الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة العاملة ..وطموح حزبها السياسي ..!!

هادي فريد التكريتي

2006 / 5 / 1
ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية


تحتفل البشرية التقدمية ، سنويا في كل أرجاء العالم ، بعيد الطبقة العاملة ، في الأول من أيار ، الذي أسس بداية وحدتها وصمودها أمام استغلال راس المال ، ووحشيته التي تميز بها ، على امتداد تاريخ صراعه الدامي ، بينه وبين الطبقة العاملة ، وبهذه المناسبة نزف للطبقة العاملة في كل مكان ، وللعربية على وجه الخصوص ، التهاني متمنين لها ، ولحلفائها ، وللأحزاب التي تنطق باسمها التوحد والتآخي ، لتحقيق ما تهدف وتطمح له وإليه .
ما كان للطبقة العاملة في أي مكان من العالم ، أن تحرز تقدما في نضالاتها ضد سلطة رأس المال المحلي ، ومؤسسات سلطة الدولة القمعية الممثلة له ، لو لم تبادر إلى تأسيس حزبها السياسي الذي يجسد أهدافها ويقود نضالاتها ، ليس من أجل تحقيق شروط افضل في ميدان العمل ، بل من أجل إقامة نظام حكم تتسيده ، وسلطة عمالية واعية بمسؤولياتها أما المجتمع ومؤسساته ، تقضي على كل استغلال تتعرض له . تحقق للطبقة العاملة الروسية هذا الهدف ، بثورة أكتوبر الروسية ، وتسنم الحزب الديموقراطي الاشتراكي الروسي قيادة المجتمع ، بقيادة لينين ، وتأسيس أول دولة عمالية ، تتبنى فكر وأهداف الطبقة العاملة . كانت التجربة رائدة ، ولأول مرة في التاريخ البشري ، يتحقق حلم لطبقة عاملة ، متحالفة مع طبقات المجتمع الفقيرة والمسحوقة ، بإقامة دولة للعمال والفلاحين ، كابدت البشرية قبلها آلام الظلم والقهر المليئة بالأحزان .
انتصار ثورة أكتوبر بقيادة حزب عمالي ، يتبنى الفكر الاشتراكي والماركسي ، مناهضا لرأس المال وجبروت دولته الاستعمارية ، وداعما لحركات التحرر العالمية ، من أجل نيل شعوب المستعمرات حريتها واستقلالها ، ساعد هذا الموقف على تأسيس أحزاب شيوعية في بلدان مختلفة ، تبنت أهدافا وطنية ، تنسجم ومرحلة تطورها ، وقدرتها على حسم الصراع مع الاستعمار ، من أجل استقلالها وتحررها الوطني .
في بداية العشرينات من القرن الماضي ، وعلى هدى ثورة أكتوبر ، تأسست أحزاب شيوعية ، في المنطقة العربية ، فلسطين ومصر وسورية ، تنطق باسم الطبقة العاملة ، متبنية النظرية الماركسية ، فكرا وأسلوبا ومنهجا ، في نشاطها الفكري والسياسي ، بغض النظر عن حجم وسعة الطبقة العاملة وتأثيرها الفعلي ، التي كانت آنئذ في بدايات تشكلها ونهوضها ، باستثناء مصر التي سبق وأن تأسست فيها مؤسسات صناعية ، وتنظيمات لنقابات عمالية سبقت الدول العربية ، كما تأسس الحزب الشيوعي العراقي في فترة متأخرة بعض الشيء ، عن بدايات تأسيس هذه الأحزاب .
الهدف البعيد ، غير المعلن ، من تأسيس أحزاب شيوعية باسم الطبقة العاملة ، هو بناء سلطة باسم الطبقة العاملة وتطبيق برامج حكم اشتراكية ثم شيوعية ، هذه هي الرغبة والطموح ، إلا أن الواقع الفعلي للنضال فكان من أجل إصلاحات ديموقراطية تتمثل ، بجلاء الجيوش الأجنبية عن الوطن ، والتأسيس لحكم وطني ، بإقرار دستور يضمن حقوق المواطن وحريته ، ويقر الحريات الديموقراطية ، بما فيها تشكيل الأحزاب السياسية ، وتحقيق الاستقلال الناجز ، وإلغاء المعاهدات الاستعمارية غير المتكافئة ، وقد صاغ الحزب الشيوعي العراقي شعاره العتيد ، والذي لا يزال يتصدر جريدته المركزية ، " وطن حر وشعب سعيد " ملخصا أهدافه المرحلية التي يناضل من أجلها ، وفق ظروف آمنة ومستقرة ، إلا أن كل الحكومات المتعاقبة على دست الحكم العراقي ، لم يكن يعنيها أمرا من حرية الشعب واستقلال الوطن ، بقدر ما كان يعنيها تحقيق مصالحها الفئوية الضيقة ، المرتبطة بدوام الأجنبي وتحقيق أهدافه ومطامعه الاقتصادية والسياسية .
تحقيق الاشتراكية والشيوعية ، لم يكن هو ما يشغل بال هذه الأحزاب في الظروف الحالية ، خصوصا بعد فشل التجربة السوفيتية ، وتفتت الأحزاب الشيوعية ، وظهور الكثرة من المنظمات التي تدعي تمثيلها للطبقة العاملة ، فما يشغل بال الأحزاب الشيوعية العريقة والقديمة ، وما تريد تحقيقه الآن ، هوالعودة على بدء الأيام الأولى لتشكيلها ، بعد الانكسارات والهزائم التي لحقت بالمجتمعات العربية ، جراء أنظمة حكم غير ديموقراطية ، قومية وطائفية ، قادتها ، ولا زالت تقودها ، بإمعان اضطهادها للحركة السياسية الوطنية عامة ، والشيوعية خاصة . فما تناضل من أجله الأحزاب الشيوعية حاليا ، يتمثل بإنجاز الثورة الوطنية والديموقراطية ، وتنفيذ برنامج وطني ، تساهم فيه كل القوى السياسية ، الوطنية والديموقراطية ، يقوم على رسم وتطبيق خطط وطنية طموحة ، كفيلة بتحرر المجتمع اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا من تبعية الأفكار القومية ـ العنصرية والشوفينية ، وغلو أفكار التخلف الدينية ـ الطائفية ، التي أوجدتها برامج تلك الأنظمة المعرقلة لأي تطور أو تقدم .
الأحزاب الشيوعية العربية ، وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي ، منذ ولادته وظهوره على المسرح الوطني والسياسي ، ناهضته حكومات معادية لكل تقدم وتطور ، وتحالفت ـ هذه الحكومات ـ مع فئات قومية ـ عنصرية ودينية ـ طائفية ، رجعية وعميلة للاستعمار ، سلطت عليه سطوة إرهابها ، فقمعت كل نشاط علني له ، ديموقراطي وسلمي ، وحرمت أعضاءه من كل حرية وحق ، وشوهت إعلاميا أفكاره ومبادءه وأهدافه السياسية والوطنية ، وأقدمت على إعدام مؤسسيه ، وطاردت قياداته وكوادره ، وأوغلت في جرائمها ضده ، بأن هاجمت حتى السجون التي يقبع فيها العزل من أنصاره ومؤيديه ، لذا نشأ حزب شيوعي مقموع ، ملاحق ومضطهد ، يحمل هموم مجتمع متخلف على كل صعيد ، ويتبنى فكرا سياسيا طموحا ، لطبقة عاملة وليدة ، لما تكتمل بعد ملامح نشأتها ونضجها ، لتشكل طبقة عاملة وفق المفهوم الماركسي ، من حيث عدم اتسامها بسمات الوعي الطبقي ونضجه سياسيا ، وعدم تبلور شعورها بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها ، وضعف تقبلها للتنظيم الواسع والمركز ، ورخاوة انضباطها لحداثة تشكلها ، فظروف نشأتها ، وحزبها الذي يمثلها ، لم يمرا بمراحل طبيعية للولادة والنشوء والتطور ، ولم تتح أمام الكثير من كوادرهما القيادية فرصة لتلقي تعليم عام ، حتى بالمستوى الابتدائي ، ناهيك عن دراسة نظرية متخصصة ، أو ممارسة عملية في العمل والتنظيم ، ولم ينعما طيلة فترة الحكم الوطني والقومي بهبة ريح من رياح الديموقراطية ، ولم تخرج قياداتهما ، الملاحقة والمطاردة من قبل السلطة ، من مخابئهما السرية ، إلا لقيادة فعاليات سياسية أو نقابية معارضة ، أو مقبوضا عليهما ليستقرا في غياهب السجون والمنافي . هكذا كانت هي النشأة الأولى لكليهما ، بعد أن ُسدت دونهما منافذ العمل العلني والقانوني ، والحيلولة دون ممارسة أي نشاط ديموقراطي سلمي وسوي ، وبدلا من هذا كله ، مارست السلطات المتعاقبة ، أساليب قمعية وإرهابية وحشية ، أثرت سلبا على نشوء وتربية الكادر ، النقابي والحزبي ، وتدرجهما السلمي والعلني والديموقراطي ، في القيادة وتحمل المسؤوليات ، مما كرس أوضاعا شاذة في تربية الكادر وتدرج القيادة ، وأساليب اتخاذ القرارات ، يتربع عليها شخص واحد لعشرات السنين ، تؤيده وتحيطه شلة وفق معطيات عنصرية ـ انتهازية وغير مبدئية . هذا الوضع تشترك فيه وتتشابه كل أحزاب دول المنطقة ، مما ألقى بظلاله ، على قراراتها السياسية ، ومواقفها الفكرية التي اتسمت بالانعزالية واليسارية والمتطرفة حينا ، والانتهازية اليمينية والذيلية حينا آخر ، مما أجج صراعات دموية مع أنظمة الحكم المحلية ، ومع القوى القومية والوطنية والديموقراطية الأخرى . هذه الصراعات أثر سلبا على سياسة هذه الأحزاب الشيوعية ، وبنيتها التنظيمية ، بحيث جاءت برامجها وأهدافها المرسومة ، التي تناضل من أجلها ، مرتبكة في توجهاتها ، وغير واقعية في قراراتها ومواقفها ، ولا تعبر عن روح الظرف الذي يمر به البلد المعني أو المنطقة .
جاء إعلان الحرب الأمريكية على العراق واحتلاله ، جريمة إنسانية بكل المقاييس ، على الرغم من أنها أودت بسقوط نظام قومي ـ فاشي ، مكروه من قبل كل الشعب العراقي ، وأمريكا بجريمتها هذه أعادت الصورة البشعة في الذاكرة العراقية لاحتلال العراق من قبل القوات العسكرية البريطانية قبل أكثر من تسعين عاما ، إلا أن الاحتلال الأمريكي ، هو الأكثر بشاعة وتخريبا للعراق من سلفه البريطاني ، لذا فالمهام النضالية المطروحة أمام الشعب العراقي بكل فصائله وقواه السياسية ، وبضمنها الحزب الشيوعي العراقي ، تتمثل من جديد بمهام مرحلة تحرر وطني ، إقامة حكومة وحدة وطنية عراقية ، قوية وفاعلة ، من كل الأحزاب الوطنية والديموقراطية ، دون محاصصة طائفية أو قومية عنصرية ، تأخذ على عاتقها إقرار سلم وطني واجتماعي لمكونات الشعب العراقي ، والبدء بتوفير الحد الأدنى من العيش والكرامة والحرية للمواطن ، وبناء وإعادة بناء ما خربه النظام الساقط والاحتلال ، للبنى التحتية ومؤسسات الدولة ، والتعجيل بإنهاء الاحتلال للعراق في اقرب فرصة ممكنة ، وخروج القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معه ، بأسرع وقت ، ومقاومة ضغوط الشركات الأمريكية ، والمتعددة الجنسيات لعقد اتفاقيات جائرة مخصصة لنهب ثروات العراق الطبيعية .
الحكم القومي الفاشي الساقط ، نتائجه كانت مدمرة لقوى المجتمع والوطن ، والاحتلال الأمريكي عمق شكل الخراب في الوطن ، وقوى الإرهاب ، من قومية ـ عنصرية ، وتكفيرية دينية إسلامية متشددة ، وإسلام طائفي ، شيعي ـ سني ، يقود ويؤجج ، الصراع القومي ـ الطائفي على السلطة ، كل هذه القوى مجتمعة ، تسببت في تخريب المجتمع وحياة المواطن ، وهددت ولازالت ، تهدد أمنه وسبل عيشه وحياته ، والكثير الكثير من الحقوق ، والمطالب الإنسانية والمعاشية اليومية ، تراجعت نتيجة لهذا الواقع ، مما اضطر الحزب الشيوعي ، لأن يتراجع عن الكثير من منطلقاته الفكرية وبرامجه السياسية التي أقرتها مؤتمراته السابقة ، فحماية المواطن ، حياته وأمنه ، وتوفير لقمة عيشه ، أصبحت مطلبا ملحا ، وشعارا رئيسيا يناضل الشعب و الحزب من أجله ، مطالبين سلطة المحاصصة الطائفية والقومية ، وقوات الاحتلال الأمريكي وحلفاءه ، العمل على إنهاء هذا الواقع اللاإنساني الذي يعيشه المواطن العراقي ، فشعار حياة المواطن وحريته طغت على كل شعار وهدف ..!
29 نيسان 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة مؤثرة تتهافت عليها شركات صناعة السيارات العالمية | عالم


.. عريس جزائري يثير الجدل على مواقع التواصل بعد إهداء زوجته -نج




.. أفوا هيرش لشبكتنا: -مستاءة- مما قاله نتنياهو عن احتجاجات الج


.. مصدر لسكاي نيوز عربية: قبول اتفاق غزة -بات وشيكا-




.. قصف إسرائيلي استهدف ساحة بلدة ميس الجبل وبلدة عيترون جنوبي ل