند آدبهم حتى يشبعوا، ولكن يشبعون حتى يأكلوا".
ومثل هذه السخرية من تأدّب الإنجليز المفرط كثيرة في الفارياق، فانظر مثلا قصيدته كاملة في وصف مأدبة إنجليزية، وقد أوردنا بعضها في الفصل الثاني خلال حديثنا عن الشعر في الفارياق. كما نقد مدرّسي اللغات في جامعاتهم ومعاملة رجال الجمارك للمسافرين وتفتيشهم حقائبهم وأجسامهم، وكل ذلك بهذه السخرية وهذه الروح التي رأيناها آنفًا.
هكذا عرضنا لمعظم المواضعات التي تناولها الشدياق بسخريته. لقد كان الشدياق ثائرًا فعلا، ثار على النظام الاجتماعي والسياسي في وطنه، وعلى الأمراء ورجال الدين بوجه خاص، أما في البلاد التي زارها في رحلته الطويلة فقد عرض لأخلاق شعوبها وأوضاعهم الاجتماعية، ونقد كل ما لم يعجبه، وفي نقده جميعه، وما أكثر هذا النقد، وجد الشدياق في السخرية خير وسيلة يعبّر بها عن سخطه ورفضه، حتى كانت السخرية، كما قلنا، سمة بارزة في أسلوب الفارياق تجعل صاحبها من كبار الأدباء الساخرين عند العرب.
[ يتبع: " فنّه في السخرية"]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع