الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مسرحيتين لفيليمير لوكيتش

صباح هرمز الشاني

2019 / 5 / 3
الادب والفن


في مسرحيتين لفيليمير لوكيتش

صباح هرمز

1- الحياة المديدة للملك أوزوالد:

كتب هذه المسرحية اليوغسلافي فيليمير لوكيتش عام 1963، الى جانب تسع مسرحيات أخرى، حيث كتب مسرحيته الأولى (أغنية صيف) عام 1960، وآخر مسرحية عام 1970 بعنوان (والموت يأتي الى لمنو). وحصل بها على جائزة الأكليل الذهبي بمهرجان المسارح الصغيرة والتجريبية. وتتكون من إحدى وعشرين شخصية، إلآ أن ستا منها فقط تلعب دورا جوهريا في رسم أحداثها، وهي الملك أوزوالد، الملكة كونستانسا، أيميليا (أبنتهما)، دومينيك(أبنهما)، رومان عشيق الملكة، والجنرال جيرار. وتنقسم الى ثلاثة فصول، موزعا الفصل الأخيرعلى مشهدين .وتدور أحداث الفصل الأول في ردهة القصر في إحدى المدن الخيالية، بدون الأشارة الى أسم المدينة، أي (المكان) ولا الى فترة وقوعها (الزمان)، حيث يجري الحوار بين حارس الملكة والملازم الأول كريستيان القادم من الحرب، من عند الملك لنقل أخباره الى زوجة الملك (كونستانسا)، ليجد نفسه محظورا على اللقاء بها، ذلك أنها في كل غسق ، تذهب الى غرفتها وتظل بها حتى منتصف الليل. وحينذاك يحظر على أي إنسان أن يزعجها أو أن يقترب من عتبة غرفتها. ويخبره الحارس، عليه الأنتظار لحين خروجها بعد منتصف الليل من غرفتها، ليبلغها برسالته.
وبعد ساعة من الأنتظار، حيث تخرج الملكة، يكون كريستيان خلال هذه الفترة، قد عرف من الحارس كل ما يدور في القصر. وعندما تفطن الملكة، أن الحارس قد نقل أسرار القصر الى كريستيان، تأمرهما تقديم نفسيهما لقائد الضباط لينالا جزائهما، وهو الحكم عليهما بالأعدام.
ولأن الملكة عرفت من كريستيان، أن زوجها سيعود بعد حين الى المدينة، تضع بالأتفاق مع عشيقها (رومان) خطة لقتله، وهي ارتداء رومان، أثر القضاء على الملك، حلته الرسمية وشاراته الملكية، أثناء إستقباله للوزراء وقادة الضباط الكبار، بدعوى أنه لمجرد ارتداء أي شخص هذه الحلة الرسمية ووضع تلك الشارات، فلن يلاحظ أحد أنه ليس بأوزوالد. ولكن العقبة الوحيدة التي تقف أمامهما، هي أميليا ودومينيك اللذان سيتعرفا على وجه رومان على أنه ليس أبيهما .
يشبه هذا المشهد الأستهلالي الى حد كبير بالمشهد الأستهلالي لمسرحية (رومولوس العظيم) تأليف فريدريش ديرنمات. إذ كلا الموفدين الحربيين، (كريستيان) و(أسبوريوس). الثاني من قبل(أورستيس) القائد الأمبراطوري، والأول من قبل الملك، ضابطان في الجيش، ويحملان معهما أخبارا عن الحرب، ويلقيان نفس المعاملة من الحراس، وهي حظر لقائهما بالملك والملكة، وإقترن هذا الحظر بنفس الأسباب، وهي إن كانت ظاهرا تجنبا لأزعاجهما، إلآ أنها في الحقيقة، إشباعا لنزواتهما، الملكة لخلوها مع عشيقها (رومان) ورومولوس عبثيته مع ضجيج الدجاج وأسماء بيوضها الدالة على قادة جيوشه، وكلا الأمرين يفضيان الى نفس النيجة، وهي دمار المدن الخيالية في الحياة المديدة للملك أوزوالد، ودمار الأمبراطورية الرومانية في رومولوس العظيم. ويأتي حظر كريستيان اللقاء بالملكة، من قبل الحارس، خوفا من أن يلقى نفس مصير أنطونيو الذي كان قبله حارسا للملكة، وهو الأعدام، لأنه أصيبت في أحد الأيام أبنة الملكة بأزمة مرضية حادة، فهرول الحارس مستنجدا بوالدتها، فاتحا باب غرفتها على مصراعيه. ومن يومها لم يره أحد، مع تسعة أشخاص آخرين، لا لأنهم رأوها مع عشيقها رومان، بل لأنهم عرفوا ما الذي رآه أنطونيو، والوحيد الذي ما زال باقيا على قيد الحياة من بين الأشخاص العشرة الذين يعرفون هذه الحقيقة هو الحارس فقط.
وينزع المؤلف الى التلميح، وتكرار مفردة (رآى) لعشر مرات، أي بعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم، بفعل رؤيتهم أو معرفتهم، لأيصال معلومة خيانة الملكة للملك، ومثلهما، مثل تكرار مفردة رآى، وعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم، تدوم الحرب عشر سنوات، متمثلا هذا التلميح في مفردة (أترى) التي تترك أنطباعا لدى المتلقي، تتجاوز نقل معلومة الخيانة الى تجسيدها كفعل، أي جعل الكلمة صورة، ولعل إقتران هذه المفردة بجملة (أنه ذلك الباب العلوي ذو الضلفتين)، يضاعف من مصداقية تجسيد هذه الصورة، عبر إنفتاح الباب على مصراعيه، ورؤية ما يحدث، أو هذا ما يترآى للمتلقي.
ولم يكتف المؤلف التلميح بمفردة رآى، وأستعان بمفردة أخرى، وهي (الروح)، تعزيزا لأيصال معلومة الخيانة الى كريستيان عن طريق الفلسفة، بأعتباره دارسا لهذه المادة، من خلال تفسير، وجود شخص بمفرده من المغرب وحتى منتصف الليل، إنطلاقا من عدم أعتباره وحيدا، خاصة وأن الأرواح تهيم بالقصر، مع أن الأرواح غير موجودة، حسب وجهة نظر الفلاسفة، إلآ أنه يمكن أن يكون متواجد شخص يريد أن يكون روحا لكي لا يكشف أمره.
كما أن قتل الملك أوزوالد، بعد عودته من الحرب منتصرا، من قبل رومان، عشيق الملكة، يشبه الى حد كبير بمقتل (أغاممنون) في مسرحية (ألكترا) لسوفوكليس) أثر إيابه من حرب طروادة فائزا، بتآمر زوجته وعشيقها(أيجستوس) وقتله في حفل أقيم لأستقباله، وكان لأغاممنون مثل أوزوالد، أبنة وأبن. الأبن يدعى (أورستيس) والأبنة (ألكترا) التي أستطاعت من إنقاذ شقيقها الطفل، عبر فراره مع مربيه، بعكس دومينيك الذي فر وحيدا، وترك شقيقته تحت رحمة والدته لتصاب بالجنون أو هكذا وصمتها.
وبعد أن يهتدي كريستيان الى قصدية الحارس، عبر تلميحه الى مفردتي رآى والروح، يسعى الى معرفة المزيد عن أسرة الملك، وبالأخص ما يتعلق بأبنه (دومينيك)، وأبنته (أيميليا)، لأنهما أقرب شخصين الى والدتهما ولا بد أن يعرفا كل شاردة وواردة عنها. ويخبره بأن أبنه قد هرب بعد أن علم بأسرار القصر، بينما أبنته مسها جنون. ولعل خشية الحارس من أن يلقى نفس مصير أنطونيو، تتحول مفردة رآى الى (لم ير)، ولكن رغم ذلك، فأن هذه الجملة، تكسب ذات معنى (رآى) من خلال تنسيب ما رآه أنطونيو الى الأشخاص التسعة الذين أعدموا.
يقول الدكتور جمال السيد، مقدم ومترجم هذه المسرحية: ( أن هذه المسرحية تعد من أفضل مسرحيات ف. لوكيتش، فهي تمتلك جميع خصائص العمل المسرحي الذي يسمو الى الكمال من الناحيتين الدرامية والفكرية)1.
كما يقول في مكان آخر من تقديمه هذا، ما يشبه نفس الكلام السابق، على أن المؤلف: (سيطر على جميع العناصر التي تشكل البناء الدرامي للعمل المسرحي)2.
قد أتفق معه من الناحية الفكرية التي يشير إليها، ولكنني لا أتفق من الناحية الدرامية. من الناحية الفكرية لأنه أستطاع أن يلقي الضوء على عنصر السلطة من خلال التعويل على التأريخ الذي يجعل منه جسرا لحركة شخوصه مستوحى من الماضي لقراءة الحاضر، أي بالرغم من أنه يتحدث على لسانها بأسم الملوك والحروب، إلآ أنه يهدف، ومع أن هذا العنصر يمكن تعميمه على كل الأنظمة الدكتاتورية، الى الفترة التي كتبت فيها هذه المسرحية.
ويوظف الكوميديا بالتهكم على زيف ودجل الملوك والقادة في الفصل الثالث بمشهديه الأول والثاني بحرفية الكاتب الذي يجيد استخدام هذا النمط من الفن المسرحي، سيما في المشهد الثاني، حيث تتحول ثياب الملك الرسمية الى كائن حي، وهي إشارة واضحة الى أن مثل هذه الأنظمة لن تتخلى عن دكتاتوريتها، وستظل تفرض سلطتها على رقاب الشعوب التي ترزح تحت سيطرتها الى الرمق الأخير من حياتها.
ولا أتفق معه من الناحية الدرامية لثلاثة أسباب، أولا لأنه بالغ في رسم شخصية الملكة بخلوها من حنان الأمومة. والسبب الثاني لخشية الحارس بوح أسرار الملكة لكريستيان، الموفد الحربي للملك، وجرأته ببوحها والملكة ماثلة أمامه، والسبب الثالث في تعارف أميليا ودومينيك على وجه رومان على أنه ليس والدهما. مبررا الدكتور جمال السيد السبب الأول فقط، دون أن ينتبه الى السببين الآخرين، بخلو شخصيات المسرحية من العاطفة، الى سلب المؤلف لهذه الغريزة منها، لكي يعرضها في صورتها الحقيقية، وكان هدفه في هذا واضحا: أن اللغة التي تتحدث بها شخصياته هي لغة العرائس المتحركة، وإذا ما أصبحت مشاعر هذه الشخصيات حقيقية فأنهم سيتصرفون بواقعية أكثر . .
وبرغم اتفاقي مع الدكتور، بأن مشاعر الشخصيات إذا ما أصبحت حقيقية فانهم سيتصرفون بواقعية أكثر. بالرغم من ذلك، فأن تصرفات هذه الشخصيات بحاجة الى مسوغات مقنعة، لأن كاتب هذه المسرحية ليس بصدد كتابة نص طليعي أو( لا معقول)، وإنما بصدد نص واقعي، وحتى النصوص التي تنتمي الى مسرح العبث، لا تخلو من عنصر الأقناع. ولعل إفتقار شخصياته الى هذا العنصر، جعل البناء الدرامي للمسرحية مفككا وغير متماسك. ذلك أن هذه المسرحية واقعية، وتبعا لذلك فأن الشخصية، تتحرك بنفس الأتجاه، أي وفق الدواافع النفسية والمبررات.
ويتضح عدم إقناع الأول هذا في التناقض الظاهر، في بناء كره الزوجة لزوجها على أساس عدم تفقد الزوج لأبنتهما أثناء مرضها، وأمتداد هذا الكره الى أميليا ودومينيك، ليخلو هذا الربط بين الأثنين بأي صلة لطبيعة الشخصيات، عبردوافع سلوكها وتصرفاتها، وإن كانت تحب زوجها قبل وفاة أبنتهما، هذا الحب الذي أرتاب بأمره، ذلك أن البغض قد يؤدي الى الخيانة، ولكن الأم التي تضحي بزوجها من أجل أولادها، من الصعب جدا، أن لم يكن مستحيلا أن تكره أولادها بالصيغة القاسية التي صورها المؤلف .
إن الأم التي تكره زوجها، لأرتكابه بحقهم خطأ، فمثل هذه الأم لا شك، تحب أولادها حدا لا يوصف، إذن فالسبب الحقيقي ليس لأن أبنتها توفيت، وأن الأب أخطأ بحق أولاده، عليه راحت تكره زوجها ومن ثم أولادها، بل لأن الغريزة الجنسية لديها كانت أقوى من عاطفة الأمومة، وأن زوجها غاب عنها عشر سنوات، ولأنها بحاجة الى رجل، والعائق الوحيد للحيولة بينها وبين الرجل هو أبنها وأبنتها، فما كان عليها لتحقيق هدفها، إلآ أن تروج على إصابة ابنتها بالجنون، وتضيق الخناق على ابنها ليتخذ قرار الفرار. والمرأة الشبقة والتي لا تفكر إلآ بالجنس، قد تتسم بهذه الصفات. والملكة هي فعلا كذلك، بدليل إنها تذهب الى غرفتها من الغسق ولا تخرج منها الى منتصف الليل، وتعترف بأنها لا يعنيها إلآ ما يحدث فوق، في غرفتها وعلى سريرها، ولم تفكر في أي شيء خلال هذه السنوات العشر سوى في مقابلته.
نستنتج من كل هذا، أن دوافع شخصية الملكة غير واضحة، أو أن هذه الدوافع تتناقض مع تصريحاتها، فتصريحاتها في واد، وسلوكها الحقيقي في واد آخر، أو كما يقول سام سمايلي ( أن مفتاح دوافع الشخصية يجب أن يكون واضحا، ويسهم الوضوح والتعدد في الخصال الدافعية في تعمبق الشخصية، أو بتعبير أدق، هذه الخصال تجعل الشخصية مفهومة أكثر وصدقيتها أوضح)3.
ويتمثل السبب الثاني في خشية الحارس بوح أسرار الملكة لكريستيان، وجرأته ببوحها والملكة ماثلة أمامه، هذا التناقض في شخصية الحارس، هي الأخرى كشخصية الملكة، أدت الى فقدان سلسلة الحلقات المترابطة بالبناء الدرامي، وبالتالي عدم إنتماء هذه الشخصيات الى العقد السادس من القرن الماضي، حيث كتب هذه المسرحية، وإنما الى الفترات الذي كان فيه المسرح، أقرب الى الخيال منه الى الواقع.
الحارس: عدم اللباقة ثانية. هل نسيت أنه من المحظور قول كل شيء. .

كريستيان: كفى تخمينات. قدني الى الملكة.
الحارس: ولكن أنطونيو أيضا كان يفكر على هذا النحو.

كونستانسا(الملكة): لم يكن هناك أي شخص يحرس هنا قبلك.
الحارس: ولكن أنطونيو هو ذلك الحارس الذي أندفع الى حجرة جلالتك وهو يصيح بأن أيميليا تموت، ولهذا عاقبتيه جلالتك ثم أختفى دومينيك.
كونستانسا: أنطونيو في حجرتي. دومينيك أختفى!
الحارس: ولكني لم أختلق شيئا.
وكأن المؤلف في تزويد الحارس بجرعة منشطة، يحفزه لينطلق في حديثه مع الملكة بحرية تامة، ليقوده عنوة الى الموت.
والسبب الثالث، هو في تعارف دومينيك وأميليا على وجه رومان، على أنه ليس والدهما، بعد قتله وأنتحال شخصيته، دون الشخصيات القريبة من مجلسه كالوزراء والقادة الضباط والمستشارين.
رومان:ولكن مستشاريه وقادته سيلاحظون الخدعة .
كونستانسا:أنهم لا يعرفو ن معرفة جيدة إلآ شارات السلطة والحلة الرسمية ولا يحفظون الوجه . .
رومان: وماذا بشأن دومينيك وأميليا؟ أتعتقدين أنهما لن يتعرفاعلى وجه أبيهما؟ .
يبدو لي أن هذه المسألة بعكس ما يذهب إليه المؤلف، إستنادا على ما جاء في النص وعلى لسان الشخصيات. فالقادة الضباط، وخاصة الجنرال جيرار، بحكم مكوثه معه لعشر سنوات في الحرب، بوسعه معرفة وجه الملك أكثر من أي شخص آخر، تحديدا أكثر من دومينيك وأميليا، لسببين أولهما، أن الملك كان نادرا ما يلتقي بهما، بدليل أنه لم يزر ابنته أيفانا وهي على فراش الموت، فكيف وهم في صحة وعافية، وهذا ما جاء على لسان الملكة .

كونستانسا: ولم يأت لكي يلقي نظرة على أبنتنا أيفانا التي توفيت، ولم يذكر أسمها لعدة أيام قبيل رحيله.
بينما يأمر أوزوالد الجنرال جيرار أن يتحدث هو عن بطولاته بدلا عنه.
أوزوالد:ها هو جيرار فليحك هو.
وتأتي هذه الثقة بجيرار، نتيجة المعايشة الطويلة معه.
كما في تبليغ الحارس لدومينيك في بداية الفصل الثاني، بأن الملك في إنتظاره، والرد عليه بجملة: (وأخيرا مرة من المرات) دليل آخر على أن الملك أوزوالد، كان قليلا ما يلتقي بأبنه وأبنته. بالأضافة الى تأجيل رومان في نهاية الفصل الأول اللقاء بأميليا، كما كان يفعل والدها تماما، وهو حاليا كذلك، بمثابة والدها الملك، قائلا للجنرال جيرار:(سندع هذا اللقاء الى الغد).
والسؤال الذي يطرح نفسه بألحاح : إذا كان الجنرال جيرار أقرب الناس الى الملك أوزوالد، والحالة هذه هو أكثرهم تعارفا عليه، ولعل هذا السؤال يقودنا الى سؤال آخر. فأذا كان هو أكثر تعارفا، فلماذا لم يكشف عن الجريمة ؟ جريمة قتل الملك أوزوالد. ففي الأجابة على هذا السؤال الذي لم يكشف عنه المؤلف، تكمن حبكة المسرحية المبنية على إستلام السلطة عن طريق المؤامرات من لدن الضباط الكبار في الدولة، لبسط نفوذها على مرافق الدولة، ودخولها في حروب لا نهاية لها مع الدول المجاورة لها. وبمعنى أوضح، أن الجنرال جيرار على علم بكل ما جرى ويجري داخل القصر، إلآ أنه لا يعلن عنه، ربما لأنه يطمح، أن يعتلي العرش، وحتى إن لم يتسن له ذلك، أن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في القصر. ويتحقق له الوصول الى هذا الهدف، وها هو يحذر الملكة قبل نهاية المسرحية بقليل، من إتهامها بالخيانة العظمى، إذا ما تجرأت على القول، بأن الحلة الرسمية والملك والنياشين ليسوا شيئا واحدا.
ويحذرها للمرة الأخيرة، عندما تخبره بأنها تخاف أن تنام لوحدها، لأن الملك سيكون بجانبها وسينام في نفس السرير معها. كما أن مخاطبة الجنرال جيرار في المشهد الأول من الفصل الثالث لأعضاء المجلس في قاعة الأحتفالات بالقصر، بدلا عن الملكة، وعدم اعطاء الفرصة لأي عضو أن يبدي برأيه، بالتعبير عنه من خلاله، (خلال الجنرال)، دليل قاطع آخر، على أن جيرار، بالسكوت عن الجريمة، كان يسعى الى إعتلاء العرش، وقد تحقق له ما أراد، عبر الهيمنة على الملكة من جهة، وإرادة الشعب من جهة أخرى.
تدور أحداث الفصل الثاني في نفس المكان الذي دارت فيه أحداث الفصل الأول، وإذا كان في الفصل الأول الملازم كريستيان بأنتظار اللقاء بالملكة، مانعا إياه الحارس، كذلك في هذا الفصل، تنتظر أميليا اللقاء بالملك، ويمنعها الحارس، وأثناء الحوار الدائر بين الحارس وأميليا، يظهر الملك، ويأمر الحارس بأحضار دومينيك وحده ولا أحد سواه، وما أن تلتقي عينا أميليا برومان الملك، حتى تعرف بأنه ليس والدها، وعندما يحضر دومينيك، تخبره أميليا بذلك، وتحضه على الأنتقام لوالدهما، فيصعد دومينيك الى غرفته، ويقضي عليه خنقا، فتزج الملكة أبنها وأبنتها في السجن لمحاكمتهما.
وهذا الفصل كسابقه تعتوره، أشكالية عنصر الأقناع، وإيجاد الحلول السريعة والسهلة للخروج من المأزق الذي يضع فيه المؤلف شخصيته، وهنا تبرز إشكالية التعارف من قبل أميليا على رومان، على أنه ليس والدها من خلال الأعتماد على الحدس تارة، وعدم اليقين تارة ثانية، وعما رواه لها دومينيك عن منظره في النور، وهو في سريروالدتهما تارة أخرى. لتتوصل عبر هذه التكهنات، إن أمها وعشيقها رومان قد قتلا والدها، ومن ثم لتسرد لدومينيك، كما لو كانت في قلب الحدث، شروعا من عودته من الحرب، ومرورا بأنتظارهما له في القصر وقتله، وإنتهاء بأرتداء رومان حلة والدها الملكية.
ويشتغل المؤلف على هذه الحبكة ليمهد السبيل أمام دومينيك وأميليا الأنتقام من رومان. ناسيا أن الملكة تفقد تلك الصلات الطبيعية التي تربطها ؟بإبنها وإبنتها، وأنها ورومان لا يسمحان لأي شخص زيارتهما إلآ بموافقتهما، فأنى بدومينيك وهو المنبوذ بالنسبة إليهما، أن يقتحم مخدعهما، ويرى فعلتهما الشنيعة في النور، ويستخدم المؤلف هنا مفردة (النور) لمجرد إقناع المتلقي، بأن ما شاهده دومبينيك لا غبار عليه، وبالغ الدقة، والأدهى أنها رأته مرة واحدة وفي الظلام، وحفظت شيئا بشكله، وكان دومينيك قد رواها عنه.
وتدور أحداث المشهد الأول من الفصل الثالث في قاعة إحتفالات القصر، والمشهد الثاني منه في حجرة الأستقبال الخاصة بالملكة. وإذا كان المشهد الأول، يسعى الى تعرية النظام الدكتاتوري الذي يتحلى بها الأنظمة الأشتراكية، عبر شخصيتي الملكة والجنرال جيرار، فأن المشهد الثاني، يذهب وبطريقة كاريكتيرية الى الأبقاء على هذا النظام، وديمومة الحياة فيه، من خلال الأحتفاظ بالملابس العسكرية للملك أوزوالد، والتعامل معها من قبل السفراء والأحتفالات الرسمية، كما لو كان الملك أوزوالد ما زال على قيد الحياة.

2- المؤامرة:
كتب هذه المسرحية عام 1973، أي بعد عشر سنوات من كتابة مسرحية (الحياة المديدة للملك أوزوالد)، وحصل بها على جائزتين: جائزة الأديب ستريا وجائزة الأديب ماردين درجيتش. وتتكون من أربعة مشاهد وسبع شخصيات هي: ميليخ، كلوتيلدا، تيجلين، بروكول، ستسسيفين، نيرون، أيبيهاريدا. وتقع أحداثها في روما خلال حكم نيرون. المشهد الأول في منزل ستسيفين، والثاني والثالث والرابع في قصر نيرون، وتدور حول المؤامرة التي ينوي (ستسسيفين) القيام بها مع ثلاثة من أصدقائه هم: بيسون، لوكان، وناتاليس، ضد نيرون. ويتنصت (ميليخ) الساكن في دارستسيفين مع زوجته(كلوتيدا) اللذان كانا عبدين فيما مضى عنده، الى الحوار الدائر بينه وبين أصدقائه الثلاثة، ليطلع على تفاصيل المؤامرة، التي من المزمع قيامهم بها. فيخبر ميليخ زوجته بأمرها التي تدفعه للأبلاغ عن مرتكبيها، للحصول على مكافأة من نيرون، والأنتقام من ستسيفين الذي كانت تحبه، إلآ أن الزوج، يرفض خيانة ستسيفين، لما قدمه له من خدمة كبيرة في تحريره من العبودية، ويقتنع في النهاية وتحت إصرارها، إفشاء هذا السر الخطير لنيرون ومدير شرطة الأمبراطور تيجلين. ولا يتوانى تيجلين، إستثمار هذا الخبر لصالحه وصالح نيرون بالقضاء على أعدائهما، وبالتالي على كل الذين ساهموا بنقل خبر المؤامرة إليه.
مثل مسرحيته السابقة، (الحياة المديدة للملك أوزوالد)، يعتمد لوكيتش على التأريخ في رسم الشخصيات وإستنباط الأحداث منه، تجنبا للوقوع في المباشرة، لصلة تلك الأحداث والشخصيات في الوقت الراهن، وإن كان مكان وزمان هذه المسرحية، معروفين لدى المتلقي، وهما في عهد نيرون، و في مدينة روما، إلآ أن أحداثها يمكن أن تجري في أية دولة من دول العالم التي تنجب أفرادا، تقهر شعوبها من أجل تفردها وإستحواذها على السلطة.
يقول الدكتور جمال الدين السيد: ( عند كتابة هذه المسرحية أعتمد لوكيتش على الكتاب الخامس عشر من الحوليات التي كتبها المؤرخ اليوناني(تاستس كورنيلوس)، حيث تصف أنهيار مؤامرة جرت عام 65 ميلادية ضد نيرون وقد أيد هذه المؤامرة بشكل متعجل أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان والجنود وكذلك النساء بسبب كراهيتهم لنيرون وتعاطفهم مع جاي بيسون الذي كان على رأس المؤامرة ولم يظهر في المسرحية)4.
تتوزع شخصيات هذه المسرحية المتكونة من سبع شخصيات، على ثلاث مجموعات، وهي:
1- مجموعة نيرون المتكونة منه ومن تيجلين فقط، 2- مجموعة ستسيفين ومع ثلاثة من أصدقائه الذين لا يظهرون في المسرحية، والمتكونة من أربعة أفراد، والمجموعة الثالث أربعة أفراد أيضا، وهم، ميليخ، زوجته كلوتيلدا، بروكول، وأبيهاريدا.
وإذا ما سعينا فرز أنتماءات هذه المجموعات كلا على حدى، وطبقا لتأييد المؤامرة من قبل مجلس الشيوخ والفرسان والجنود والنساء والتي جرت ضد نيرون عام 65م، لوجدنا أن المجموعة الأولى تمثل السلطة، والثالثة تمثل الشعب، والثانية معارضة للسلطة. ورغم أن المجموعة الثانية تعارض السلطة، إلآ أنها لا تختلف كثيرا عن نيرون، بالأستيلاء على دست الحكم، بحكم صداقتها مع نيرون، وبأعتبارها من أشراف البلد ونبلائه، وكذلك المجموعة الثالثة، تتوق للسلطة، ولكن مستواها الطبقي الأدنى من المجموعة الأولى والثانية لا يسمح لها أن تتحرك أكثر من حجمها ومكانتها، سواء كان ذلك من قبل ميليخ أو بروكول. كما أن المجموعات الثلاث تشترك في سمة واحدة، وهي سمة الخيانة. فأذا كان نيرون يخون شعبه بقهره، فأن تيجلين يسعى بالألتفاف على نيرون، بأستلام السلطة منه، وستسيفين يخون صديقه (نيرون) بالتآمرعليه، وميليخ يخون ستسيفين سيده الذي أنقذه من العبودية بأفشاء سر المؤامرة التي تنصت عليها لنيرون. وبهذا القدر أو ذاك، فأن الثلاث ينشدون السلطة .
وأنا أقرأ هذه المسرحية، ذكرتني أحداثها وشخصياتها بالأوضاع والظروف التي مر بها العراق، إبتداء من حكم عبدالكريم قاسم، ومرورا بصدام حسين، وإنتهاء بعد سقوط بغداد، ذكرتني بمحاولة عبدالسلام عارف الفاشلة بالتآمرعلى قاسم وهوصديقه ونائبه وشريكه في ثورة 14 تموز التي قلبت النظام في العراق عام 1958من النظام الملكي الى الجمهوري، كما وذكرتني بدكتاتورية صدام حسين وهو يحكم العراق بقبضة من حديد لثلاثين سنة خلت, متبعا سياسة ترهيب الشعب من خلال بث الجواسيس في كل شارع وزقاق وبيت تقريبا، وزج معارضيه في غياهب السجون، أو تعذيبهم بوحشية الى أن يلقوا حتفهم، ويتبع أساليب أقسى، عندما يتعلق الأمر لمجرد أختلاف الرأي معه، وليس معارضته، أو التآمرعليه، أحدا من رفاقه، أو مجموعة منهم، وهي أعدامهم، بعد محاكمتهم بشكل صوري، كما حدث عام 1976. كما وذكرتني في وقتنا الحالي بمساهمة الشعب نفسه، في خلق مثل هذه الأنظمة الدكتاتورية، عبر أختيار ممثليه بقطعة بطانية.
وتنطبق أحداث وشخصيات عام 1958على ستسيفين وجماعته، وأحداث وشخصيات عام 1968 على نيرون، وأحداث وشخصيات، عقب سقوط بغداد، على ميليخ وزوجته كلوتيلدا وبروكول وأيبيهاريدا.
إن البناء الدرامي لهذه المسرحية في وتيرة تصاعده، وأنتقاله من فعل الى آخر، وإن بدا أكثر نضوجا، ومسوغاته أكثر إقناعا من مسرحيته السابقة (الحياة المديدة للملك أوزوالد)، وعلى نحو خاص في مشهدي عدم قتل ستسيفين لميليخ، وبالتالي قضاء نيرون على كل الذين شاركوا بالمؤامرة والذين، كشفوا عنها وبلغوا عن أبرز قيادييها. إلآ أن هذا البناء في بعض المشاهد الأخرى، ظهر مهزوزا، وتفتقر شخصياته الى مسوغ الأقناع.
يمر الأنتقال بعدم قتل ستسيفين لميليخ، عبر فعلين، أولهما، لأن قتله يؤدي الى فشل المؤامرة المزمع القيام بها، وبالمقابل لا بد من الوشاية بأمر المؤامرة من قبل ميليخ وزوجته، لأنهما أصبحا في موقف مزدوج. وثانيهما لأن ستسيفين شاهد ميليخ الجزع على وجهه وأدرك أنه قلق من أجله. ومرد توظيف هذين الفعلين هو للأنتقال الى فعلين آخرين، وهما أن يتواصل ستسيفين في تنفيذ المؤامرة، وينصرف ميليخ وزوجته الى الأبلاغ عن المؤامرة. وبقدر نجاح مبررات الفعل الأول للأنتقال الى الفعلين اللاحقين، كونها تخمينات لا تخلو من المنطق لأصطدام الشخصية بموقف حرج، غير أن الفعل الثاني المتمثل بالجزع الباني على وجه ميليخ، ليدرك ستيفنسين، أنه قلق من أجله، مسوغ يفتقر أبسط مقومات الأقناع، ذلك أنه من الصعب جدا، لا بل من المستحيل، أن تقرأ ما في النفس البشرية. صحيح أنه كان يستمع الى الحوار الدائر بين ميليخ وزوجته، ولكن إيمان ميليخ بفشل مؤامرتهم، لا يفضي الى نفس المعنى الأول الذي أقتنع به ستيفنسين، وهذا التناقض، يؤكد عليه المؤلف بنفسه، في الحوار الدائر بين بروكل وتيلجين، عندما يرد الأخير على بروكول الناس يسمعون الكلام ولا يعلمون هل هو كاذب أم حقيقي. فليس لأحد الوقت لكي يحدق في النفس والأفكار.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف أستطاع ستيفنسين، أن يقرأ ما بداخل ميليخ، بينما تيلجين لم يستطع أن يقرأ ما بداخل بروكول ؟!.
بينما من المفروض، أن تكون هذه المسألة بعكس ذلك، إذا ما حاولنا إجراء وجه المقارنة بين شخصيتي ستيفنسين وتيلجين. إن مهمة ستسيفين في هذه المؤامرة، ليس أكثر من قيامه بتوجيه الضربة الأولى لنيرون، الى جانب موقفه البطولي في نهاية المسرحية، بطعن نفسه بالسيف. وإن دل هذا على شيء، فأنه يدل على أن هذه الشخصية، تتحلى بالشجاعة، وفي كلا الموقفين، في طعن نيرون، وطعن نفسه. والرجل الشجاع ليس بالضرورة عارفا ما في النفوس. ولكن الرجل الذي يشتغل في سلك الشرطة، وبأرفع منصب، وبحكم عمله، لابد أن يكون أدرى ما في النفوس، قياسا بغيره .

الفعل الثاني:
ستسيىفين: لقد رأيتك وأنت تنصت على حديثي مع ناتاليس من وراء الستار. وأردت أن أقتلك ولكني وأنا أنظر أليك بتمعن شاهدت الجزع على وجهك وأدركت أنك قلق من أجلي. وفهمت أنك تؤمن بفشل عمليتنا وأنك جزع من أجل حياتي. وهذا هو الأمر الوحيد الذي يجعلني مطمئنا في هذه المدينة الجهنمية: هذا القليل من الوفاء الذي رأيته في أغوار بؤرة عينيك الوجلتين.
الفعل الأول:
ميليخ: هنا لا يوجد قرار، سأصمت.
كلوتيدا: ولكن ألا ترى أننا وقعنا في فخ مزدوج.
ميليخ: أرى والأكثر من ذلك أنني أعلم.
كلوتيدا: فأفعل شيئا.
ميليخ: الموت موجود في بداية ونهاية هذا القرار.
الحوار الدائر بين بروكول وتيلجين المتناقض مع الفغل الثاني:
بروكول: سيدي أنا تابع لنيرون ولك. وما يثرثر به لساني الثمل ليس هو حقيقة قلبي وعقلي.
تيجلين: الناس يسمعون الكلام ولا يعلمون هل هو كذب أم حقيقي. فليس لدى أحد الوقت لكي يحدق في النفس وفي الأفكار.
يتبع لوكيتش تقنية الأيحاء في بناءه الدرامي الذي يعتمد على التكرار، بشقيه المتوقع وغير المتوقع، موظفا إياهما في الثيمة الجوهرية للمسرحية القائمة حبكتها على فشل المؤامرة.
ويأخذ هذا المنحى قسطا وفيرا من حجم المسرحية، يشرع من بدايتها، ولا ينتهي إلآ في ختامها.
وأول من يوحي أو يلمح الى فشل المؤامرة، هو ميليخ، عندما يؤكد الى عدم نجاحها، وتؤيده زوجته على ذلك. وتتكرر مفردة (لا تنجح) أربع مرات في صفحة واحدة. وتأتي هذه المفردة، حتى على لسان ستسيفين، موجها أياها لميليخ، بعد أن رآه ينصت على حديثهم حول المؤامرة. وقبل نهاية المشهد الأول، تأتي مرة أخرى على لسان ميليخ، بتأكيده على خسارة ستسيفين تماما، وبهذا فهي تتكرر ست مرات في المشهد الأول.
وإذا كانت الأيحاءات الستة الآنفة الذكر، تنضوي تحت لواء الفعل الدرامي المتوقع، فأن الخمسة المتبقية، تنضوي تحت لواء الفعل الدرامي غير المتوقع، والمقرون بالسخرية.
ويطلق أول من يطلق، هذا النمط من الأيحاء هو تيجلين، ساخرا من ميليخ، لجعله قائدا لسرية الحرس الأمبراطوري، بأمر من نيرون، وإعتبار تقليده هذا المنصب منة، تعقبه سلسلة من المنات الأخرى. ونفس الشيء بالنسبة لكلوتيدا، وهو يوعدها بأن نيرون، سيختار لها الحلى في الوقت الحالي. وتتكرر سخريته لكلوتيدا مرة أخرى، عندما تطلب منه الأنصراف، ليرد عليها قائلا: أجل في الحقيقة لا. أبقي هنا، ستحضرين أحداثا طريفة. من المؤكد أنه بعد كل هذه الجهود والمخاوف يلزمك قليلا من التسلية أيضا. ولا يتوانى تيجلين من السخرية من كلوتيلدا للمرة الثالثة، عندما يسألها عن عدم إعجابها أن تحيا في قصر نيرون، لأنها تعيش فيه بسرعة مضاعفة، والمرة الرابعة وهو يقول لها: ربما سيحقق نيرون رغبتكما. أنتما الأثنان تحت حمايته.(يقصد هي وزوجها).
بقدر وضوح هوية حكام روما، ومنحاهم التسلطي المتمثل في شخصيتي نيرون وتيليجين، بنفس القدر يلف الغموض هوية المتآمرين ومنحاهم بأستلام السلطة المتمثل في خمس شخصيات، لا يظهر سوى شخصية واحدة، وهي شخصية ستسيفن، والشخصيات الأربع الآخرى هم:بيسون ، ولوكان، وناتاليس، وسنيكا. ولا يعرف المتلقي عن ستسيفين، سوى إنه كان صديقا لنيرون، وحارب الى جانبه، وبيسون زعيما للمتآمرين، ورجل مدلل، بالأضافة الى إمتلاكه موهبة التمثيل وتلاوة الشعر، ولوكان شاعرا وسنيكا يقف وراء كل شيء ووراء الجميع، وكان مدرسا لنيرون. بأختصار أنهم من أشراف روما، ولا يمثلون الطبقة الدنيا من أبناء الشعب، وإنما الطبقة الحاكمة.
والسؤال الجدير بالأجابة عليه هنا، هو ما جدوى القضاء على نيرون إذن؟
يجيب الدكتور جمال الدين السيد عليه قائلا: (لقد سيطرت على ستسيفين حالة نفسية عجيبة فهو لم يعد يميز الماضي من الحاضر والحاضر من المستقبل. وكان يعتقد إن الطبيعة على صواب في وجود معيار إلهي للعدالة والأنتقام)5.
وقبل أن أناقش هذا الرأي، أود أن أعرج على ما جاء في حوار الشخصيات التي تؤكد ما أذهب إليه، في أن كلا الفريقين، ينحدران من طبقة واحدة، وهما ليسا (جلاد وضحية) كما يقول الدكتور جمال الدين السيد.
قد تفسر عبارة كلوتيدا : (فما يزيد عن نصف سكان روما يحلمون بقتل نيرون)، قيام المتآمرين بتغيير النظام من أجل الشعب. يضيف رد ميليخ عليها: (ولكن ما قالاه ليس بحلم فحسب). وبقدر ما جاءت هذه العبارة تعزيزا للعبارة الأولى، أي تغيير النظام من أجل الشعب، بالقدر ذاته، أكتنفها الغموض. لأنها أنتهت عند هذا الحد. وأضافت عليها مفردة(فحسب)، معنى آخر، يفوق الحلم، وهذا المعنى يتضح لاحقا، وهو أنجذابهم الى السلطة. ولعل عودة كلوتيدا الى ماضي ستسيفين، وهي تتحدث الى زوجها، قصة بيعها له، وكيف كان يرقد عاريا، وبدا لها، أنه أشبه بمجنون، وظل يجامعها لأيام وليال الى أن شبع، فعرضها عليه، أي الى زوجها. لعلها من خلال فهمها للتركيبة التي تنبني عليها طبيعة ستسيفين، ترى بخلو أي فارق بين تيجلين و ستسيفين، وما بين بيسون ونيرون. ذلك من وجهة نظرها كلهم طغاة وقتلة ومتشابهون. والفارق فحسب في ضخامة القوة. والأمر في الحقيقة يتعلق بذلك. وعبارة( والفارق فحسب في ضخامة القوة)، تؤكد هي الأخرى، انجذاب الأنقلابيين الى السلطة، أكثر من إنجذابهم للشعب. وبمقابل منحى شخصيات المتآمرين، والصفات السلبية التي تتحلى بها، وتجعلها تلتقي مع طبيعة تركيبة الحكام، تبرز لديها مجموعة من الصفات والمواقف التي تؤهلها للقيام بهذا التغيير من أجل خلاص شعب روما من ظلم نيرون. وتقف في مقدمتها، تحرير ستسيفين ميليخ من العبودية، وعدم تنازله لنيرون بأعلانه في مجلس الشيوخ، بأن ستيسفين قد كشف عن المؤامرة، وانه عاون بحماس في إخمادها. أما لوكان الشاعر، فكما يبدو لأنه كان لا يكتب القصائد التي تمتدح القصر، بل القريبة من معاناة أهل روما، فقد منع عليه نيرون أن يقرأها أمام الملأ ، لذا فقد كان يقرأها لأصدقائه. بينما سنيكا، فبالأضافة الى ثقافته الواسعة وحبه للشعر، عبر مدح قصائد لوكان، فهو شجاع ولا يهاب الموت. ولعل الغموض الذي أشرت أليه في هوية المتآمرين، الكامن في التناقض القائم في رسم معالم وأبعاد شخصياتها. مقابل وضوح الشخصيات الحاكمة، وأنصهار مجموعة كلا الفريقين في بودقة واحدة، تصبح المهزلة كما يقول جمال الدين السيد: (شكلا دراميا مثاليا من أجل السمو الأخلاقي للشخصيات الموجودة بالعالم المسرحي لفليمير لوكيتتش، ومن أجل التناسق الموجود بين الشخصيات وبين العالم، وهو تناسق يتحقق في مسرحيات لوكيتش عن طريق منحها الصلابة الداخلية والتماسك والترابط)6.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف